منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 15 - 04 - 2014, 04:39 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

مزمور 129 (128 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير

مع المسيح صُلبت




تبدأ المجموعة الرابعة من مزامير المصاعد، وهي تقابل سفر العدد حيث ينطلق الشعب في البرية متجهًا نحو كنعان. وقد التزمت المحلة أن تسير في شكل صليب، حيث تتشكل الأسباط كل ثلاثة معًا في اتجاه (الشرق والغرب والشمال والجنوب)، بينما يسير موسى وهرون وعشائر اللاويين في المنتصف أيضًا على شكل صليب. وكأنه لا عبور إلى أرض الموعد، رمز السماء بدون الصلب مع السيد المسيح.

1. الكنيسة المصلوبة
1-2.
2. المسيح المصلوب
3.
3. عشب السطوح
4-8.
من وحي المزمور 129
مزمور 129 (128 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - مع المسيح صُلبت
1. الكنيسة المصلوبة
تَرْنِيمَةُ الْمَصَاعِدِ
كَثِيرًا مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي.
لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: [1]
منذ نشأت الكنيسة وهي تعاني من الضيق، أو بمعنى أدق يُوهب لها الضيق، الذي بدونه لا تقدر أن تتمتع ببهجة القيامة وبلوغ المجد الأبدي.
يسرد لنا القديس أغسطينوس كيف احتملت الكنيسة منذ شبابها الضيق، فقدم لنا أمثلة حيَّة مثل هابيل ونوح والشعب قديمًا. ويرى الأنبياء في الشعب الخارج من أرض مصر الكنيسة في شبابها، كما جاء في إرميا وحزقيال: "قد ذكرت لكِ غيرة صباكِ، محبة خطيبكِ، ذهابك ورائي في البرية في أرض غير مزروعة" (إر 2: 2). "أما ميلادك يوم وُلدتِ فلم تُقطع سرتكِ، ولم تقمطي تقميطًا، لم تشفق عليكِ عين" (حز 16: 4-5).
* تتحدث الكنيسة عن أولئك الذين احتملتهم، وكأنها قد سُئلت: "هل هذا يحدث الآن؟" تألمت الكنيسة منذ مولدها القديم، منذ دُعيت، منذ كانت على الأرض.
ففي وقتٍ ما كانت الكنيسة في هابيل وحده، وقد حاربه أخوه الشرير الضائع قايين (تك 4: 8).
وفي وقتٍ آخر كانت فيأخنوخ وحده، ونُقِل من أجل برِّه (تك 5: 24)،
وفي وقتٍ كانت الكنيسة في بيت نوح وحده واحتمل كل الذين هلكوا في الطوفان، والفلك وحده طفا على الأمواج، وهرب إلى الشاطئ (تك 6-8)...
وبدأ وجود الكنيسة في شعب إسرائيل، واحتملت فرعون والمصريين، ونحن جئنا إلى ربنا يسوع المسيح، وكُرز بالإنجيل في المزامير (مز 40: 5)...
لهذا السبب لئلا يتشكك أحد في الكنيسة، هذا الذي يود أن يكون عضوًا صالحًا فيها، فليسمع الكنيسة نفسها أمه تقول له: لا تعجب من هذه الأمور يا ابني "كثيرًا ما ضايقوني منذ شبابي" [1][1].
* في الوقت الحاضر، حيث صار عمر الكنيسة كبيرًا لازالت تُقاوم، ليتها لا تخاف.
هل فشلت في أن تبلغ السن الكبير لأنهم لم يتوقفوا عن محاربتها منذ شبابها؟ ليت إسرائيل (الجديد) نفسه يتعزى، لتعزي الكنيسة نفسها بالأمثلة القديمة[2].
القديس أغسطينوس
كَثِيرًا مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي،
لَكِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيَّ [2].
إن كان الضيق قد لازم الكنيسة منذ نشأتها حين كان أعضاؤها أحيانًا شخص واحد أو قلة قليلة، وفي كل عصر يتوقع البعض القضاء عليها تمامًا، لكن التاريخ كله يؤكد فشل الأعداء المقاومين لها بالرغم من كثرتهم وعنفهم وإمكانيتهم. يبقى التاريخ يفتح باب الرجاء أمام الكنيسة، ويؤكد لها أن نصرتها من قبل الرب فوق كل الحسابات البشرية.
