منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 24 - 04 - 2014, 11:29 PM
الصورة الرمزية Ramez5
 
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Ramez5 متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,844

ليكن نور
جلس الجمعُ على الأرائِك الخشبيّة. كان الخجل يعتري البعض لئلا يُرى من أحد الأقارب أو الأصدقاء أو رفقة العمل .. لقد دُفِعوا دفعًا إلى تلك اللّحظات وكأنّ قوى عُليا قد أرسلت جنودها لمُحاصرتهم في ذلك المكان وتلك البقعة.

كان بعضهم يتلفّتون يُمنة ويسارًا يستطلعون الوجوه. كان الجمعُ الحاضرُ لوحةً تحمل مختلف الأعراق والأجناس والمراتب الاجتماعيّة بل والخلفيّات الفكريّة والثقافيّة. فالفيلسوف يجاور صانع الزجاج .. الفتاة الفقيرة تجاور تلك التي نالت حظًّا من المال .. الزانية تجاور الطهور .. اليهودي يُجالِس الأُممي .. لم يُفرِّق بينهم شيءٌ وكأنّ روحًا قد بوّق في الأرضِ فكانت الاستجابة ذاك الخليطُ من البشر.

جلس كلٌّ منهم يحمل شوقًا .. منهم مَنْ أراد التعرُّف على اللُّوغس الإلهي، ومَنْ طَمَحَ في رؤية الإله العادل، ومَنْ رنا قلبها إلى غافر الخطايا الحاني، ومَنْ تلمّست الأكاليل عن الصبر والألم والاحتمال، ومَنْ هي آملةٌ في أبٍّ حقيقيٍّ وملاذٍ آمنٍ .. لكلٍّ طموحٌ واشتياقٌ .. لكلٍّ رجاء.

هل يصير يسوع محطّ الترحال للقلوب الجريحة والعقول الحائرة؟ كان هذا مطلبهم الصامت وإنْ ارتسم على وجوههم شوقًا.

كان من بين الحاضرين بلينوس الفيلسوف وإليوس الشغوف بالمعرفة، وأبولّلونيا الفتاة المجاهرة بالإيمان، وروحامه التائبة، وسارة الكسيرة القلب، وميلانيه وإيلارية وماريا بطلات المحبّة، وآخرون وأُخريات قد جاءوا ليقتاتوا بخبز السماء إذ لم تعد الأرض تُشْبِعُ جوعهم بحنطتها وزيتها ..

دَخَلَ المُعلِّم يُجلّله وقارٌ لم يستلهمه من غنى الملبس أو حشد الخدم. كانت عيناه تشهد أنّه لم يهجع سوى سويعات قليلة في اللّيل إلاّ أنّهما كانتا ثاقبتان وكأنّهما تخترقان أفكار الجلوس. كانت هيبته فيضٌ يسري من جمّ تواضعه وغزير علمه وقوّة منطقه وعنفوان الحقّ المُعْلِن عنه. وقف أمامهم كما وقف المسيح أمام الجموعِ على الجبل، أَرْسلَ كلماته المغموسة في صحائف التقوى والبرّ، فملّحت قلوب المستمعين بملح النعمة الإلهيّة. وَقَفَ قبالتهم كما لقائدٍ مهيبٍ جلّلته بطولاتٌ في معاركِ الماضي القريب .. وقف للإعلان عن المعركة الأسمَى في الوجود والصراع الأقصَى في الحياة والنزال الأضنَى في أعماق الإنسان؛ صراع النور والظلمة .. الحقّ والبُطل .. البرّ في المسيح والفناء في أساطير الحجارة المُؤلَّهة. حملت نبراته فيضًا سماويًّا من المنِّ كان يُغذّي به أرواحهم الجائعة. فجّرَت كلماته ينابيع المياه الساكنة داخل قلوبهم لتروي نفوسهم الظمأى إلى الخلود والديمومة. نبّتت كلماته في وجدانِهم نبتاتَ من نورٍ أَرْسَلَت لقاحها إلى أرجاء النفس الفسيحة. كلماتُه كانت تتباسط مع البُسطاء تارةً وتُحلّق مع الفلاسفة تارةً أخرى، إلاّ أنّه في كلتا الحالتين كان لِسنٌ، بليغ العبارة، رشيق اللَّفظ، قوي المنطق والحُجّة، مالكًا البيان والتبيان، ذَلِقَ اللّسان، مُعلنًا أسرار الروح ..

لقد جاء المسيح ليطلب ويُخلِّص ما قد هلك ..

