المعمودية سرّ الاستنارة الروحية
في طقسنا المعاصر، قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد أو الفصح المسيحي، يُقرا الإنجيل الخاص بتفتيح عينيْ الأعمى في أحد التناصير، الأحد السابق لأحد الشعانين. وكأن العماد المقدس (التناصير) في حقيقته تفتيح لبصيرتنا الداخلية لمعاينة أسرار الحب الإلهي، فنقبل دخول المسيح نور العالم إلى أورشليمنا الداخلية لكي ننعم به بسرّ الفصح الحقيقي كسرّ استنارة يمس حياتنا الشخصية.
بهذا نفهم كلمات ربنا نفسه عن العماد المقدس، إنه بدونه لا نقدر أن نعاين ملكوت الله (يو 3: 3، 5)، أي بدونه لا تكون لنا البصيرة الداخلية المستنيرة التي تدرك ملكوت النور وتنعم به.
على ضوء هذا نفهم كلمات الرسول بولس في (عب 6: 4-6) أن "الذين استنيروا مرة [160]"، أي الذين نالوا سرّ العماد، وسقطوا لا يمكن تجديدهم مرة أخرى، أي لا تعاد معموديتهم، لأن المسيح يسوع قد صلب مرة واحدة ولا تكرار للمعمودية [161].
لهذا السبب دُعي عيد عماد السيد المسيح بعيد الأنوار، ولنفس السبب اعتاد المعمدون قديمًا أن يحملوا الشموع أو السرّج أو المشاعل بعد خروجهم من الجرن مباشرة.
* يسمى هذا الاغتسال -أي المعمودية- استنارة، لأن الذين يتعلمون هذه الأمور تستنير أفهامهم [162].
* تُغفر خطايانا بدواء عظيم، بمعمودية الكلمة. إننا بالمعمودية نتطهر من جميع خطايانا، ونصير في الحال مُبرئين من الشر. وهي بعينها نعمة الإنارة، حتى أننا لا نبقى بعد اهتدائنا (تغيير طريقنا) كما كنا قبل أن نغتسل، نظرًا إلى أن المعرفة تبزغ مع الاستنارة، وتضيء حول العقل، ونحن الذين كنا بلا معرفة أصبحنا في التوٍ متعلمين،هذه المعرفة التي قد أنعم علينا بها... لأن التعليم البديهي يقود إلى الإيمان، والإيمان يُلقَّن لنا بالروح القدس في المعمودية [163].
* إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى، وإذ نُتبنى نكمل... ويُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة اعني نعمة واستنارة وكمالًا وحميمًا... فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى الله بوضوح [164].
* بثلاث غطسات ودعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم لكي يتصور رسم الموت وتستنير نفوس المعمدين بتسليم معرفة الله [165].
* الاستنارة وهي المعمودية... هي معينة الضعفاء... مساهمة النور... انتفاض الظلمة.
الاستنارة مركب يسير تجاه الله، مسايرة المسيح، أساس الدين، تمام العقل!
الاستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة..
نحن ندعوها عطية وموهبة ومعمودية واستنارة ولباس الخلود وعدم الفساد وحميم الميلاد الثاني وخاتمًا وكل ما هو كريم [166].
القديس غريغوريوس النزينزي
* المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!
* المعمودية هي الطريق العظيم إلى بيت الملكوت، يدخل الذي يسير فيه إلى بلد النور!
* هذا الثوب الذي لبسته يا إنسان داخل المعمودية سداه نور، ولحمته روح، وهو لهيب. لقد أعده لك الآب، ونسجه لك الابن، وأحاكه لك الروح. في داخل المياه نزلت ولبسته إلهيًا. لقد قدم الثالوث النار بالمعمودية ليحرق الإثم ولكي تحيا النفوس مع الله [167].
_____
الحواشي والمراجع:
[160] يشير الرسول بولس عن المعمودية كاستنارة روحية في عب 2:6، 32:10..
[161] سنعود لتوضيح ذلك في نهاية الكتاب "الأسئلة".
[162] Apology 1:16.
[163] Kay’s Writings of Clement of Alexandria, p437.
القمص باخوم المحرقي (أنبا غريغوريوس حاليا): القيم الروحية.. في سرّ المعمودية، ص 47.
[164] Paed. 1:6.
[165] On The Holy Spirit 15.
[166] للمؤلف: الحب الإلهي ص 855-856.
[167] ميمر عن المعمودية المقدسة.