يقدم لنا القديس يوحنا الذهبي الفم مثلًا عمليًا لذلك، فقد سمح الله بالسبي البابلي، وامتد حوالي السبعين عامًا، ولم تكن هناك أية بوادر لرجوع الشعب وإعادة بناء الهيكل وتعمير أورشليم، لكن انتهت دولة بابل، وعاد الشعب.
لقد ظنت بابل أن آلهتها أعظم من الله الحيّ، وأن عودة الشعب من السبي مستحيلة، ولم يدرك البابليون أن ما حدث ليس بسبب قوتهم وإمكانيتهم العسكرية، وإنما لتأديب إسرائيل الذي انحرف عن عبادة الله الحي.
* بالرغم من أن الأعداء كثيرًا ما يهاجمون، لكنهم ليسوا أقوياء بما فيه الكفاية ليغلبوا، ولم يبلغوا قط النصرة القاطعة. لتأكيد ذلك قد أُخذوا أسرى، ونقلوهم إلى مناطق غريبة، وكسبوا معارك كثيرة... لم تكن نصرتهم بسبب قوتهم في ذلك الحين، وإنما بسبب خطية إسرائيل ولأسباب أخرى لم يستمروا كغالبين حتى النهاية. لم تكن لهم القوة في الحقيقة أن يزيلوا الجنس (اليهودي) تمامًا، ويحطموا المدينة بالكامل، ويزيلوا الشعب حتى آخر إنسانٍ، وإنما بسماح الله غلبوا إلى حين وبعد ذلك انهزموا. الآن كيف انهزموا؟ بعودة اليهود إلى رخائهم السابق[3].
القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 129 (128 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - مع المسيح صُلبت
2. المسيح المصلوب
عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ.
طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ [3].
صورة بشعة لشر الأشرار، إذ يقومون بالحرث بمحراث على ظهر البار، بل ويطولون أتلامهم (ما تشقه سكة المحراث في الأرض)، لكي تصير الجراحات عميقة وممتدة. هذه الصورة تنقل إلينا العنف الذي كان يُمارس بالنسبة لمعاقبة العبيد والمجرمين حيث كانوا يُجلدون بأسواط بها قطع من الحديد، تسبب جراحات عميقة وكثيرة على ظهورهم.
سرّ هذا التصرف المرير ضد البار، أن الشرير لا يحتمل أن يجد من لا يتفق معه في شره، حتى وإن لم يضايقه في شيء. يحسب برّ البار شهادة مُرة ضده، فيحاول الخلاص منه.
من جهة أخرى استخدم المرتل هذا التشبيه، لأنه وإن كان الأشرار يُسرون بمضايقة الإنسان البار لكن كل ما يفعلونه من شرور ضده، إنما يكون مثل ما يفعل المحراث في التربة، إذ يهيئها بالأكثر للزراعة والإثمار. فالضيق يزيد البار صبرًا خلال نعمة الله، ويزكيه ويمجده، لذلك سبق فقال المرتل: "لكن لم يقدروا عليّ" [2]. تتحول المتاعب إلى أمجاد سماوية.
* إنني لم أتفق معهم في الخطية. فإن كل إنسانٍ شريرٍ يضطهد الصالح لهذا السبب: إنه لا يتفق مع الشرير في الشر[4].
القديس أغسطينوس
* لقد أظهر أنهم يهاجمون ليس فقط بعنفٍ، وإنما أيضًا بإصرارٍ شديدٍ، يقضون وقتًا طويلًا، ويكرسون أنفسهم للخطة، ويعملون بلا عائقٍ. لا يعود عليهم هذا بنفع، ليس من أجل قوتنا، وإنما من أجل قوة الله[5].
القديس يوحنا الذهبي الفم
إن كان الأشرار لا يكفون عن مضايقة الإنسان البار، فإن الأب غريغوريوس (الكبير) يرى في حديثه عن الرعاية أنه يليق بالراعي أن يحتمل أتعاب الرعية وأخطاءهم، مقدمًا ظهره ليحمل أثقالهم، قائلًا: "على ظهري حرث الحرَّاث".
