رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي." (أشعياء 1:43) لا تخف فإني معك: يبدأ حديثه هكذا: "والآن هكذا"؛ كأن الله يريد أن يغير الصورة السابقة، صورة سبي الخطية المرّ، الذي أفقدنا البصيرة الداخلية وآذان النفس، وذلك بتقديمه غنى مواعيده الخلاصية وفيض نعمته الفائقة. الله يُريدنا أن نحوّل أنظارنا عن حالنا البائس أو عن التفكير فيما فعلته فينا الخطية متطلعين إلى الفادي والمخلص، حتى لا يُحطمنا اليأس بل نمتلئ رجاء. الآن ما هو دور الفادي المحرر من سبي الخطية؟ أ. الله الخالق وحده يقدر أن يُجدد الخليقة: "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل، لا تخف لأني فديتك" . حين أنكر آريوس لاهوت السيد المسيح ركز القديس أثناسيوس الرسولي في رده عليه بأن لاهوت السيد ليس عقيدة نظرية فلسفية إنما أمر يمس خلاصنا ذاته. لقد فسدت طبيعتنا البشرية تمامًا واحتاجت إلى الخالق ليخلص طبيعتنا الساقطة ويردها إلى أصلها، واهبًا إياها صورته، ومصلحًا إياها من الفساد إلى عدم الفساد؛ فيه تغلب البشرية الموت وتُعاد خلقتها كانت الحاجة ماسة إلى ابن الله الواحد مع الآب والمساوي له في الجوهر أن يُقدم نفسه ذبيحة قادرة على الإيفاء بدين خطايانا وتحقيق العدالة والرحمة الإلهية في ذات الوقت. أنه الله الغالب للشيطان لا لأجل نفسه وإنما باسم البشرية ولحسابها. أخيرًا بكونه الله الحق أعاد لنا كرامتنا، واهبًا إيانا النبوة للآب فيه بالروح القدس. يقول البابا أثناسيوس: [صار إنسانًا لنصير نحن آلهة [وإن كان يوجد ابن واحد بالطبيعة، ابن حقيقي وحيد الجنس، صرنا نحن أبناء ليس بالطبيعة والحق بل بنعمته التي تدعونا، وأن كنا بشرًا على الأرض لكننا دُعينا آله]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بسبب الحب أخذ جسدنا وتراءف علينا، ليس هناك سبب آخر لتجسده]، الله لم يُجازنا عن تعدياتنا الكثيرة التي اقترفناها ضده رغم إحساناته علينا، بل أعطانا ابنه. جعله من أجلنا خطية... تركه يُدان ويموت كملعون. الذي لم يعرف خطية جعله كخاطئ وخطية... إنه يشبه ملكًا يرى لصًا على وشك الاعدام، فيرسل ابنه الحبيب الوحيد، ينقل عليه الموت ذاته بل وخطا المجرم! هذا كله من أجل خلاص المذنب، ليرفعه إلى كرامة عظيمة]، [دفع السيد المسيح أكثر مما نستحق بمقدار ما يتعدى المحيط قطرة ماء]. بهذا نفهم الكلمات النبوية: "هكذا يقول الرب خالقك... لا تخف لأني فديتك" . ب. اهتمام شخصي من جانب المخلص نحو الإنسان؛ الله لم يخلق الإنسان ككائن وسط بلايين الكائنات التي أوجدها، إنما أعطاه اهتمامًا خاصًا كخليقة محبوبة لديه، يعرف الإنسان باسمه فيدعوه ويفديه ليكون له، أي لينعم الإنسان بالاتحاد معه. ما أجمل صوت الفادي حين يُناجي كل إنسان، قائلًا: "لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك أنت ليّ" سّر الفداء يكمن في حب الله الفائق، يُريدني له، وهو ليّ... يعرفني باسمي ويدعوني للدخول معه في علاقة حب فريدة. لا يطلب مني شيئًا بل يطلب كياني وقلبي وحبي، وأنا لا أطلب عطاياه بل شخصه وروحه القدوس وحبه! كأن الله هنا يتقدم كخالق ومخلص وعريس شخصي ليّ. * إلهي... إنني إذ أتأمل في ضميري، أراك ناظرًا نحوي دائمًا، ومتنبها إليّ نهارًا وليلًا بجهد عظيم، حتى كأنه لا يوجد في السماء ولا على الأرض خليقة سواي. * عيناك منجذبتان نحو خطوات البشر... إذ أنت مهتم بكل خليقتك، لا تحرم أحدًا من جبلة يديك عن فيض حبك! أنت بنفسك تهتم بخطواتي وطرقي ليلًا ونهارًا، تسهر على رعايتي، تلاحظ كل سبلي، لا تكف عن الاهتمام بيّ، حتى يمكنني أن أقول: أنك تنسى السماء والأرض وما فيهما، مركزًا اهتمامك بيّ، فتبدو كمن لا يهتم بخليقة سواي! * تسهر عليّ، وكأنك قد نسيت الخليقة كلها! تهبني عطاياك، وكأني وحدي موضوع حبك! * أنه لا يوجد قط شيء لا تعرفه... أفكاري ومقاصدي وأفراحي وأعمالي... ليس شيء من هذا غير مطروح أمام اهتمامك الأبدي! القديس أغسطينوس |
|