رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الروح القدس كنز الصلاح
يصعب عليَّ جدًا أن أكتب عن عمل الروح القدس في حياة الناس. أولًا: لأن أعماله فائقة للوصف لا يُمكن التعبير عنها. يقدم لنا شركة فائقة مع الآب في ابنه، ويقدس نفوسنا على الدوام خلال تبكيتنا على الخطية والضعف، وتثبيتنا في الابن الوحيد الجنس monogenyc `Uioc، وإعلان مجد ابن الله فينا. ينطلق بنا كجناحيّ حمامة إلى السماويات، فينير بصيرتنا الداخلية، للتعرف على الأسرار الإلهية غير المدركة، واكتشاف الأمجاد الإلهية. يهبنا مواهب روحية لنموّنا الروحي، والشهادة للسيد المسيح والخدمة، مكرسًا القلب كمقدس إلهي للقدوس الخ. أمور عالية تعجز اللغات البشرية أن تتحدث عنها أو أن تحصرها في عبارات بشرية. ثانيًا: أن أعمال الروح القدس في حقيقتها هي عمل واحد متكامل لا يمكن تجزئته. هو اللهيب الناري الإلهي الذي يعمل بغير حصر أو حدود. ثالثًا: أن عمل الروح القدس في الحقيقة ليس منفصلًا عن عمل الآب أو الابن حتى وإن نسبنا لكل أقنوم عمله، إذ يقول القديس كيرلس السكندري: [أن التجديد في الحقيقة هو من عمل الثالوث القدوس، حتى وإن أظهرنا أننا ننسب لكل أقنوم على حده عملًا مما يحدث لنا أو للخليقة، ولكن علينا أن نؤمن أن كل شيء هو من الآب خلال الابن في الروح القدس [219].] يقول [220]Hussey أن هذه العبارة "كل شيء هو من الآب خلال الابن في الروح القدس" هي الختم الأصيل في كلمات كيرلس، يستخدمها في سياق حديثه عن الخلقة [221]، وفي دعوة التلاميذ [222]، وفي عطية عدم الموت [223]، وفي تقديس الحياة [224]، وفي كل ما يهبنا الله من الصالحات [225]... مكررًا إيّاها. هكذا يرى القديس كيرلس السكندري أن كل عطية إلهية، مقدمة لنا من الآب خلال أو بابنه الوحيد يسوع في الروح القدس. بمعنى آخر لا عطية بطريق آخر غير روحه القدوس. لهذا نصلي للروح القدس يوميا، قائلين: "أيها الملك السماوي المعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكان، والمالئ الكل، كنز الصالحات [226]..." لقد سبق فتحدثنا عن عمل الروح القدس فينا خلال مياه المعمودية، هذا الذي يعطينا بسخاء بلا حدود، إذ قدم لنا تجديدًا أو ميلادًا ثانيًا لنفوسنا ووهبنا روح البنوة لله وأنار نفوسنا. وفي سرّ الميرون قدم لنا ذاته نقتنيه داخلنا، كنزًا للصلاح وسرّ كل عطية إلهية صالحة في داخلنا. يتحدث القديس باسيليوس عن عمل الروح القدس فينا قائلًا: [بالروح القدس استعادة سكنانا في الفردوس، صعودنا إلى ملكوت السماوات، St-Takla.org Image: Saint Cyril the Great of Alexandria, Coptic pope, modern Coptic icon عودتنا إلى البنوة الإلهية،صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس البابا كيرلس الكبير بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية دالتنا لتسمية الله "أبانا"، اشتركنا في نعمة المسيح، تسميتنا أبناء النور، حقنا في المجد الأبدي، وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي [227].] ويحدثنا القديس ديديموس الضرير عن الروح القدس كسرّ كل صلاح فينا، إذ يقول: [الروح القدس بكونه الله يجددنا في العماد، وفي اتحاد مع الآب والابن يردنا من حالة التشوّه إلى جمالنا الأصلي، وهكذا يملأنا بنعمته، حتى أننا لا نقدر بعد أن نترك مجالًا لشيء لا يليق بحبنا. إنه يحررنا من الخطيئة والموت والأمور الأرضية، ويجعلنا روحيين، شركاء المجد الإلهي، أبناء الله والآب وورثته. يحولنا إلى صورة ابن الله ويجعلنا إخوته وشركاءَه في الميراث، فنتمجد ونملك معه. يهبنا السماء عوض الأرض، ويمنحنا الفردوس بيدٍ سخية، ويجعلنا أكثر كرامة من الملائكة، ويَطفئ لهيب نار الجحيم غير المنطفئ في المياه الإلهية لجرن المعمودية [228].] يكمل حديثه قائلًا: [عندما نغطس في جرن