* يُختبر صبر الراعي في تحمل أخطاء الرعية أثناء بحثه عن فرصة لإصلاحهم. ولهذا قال صاحب المزامير: "على ظهري حرث الحرَّاث" (مز 129: 3)، لأننا نحمل الأثقال على ظهورنا. وهكذا يشكو داود من أن الخطاة قد أثقلوا ظهره، وكأنه يريد أن يقول إن "أولئك الذين لا أستطيع إصلاحهم، أحملهم كحمل ثقيل". ومع ذلك فإن هناك بعض الأمور السرية التي يجب البحث فيها بتدقيق، فإذا ظهرت بعض الأعراض أمكن للراعي أن يكتشف كل ما يُعمل داخل عقول الرعية، وبالتوبيخ في الوقت المناسب يمكنه أن يستخلص من الأشياء غير المهمة أشياء مهمة. ولهذا قيل لحزقيال: "يا ابن آدم، أنقب في الحائط". ويضيف نفس النبي: "فنقبت في الحائط، فإذا باب. وقال لي: "ادخل وأنظر الرجاسات الشريرة التي هم عاملوها هنا. فدخلت ونظرت، وإذا كل شكل دبابات وحيوان نجس وكل أصنام بيت إسرائيل مرسومة على الحائط". (حز 8: 8-10)[6]
الأب غريغوريوس (الكبير)
مزمور 129 (128 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - مع المسيح صُلبت
3. عشب السطوح
الرَّبُّ صِدِّيقٌ.
قَطَعَ رُبُطَ الأَشْرَارِ [4].
ماذا يعني بقطع ربط الخطاة؟
1. يشير إلى الربط التي تربط الثور بالمحراث، فلا يستطيع الحارث أن يحرك المحراث؛ يبذل مجهودًا ضخمًا، فيتعب دون أن يفعل شيئًا. وكأن كل مقاومة الأشرار ومضايقتهم ترتد إليهم.
2. تشير إلى الربط التي بالسوط، فإذا بالشرير يبذل كل الجهد ليجلد من هو أمامه، من دون أن يسبب له الشخص أذية.
3. لعله يقصد بالربط هنا القيود التي كان الأسرى يُقيدون بها عند سحبهم من بلادهم إلى بلادٍ غريبةٍ.
جاءت في الترجمة السبعينية: "الرب البار يقطع عنق الخطاة". ويرى القديس أغسطينوس أن المرتل لم يقل: "الرب البار يقطع أيادي الخطاة" أو "أقدامهم"، بل عنقهم، إذ يبرر الشرير نفسه أمام الله في كبرياء وتشامح يهلك، لكن الله يقطع العنق المتصلب الذي للشرير، حتى يتمثل بالعشار الذي لم يجسر أن يرفع عينيه نحو السماء (لو 18: 13)، فتبرر أمام الله.
* مجهودات الأعداء تذهب هباءً بينما تنتعش الكنيسة[7].
القديس يوحنا الذهبي الفم
فَلْيَخْزَ وَلْيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ كُلُّ مُبْغِضِي صِهْيَوْنَ [5].
يقدم هنا المرتل صلاة أو نبوة عن الذين يريدون أن يحطموا كنيسة الله، ويدفعوا بها إلى الخزي والعار، فإن ما يفعلونه إنما يرتد عليهم.
* يختم نصيحته بصلاة تجعل المستمع له ثقة خلال قصة الأحداث الماضية والصلاة، وتظهر سبب العداوة الظالم. تحدث العداوات من الحسد والكراهية، قائلًا: "فليخز وليرتد إلى الوراء كل مبغضي صهيون" إنهم ليس فقط لا ينتصرون وإنما يصيرون أيضًا في خزي وسخرية[8].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* الذين يدخلون الكنيسة في رياء يبغضونها. الذين يرفضون حفظ كلمة الله يبغضون الكنيسة... ماذا تفعل الكنيسة، إلا أنها تحتمل الثقل حتى النهاية[9].
القديس أغسطينوس
=يرى العلامة أوريجينوس أن هذه الصلاة التي يقدمها المرتل ليست ضد الأشرار، إنما طلبة لأجل خلاصهم، فقد عرف الوثنيون بأنهم يفتخرون بشرورهم ورجاساتهم ولا يخزون مما يمارسونه. الآن يطلب المرتل من الله أن يهبهم روح التوبة، فيخزون مما فعلوه ويرجعون إلى الله بروح الانسحاق.