كانت تلك هي بادئة كلماته التي تلقّفت القلوب الساعيّة إلى الخلاص. نظر إليهم مليًّا بعد لحظةٍ صامتةٍ وقال:

نعم إنّ دعوته إلى الجميع هي الخلاص. والخلاص يعني التحرُّر من قيود الماضي والعادات والقناعات والممارسات اللّاّأخلاقيّة والعبادات اللّاعقليّة .. لقد جاء الله إلينا في صورة بشرٍ كإنسانٍ مثلنا، مُظهِرًا لنا حياته النقيّة الصافية التي بلا عيب والتي بحسب مشيئة الآب. لم ينفصل عن الآب .. هو في الآب وعن يمين الآب .. وصورة الآب .. هو الله المُتجسِّد ..

لقد جاء ليصير لنا نموذجًا نحتذيه إذ هو الصورة النقيّة الكاملة والتي نسعَى بكلّ قوانا أنْ نذوب فيها لتمتزج به أرواحنا ونصير على شاكلته. لقد شكّلنا بنفسه لأنّه رغب أنْ يُوجِدنا ونحن عدمٌ وأرادنا لذاتِه خواصًا، ووضع فينا النفخة الساحرة المليئة بالحبّ؛ الروح الإلهي.

إنْ كان أحدٌ من الجلوس يتشكّك في محبّة الله دعني أسأله: كيف لا تكون محبوبًا وأنت الذي إليك أُرسِل الابن الوحيد الخارج من حضن الآب!! هل يمكن لله الخالق أنْ يُمقت شيئًا ويوجده؟!! بالطبع لا. أحبّائي، إنّ إرادة الله مُقدّسة وأعماله مُقدّسة، لذا فإنّ الإنسان هو أشرفُ وأنبلُ ما خَلَقَ وقد خلقه لا لشيءٍ إلاّ لفيض محبّته ..

ولكن الإنسان غرق في لُجـّة الحياة .. عصف التيه الأعظم .. الظلمة الحالكة التي غطـّت الجميع .. لذا أرسل الله ابنه لإرشادنا إلى ميناء الإيمان. إنّ اللُّوغوس هو المُرشِد الحقيقي لكلِّ مَنْ قَبِلَ الإيمان به .. ومُرشِدنا هو الأفضل لذا يُقدِّم لنا الحياة الفُضلَى، تلك الحياة تبدأ حينما نحيا في ظلّ إرادته، مُتشبّهين به .. نعم مُتشبّهين به في كلّ شيءٍ لنُحقِّق هدف الله كما جاء في الكتاب.

إنّ كلّ مَنْ يهتدي بهدي اللُّوغوس، ابن الله، ويشترك معه في المسير، يتجدّد يومًا بعد يومٍ. وكلُّ مَنْ يشترك في الحياة الأبديـّة لا يصير إلى فسادٍ .. إنّها دعوةٌ لأنّ نعيش العمر كُلّه في ربيعٍ دائمٍ. فسلوكنا الجديد ودعوتنا العُليا تُثبِّت دعوة الحقّ في قلوبنا لتظلّ الحكمة في دواخلنا مزدهرة أبدًا ..

ولكن البعض قد يُخطِئ ويترك المسير. فالخطيئة هي نقيض التفكير العاقل، إنّها المرض الذي أصاب منـّا الرأس والجسد، وقتها يصير اللُّوغوس كطبيب .. نعم كطبيبٍ لشفاء الجسد والروح من كُلِّ ما ألمَّ بها من جرّاء الخطيئة والإثم. ومَنْ يشفيه اللُّوغوس من شكل العالم وممارساته لا يخشَى شيّئـًا إذ يُصبح له اللُّوغوس غافرًا للخطايا.

فلا تخشى من خطاياك وضعفك، فأبُ العالمِ يغمرُ بحبّه الذين ألقوا بأنفسهم في حضنِه ليقودهم إلى البنوّة بروحه الرقيق ..

إنّ الروحَ يدعونا لنقتني قلوبـًا رقيقةً مسالمةً .. لنكون مُنقادين إلى الخيرِ .. ودعاء .. بلا حقدٍ ولا سلوكٍ شائنٍ، لأنّ الجنس العتيق؛ إنساننا الأوّل كان مُعوجــًّا .. قاسي القلب، ولكنّنا الآن، جماعة الأولاد .. الخليقة الجديدة .. مُرهفين كأطفالٍ أنقياء ..

