رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
إن المبادئ السامية التي نطق بها المسيح، وسجلتها الأناجيل هي أصدق دليل على أن شخصية المسيح شخصية تاريخية حقيقية، إذ ليس في وسع إنسان بشري مهما كانت عبقريته، أو سمت أخلاقياته أن ينطق بمثل هذه المبادئ، وأن يسلط علينا نوره الفاحص ليرينا شر قلوبنا، ونجاسة تصرفاتنا. . بقي علينا أن نرد على الذين يقولون بأن المؤرخين والكتاب الذين عاشوا في الوقت الذي عاش فيه المسيح ودعا لشريعته لم يذكروا أي شيء عنه بالمرة، فنقول أن أصحاب هذا الادعاء ينسون أو يتناسون أن المسيحية عاشت في القرون الثلاثة الأولى للميلاد في وسط اضطهاد لا مثيل له، وكان المسيحيون يعتبرون طائفة مغضوباً عليها من حكام الدولة الرومانية، ومن كهنة الديانة اليهودية.. فأي مؤرخ كان يجرؤ في مثل هذه الظروف أن يكتب بإفاضة عن المسيحية سيما وأن أتباعها كانوا في غالبيتهم من الفقراء المشردين الذين عاشوا في سراديب القبور Catacombs ولم يكن لهم تأثيراً يُذكر في أمور هذا العالم الشرير. . ومع ذلك فإننا نجد لمحات في كتب التاريخ القديم، جاءت في صيغ لا تعرض أصحابها للاضطهاد والتعذيب، نذكرها للشكاك لا لاعتقادنا بأهميتها، فإن عندنا العهد الجديد من الكتاب المقدس وفيه كل الصدق وكل اليقين بخصوص حقيقة المسيح، وإنما نذكرها لنسكت بها اعتراض المعترضين. . فقد جاء في تاريخ «فلافيوس يوسيفوس» المؤرخ اليهودي الذي عاش بين سنة 37 - 70 ميلادية هذا الكلمات: «إنه في ذلك العهد عاش يسوع، وهو إنسان قديس حكيم - إن جاز أن نسميه إنساناً، لأنه كان يصنع معجزات كثيرة، وكان معلماً لأناس يقبلون الحق بسرور، كان هو المسيح. ولما حكم عليه بيلاطس بالصلب، بناء على طلب الرؤساء بيننا. لم يتركه الذين أحبوه أولاً، لأنه ظهر لهم حياً بعد ثلاثة أيام، كما سبق الأنبياء فأنبأوا عنه. وجماعة المسيحيين الذين سموا باسمه ما زالت باقية حتى هذا اليوم». . وقد ذكر الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه «محاضرات في النصرانية (الطبعة الثانية 1949) ما يلي: «جاء في كتاب تاريخ الحضارة. قد كتب بلين، وكان والياً في آسيا إلى الأمبراطور تراجان (الذي دام حكمه من سنة 98 - 117 ميلادية) كتاباً يدل على الطريقة التي كان يعامل بها المسيحيون قال: «جريت مع من اتهموا بأنهم نصارى على الطريقة الآتية، وهو أني أسألهم إذا كانو مسيحيون فإذا أقروا أعيد عليهم السؤال ثانية وثالثة مهدداً بالقتل، فإن أصروا أنفذ عقوبة الإعدام فيهم مقتنعاً بأن غلطهم الشنيع، وعنادهم الشديد، يستحقان هذه العقوبة، ويُقال أن من الصعب إكراه المسيحيين الحقيقيين، ومنهم من اعترفوا بمسيحيتهم، وكانوا في بعض الأيام قبل طلوع الشمس يمارسون الصلاة وعلى عبادة المسيح على أنه رب، وعلى إنشاد الترانيم إكراماً له، وتعاهدوا فيما بينهم لا على ارتكاب جرم، بل على ألا يسرقوا، ولا يقتلوا، ولا يزنوا وأن يوفوا بعهودهم». . وكتب عن الشائعات التي حامت من ان نيرون نفسه كان المسؤول عن الحريق الهائل الذي التهم روما سنة 64 ميلادية فقال: «لكن لم يكن باستطاعة كل العزاء الذي يمكن أن يأتي من إنسان، ولا كل الهدايا التي يمكن أن يمنحها الأمير، ولا كل التكفير الذي يمكن أن يقدم للآلهة، أن يساعد نيرون على نفي الاعتقاد الشائع بأنه هو الذي أمر بهذا الحريق. لذلك رغبة منه في طمس الإشاعة، اتهم كذباً