|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ب - تفسير سفر المزامير الوصية كنز مخفي [9-16] بدأ المرتل تسبحته الخاصة بالوصية بالتطويب ليعلن أن الله ليس بالآمر الناهي، إنما هو محب البشر الذي يطلب لهم الحياة المطوبة أو الحياة الفردوسية المفرحة أو شركة المجد الأبدي. في القطعة الثانية أو الاستيخون الثاني يتحدث المرتل مع الشاب بكونه الكنز الذي يفرح به الله ليقدم له وصيته كنزًا مخفيًا. 1. بماذا يقوم الشاب طريقه؟ 9. 2. الوصية تقدس قلب الشاب 10-11. 3. الوصية وحياة التسبيح 12. 4. الوصية وشهادة الشاب لها 13. 5. الوصية غنى الشاب 14. 6. الوصية وحياة الهذيذ 16. من وحي المزمور 119 (ب) 1. بماذا يقوم الشاب طريقه؟ خلق الله الإنسان لا ليذله أو يسيطر عليه، وإنما ليمجده بالكرامة والسلطان (مز 5:9)، وها هو يقدم له وصيته كنزًا مخفيًا ليقيم منه "ابنة الملك" التي مجدها من الداخل (مز13:45). الأن إذ يكشف عن الوصية ككنزٍ مخفيٍ يوجه حديثه إلي الشاب، حتى يتفهم الإنسان أن الوصية ليست أمرًا ثانويًا تقدم للطفل البسيط الذي لا يفكر كثيرًا أو للشيخ الذي حطمه الزمن، وإنما يقدمها للشاب الذي يتطلع إلي مستقبله بنظرة تفاؤلية في طموحٍ. فإن كان الشاب طموحًا نحو مجدٍ أو غنى أو علمٍ فليتلامس أولًا مع وصية الرب القادرة أن تقدس أعماقه وتسنده في جهاده الزمني دون انحرافٍ. وصية الرب هي قانون الشباب، قادرة أن تهبهم روح الطهارة والعفة. ذاك الذي صار إنسانًا لأجلنا مرّ بمرحلة الشباب لكي يقدم لكل شاب حياته الطاهرة عاملة فيه، مكرسًا حياة الشباب لحساب ملكوته. * ربما كان هذا نصيحة عن السن الذي فيه بالأكثر نهتم بتصحيح مسارنا، وذلك كما كُتب في موضع آخر: "يا ابني اجمع تعليمًا منذ شبابك لكي تجد الحكمة عندما يشيب شعرك". القديس أغسطينوس تقديم الكتاب المقدس الوصية للشاب أولًا إنما هو تكريم له وإعلأن عن تقدير الله لحياته وقدراته. الأن، من هو هذا الشاب الذي يحتاج إلي تقويم طريقه بحفظه أقوال الله [9]؟ أ. كل الشباب بوجه عام، ففي هذا السن ينتقل الإنسان من مرحلة الطفولة البسيطة إلي المراهقة المجاهدة، خاصة مع أفكار الجسد؛ لذا يحتاج إلي كلمة الله التي تكشف له عن قدسية جسده، وتعلىة عواطفه وإضرام مواهبه دون تطرف أو انحراف. يقول العلامة أوريجينوس: [هذه الأقوال الإلهية التي بُذرت في الكتاب الإلهي، إن حُفظت لا تترك الإنسان يسير في طريق منحرف... يقول إرميا: "جيد للرجل أن يحمل النير في صباه" مرا 27:3. فإن من يحمل النير بعدما يعبر صباه أي بعدما يرتكب الخطايا؛ أي لم يسلك في الصلاح حالًا... مثل هذا يلزمه أن يسلك بتدقيق، لمحو الخطايا السابقة (بالتوبة). أما من يحمل النير منذ صباه، أي يكتسب الصلاح فورًا، إذ لا تجتذبه ثقل الخطايا، لا يُقال له: "ما لم تجمعه في صباك، كيف تجده في شيخوختك؟] لنبدأ حياتنا مع الرب