القرن العشرون
لست أقدم تاريخا للكنيسة القبطية في هذا القرن، وإنما أود تقديم بعض ملامح الكنيسة والأحداث الهامة التي مرت بها، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- خضعت مصر للاحتلال الانجليزي الذي كان من صالحه إيجاد فرقة بين عنصري الأمة والمسلمين والأقباط، لكن الأقباط أكدوا صدق حبهم لوطنهم، وكان لهم دورهم الحيوي الفعال في تحرير مصر من الاستعمار... لقد وجد من الطرفين من أساء فهم الآخر لكن العقلاء من العنصرين عملوا معا بروح واحد من أجل الوطن.
نذكر على سبيل المثال أن ويصا واصف كان عضوا باللجنة الإدارية للحزب الوطني، وقد وقف بعض كبار الأقباط يساندون مصطفى كامل في بعثة للحركة الوطنية ضد الاحتلال الانجليزي لكنه دعى لربط مصر بالخلافة العثمانية كنوع من الولاء للرابطة الإسلامية العامة، الأمر الذي أثار النفوس سواء من جهة المسلمين أو الأقباط.
قامت ثورة 1919 ضد الاحتلال الانجليزي على أكتاف المصريين جميعًا، مسلمين وأقباط، فتعرض الكل للنفي والسجن والتشريد، يقول الزعيم سعد زغلول في خطبته التي ألقاها يوم 19 سبتمبر سنة 1923 بأنه لولا وطنية الأقباط وإخلاصهم الشديد لتقبلوا دعوة الأجنبي لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدل النفي والسجن والاعتقال (1).
حينما صدر الحكم أمام محكمة عسكرية بريطانية في 9 أغسطس 1923 بطبع منشورين ضد الحكومة، كان الحكم ضد أربعة من الأقباط وثلاثة من المسلمين... لذلك يقول وليم ودل الأمريكي أن حماس القبط في المطالبة باستقلال بلادهم لم يكن بأقل من المواطنين المسلمين (2).
2- مع ما اتسمت به الكنيسة القبطية من صدق وطنيتها كانت بعيدة كل البعد عن الخط السياسي، فقد أمنت بعملها الروحي ورسالتها الإنجيلية لتخلق مؤمنا حيا ومواطنا صالحا. هذا ما يؤكده عقلاء المسلمين أنفسهم حتى حينما أتهم السادات قداسة البابا شنودة الثالث أنه يتدخل في السياسة، وأنه يريد أن يقيم دولة عاصمتها أسيوط داخل مصر... إذ لم يكن لهذا الاتهام أي أساس، بل هو بعيد تماما عن فكر قداسة البابا وفكر الكنيسة. لقد أراد أن يقيم نوعا من الموازنة بين الفكر الإسلامي المتطرف الذي تسلل إلى مصر وكان السادات نفسه يسانده حتى بدأ كرسيه يهتز فقام بالقبض على القيادات الإسلامية، كما قبض على القيادات المسيحية تحت هذه الدعوى.
لا أريد الدخول في تفاصيل أحداث سبتمبر 1981، لكن كل ما فعله قداسة البابا مع رجال الدين المسيحي هو مجرد توصيل صوت الأقباط نتيجة المتاعب التي لحقت بالكنيسة خلال تسلل أفكار التطرف الإسلامي. وما صحبه من متاعب عملية كإلقاء بعض قنابل في الكنائس وقتل بعض رجال الدين، وكانت الأيدي الغريبة تلعب دورا لإثارة الفتنة في مصر.
لقد اتهم السادات الكنيسة ظلما، ولم يمض شهرا على عزله للبابا وسجنه لسبعة أساقفة وواحد خورى ابسكوبس و24 كاهنا حتى قامت إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة بقتله وسط العرض العسكري (6 أكتوبر 1981).. بعد مقتله بدأت القيادات المسيحية والإسلامية تعود تدريجيا لتعالج ما قد بثه من روح الإثارة والكراهية... وقد خرج قداسة البابا من عزله وخرج رجال الدين المسيحي (ومعهم علمانيون) من السجن في عهد الرئيس حسنى مبارك.. وكانت كل دول العالم تتابع هذه الأحداث.
3- من أهم سمات الكنيسة القبطية في القرن العشرين هو ظهور مدارس الأحد على يدي الشماس حبيب جرجس، وقد دعيت بعد ذلك مدارس التربية الكنسية، وتخرج منها البابا شنودة والأساقفة والكهنة، وصارت تمثل الركن الأساسي في بنيان الكنيسة.
4- في القرن العشرين انفتحت الكنيسة القبطية على الكنائس في الخارج، فهي عضو عامل في مجلس الكنائس العالمي، وكثير من المجال الكنسية المسكونية مثل مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس كنائس كل أفريقيا... كما دخلت في حوار مع كثير من الكنائس، مثل الحوار بين الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية وغير الخلقيدونية.
5- مع أواخر الستينات بدأت حركة هجرة الأقباط إلى أمريكا وكندا واستراليا وقد تزايدت هذه الحركة جدا ولا تزال تتزايد بصورة لم تكن تتوقعها الكنيسة، بجانب الهجرة المؤقتة للعمل في أوروبا وبعض بلا د أفريقيا والدول العربية الخ... الأمر الذي يحتاج إلى دراسات مكثفة حتى يمكن للكنيسة الأم أن ترعى أولادها وتحتضنهم فيشهدوا للفكر الأرثوذكسي.
_______
1- الدكتور نقولا فياض: الخطابة 1930، ص 242.
2- مطبوعات جمعية مارمينا العجائبي بالإسكندرية: صفحة من تاريخ القبط 1954. ص 189.