رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأنبا ابرآم أسقف الفيوم من شخصيات القرن التاسع عشر 4- الانبا ابرآم أسقف الفيوم من شخصيات القرن التاسع عشر سمع الكاتب الانجليزي ليدر وهو في فرنسا عن أسقف مصري قديس، فأسرع بالسفر إلى مصر مع زوجته ليلتقيا به، وقد سجل لنا فصلًا كاملًا عن حياته، جاء فيه "هذا القديس الشيخ عرفه العالم الشرقي كله، وأدرك أنه الخليفة المباشر لسلسلة المسيحيين الأولين غير المنقطعة". وعبرت زوجته عن هذا اللقاء بقولها: "كنا في حضرة المسيح وامتلأنا بروح الله". نشأته ولد هذا القديس في جالاد التابعة لإيبارشية ديروط عام 1829 م من أبوين تقيين. وكان اسمه بولس غبريال، وقد حفظ المزامير ودرس الكتاب المقدس منذ طفولته، وإذ التهب قلبه بحب الله دخل دير السيدة العذراء مريم "المحرق" حيث رسم راهبا باسم بولس المحرقي عام 1848. ولما دعاه الأنبا ياكوبوس أسقف المنيا للخدمة حول المطرانية إلى مأوى للفقراء، وبقى أربعة أعوام رسم فيها قسا عام 1863. ولحبه في الرهبنة عاد إلى ديره حيث اختير رئيسًا للدير، فجاءه شبان كثيرون للتلمذة على يديه بلغ عددهم أربعون راهبا. لكنه إذ فتح باب الدير على مصراعيه للفقراء وسكب كل إمكانيات الدير لحساب إخوة المسيح ثار البعض عليه وعزلوه عن الرئاسة وطلبوا منه ترك الدير. طرد أبونا بولس وتلاميذه بسبب حبهم للفقراء فالتجأوا إلى دير السيدة العذراء "البراموس" بوادي النطرون، وهناك تفرغ للعبادة ودراسة الكتاب المقدس. وفى عام 1881 رسم أسقفا على الفيوم وبنى سويف والجيزة باسم الأنبا ابرام، فحول الأسقفية إلى دار للفقراء. صديق للفقراء خصص الأسقف الدور الأول من داره للفقراء والعميان والمرضى وكان يرافقهم أثناء طعامهم اليومي ليطمئن عليهم بنفسه. وكان إذ دخل عليه فقير مد يده تحت الوسادة ليعطيه كل ما يملك وإن لم يجد يعطه "شاله" أو "فروجيته"... وله في ذلك قصص مذهلة. مطرانية في السماء جاء عنه أن أعيان الإيبارشية رأوا المطرانية غير لائقة فاتفقوا معه على تجديدها وتوسيعها. وكانوا كلما جمعوا مبلغا من المال يسلمونه له، أخيرا جاءوا إليه يطلبون موعد للاتفاق مع المقاول على شروط البناء، فتطلع إليهم قائلا "لقد بنيت يا أولادي!! لقد بنيت لكم مسكنا في المظال الأبدية". استغلال عطفه من الروايات المتداولة بين معاصريه أن ثلاثة شبان أرادوا استغلال حبه للفقراء فدخل اثنان منهم يدعيان أن ثالثهم قد مات وليس لهم ما يكفنانه به، فلما سألهم الأب الأسقف: "هو مات؟!" فأجابوا: "نعم مات". ثم هز الأسقف رأسه ومد يده بالعطية قائلا: "خذوا كفنوه به". وخرج الاثنان يضحكان، لكن سرعان ما تحول ضحكهما إلى بكاء عندما نظرا ثالثهما قد مات فعلا. رجل الصلاة ذكر كثيرون ممن باتوا في الحجرة المجاورة لحجرته أنه كان يقوم في منتصف الليل يصلى حتى الفجر بالمزامير، وكان يقف عند القول: "قلبا نقيا أخلق فيّ يا اللَّه وروحا مستقيما جدده في أحشائي"، مرددا إياها