منذ صبانا دون تأجيل فنجمع بروح الرب ما يسندنا في شيخوختنا، أي عندما نتعرض لضعف روحي! ب. يرى العلامة أوريجينوس أن كثيرين من الذين بلغوا سن النضوج لا يزالوا يسلكون كشباب في شهوات بلا ضابط، بينما يُوجد شباب حسب الجسد وهم شيوخ مختبرين ذو حكمة روحية عملية. ج. من هو هذا الشاب الذي يجب تقويم طريقه بحفظ أقوال الله إلا جماعة الأمم الذين قبلوا "كلمة الله" المتجسد، بينما رفض قادة اليهود الذين نالوا معرفة وشرائع ونبوات كأنهم شيخ، لكنهم رفضوا كلمة الله ولم يحملوا نير صليبه. * الشعب الذي كان منتسبًا للأمم في حداثته، وهو الذي كان يسير في طرق معوجة قبل قبوله الإيمان. كيف يمكن لهذا الشعب أن يقوِّم طريقه إلا بحفظه أقوالك، أي كلمات الرب؟! العلامة أوريجينوس * الشاب هو الشعب الأممي الذي آمن بالمسيح، هذا الذي كان سالكًا طريقًا معوجة، لكنه يقومها بحفظه أقوال الله التي أوصى بها تلاميذه كي يعلموها للمؤمنين حين قال لهم: "علموهم حفظ جميع ما أوصيتكم به". أنثيموس أسقف أورشليم يقول يوسابيوس القيصري إن كلمة "يقوِّم" جاءت في ترجمة سيماخوس: "ينير". [بماذا ينير الشاب طريقه؟ هنا يعلمنا المرتل أن الشاب وهو مملوء بالدنس والنجاسة يحتاج إلي تطهير (واستنارة)، إذ يتساءل المرتل: "بماذا ينير الشاب طريقه؟ وجاءت الإجابة: بحفظه أقوالك!"] إن كانت الخطية تفسد القلب أي البصيرة الداخلية، فإننا في حاجة إلي أقوال الرب بكونها النور الذي يبدد الظلمة. يربط القديس أمبروسيوسبين هذه العبارة [9] وبين قول المرتل: "قلت: إني أحفظ طريقي، وضعت على فمي حافظًا" مز1:39، قائلًا: [توجد بعض الطرق التي ينبغي أن نتبعها، وطرق أخري يجب أن نتحفظ منها. يلزمنا أن نتبع طرق الرب، ونتحفظ من طرقنا لئلا تقودنا إلي الخطية. يمكن للشخص أن يتحفظ إن كان غير مسرعٍ في الكلام. يقول الناموس: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهك..." تث 4:6. لم يقل: "تكلم"، بل "اسمع". سقطت حواء لأنها قالت للرجل ما لم تسمعه من الرب إلهها. كلمة الرب الأولى تقول لك: "اسمع!" إن كنت تسمع فإنك تُحفظ من طرقك، وإن سقطت اصلح طرقك سريعًا. لأنه "بماذا يُقوِّم الشاب طريقه إلا بحفظه كلمة الرب؟!" [9]. أول كل شيء كن صامتًا واسمع فلا تسقط بلسانك1.] القديس أمبروسيوس إذ يقول المرتل: "لا تبعدني عن وصاياك" [10] يتساءل البعض: هل يبعدنا الله عن وصاياه؟ أو كما يترجمها البعض: "يضلنا" عنها؟ * نتساءل ما إذا كان الرب هو الذي يجعلنا نضل عن الوصايا الإلهية. قد يفكر البعض هكذا... يقول النبي: إنني لم أطلبك ظاهريًا وسطحيًا وإنما: "من كل قلبي طلبتك"، لهذا فلتكافئني بأن لا تبعدني (تُضلني) عن وصاياك. لنفحص هذا النص ونحاول أن نوفق بينه وبين القول: "كل من له يُعطى ويزداد، ومن ليس له - حتى وإن ظن أن له - فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 