وعاقب بأقسى أنواع العذاب أولئك الأشخاص الذين كانوا يدعون مسيحيين، والذين أبغضوا بسبب تكاثرهم الهائل . وكان قد حكم بالموت على المسيح مؤسس هذا الاسم ، ومات كمجرم بيد بيلاطس البنطي والي اليهودية، فانتشرت مرة أخرى البدعة الوبيلة، ليس في اليهودية وحدها حيث بدأت، بل في مدينة رومية كلها أيضاً». ومع كل ما تقدم من وثائق تاريخية صحيحة المصادر، فإنه يمكن لمن يريد الرجوع إلى كتب التاريخ أن يقرأ ما سجله «ثالوس» حوالي سنة ٥٢ ميلادية، وسيتونيوس، ولوسيان، فكلهم أكدوا حقيقة وجود المسيح والمسيحية. وكذلك أيضاً , «ديل وإيلين روتين» في كتابهما «هل نستطيع أن نعرف؟» المطبوع سنة 1968 ما سجله المؤرخ « تاسيتوس Tacitus» وهو أعظم المؤرخين اللاتينيين وقد عاش في النصف الأول من القرن الثاني، وكل شهادات التاريخ تؤكد أن المسيح شخصية حقيقية، وأن المسيحيين الذين عاشوا في القرن الأول للميلاد كانوا يجتمعون لعبادته على أنه رب، وعلى إنشاد الترانيم لحمده، مما يؤكد أن المسيحيين في القرن الأول للميلاد آمنوا بالمسيح على أنه «الله الابن» الذي تجسد لفدائهم، وفي هذا ما يهدم ادعاء المدعين بأن عقيدة ألوهية المسيح دخيلة على المسيحية، وقد لاقى المسيحيون في القرون الثلاثة الأولى للميلاد بسبب عبادتهم للمسيح، واعترافهم به إلهاً مباركاً كائناً على الكل ، ومورست أفظع أنواع العذاب عليهم، حتى لقد كانوا يضعون بعضهم في جلود الحيوانات ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم، وصلبوا بعضهم، وألبسوا بعضهم ثياباً مطلية بالقار، وجعلوهم مشاعل يُستضاء بها. وكان الأمبراطور نيرون نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل الإنسانية. لقد كان المسيح شخصية حقيقية فرض نفسه على الزمن، وانتشر تأثيره إلى ما وراء حدود فلسطين، فوصل إلى أوروبا وآسيا، وبعض أجزاء أفريقيا، ووصلت أخباره إلى بلاد العرب وذاعت في القرن السادس للميلاد، واحتلت جزءاً غير قليل أسمه القدوس من صفحات القرآن الذي يؤمن به المسلمون . والآن لنعد إلى الكتاب المقدس ونقلب صفحاته في تدقيق، لنواجه بأنفسنا شخص المسيح الجليل. التلاميذ يتساءلون ذات مرة كان المسيح مع تلاميذه في سفينة، وذهب إلى مؤخر السفينة ونام على وسادة، وحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ... وهنا أسرع التلاميذ إليه وقد ملأهم الخوف والفزع وأيقظوه قائلين: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟ فَقَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: ٱسْكُتْ. اِبْكَمْ. فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هٰكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟ فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هُوَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّيحَ أَيْضاً وَٱلْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» (مرقس 4: 38 - 41). المسيح يسأل تظهر على صفحات الأناجيل حقيقة جديرة بالانتباه هي أن المسيح كان يدفع المحيطين به للتفكير الجاد في حقيقة شخصه، وأنه بدلاً من أن يكشف لهم النقاب عن شخصيته بكلمات مباشرة تنساب من بين شفتيه، كان يسألهم عن اعتقادهم فيه ليدفعهم لاكتشاف حقيقته بأنفسهم، والاعتراف بما آمنوا به بخصوصه بشفاههم، بعد أن يلاحظوا بدقة قدسية حياته، وصلاح تصرفاته، وانطباق نبوات العهد القديم على شخصيته، وبعد أن يتفكروا بتأمل عميق في كلماته وخارق معجزاته. ذات مرة جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس وهناك «سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: مَنْ يَقُولُ ٱلنَّاسُ إِنِّي أَنَا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ؟ فَقَالُوا: قَوْمٌ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَنْبِيَاءِ. قَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هٰذِهِ ٱلصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (مت 16: 13 - 18). ونرى في هذه الكلمات أولاً أن بطرس قد اعترف ليسوع «ابن الإنسان» و «يسوع» هو الاسم الإنساني للمسيح - بأنه وهو «ابن الإنسان» في تجسده هو أيضاً «المسيح ابن الله الحي» في حقيقة شخصه، وكلمة «المسيح» تعني الممسوح أو المقام من الله بالمسحة، وكأن بطرس يعلن صراحة بأن «يسوع ابن الإنسان» هو في ذات الوقت «المسيح ابن الله الحي» الذي تنبأ عنه المزمور الثاني بالكلمات: «لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ فِي ٱلْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَتَآمَرَ ٱلرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى ٱلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَ» (مز 2: 1 - 3) وتنبأ عنه دانيال بالكلمات: « بَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ» (دا 9: 26) ونرى في ذات الوقت بأن المسيح لم يكتف بأن يسمع ما يقوله البعيدون عنه بخصوص شخصه، بل سأل تلاميذه المقربين إليه، ليعطيهم فرصة للإفصاح العلني عن ما يعتقدونه فيه، فلما أجابه بطرس قائلاً: «أنت هو المسيح ابن الله الحي» باركه على هذا الإعلان العظيم، وأكد له أن هذا الإعلان لم يأته من مصدر بشري بل من الآب الذي في السموات، وهو بهذا قد صادق على اعتراف بطرس مؤكداً لتلاميذه أنه حقاً ويقيناً «المسيح ابن الله الحي». وذات مرة اجتمع الفريسيون حوله فسألهم قائلاً: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي ٱلْمَسِيحِ؟ ٱبْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ٱبْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِٱلرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ» (مت 22: 42 - 46). ومن هذا النص الصريح نرى أن المسيح سأل الفريسيين عن اعتقادهم فيه، ليدفعهم بالتفكير والبحث في نبوات العهد القديم بأن يعرفوا حقيقة شخصه الكريم. سألهم: كيف يكون المسيح رب داود وابن داود في ذات الوقت؟ ولو فحص الفريسيون العهد القديم بتدقيق، لرأوا أن المسيح هو «رب داود» باعتباره «الله الابن» الذي خلق داود، وأنه «ابن داود» من جهة الجسد كما قرر بولس الرسول ذلك فيما بعد بالكلمات: «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ» (رومية 1: 1 و3). بنعمة الرب سنكمل الحديث وسيعرف الجميع ... أن المسيح كان حقاً هوّ «الله» ؟ أشكرك أحبك كثيراً الرب يسوع المسيح يحبكم جميعاً فتعال...هو ينتظرك * * * * والمجد لربنا القدوس يسوع المسيح دائماً.. وأبداً.. آمين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هل كان المسيح حقاً هو «الله»؟ ( 12) |
هل كان المسيح حقاً هو «الله»؟ ( 8 ) |
هل كان المسيح حقاً هو «الله»؟ 6 |
هل كان المسيح حقاً هو «الله»؟ 4 |
هل كان المسيح حقاً هو «الله»؟ 1 |