منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 03 - 2014, 12:25 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,310

القديس موسى الأسود المدبر الروحي

عجيب أن يصبح هذا الإنسان ليس راهبًا فاضلًا فحسب دائمًا مرشدًا لكثيرين، وقد كتب عنه أنه كان أب ومرشد لعدد خمسمائة راهب، وعوض السبعين لصًا الذين تلمذهم وعلمهم صنوف وألوان الجرائم والموبقات، أصبح عمله أن يأخذ بأيدي المبتدئين من الرهبان ليسلمهم طريق الفضيلة بحكمة وإفراز نادرين، يعكسان اعتداله الشديد في الفكر والعمل.. بل وأنه ترك عند نياحته سبعين تلميذا من الرهبان، وكأنّه يسدد الدين الذي عليه!!
والذي يقرأ أقواله الآن ومواقفه وردود أفعاله يدرك وكأن القديس يحيا حياته وكأنه يعيش مع كل منا في مخدعه وفي خدمته، إنه يذكرنا بالقديس بولس والذي تحول من أعظم مضطِهد إلى أكثر المضطهَدين في الكنيسة "فإنكم سمعتم بسيرتي قبلًا في الديانة اليهودية أني كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها" (غلاطية 1: 13).
ومن الطريف أن يهاجمه أربعة من اللصوص في بدايات حياته الرهبانية حيث كانت قلالي الرهبان المتفرقة في الجبل هدفًا للصوص، مثلما أصبحت الأديرة كلها هدفًا لهجمات البربر فيما بعد، والتي اُستشهد موسى في إحداها.. ولكن موسى يقتاد اللصوص الأربعة مقيدين إذ كانت قوته الجسدية ما تزال فيه، وسلمهم للآباء في الدير ليروا ماذا يصنعون معهم، ولكنهم طلبوا إليه أن يتعامل هو معهم، فأكرمهم كثيرًا وتلاطف معهم، فتأثروا بذلك ولكن غبطتهم ازدادت وكذلك دهشتهم عندما عرفوا أن مضيفهم ما هو إلا موسى اللص الشهير، فتابوا على يديه، وتفيد بعض المصادر أنهم حذوا حذوه في الطريق الرهباني.
القديس موسى الأسود المدبر الروحي
فى التوبة وعدم الإدانة:

يجدر بالذكر أنه انتهج منهج التلطف بالخطاة والتدرج الروحي مع المبتدئين، ويقول ذات مرة "لا تكن قاسي القلب على أخيك لأننا جميعًا قد تغلبنا الأفكار". ولاشك أنه يقول ذلك من واقع خبرته الشخصية مع أبيه القديس ايسيذورس وكلاهما متمثل بسيده الذي قال عنه القديس بولس "لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 2: 18).
كما طبق ذلك عمليًا حين دُعي إلى مجلس تأديب لراهب مخالف، وقد رفض الحضور في البداية، ولما ألح عليه الآباء، فاجأهم بالدخول وهو يحمل على ظهره قفة مثقوبة يجرى منها الرمل من ثقب في أسفلها، فلما استفسر الآباء منه عن مخزى ذلك أجاب أن هذه هي خطاياه قد تركها خلفه حتى لا يراها بينما جاء اليوم ليدين غيره على خطاياه، وقد قيل أن الآباء تأثروا بمسلكه هذا فغفروا للراهب المخطئ إكرامًا للقديس موسى، ولعل الآباء اكتفوا بأن يرى الراهب ما فعله القديس موسى كدرس هام له، لا يقل عن العقوبة.
وكان يقول دائمًا: "إذا تذكر الإنسان خطاياه فإنه لن يقدر أن يدين الآخرين على خطاياهم" ويبدو أن حياة موسى السابقة وما فيها من شرور كانت ماثلة أمام عينيه، ولكن ليس لُتوقعه في اليأس مثلما حاول الشيطان في البداية، وإنما لكي ينسحق أمام الله مستدرًا مراحمه.
في هذا الإطار يقول القديس موسى: "إياك أن تسمع بسقطة أحد إخوتك لئلا تكون قد دنته خفية. وقال كذلك: "خير للإنسان أن يضع نفسه للموت من أن يضع جاره، ولا يدينه في شيء ما".