29:25). نقول إن الذي يطلب من كل قلبه، يُعطى له بالعون الإلهي ما ينقصه حسب طبيعته البشرية حتى يتمم كل وصايا الرب. أما من لا يطلب الرب بكل قلبه، ممارسًا أعمال الرب بتراخٍ (إر 10:31)، فسيؤخذ منه ما يظن أنه يعمله كأعمال الله. حقًا لقد أبعد الله شعب الختان عن وصاياه، محطمًا بذلك الأمور المنظورة التي للوصايا؛ حطم الهيكل وكل ما كان خاصًا بالرب لإتمام العبادة حسب الشريعة التي حفظوها حرفيًا. العلامة أوريجينوس يعتمد أبوليناريوس على ترجمة أكيلا: "لا تجعلني أخطئ سهوًا"، فيقول إن المرتل يخشى ألا يفهم وصايا الله جيدًا كما يحدث مع كثيرين خلال نقص الإدراك السليم مما يجعلهم يفهمونها بخلاف ما تعنيه فيسلكون في غير استقامة. وكما يقول الحكيم سليمان: "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة ولكن نهايتها يصل إلي أسفل الهاوية" أم 12:14. 2. الوصية تقدس قلب الشاب ربما كان داود النبي شابًا حين وضع هذا المزمور أو على الأقل الأجزاء الأولى منه. لقد أدرك كشاب حاجته إلي الوصية الإلهية، كي ينير الرب بصيرته فيكتشف أعماقها ويختبر قوتها في حياته. لهذا يصرخ قائلًا: "من كل قلبي طلبتك، فلا تبعدني عن وصاياك" [10]. إذ أدرك المرتل إمكانية الوصية في تقديس قلبه، صار يطلب من الله بإخلاص، بكل طاقاته الداخلية ألا يحرمه من وصيته. وفي نفس الوقت كلما تمتع بخبرة الوصية في أعماقه يزداد لهيب قلبه نحو طلب الله. إنها سلسلة حب ناري فيها يمارس الشاب الطلبة الدائمة مع اكتشاف الوصية الإلهية، كل منهما تسند الأخرى. جيد للمؤمن أن يقرأ الوصية أو ينصت إليها أو يحفظها عن ظهر قلب لكن هذا كله لا يحفظه من الشر ما لم يطلبها ويشتهيها من كل قلبه. لهذا نطلب من الله أن يرفع عن قلوبنا البرقع فنلتقي بكلمة الله في أعماقها ونحاورها ونتجاوب معها لخلاصنا. * الذي لا يحطم ذهنه وعقله بالعالميات يطلب الله من كل قلبه، أما من ينشغل تارة في طلب الخلاص وأخرى في الشهوات الجسدية وهموم العالم الذميمة، فإنه يلبث في الأخيرة ويصير بعيدًا عن وصايا الله ولا يفهمها. أنثيموس أسقف أورشليم * بما أن ذكر الله يجعلنا نهرب من الشباك الشيطانية، وحيث إنني كرست لك يا إلهي كل عقلي وكل إدراكي، لذا فأنا لا أستحق أن أمكث خارج وصاياك. البابا أثناسيوس الرسولي إذ يسلم الشاب حياته بين يدّي الله يسأله ألا يبعده عن وصاياه، بمعنى أنه حتى إن اشتاق في لحظات ضعفه أن يترك الوصية فليصده الله بكل وسيلة، ولو بتأديبات قاسية. بذات الروح يصرخالقديس أغسطينوس في لحظات توبته، قائلًا: "إن قلت لك توبني غدًا، فلتكن توبتي الأن". هذا هو الحب الحق أن يلقي الشاب بأرادته بين يديْ الله ليوّجهها الله حسب أرادته الصالحة... لا يقف الأمر عند إعلأن المرتل الشاب اشتياقه ألا يحرمه الله من خبرة الوصية وإدراك أعماق معانيها، وإنما يعترف لله بأنه يتلقف الوصية من يديه