المعمودية فإننا بصلاح الله والآب وخلال نعمة الروح القدوس تنزع عنا خطايانا، إذ نلقي إنساننا القديم جانبًا، نتجدد ونُختم بقوته الملوكية. وعندما نخرج من الجرن نلبس المسيح مخلصنا، كثوب غير فاسد، فنستحق كرامة الروح القدوس الذي جددنا ووسمنا بختمه. فإنه كما يقول الكتاب المقدس: "إن كثيرين منّا إذ اعتمدوا في المسيح لبسوا المسيح" (غل 3: 27)... تسلمنا صورة الله ومثاله الأمر الذي فقدناه خلال الخطيئة، أما الآن فقد صرنا مرة أخرى كما كنّا قبلًا سادة نفوسنا وبلا خطيئة [229].] ويحدثنا القديس غريغوريوس النزينزي عن عمل الروح القدس في حياتنا كينبوع صلاحنا، قائلًا: [يدعى روح الله وروح المسيح... وهو نفسه الرب. روح البنوة والحق والحرية، روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله. إنه صانع كل هذه الأمور، يملأ الكل بجوهره، ويحوي كل الأشياء، يملأ العالم في جوهره، ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته. صالح ومستقيم، ملوكي بطبيعته وليس بالتبني. يقدس ولا يتقدس، يقيس ولا يُقاس، يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة. يملأ ولا يُملأ، يحوي ولا يُحوى، يورث ويمجد... مع الآب والابن. هو إصبع الله، نار كالله (الآب)... الروح الخالق، الذي يخلق من جديد بالمعمودية والقيامة. هو الروح العالم بكل شيء، يهب حيث يشاء، يرشد ويتكلم ويرسل ويفرز ويحزن، يعلن وينير ويحيي، أو بالأحرى هو ذات النور والحياة. يخلق هياكل ويؤلّه (يعطي شركة مع الله)، يهب كمالًا حتى قبل العماد (كما في حادث كرنيليوس أع 10: 9)، تطلبه بعد العماد كعطية.. يفعل فينا العمل الإلهي، ينقسم في ألسنةٍ نارية مقسمًا المواهب، يقيم الرسل والأنبياء والإنجيليين والرعاة والمعلمين. يُفهم بطرق متعددة، واضح، وينخس القلوب [230].] وفي حديث للقديس يوحنا الذهبي الفم يقول في عيد العنصرة يقول: [اليوم قد بلغنا إلى القمة ذاتها، إلى رأس الأعياد، وذلك تحقيقًا لوعد الرب القائل: "لأنهُ إن لم انطلق لا يأْتيكم المعزّي. ولكن إن ذهبت أرسلهُ إليكم" (يو 16: 7). انظروا قلقه علينا! تأملوا حنوّه غير المنطوق به! قبل هذه الأيام صعد إلى السماوات، وأخذ عرشه السماوي، واسترد مجلسه عن يمين الآب،وها هو اليوم يمنحنا حلول الروح القدس، وخلاله يقسم علينا آلاف المواهب السماوية الأخرى، لأنه أيَّة موهبة من بين المواهب التي تتمتع بها في خلاص نفوسنا لم ننلها خلال خدمة الروح؟! خلاله نتحرر من العبودية ونُدعى إلى الحرية! خلاله صرنا أولاد الله بتبنيه إيانا! وفوق هذا كلّه -إن أمكنني أن أقول- إننا قد تجددنا خالعين عنّا ثقل الخطايا الكريهة. خلاله نرى قدامنا طغمات الكهنة! خلاله يساعدنا معلمونا! فمنه ننال مواهب الإعلانات، ومواهب الشفاء، وكل المواهب الأخرى التي بها يزيّن الروح القدس كنيسة الله! هذا ما يعلنه الرسول بولس، قائلًا: "ولكن هذه كلُّها يعملها الروح الواحد بعينهِ، قاسمًا لكل واحدٍ بمفردهِ كما يشاءُ" (1 كو 12: 11)... خلال عطيته نتغيَّر من بشرٍ إلى ملائكة، هؤلاء الذين يشتركون معنا في التمتع بنعمته [231].] _____ الحواشي والمراجع: [219] In Loanis Evangelium 10. PG 74:336. [220] E. Edmund Hussey: The Persons-Energy Structures in The Theology of G.Palamas (St. Vladmir Theo. Quart 18-1-1974). [221] Contra Julianum 3. PG 76:649; De recta fide. PG 76:1204. [222] Adversus Nestorium 4:2. PG 76:180. [223] In Loan. Evang. 9. PG 76:280. [224] De SS. Trinitate dialogus 5. PG 75:1000. [225] De recta fida. PG 76:1272. [226] تسبحة الساعة الثالثة. [227] De Spir, Sanc. 15:35. [228] De Trinit. 2:12. [229] De Trinit. 2:12. [230] Oration 5 on the Holy Spirit, 29. [231] للمؤلف: الحب الإلهي، ص 835 الخ. |
|