القديس موسى الأسود المدبر الروحي
’سئل القديس موسى ذات مرة عما يفعله أحد العمال الذي ’يضرب كثيرًا ويهان من صاحب العمل، فقال القديس: إذا كان العامل تقيًا فليعتذر ويطلب المغفرة، وأردف السائل وماذا بعد ذلك، أجاب القديس لاشيء، لأنه في اللحظة التي يأتي فيها الإنسان بالملامة على نفسه فإنه ينال رحمة من الرب، والأكثر من ذلك هو الحذر من أن يدين الآخرين فهذا هو كمال الفضيلة. ويردف القديس موسى فيقول للسائل مكتوب أنه عندما قتل الرب أبكار المصريين لم يكن هناك بيتًا خاليًا من ميت، ولما استفسر السائل عن مغزى ذلك، فقال: "إن كنا متيقظين لرؤية خطايانا فلن نرى خطايا الآخرين، كما أنه من الحماقة أن يترك الإنسان في بيته ميت ثم يذهب ليبكى على ميت غيره، ثم قال القديس " فانظر إلى خطاياك واقطع اهتمامك بأي إنسان ولا تشي بأحد، ولا تفكر بالشر على إنسان، ولا تصادق النمامين، ولا تسمع بسقطة أخيك".
ويتحدث القديس موسى عن ضرورة أن يموت الإنسان عن قريبه، فهذا معناه أن يهتم الإنسان بخطاياه، دون الاهتمام بخطايا الآخرين، صالحة كانت أم رديئة، وأن لا تؤذِ أحدًا، ولا تفكر بقلبك في خطايا الآخرين، ولا تحتقر من يفعل الشر، ولا تتعاون مع من يفكر بالشر على الآخرين، ولا تفرح بأذية الآخرين، وهذا هو معنى أن يموت الإنسان عن قريبه.
القديس موسى الأسود المدبر الروحي
هكذا نلاحظ كيف أكد الآباء على ضرورة الاهتمام بخطايا الإنسان نفسه لا خطايا الآخرين، ربما لأن أكثر الخطايا انتشارًا هي خطايا الإدانة، وهي خدعة شيطانية لا شك، بها ينشغل الإنسان عن خلاصه. محاولًا إقناع نفسه أنه ليس الخاطئ الوحيد فالكل خطاة ولعله أفضل من كثيرين! وهكذا لخطية الإدانة شقان، الأول: اقتراف خطية إدانة الآخرين، والثاني: ترك الخطايا الشخصية لتتراكم دون تنقيتها والتخلص منها.
يقول القديس موسى في هذا الإطار أيضًا:
"لا تتكلم بشرٍ على أحد، بل بالحري ’قل الله يعرف كل إنسان، ولا’تسر بالحديث الشرير، ولا تسلم إرادتك لمن يدين قريبك، هذا معنى قول الرب "لا تدينوا فلا تدانوا" ولا تجعل في قلبك عداوة لأي إنسان، ولا تبغض من يعادى قريبه ولا تدن عداوته ولا تغضب على أخ يغضب على قريبه، لأن هذا هو السلام الحقيقي أن تشبع نفسك بهذا الفكر: الضيق يستمر لوقت قصير، في حين أن السلام أبدى بنعمة الله الكلمة".
هنا تدرج رائع في تعليم القديس عن عدم الإدانة فهو يرى أنه خطية، ثم أنه يشغلنا عن عيوبنا نحن والتي يجب أن تكون شغلنا الشاغل، ثم يوصي بألاّ ندين الذي يدين!! وألا نغضب ممن يغضب من قريبه!! والخلاصة ألاّ ندين بشكل من الأشكال...
القديس موسى الأسود المدبر الروحي
كان في الإسقيط شيخ أُصيب بمرضٍ شديد، وكان الإخوة يخدمونه ولكنه لم يجد راحةً في خدمتهم، فقال الشيخ: ”سأذهب إلى مصر (القاهرة الآن) حتى لا أخطئ إلى الأخوة“، فقال له أنبا موسى: ”لا تذهب لأنك ستسقط في الزنى“. فقال الشيخ وهو متكدِّر: ”ها جسدي ميت وأنت تقول لي هذا“؟
ثم ذهب ليُعالَج عند أقربائه، ولما علم الناس أتوا إليه بهدايا كثيرة وأدوية جيدة وتهافتوا على خدمته حتى تحسَّنت صحته، ولكن الشيطان كمُن له في ممرضةٍ شابةٍ كانت تخدمه بإخلاص، وهو كان يستلطفها ثم تطورت علاقته بها حتى أخطأ معها فحبلت. وقالت للناس إنّ الشيخ هو سبب ذلك فلم يصدِّقوها، ولكن الشيخ قال في نفسه: ”أنا هو المذنب، وعليَّ أن أرعى طفلها“.
علم الآباء في شيهيت بالخبر المحزن فقدَّموا صلوات حارة من أجله، واستجاب الله لتوسلاتهم، فشعر الشيخ بالندم وقرر العودة في يوم عيدٍ حتى يكون لاعترافه بخطيئته وقعٌ أكبر، وكان الطفل قد فُطِم، فذهب الشيخ إلى ديره ومعه الطفل ودخل الكنيسة في حضرة جميع الرهبان الذين لما رأوه انفجروا في البكاء. ثم قال لهم الشيخ: ”أَترون هذا الطفل؟ إنه ابن عدم الطاعة. احترسوا، إذًا، يا إخوتي لأنني في شيخوختي فعلتُ هذا، وصلُّوا من أجلي لكي يرحم الله نفسي“. ثم وضعوا عليه قانونًا، ورجع إلى قلايته حيث استرجع أسلوب حياته السابقة.
قال أنبا يوحنا تلميذ الأب يعقوب: ”كان أنبا موسى كثيرًا ما يقول في الإسقيط: ’إذا صنع الراهب مشيئة الرب ولكنه سكن مع أهله حيث يرتمي عليهم، فسيُلقى هو أيضًا بعد الموت معهم‘‘.
القديس موسى الأسود المدبر الروحي
تدبير الفكر:

