شهادة الهراطقة في بداية القرن الثاني الميلادي:
برغم خروج الهراطقة ككل عن الإيمان المسيحي وخلطهم للإيمان المسيحي بالفكر اليهودي غير الموحى به، وبالفكر الوثني، إلا أن شهادتهم لوحي الإنجيل وقانونيته لها قيمة عالية لأن هذه الجماعات خرجت، أصلًا، عن المسيحية وكان الإنجيل وبقية أسفار العهد الجديد هم قانونهم الأول (80) وقد بنوا أفكارهم، في أحيان كثيرة، على فهم خاطئ لآياته. وقد اكتشف لهم مؤخرًا في نجع حمادي أكثر من أربعين كتابًا تمتلئ بآيات من معظم أسفار العهد الجديد، خاصة من الإنجيل للقديس يوحنا، وكان على رأس الهراطقة الغنوسيين باسيليدس Basilides الذي كتب، كما يؤكد إكليمندس الأسكندري في فترة حكم الإمبراطور الروماني هادريان (117-139م) وقد اقتبس، كما يشير هيبوليتوس (81) من الإنجيل للقديسين متى ولوقا ويوحنا ومن رسائل بولس الرسول إلى كورنثوس (الأولى) وأفسس وكولوسى وتيموثاؤس (الأولى) ومن رسالة بطرس الأولى، ثم جماعة الأوفايتس Ophites (82)، والذي يعنى اسمهم "عابدو الحية" وكانوا أول من استخدموا كلمة "غنوسيين – Gnostics" وزعموا كما يقول هيبوليتوس أن عقيدتهم جاءت من يعقوب أخر الرب، واستخدموا، كما يشير هسيبوليتوس أيضا، الإنجيل بحسب متى ولوقا ويوحنا، ورسائل بولس الرسول إلى رومية، و1و2 كورنثوس وأفسس وغلاطية وعبرانيين، وسفر الرؤيا، وذلك إلى جانب كتبهم الأخرى (83).
مما سبق يتضح ويتأكد لنا أن الإنجيل بأوجهه الأربعة بصفة خاصة ورسائل بولس الرسول وبقية أسفار العهد الجديد بصفة عامة كانت منتشرة ومعروفة في كل البلاد التي انتشرت فيها المسيحية وكان جميع المؤمنين يؤمنون بأنها كلمة الله الموحى بها والتي استلموها من الرسل شهود العيان ورجال الروح القدس، وأنها أسفار مقدسة ومكتوبة بواسطة الرسل أنفسهم والذين كتبوا مسوقين ومحمولين بالروح القدس. كما كانت منتشرة بأعداد كبيرة وفى بلاد كثيرة وفى وسط أناس حفظوها شفويًا قبل أن يستلموها مكتوبة، وكان الرسل، في حياتهم، خير ضمان لوحيها والحفاظ عليها ثم صار تلاميذهم، الآباء الرسوليين، والذين صاروا قادة للكنيسة من بعدهم، خير ضمان لوحيها والحفاظ عليها ثم صار تلاميذهم، الآباء الرسوليين، والذين صاروا قادة للكنيسة من بعدهم، خير ضامن أيضًا لوحي هذه الأسفار، الإنجيل، وللحفاظ عليها، باعتبارهم هم أيضًا شهود عيان وأول من استلم منهم الإنجيل شفاهة ومكتوبًا.
وكان القديس يوحنا الرسول والذي عاش إلى نهاية القرن الأول الميلادي خير شاهد وضامن لوحي الإنجيل وبقية أسفار العهد الجديد.
ويبرهن محتوى رسالة بوليكاربوس المتأثرة كثيرًا بما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا الذي كُتب فيما بين 80-100 م. وكذلك المخطوطة التي تحتوى على جزء من هذا الإنجيل والتي وجدت في مصر وترجع لما بين سنة 117-135م على أن الإنجيل الذي دون في أفسس أواخر القرن الأول وكان منتشرًا في مصر في بداية القرن الثاني قد انتشر بسرعة كبيرة وبأعداد كثيرة في وقت قصير جدًا.
كما تبرهن لنا إشارة القديس بطرس إلى رسائل بولس الرسول وكذلك اقتباس القديس يهوذا من رسالة بطرس الرسول الثانية، وأيضا إشارة بولس الرسول إلى الإنجيل للقديس لوقا على انتشار هذه الأسفار النسبي قبل سنة 65م وبعد صعود المسيح بثلاثين سنة فقط. ويبرهن لنا ما كتبه آباء الكنيسة الأولون، تلاميذ الرسل ومساعديهم، على انتشار كل أسفار العهد الجديد ووجودها في الكنائس قبل سنة 95م أي في حياة القديس يوحنا.
وهناك ملاحظة أخيرة يجب أن نذكرها وهى وجود اختلاف طفيف بين بعض الآيات والنصوص المقتبسة في أسفارها الأصلية وفى كتابات الآباء، ويرجع سبب ذلك إلى اعتماد هؤلاء الآباء بالدرجة الأولى على الاقتباس من الذاكرة وبسبب حفظهم للإنجيل شفويًا حتى من قبل أن يدون في أسفار، وكذلك تركيزهم على مضمون وجوهر النص لا حرفه ومن ثم فقد استخدموا في أحيان كثيرة أكثر من آية من أكثر من سفر في فقرة واحدة.