بيوت الخلوة
لعل أول بيت خلوة أنشئ للشبان كان في دير السريان سنة 1952، في أيام المتنيح الأنبا ثاؤفيلس حيث كان الغرض من إنشائه هو احتضان الشباب الناضج من الخدام والقادة الروحيين والذين يتدربون على الحياة النسكية تمهيدًا لالتحاقهم بالدير، حيث يوفر الدير لمثل أولئك المرتادين بيت الخلوة، الإقامة والطعام، في حين كان الشاب قادرًا على الاستفادة من المكان والفرصة، وسط مناخ روحي هادئ يستعيد فيه عافيته الروحية ويدرس ما يعن له من قرارات، وهكذا يحتضن الدير جهاده خلال تلك الأيام القلائل التي يقضيها في رحابه.
غير أن الأمر الآن قد تغير إلى حد كبير، فقد تم إنشاء بيت للخلوة في كل دير، أحد هذه البيوت يسع لثلاث مئة شاب، وأعدت برامج للخلوة لمساعدة الشبان على الاستفادة من تواجدهم بالدير، واحتاج الأمر بضرورة الحال إلى إشراف رهباني من قبل الدير حتى يضمن لبيت الخلوة تحقيق رسالته، بل تطور الأمر إلى الحاجة إلى تعليم الشاب في الدير كيفية الصلاة ودراسة الكتاب المقدس وكيف يتدرب على الصمت والهدوء والعمل وضبط الفكر، ومن ثم يدفع الآباء الكهنة في الكنائس بالشباب إلى بيوت الخلوة بالأديرة بغية التزود بقوة روحية ونسكية.
خلال فترة الخلوة يتسنى للشاب التعامل مع رهبان الدير عن قرب من خلال الصلاة والتسبيح والعمل وملاحظة سلوكهم وسماع كلماتهم، فيعود بعد فترة الخلوة محملًا بالعديد من الانطباعات والذكريات ينقلها بدوره إلى آخرين، حيث تكون الأيام التي قضاها في الدير مشحونة بكل ما هو مختلف عن عاديات الحياة في المدينة (تغير الآن دور بيوت الخلوة من مجرد استقبال شباب ناضج روحيًا وإفساح المجال لهم ليتعبدوا في هدوء.. يصلون ويقرئون ويدرسون -دون أن يمثل وجودهم عبئًا على الدير أو إخلالًا بنظامه وهدوئه- إلى حركة منظمة لمجيء ورحيل الشبان والإشراف عليهم عن قرب وتعليمهم، وكثيرًا ما يسبب شباب الخلوة في الأديرة الضوضاء والتجاوزات، مما قد يقلق الآباء، حتى أن ذلك قد يعطل عمل بيوت الخلوة ذاتها، ولربما كان من المناسب توعيتهم من المناسب توعيتهم من قبل آباء اعترافهم أو خدامهم بطبيعة الأديرة وكيفية السلوك فيها، وذلك قبل اتجاههم إليها في خلوة).