يعطى القديس منهجًا للمجاهدين فيما يتعلق بالفكر، فيقول: "عندما تستيقظ عند الصباح تذكّر أنك ستعطى الله جوابًا عن كل أعمالك وأنت لا تخطيء أبدًا، بل وتسكن فيك مخافة الله، تذكر دائمًا أنك يومًا ما ستلتقي بالرب وسوف تصنع ما يرضيه، افحص نفسك ههنا واعرف ماذا ينقصك حتى تنجو من الشدة -ساعة الموت- ويبصر أخوتك أعمالك فيمتلئوا غيرة، اختبر نفسك كل يوم وانظر أي الأوجاع غلبت، ولا تثق في ذاتك بل لتعرف أن الرحمة والمعونة هما من عند الله، ولا تظن في نفسك أنك اقتنيت شيئًا من الصلاح حتى آخر نسمة في حياتك،لا تقل في نفسك "من مثلى أنا" لأنك لا يمكن أن تطمئن من جهة أعدائك، ولا تثق في نفسك ما دمت في الجسد إلى أن تعبر من سلاطين الظلمة.
وعن مواجهة الأفكار يقول "ليكن قلبك شجاعًا من جهة الأفكار حتى تخف عنك، أما الذي يخاف منها فهي تسحقه، كذلك الذي يفزع منها هو كمن لا إيمان له بالله، أما الذي يطرح ذاته قدام المسيح بكل قلبه يصير أقوى منها".
وهذا جانب من القوة الروحية القديس موسى، ومن بين الأسباب التي جعلته قويًا في رهبنته وجهاده، ألاّ يتراجع أمام الحروب، فالشيطان مثل وحش رديء من يهرب منه يطارده ومن يجرى وراءه يهرب منه.. حقًا يقول الكتاب "اطبعوا سكاتكم سيوفًا ومناجلكم رماحا ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل 3: 10). ثم يعود فيحذر من الشبع من النوم، والذي من شأنه أن يولّد الأفكار ويثيرها، في حين أن السهر بمقدار يعين على خلاص النفس، النوم الكثير يولد كثرة الخيالات، والسهر بمعرفة ُيزهر العقل ويجعله مثمرًا، النوم الكثير يجعل الجسم كثيفًا، والسهر بقدر يجعله لطيفًا، من ينام بمعرفة أفضل ممن يسهر في الكلام البطال..
ليلاحظ القارئ كيف يركّز القديس موسى على الاعتدال.."النوم بمعرفة.. والسهر بمقدار"، وهو يؤكد هنا أنه قد وَعَى الدرس جيدًا، حين طلب إليه القديس إيسيذورس أن يتعقل في جهاده، إذ كان مندفعًا في البداية كما أسلفنا، وسنلاحظ أن هذا التدبير قد صار منهجه في الحياة النسكية: يحياه ويسلمه لتلاميذه، إذ من الخطورة أن يجنح الإنسان سواء جهة اليمين أو جهة الشمال، حسنًا قال الآباء أن "الطريق الوسطى خلصت كثيرين".
القديس موسى الأسود المدبر الروحي
ولاشك أنه من أكثر الآباء الذين اختبروا حروب الأفكار وثقلها، وذلك بسبب الرصيد الضخم لديه من الخبرات السلبية والتي كانت تطفو على صفحة عقله بين آن وآخر، لاسيما عندما يتهيأ للصلاة، ولعل أفكار الشهوة من أشد حروب الفكر ضراوة بالنسبة للمجاهد.
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الأنبا موسى الأسود | جسد القديس موسى الأسود
القديس موسى الأسود يتقابل مع القديس ايسيذورُس
القديس الأنبا موسى الأسود والثعبان المشوي
القديس موسى الأسود
القديس موسى بالأسود وتدبيره الروحي


الساعة الآن 02:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024