إنّ مُعلِّمنا هو المسيح يسوع .. الإله القدّوس .. اللُّوغوس مُرشِد كلّ البشر .. اللّه المُحبّ. لقد جاء اللُّوغوس ليُعرّفنا على الآب ومن ثمّ على الحياة الأبديـّة. لقد جاء إلينا الابن الوحيد للآب مُتجسّدًا لكي ما يُقدِّم لنا المغفرة لأنّه الإله ولكي ما يُقدِّم لنا التعليم كإنسانٍ جاز الحياة مثلنا بلا خطيئة حتّى لا نسقط في شباك الخطيئة.

يا للسِرِّ المُعجزِ .. الآبُ واحدٌ للعالم، واللُّوغوس واحدٌ للعالم، والروح القدس واحدٌ .. تلك هي الفلسفة الحقيقيـّة التي أُعلِنَت لنا نحن الذين تلقنـّا الفلسفة من قبل لنعبُر من خلالها إلى الحقِّ الكاملِ في المسيح.

ولعلّ البعض يرى أنّ الفلسفةَ هي نبتٌ شيطانيٌّ ولكنْ دعوني أقول لكم إنّ الفلسفةَ هي بحثٌ وسعيٌ واجتهادٌ وتأمُّلٌ للوصول للحقيقة .. هي حيازة الحكمة على قدر جهد البشر .. منها تعلّمنا التحكُّم في اللِّسان وقمع شهوات البطن وترويض الغرائز والمجاهرة بالحقِّ، وكلّها فضائل كانت تُعِدُّ قلوبنا لاحتضان المسيح والإيمان به. إنّ الفلسفة كانت ضرورة لتهيئة العقل الهلّليني لقبول المسيح كما كان الناموس تهيئةً للقلب اليهودي لقبول المسيـّا. لقد عبَّدت الفلسفة الطريق لكلّ مَنْ أراد أنْ يكتمل في اللُّوغوس. أمّا لنا نحن الذين قد آمنا وعَرِفنا الحياة الأبديـّة تبقى الفلسفة لنا واسطةً لشرح الإيمان للعالم أجمع.

إنّ الفيلسوف المسيحي هو مَنْ يتعمَّق في فهمِ الحياةِ الجديدةِ مع المسيح، لا يكتفي بظاهرها ولا قشورها ولا فرائضها ولكنّه يدخل إلى المخدع ويَسْبحُ وراء الأسرار ليتعرَّف على الله.

إنّ البعض يلومنا لتجنُّبنا الفلسفة ولعدم إسهامنا في العلم وكأّننا قد نلنا قدرًا من الحريـّة يسمح لنا بأنّ نُقدِّم للعالم نموذجًا للإنسان الكامل إيمانـًا وعلمـًا. فالجميع يعرف أّنّنا مُلاحقون من قِبَل السُلطات، منبوذين من الموسيون والمعبد، مكروهين من اليهود، فكيف نمتلك القدرة، وسط ذلك الإعصار من البُغضة والتشكيك والتنكيل بنا، على تقديم إسهامًا في رَكبِ المعرفة كمَنْ يجلسون هانئين على مقاعد الموسيون الوثيرة!! إنّنا نحيا كلّ يومٍ وكأنّ السيف على رقابنا وهو ما يجعلنا نَظهرُ أمام العالم كمائتين ولكنّنا أحياء بقوّة الروح الذي يسكنُ قلوبنا ويدفعنا إلى وجهِ الله حيث السلام والفرح.

ولكن في المقابل، دعني أقول لكم إنّنا لا نقبل آراء بعضَ الفلاسفة فيما قد أثبته لنا الوحي الكتابي على ألسنة الرُسُل المُلهَمين. كما نُلاحِق، إيمانيـًّا، كلّ سفسطة قائمة على تطويع العبارات والتلاعب بالكلمات لجذب المسيحي بعيدًا عن إيمانه. نحن نُقدِّر الفلسفة ولكنّنا لا نخضعُ لها، نستخدمها ولكن لا نُؤلّهها، نفرح بما جاء فيها من الحقّ لنُعلِن اكتماله في الإله الوحيد.

دعونا نتنقَّى من طرقنا القديمة .. نركض نحو الآب .. الآب وحده ..كأحرارٍ .. مولودين من فوق .. فرحين في الإيمان .. مُقبلين على الحقّ .. مُسرعين نحو الخلاص .. مُمتدّين إلى العلاء بالروح .. نطأ بأقدامنا أشياء هذا العالم .. فالكلّ مدعو للخلاص. ولعلّ أفلاطون صَدَقَ حينما قال: هناك الكثير من حَمَلَة المشاعل ولكن القليل من المشاركين في احتفالات باخوس. فالكثيرُ يسمعون الكلمة وتدفعهم النعمة ويحاصرهم الله بمحبّته ولكنهم لا يسيرون إلى نهاية الطريق ولا يُقبلون على الحياة الأبديّة تلك التي تبدأ بمياه الاستنارة.