* ثم بعد ذلك، باعترافنا بالخطايا التي عشنا فيها، نحن وآباؤنا، بعبادتنا للأوثان سوف نقول: "وقد أكل الخزي تعب آبائنا منذ صبانا غنمهم وبقرهم بنيهم وبناتهم" يجب أن يكون هناك خزي حتى يأكل التعب الباطل والأعمال الكاذبة التي لآبائنا، فإنه بدون الخزي لن تنتهي هذه الأعمال الباطلة والكاذبة.
وفي هذا الصدد دعونا نستعرض بعض أوجه الاختلاف ما بين الخطاة:
يوجد خطاة ليس عندهم خزي ولا حياء من خطاياهم، فهم لا يخجلون منها. هؤلاء هم الذين فقدوا كل حس والذين أسلموا لكل نجاسة.
وأنت تري بالفعل كيف أن الشعوب الأممية يستعرضون في بعض الأحيان ويتفاخرون بقائمة فسقهم وزناهم كما لو كانت بطولات، دون أن يخجلوا من قيامهم بهذه الأفعال ودون أن يطلقوا عليها خطايا. وطالما لا يوجد عندهم خزي فإن خطاياهم لن تؤكل (لن تمحي). إن بداية الصلاح هي أن نشعر بالخجل من الأشياء التي كنا لا نخجل منها قبل ذلك. لذلك فإنني لا أظن أن تكون الكلمات التالية التي كان يقولها الأنبياء يقصد بها لعنة: "فليخز وليرتد إلي الوراء كل الذين يبغضون صهيون" (مز 129: 5)[10].
العلامة أوريجينوس
لِيَكُونُوا كَعُشْبِ السُّطُوحِ،
الَّذِي يَيْبَسُ قَبْلَ أَنْ يُقْلَع [6].

مزمور 129 (128 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - مع المسيح صُلبت
أسطح البيوت في الشرق الأوسط غالبًا ما تكون مسطحة، فإذا ما تجمعت طبقة صغيرة من التراب، ونزلت أمطار أو ندى تنبت بعض الأعشاب، لكن سرعان ما تجف لعدم وجود طبقة كافية من التربة؛ هكذا ييبس العشب قبل أن يُقتلع.
إنها صورة للخدمة المظهرية المتشامخة، سرعان ما تزدهر، وسرعان ما تيبس وتُقتلع.
* هذا في الحقيقة طبيعة الوفرة (الازدهار) للذين يعيشون في الشر، جاذبية أمور هذه الحياة تظهر وتختفي من وقتٍ إلى آخر، ينقصهم العون والوجود الحقيقي. لهذا يلزم للشخص ألا يعطي اهتمامًا لهذه الأمور التي لا تدوم، بل يشتاق إلى الأمور الخالدة التي لا تفنى ولا تتغير[11].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* ربما تبدو مثل هذه الأمور للبعض تافهة ولا تستحق إعارتها الانتباه، لكن متى ركز الإنسان عيني ذهنه عليها فسيتعلم من أي عيب تخلّص الإنسان، وأي تدبير حسن توجده فيه. فإن الجري وراء الكرامات بطريقة غير لائقة لا تناسبنا ولا تليق بنا، إذ تظهرنا أغبياء وعنفاء ومتغطرسين، نطلب لا ما يناسبنا بل ما يناسب من هم أعظم منا وأسمى.
من يفعل هذا يصير مكروهًا، وغالبًا ما يكون موضع سخريَّة عندما يضطر بغير إرادته أن يرد للآخرين الكرامة التي ليست له... يلزمه أن يعيد ما قد أخذه بغير حق.
أما الإنسان الوديع والمستحق للمديح الذي بدون خوف من اللوم يستحق الجلوس بين الأولين لكنه لا يطلب ذلك لنفسه بل يترك للآخرين ما يليق به، فيُحسب منتصرًا على المجد الباطل وسيتقبل مثل هذه الكرامة التي تناسبه، إذ يسمع القائل له: "ارتفع إلى فوق".