ككنزٍ ثمينٍ لا يأتمن أن يودعه إلا في قلبه... يخفيه فيه حتى لا يتسلل إليه عدو ويغتصبه منه. إنه يخفي الوصية في قلبه لكي يلهج فيها لبنيانه الداخلي، ولكي يشهد لها أمام الغير في الوقت المناسب. إنه لا يخفيها في عقله لئلا تضيع من ذاكرته، إنما في قلبه لكي بالحب تتحول إلي عملٍ مبهجٍ. يخفي المرتل الوصية في أعماقه لتقدسه فلا يخطئ إلي الله، إذ يقول: "أخفيت أقوالك في قلبي، لكي لا أخطئ إليك" [11]. * إنه يخطئ في حق الله من يظن أنه مستحق أن يعلن عن الأقوال المخفية التي يجب أن تبقى مخفية عن الأشرار، فلا يخبئها عنهم، كاشفًا عنها لمن لا يجب أن يعرفوها. فإن الخطر لا يقوم على قول الكذب فحسب، وإنما يقوم أيضًا على قول الحقيقة بالكشف عنها لمن لا يجب أن تعلن لهم. "لا تطرحوا درركم قدام الخنازير، ولا تعطوا القدس للكلاب" مت 6:7. العلامة أوريجينوس * من لا يقبل تعاليم الله سطحيًا وظاهريًا كما يخفيها في قلبه حتى يتقوَّم فكره وأيضًا نياته، فيصير خاليًا من الخطية أمام الله الذي يرى الخفيات، فإنه لا يرتكب فقط الزنا بل وكل شهوة شريرة. تطابق هذه الآية الكلمات: "يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك حتى تميل أذنك إلي الحكمة" أم 1:2،2. القديس ديديموس الضرير * إن لم نخفِ أقوال الله في قلبنا مثلما نخفي جوهرة يأتي الشرير ويخطفها (مت19:13). القديس أثناسيوس الرسولي * طلب أولًا العون الإلهي لئلا تُخفي كلمات الله في قلبه بلا ثمر، حيث لا يتبعها أعمال البر. لهذا فإنه بعد قوله هذا أضاف: "مبارك أنت يا رب، علمني برك" [12]. لأنني أخفيت كلماتك في قلبي لكي لا أخطئ إليك يا من اعطيتني الناموس، هبني أيضًا بركة نعمتك، حتى بعمل ما هو مستقيم أتعلم ما أوصيت به... القديس أغسطينوس يقدم أنثيموس أسقف أورشليم ثلاثة أسباب لإخفاء كلام الله في القلب: [أ. إنه يخفي كلام الله في قلبه ذاك الذي يحذر من الخطأ؛ ليس فقط في العمل الظاهر وإنما أيضًا في الفكر الخفي. مثل هذا يجتنب ليس فقط الفسق وإنما انحراف شهوته وميلها الخفي... ب. وأيضًا الذي يخفي في قلبه أسرار الإيمان ولا يبيح بها للكفار، عاملًا بقوله: "لا تطرحوا درركم أمام الخنازير". ج. كذلك من يخفي أقوال الله في قلبه لئلا تخطفها طيور السماء، أعني بها الشياطين الساقطين من السماء، فلا تسلبها إياها بواسطة الشك والكبرياء أو بفكر شرير...] يخفي المؤمن وصية الله - كنزه الثمين - في قلبه، أثمن ما في حياته، مركز الحب والحياة، وموضع الأمان، فلا يقدر العدو أن يسطو عليه ليغتصبها منه. نخبىء وصية الله، فلا تقدر خطية ما أن تختفي في القلب أو تتسلل إليه، إذ لا يمكن للظلمة أن تجد لها موضعًا حيث يوجد النور. ولعل المرتل أخفي الوصية في قلبه كي يتأملها وينشغل بها فتهضمها معدته الروحية. فكما أن الطعام الذي لا يُهضم لا يفيد الجسم بشيء هكذا من يسمع الوصية ولا يتأملها