مرارا بابتهالات حارة. وقد شهد الجميع أن صلاته كانت بروح وعزيمة قوية حتى في شيخوخته. قال مستر ليدر: "لم أسمع قط في حياتي صلاة كهذه، إذ أحسست بالصلة التي له بعرش النعمة التي تملأ الإنسان استقرارًا دائمًا. لقد بدا لي أن الأرض تلاشت تماما لكي تترك هذا الرجل في حضرة الله نفسه يتحدث معه بجلاء". إننا لا نبالغ إن قلنا أن مئات بل آلاف المعجزات تمت على يدي هذا الرجل وصلواته. نسكه كان بسيطا في ملبسه وفى مأكله يعيش بالكفاف، ضابطا نفسه من كل شهوة وفى أحد الأيام اشتاق أن يأكل "فراخًا" فطلب من تلميذه أن يطبخ له ذلك. فلما أعد الطعام قدّمه، فصلى الأب وطلب منه أن يحضره له في اليوم التالي. وتكرر الأمر في اليوم الثاني والثالث والرابع دون أن يأكل منه شيئا حتى فسد الطعام. حينئذ قال لنفسه: "كلى يا نفسي مما اشتهيت". اتضاعه يقول مستر ليدر: "تضايق عندما ألزمته بركوعي قدامه...". من عادته الجميلة أنه ما كان يسمح لأحد من الشمامسة أن يتلو عبارات التبجيل الخاصة بالأسقف عند قراءة الإنجيل، ولا كان يميز نفسه عن شعبه بل يجلس على كرسي عادى كسائر أولاده. وكان يسر بدعوة أولاده له: "أبينا الأسقف"، ولا يسمح لأحد أن يدعوه: "سيدنا". وعندما زار البرنس سرجيوس "عم نقولا قيصر روسيا" وزوجته مصر عام 1868 وسمعا عن القديس توجها لزيارته. اهتمت الدولة واستقبلته استقبالا رسميا وحاول أعيان الأقباط أن يشتروا أثاثا جديدا للمطرانية لكنه رفض نهائيا. ولما جاء الزائران وركعا على الأرض والأب جالس يصلى لهما بحرارة قدّما له كيسا به كمية من الجنيهات الذهبية، أما هو فاعتذر. وأخيرا أخذ جنيها واحدا وأعطاه لتلميذه رزق. وقد خرج الأمير من حضرته يقول أنه لم يشعر برهبة في حياته مثلما شعر بها عندما وقف أمام القديس العظيم الأنبا آبرام. أسقفا إنجيليًا يقول عنه الأنبا إسيذوروس أنه كان عالما في مواضيع الكتاب المقدس إلى درجة حفظه نصوصها عن ظهر قلب، وقيل عنه أنه كان يطالع الكتاب المقدس كل أربعين يوما مرة. وكان يجمع شعبه كل يوم للصلاة مساءًا مع دراسة الكتاب المقدس. إخراج الشياطين: قال الكاتب الانجليزي ليدر: "سلطان الأسقف في إخراج الأرواح النجسة جذب إليه كثيرون من أماكن بعيدة أكثر مما فعلته المواهب الأخرى التي اشتهر بها". نياحته قبيل نياحته استدعى القمص عبد السيد وبعض الشمامسة وطلب منهم أن يصلوا المزامير خارج باب غرفته وألا يفتحوا الباب قبل نصف ساعة... ولما فتحوا الباب وجدوا الأب قد تنيح في الرب. ومن المعروف أن الأستاذ سليم صائب حكمدار الفيوم قدى نادى زوجته يوم 3 بؤونة (1914) قائلا: "آه! يظهر أن أسقف النصارى قد مات... انظري الخيول وركابها المحيطين به وهم يصرخون "إكئواب، إكئواب"، ثم قام لوقته وقابل أحد المسيحيين وسأله عن معنى كلمة "إكئواب" eqouab، فأوضح له أنها تعنى بالقبطية "قدوس" وهى تسبحة السمائيين. إنه لا يزال ديره بالفيوم إلى يومنا هذا، الذي به رفاته، سّر بركة للكثيرين. |
|