إذن العقل المتواضع عظيم وفائق الصلاح، يخّلص صاحبه من اللوم والتوبيخ ومن طلب المجد الباطل..
إن طلبت هذا المجد البشري الزائل تضل عن طريق الحق الذي به يمكنك أن تكون بالحق مشهورًا وتنال كرامة تستحق المنافس! فقد كُتب: "لأن كل جسد كعشبٍ، وكل مجد إنسان كزهر عشب" (1 بط 1: 24). كما يلوم النبي داود محبي الكرامات الزمنيَّة، قائلًا لهم هكذا: "ليكونوا كعشب السطوح الذي ييبس قبل أن يُقلع" (مز 129: 6). فكما أن العشب الذي ينبت على السطح ليس له جذر عميق ثابت لذا يجف سريعًا، هكذا من يهتم بالكرامات الدنيويَّة بعد أن يصير ظاهرًا في وقت قصير كالزهرة يسقط إلى النهاية، ويصير كلا شيء.
إن أراد أحد أن يسبق الآخرين فلينل ذلك بقانون السماء، وليتكلل بالكرامات التي يهبها الله. ليسمُ على الكثيرين بشهادة الفضائل المجيدة، غير أن قانون الفضيلة هو الذهن المتواضع الذي لا يطلب الكبرياء بل التواضع! هذا هو ما حسبه الطوباوي بولس أفضل من كل شيء، إذ كتب إلى أولئك الذين يرغبون في السلوك بقداسة: أحبوا التواضع (كو 3: 12). وقد مدح تلميذ المسيح ذلك، إذ كتب هكذا: "ليفتخر الأخ المتضع (المسكين) بارتفاعه، وأما الغني فبتواضعه لأنه كزهر العشب يزول" (يع 1: 9-10). الذهن المتواضع والمنضبط يرفعه الله، إذ "القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 17).
من يظن في نفسه أمرًا عظيمًا وساميًا فيتشامخ في فكره وينتفخ في علو فارغ يكون مرذولًا وتحت اللعنة، إذ يسلك على خلاف المسيح القائل: "تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). كما قيل: "لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1 بط 5: 5). لقد أظهر الحكيم سليمان في مواضع كثيرة الأمان الذي يحل بالذهن المتواضع، إذ يقول: "لا تنتفخ كي لا تسقط" (ابن سيراخ 1: 30)؛ كما يعلن ذات الأمر بطريقة تشبيهية: "المعلي بابه (بيته) يطلب الكسر" (أم 17: 19). مثل هذا يبغضه الله بعدل إذ يُخطئ في حق نفسه ويود أن يتعدى حدود طبيعته بغير شعور..
أسألك، على أي أساس يظن الإنسان في نفسه أمرًا عظيمًا...؟!
ليت كل إنسان ينظر إلى حاله بعينين حكيمتين، فيصير كإبراهيم الذي لم يُخطئ في إدراك طبيعته بل دعي نفسه ترابًا ورمادًا (تك 18: 27)[12].
كما أن العشب الذي ينبت على السطح ليس له جذر عميق ثابت لذا يجف سريعًا، هكذا من يهتم بالكرامات الدنيوية بعد أن يصير ظاهرًا في وقت قصير كالزهرة يسقط في النهاية ويصير كلا شيء[13].
القديس كيرلس الكبير
الَّذِي لاَ يَمْلأ الْحَاصِدُ كَفَّهُ مِنْهُ،
وَلاَ الْمُحَزِّمُ حِضْنَهُ [7].
بدأ المزمور بخدمة الصليب، حيث يُصلب المؤمنون الحقيقيون مع السيد المسيح المصلوب. يحتملون الآلام والحرث على ظهورهم، فيصيرون أشبه بفردوسٍ مثمرٍ يحمل ثمر الروح. وينتهي بخدمة الشكليات والمظهريات التي تهرب من الصليب، وتطلب الأمجاد الزمنية، فتكون كعشب السطوح الذي يظهر ابن يوم وييبس قبل أن يُقلع.