وينشغل بها لا تنتفع بها نفسه. 3. الوصية وحياة التسبيح إذ يقتني الشاب الوصية ككنز يستحق إخفاءه في القلب، كي يحمله معه أينما وجد، يبعث في داخله روح التسبيح، قائلًا: "مبارك أنت يا رب، فعلمني حقوقك" [12]. * ذاك الذي طلب الله ملتمسًا هذا بكل قلبه، وأخفي أقواله الإلهية، نجح في الصلاح واستحق أن يشكره، قائلًا: "مبارك أنت يا رب". أنثيموس أسقف أورشليم شتان بين تسبيح يصدر عن الفم دون القلب، وآخر ينبع تلقائيًا خلال شبع القلب بالوصية وتهليله بعمل الله فيه، حيث يبارك المؤمن الرب من أجل كلماته السرية الإلهية التي ائتمنه عليها كإعداد للقلب ليصير عرشًا لله وهيكلًا له، يسكن فيه فيفيض عليه دائمًا بأسرار جديدة ومعرفة إلهية. سرّ التسبيح هو تجلي الكلمة الإلهي في القلب كمعلمٍ يعلمنا حقوقه، ويهبنا تنفيذ وصيته، ويقودنا في حياة الشركة مع الله الآب بروحه القدوس فنشارك السمائيين تسابيحهم. * بفمه تفهم كلمته التي يعلنها لنا بإعلانات كثيرة خلال قديسيه وفي العهدين، الأمر الذي لا تكف الكنيسة عن أن تنطق به في كل العصور بشفتيها. القديس أغسطينوس 4. الوصية وشهادة الشاب لها إخفاء القلب للوصية ككنزٍ ثمينٍ يبعث روح التسبيح والفرح الداخلي. بهذا الروح ينطلق الشاب للشهادة للوصية أمام الآخرين، إذ يقول: "بشفتي أخبرت كل أحكام فمك" [13]. كيف أظهر المرتل كل أحكام فم الله بفمه بينما قيل: "أحكامك هي لجة عظيمة" مز 6:36، كما قيل: "ما أبعد أحكام الرب؟!" (رو33:11) يجيب العلامة أوريجينوس: [لم يقل داود النبي: "بشفتي أظهرت كل أحكامك"، بل قال: "بشفتي أظهرت كل أحكام فمك". فإن عبارة: "أحكام فم الرب" تعني الأحكام التي يمكن التعبير عنها، المنطوقة لكي تُنشر وتُعلن. "فم الرب" هنا هم "الأنبياء"... كما قيل: "فم الرب تكلم" إش20:1؛ هذا يعني كلمات الرب كما ينطق بها أحد المفسرين.] يقول يوسابيوس القيصري: [أخفيت التعاليم الخفية في قلبي، وأيضًا العلوم والمعارف المستترة، أما هذه الأحكام فأظهرتها للكل، حيث تدركها كل البشرية وتتفهمها، إذ يجب أن يظهر الكل أمام كرسي المسيح (2كو10:5).] * إننا نفهم أنه ليس طريق لشهادات الله أكثر سرعة وأعظم أمانًا وأقصر واسمى من المسيح الذي فيه تختفي كل كنوز الحكمة والمعرفة. لهذا يقول إن له بهجة عظيمة في هذا الطريق كما في كل غنى. هذه هي الشهادات التي بها تنازل ليؤكد لنا أنه هكذا يحبنا... القديس أغسطينوس 5. الوصية غنى الشاب "وفرحت بطريق شهاداتك مثل كل غنى" [14]. كان داود النبي يشتهي أن يبني بيت الرب، وإذ جاءه الوعد أن يقوم ابنه بهذا الدور فتح أبواب خزائنه ليجمع الذهب والفضة وكل ما هو ثمين، لا ليفتخر بالغنى والثروة، وإنما ليعد لابنه كميات وفيرة لبناء الهيكل... كان متهللًا بهذا العمل. لقد حُرم داود من بناء الهيكل على جبل صهيون لكنه فتح خزائن قلبه لغنى الوصايا الإلهية الوفيرة التي