طلبتي أنْ تكونوا مشاركين في الحياة الأبديـّة .. محتفلين مع الجمعِ السمائي عوضًا عن باخوس .. تُقبلوا على مياه المعموديـّة لتستنيروا. ففيها ننال نورًا مُقدّسًا يُهيِّئ بصائرنا لمُعاينة الله .. مَنْ يُولد من مياه الحقّ يخرج من لفائفِ الظلمة مُتقبـِّلاً هبة النور.

إنّ أعين قلوبنا تحتاج للتحرُّر من أغطية الظلام التي تحجب الروح الإلهي، وقتها سنرى الضياء الإلهي لأنّ المِثل يحب مثيله، وذاك الذي تقدَّس يرنو إلى القدوس .. أتريدون أنْ تعرفوا ما هو النور؟ إنّه معرفة ابن الله ذاك الذي له القدرة على تغيير طبائعنا التي طالما حلمنا بتقويمها ولم نستطِع.

وحينما تستنير البصائرُ وتتجدّد الحياةُ وتتغيّر الطرقُ القديمةُ يصير يسوع نفسه لنا طعامنا؛ فهو خبز السماء، القائم من الموت. وكما ينبت القمح من العدم ويخرج الخبز من وسط اللّهيب .. هكذا قام من وسط النار لفَرَح الكنيسة، كخبزٍ ناضجٍ يصير غذاءً لمَنْ آمن به ووَثَقَ فيه .. ومن قيامته ننال قيامةً من ماضينا الأثيم المُنقضي بعيدًا عن مخدع الآب.

انسلّ شعاعٌ من الشمس على وجوه الحاضرين، مُنفلتًا من رئيس سلطان الهواء، فالتمعت بنُصرة الإيمان عيونهم وكأنّها على موعدٍ مع معاينة النور الأزلي .. ترنّم المُعلِّم ومن وراءه الجمع، قائلاً:

أيّها الربُّ يسوع،

يا مَنْ تكبح شهواتَ النفسِ الجامحةِ

وتحليقَ الأهواءِ المرتفعةِ في سماءِ الظلمةِ

أنت وحدُك تُهدي النفسَ المُبحرةَ في لُجج العالمِ

أنت الراعي الحقيقي للخراف الملكيـّة

التي نالت ختم البنوّة لله مَلِك الكون

وحِّد أبناءك في الحبّ

ليترنّموا بقلوبٍ نقيـّةٍ طاهرةٍ لك يا مسيحنا،

المُرشِد والمُعلِّم والراعي والأب والصديق والحامي

لتُرسِل لك الشفاهُ، ذبائحَ تسبيحٍ مقبولةٍ أمامك

يا مَلِك القدّيسين

اللُّوغوس القدير الواحد مع الآب

العليُّ والقدّوس

أنت نبعُ كلّ حكمةٍ

ومن فيض حكمة تدبيرك

ننال عزاءً في ليالينا الأليمة

فأحزاننا تصير بك أفراحًا أبديـّةً دائمةً

يا ربّنا يسوع، مُخلِّص البشر

أنت الجناحُ الذي يجمع شعبه لئلا تنقضّ عليه جوارح البريـّة

أنت صائدُ البشرِ الذين انتشبت أرجلهم العقليـّة في شباكِ الخلاص

أنت صخرةٌ نتمسّك بها من عَصْفِ أمواجِ الشرِّ وبحورِ الفساد

قُدْنا يا راعي الخراف العاقلة

إلى أرض أبديـّتنا التي تفيض لبنَ وعسلَ ودسمَ الروح

أطفالاً نحن، نحتاج لمشورةٍ وعونٍ وقيادةٍ

ولتكن آثارك هي خريطتنا إلى حضن الآب

وعلى الطريق

نترنَّم لك

أيّها النورُ الأبديُّ

ونبعُ الرحمةِ

وخَزانةُ الفضيلةِ

نتنقَّى كلّما تغنّينا باسمك

أيّها اللُّوغوس

اجمع أصوات مُسبّحيك من أقاصي الأرضِ

لشدو مجدك

لنتّحد إذ ترنّمنا لك يا إله الرقّة المتناهيـّة

يا ملكُ وربُّ السلامِ.

أمين.
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
ليكن رجاؤك في الرب إلهك ليكن رجاؤك فيه
ليكن لكم ثقة
ليكن (الله) هو صيّ أولادك؛ ليكن هو كفيلهم،
ليكن
مدكن


الساعة الآن 07:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024