خدمة الصليب تبدو كأنها فاشلة، إذ كاد أن يترك الجميع المصلوب يوم صلبه، حتى تلاميذه هربوا، والذين تمتعوا بأعمال محبته لم نسمع لهم صوت، ربما بعضهم كانوا ضمن الصارخين: "اصلبه! اصلبه!" أما خدمة الشكليات فبرّاقة وتبدو ناجحة ومزدهرة وجذابة للنفوس. لكن لننظر فنرى مجد قيامة المصلوب! وانهيار الخدمة الشكلية!
* ينمو عشب السطوح على قرميد أسطح البيت، يُرى في العلا وبلا جذور. كم كان أفضل له لو أنه نما في الأسافل، لكان قد أزهر وسبب فرحًا عظيمًا!
إذ ظهر في العلا، يبس سريعًا. لم يُقلع لكنه يبس.
لم يصدر بعد ضده حكمًا من الله، ومع ذلك استنزف حيويته.... سيأتي الحاصدون لكنهم لا يملأون حزمهم منهم. سيأتي الحاصدون وسيجمعون الحنطة في البيدر، ويربطون الزوان معًا، ويطرحونه في النار. هكذا أيضًا عشب السطوح يُزال، وما يُقتلع منه يُلقى في النار، لأنه قد يبس حتى قبل أن يُقتلع. "لا يملأ الحاصد كفه منه، ولا المحزِّم حضنه" [7] والحاصدون هم الملائكة، يقول الرب (مت 13: 39)[14].
القديس أغسطينوس
* مرعب هو الموسم غير المثمر، والذي تحدث فيه خسارة في المحاصيل... مرة أخرى مرعب هو الحصاد الغير لائق، عندما يعاني الفلاحون من ثقل قلوبهم، فيجلسون بجوار قبر محاصيلهم الذي أنعشته الأمطار الخفيفة، لكن الزوابع اقتلعته، "الذي لا يملأ الحاصد كفه منه، ولا المحزِّم حضنه" (مز 129: 7). ولا ينالون البركة التي يمنحها العابرون بالمزارعين. بالحقيقة إنه لأمر بائس هو التطلع إلى أرضٍ قفر، نُزع عنها زينتها، هذه التي يولول يوئيل عليها في صورة المأساة الشديدة لخراب الأرض وفاجعة المجاعة (يوئيل 1: 10). يولول نبي آخر عندما يقابل جمالها السابق بالفوضى التي حلت بها في النهاية، وبهذا يتحدث عن غضب الرب عندما يضرب الأرض: أمامه جنة عدن، وخلفه برية قفر[15].
القديس غريغوريوس النزينزي
وَلاَ يَقُولُ الْعَابِرُونَ:
بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ.
بَارَكْنَاكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ [8].
يكشف لنا سفر راعوث عن عادة جميلة كانت قائمة، ألا وهي عندما يعبر صاحب الحقل بالحصادين، يحييهم قائلًا: "الرب معكم". ويجيبونه: "يباركك الرب" (را 2: 4).
* أنتم تعرفون أيها الإخوة أنه من العادة عندما يعبر أناس على عاملين يخاطبونهم، قائلين: "بركة الرب عليكم".
هذه العادة كانت سائدة على وجه الخصوص في الأمة اليهودية... إنه لا يجوز لأحد يعبر ويرى أحدًا يمارس أي عملٍ في حقلٍ أو كرمٍ أو حصادٍ أو أي شيء من هذا القبيل دون أن يبارك... من هم العابرون؟ هؤلاء الذين بالفعل عبروا هنا في مدينتهم خلال الطريق، أي خلال هذه الحياة، وهم الرسل والأنبياء. من الذين باركهم الأنبياء والرسل؟ هل الذين رأوا فيهم جذور المحبة!
القديس أغسطينوس
إن كان يليق بصاحب الحقل حين يلتقي بالحصادين أن يحيي الواحد الآخر بأن الله حاضر في وسطهم، وأنه يبارك صاحب الحقل، فيليق بالمؤمن أيضًا إلا ينشغل بخطاياه السابقة لئلا بتذكرها يفسد نقاوة قلبه. هذا ما تحدث عنه الأب بفنوتيوس في مناظرته مع القديس يوحنا كاسيان.