تقيم مقدسًا للرب في أعماقه، وتحول حياته بكل ما فيها من متاعب وآلام إلي شهادة حق لله! * سبق أن تكلمنا عن "الشهادات" (الاستشهاد). طريق الشهادات يتحقق عندما نسلك "ليس عن حزنٍ أو اضطرارٍ" (2 كو 7:9)، وإنما بفرحٍ كاملٍ كقول داود النبي. وكما جاء في رسالة بولس الرسول إلي أهل كورنثوس: "أشكر إلهي في كل حين من جهتكم على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح، انكم في كل شيء استغنيتم فيه في كل كلمة وكل علم" 1كو4:1-5. لأن الغنى متنوع لذلك يقول: "إنكم في كل شيء استغنيتم"، بمعنى: في كل فضيلة، بالعمل والتأمل، حيث يطابق العمل الإدراك. حقًا إن من يحصل على غنى مادي يفرح بسبب هذا الغنى، ليس عندما يكون لديه جزء من الغنى، وإنما يحصل على "كل الغنى"، كل الأصول الثابتة والمتداولة، أي العقارات والنقود. هكذا أيضًا من يرغب في الغنى الروحي يفرح ويبتهج عندما ينال غنى كاملًا، وذلك بفضل تقدمه في شهادات الرب وممارسته للفضائل. كأنه يقول: لتكن شهاداتك هي التي تغنيني عن كل شيء، لتكن هي فرحي وغناي. العلامة أوريجينوس 6. الوصية وحياة الهذيذ إذ يخفي الشاب وصايا الله في قلبه بكونها أسرار الله غير المنطوق بها يدرك أنها كنزه وغناه الروحي. لهذا لا يتوقف عن الهذيذ أو التأمل فيها، إذ يقول: "بوصاياك أتكلم (أتأمل)، واتفهم في طرقك، بفرائضك ألهج (أتلذذ)، ولا أنسى كلامك" [15-16]. * نتعلم من هذه الكلمات أنه يستحيل أن نفهم طرق الرب ما لم نفحص وصاياه إلي أعماقها، فنستخدم "التأمل الرمزي"... فقد خرج إسحق يتأمل في الحقل (تك63:24)، ويُذكر أحيانًا عن الأبرار أنهم كانوا في تأمل صالح. بالتأكيد إذ نقضي وقتًا طويلًا أمام وصايا الله "نفهم طرقه"، هذه الطرق هي الناموس والأنبياء، وهي تؤدي إلي الطريق الملوكي الكامل "المسيح" الذي قال عن نفسه: "أنا هو الطريق" يو6:14. * إنني أتلذذ بفرائض الله، لا بكلمات أو عبارات جميلة، وإنما بتحقيقها بعد فهمها، لأنه: ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون" رو13:2. يتلذذون بفرائض الله بأعمالهم. بهذا إذ هم يتلذذون في فرائض الله لا ينسون كلمات الله أبدًا. العلامة أوريجينوس إذ يتحدث القديس جيروم عن مرسيلا إلي صديقتها الملتصقة بها Principia يقول: * بهجتها في الكتب الإلهية لا تُعقل كانت تتغنى على الدوام قائلة: "خبأت كلامك في قلبي كي لا أخطئ إليك"، وأيضًا الكلمات التي تصف الإنسان الكامل: "في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا" مز2:1. هذا اللهج في الناموس لم تفهمه ككلمات مكتوبة كما يفعل اليهود والفريسيون، بل تفهمه كعملٍ كقول الرسول: "لذلك أن أكلتم أو شربتم وكل ما فعلتم فليكن لمجد الله" 1كو31:10... لقد شعرت بالتأكيد أنه حينما تتمم هذه الوصايا يُسمح لها أن تفهم الكتب المقدسة1. القديس جيروم يُلاحظ في هذه الفقرة أن المرتل لا يفصل بين الله ووصيته، عندما يقول: "من كل قلبي طلبتك" يكمل: "فلا تبعدني عن وصاياك". وهذا هو سرّ غنى الوصية أن من يقتنيها إنما يقتني الله نفسه، لهذا نراه يحدث الشباب عن هذا الكنز هكذا: 1. اقتنِ أيها الشاب الوصية فتقتني الحياة المستنيرة المقدسة، إذ تقتني الله القدوس داخلك [9-11],. 2. الوصية تطهر القلب فيشتاق بالأكثر نحو الله، والاشتياق لله بكل القلب يدفع الشاب إلي حفظ الوصية [10]، هي سلسلة حب نحو الله ووصيته! 3. إذ يرتمي الشاب في حضن الله يشعر بتسليم كامل بين يديه، لهذا يسأله: "لا تبعدني عن وصاياك" [10]. كأنه يقول: حتى إن أردت أن انحرف عن وصيتك، احمني من هذا بكل وسيلة، حتى إن بدت لي مُرة. 4. إن كان قلب الإنسان هو أثمن ما لديه، فإنه يليق به أن يضع كنزه "الوصية الإلهية" فيه! ليُخفي كنز الله في قلب المؤمن الثمين في عيني الله! إذ يخفي القلب الوصية يستنير فلا يمكن للخطية أن تحتله أو تتسلل إليه! 5. أروع ثمار هذا الكنز المخفي هو امتلأء القلب بالبهجة والتسبيح [12]، حيث يسكن كلمة الله نفسه في القلب ليمارس عمله كمعلم [12]، يدرب النفس على حفظ الوصية بفرحٍ، وعلى الشركة مع السمائيين في حياة التسبيح. 6. ما يتمتع به الشاب خفية بسكنى الوصية فيه يتحول إلي شهادة عملية بالفم والعمل [13]. ما يتعلمه في الخفاء يُنادى به على السطوح (مت27:10). 7. ينعم الشاب بالوصايا كثروة وفيرة قادرة أن تقيم مقدسًا للرب في داخله. 8. إذ يدرك الشاب قيمة هذه الخزائن لا تفارقها عيني قلبه، ولا يمكن لأمرٍ ما أن يشغل فكره عنها... إنه يتأملها ويتفهمها [15]، ويلهج فيها نهارًا وليلًا ولا ينساها [16]. من وحي المزمور 119(ب) وصيتك هي غناي! * مادمت في الجسد فأنا شاب محتاج إلي تقويمٍ مستمرٍ. وصيتك تقوّم حياتي وتقدس قلبي، وصيتك تشبع كل احتىاجاتي، هي غناي وكنزي الثمين! * سّيج حول قلبي فلا أطلب غيرك! إن انحرف قوِّمه بتأديباتك الأبوية، فلا أبتعد عن وصاياك. * احفظ قلبي كله في وصيتك، وأحفظ وصيتك في قلبي، أخبئها فيه لأنها كنزي. لقد قبلت وصيتك بعقلي، أريدها في قلبي. قد تخونني ذاكرتي فأنسى وصيتك وسط الإغراءات، أما قلبي فيخفي وصيتك، ويعشقها تمامًا. لا تقدر إغراءات ولا ضيقات أن تسحبها من داخلي! أين أحتفظ بوصيتك كي لا يخطفها العدو؟ قلبي هو خزانة أمينة مادام مصونًا بنعمتك. أخبئ وصيتك في قلبي فلا تختبئ معها خطية. أخبئها لكي أتاملها بحبي وكل عواطفي، أخبئها ولا أقدمها لمن يحتقرها ويستهين بها. أخبئها فيه لأحملها معي أينما وجدت؟ * التصقت وصيتك بقلبي، من ينزع عني وصيتك ينزع قلبي ذاته ويحرمني حياتي. * إذ أخفي وصيتك في قلبي أراها كل غناي. يلهج فيها قلبي ويتأملها بلا انقطاع. أتأملها لا بأفكارٍ وكلماتٍ فحسب، وإنما بممارستها والحياة بها وفيها. أجد في تحقيقها لذة العشرة معك! لارتبط بالوصية فارتبط بك يا غنى نفسي! |
|