* أما بالنسبة لما قلته منذ قليل، أنه بسبب هدف موضوع أمامك لا تريد أن تذكر خطاياك السابقة مرة أخرى، فبالتأكيد يلزم ألا تذكرها، إلا إذا باغتتك بغير إرادتك، فللحال أطردها فإنها تحرم الروح بقوة عن التأمل النقي، خاصة بالنسبة للمتوحد، فهي تعرقله في وصمات هذا العالم وتغرقه في الخطايا النجسة. فبينما تتذكر الأمور التي كنت تصفها في جهل وطيش... فإنه حتى وإن كنت في تذكرك لها لا تشعر بلذة، فلا أقل من أن عفونة النجاسات تفسد روحك برائحتها الكريهة وتبطل أريج رائحة الحياة الصالحة، أي رائحة الطيب الذكية.
عندما تخطر بذاكرتك الخطايا السابقة، اهرب منها كما يهرب الإنسان البار الشريف متى وجد امرأة عاهرة شريرة تطلبه في الطريق العام بواسطة حديثها معه أو تقبيلها إيَّاه. فإنه إن لم يهرب منها للحال، متباطئًا في الحديث معها بأحاديث مشوبة، فإنه وإن رفض التمتع باللذة المعيبة إلا أنه لا يقدر أن يتجنب احتقار العامة له ونظرات السخرية المتسلطة عليه. هكذا نحن أيضًا، بتذكرنا المهلك هذا نسقط في أفكار كهذه. لهذا يلزمنا أولًا أن نمتنع عن التمسك بها، منفذين وصية سليمان القائل لا نذهب إلى هناك ولا نبطئ في مكانها، ولا نثبت نظرنا عليها، لئلا عندما ترانا الملائكة المارة بنا، أننا مشغولون بأفكار نجسة، فلا تقدر أن تقول لنا: "بركة الرب عليكم" (مز 8:129). فإنه يستحيل أن يستمر الفكر مشغولًا في الأمور الصالحة، إن كان النصيب الأكبر من القلب غارقًا في تأملاته الأرضية الشريرة. لقد حق قول سليمان: "عيناك تنظران الأجنبيات، وقلبك ينطق بأمور ملتوية. وتكون كمضطجع في قلب البحر أو كمضطجع على رأس سارية. يقول "ضربوني ولم أتوجع. لقد لكأُوني ولم أعرف" (أم 33:23-35).
يلزمنا أن نهجر لا الأفكار الشريرة فحسب، بل والتفكير في الأمور الزمنية، رافعين اشتياقات نفوسنا نحو الأمور السمائية كقول مخلصنا: "حيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي" (يو 26:12). لأنه يحدث أيضًا حتى من باب العطف أن نفكر في سقطات الغير أو أخطائهم، فنتأثر باللذة ونسقط بالتالي في هموم الآخرين. فتكون النتيجة أن ما بدأنا به حسنًا ينتهي نهاية مهلكة، لأنه "تُوجَد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم 12:14)[16].
الأب بينوفيوس
مزمور 129 (128 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - مع المسيح صُلبت
من وحي المزمور 129

مع المسيح صُلبت!


* الباب ضيق، والطريق كرب،
لكن ما ذقت في رفقتك، فهو عذب وحلو!
هب لي أن أختفي فيك،
فأستعذب كل ما يحلّ بي.
* أنت تقطع رُبط الأشرار،
كل ما يبذلونه من مقاومة ومضايقات يصير باطلًا.
يودون تدمير حياتي،
لكنك أنت هو حياتي الأبدية،
من يقدر أن يحطم شركتي معك؟!
* يود الأشرار أن يدفعوني إلى الخزي والعار،
لتكشف لهم شرهم، فيخزون مما يمارسونه.
يرجعون إليك فيتقدسون.
* هب لي أن استعذب الصليب معك.
فأحمل أتعاب الآخرين بفرح.
وتبتهج نفسي بقوة قيامتك العاملة فيّ.
لست أطلب الثمر السريع،
إنما أفرح بحضورك الإلهي وسط آلامي.
* لتجتذبني إليك، فلا أنشغل ببريق المظاهر الخارجية.
لا أكون كعشب السطوح الذي يراه الكثيرون.
بل أُغرس بروح التواضع،
فأنال بركة صليبك!
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 147 (146، 147 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 122 (121 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 118 (117 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 117 (116 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير


الساعة الآن 07:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024