رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لتكن مشيئتك، كما في السماء، كذلك على الأرض نأتي الآن إلى الطلبة الثالثة في الصلاة الربية، وهى: "لتكن مشيئتك، كما في السماء، كذلك على الأرض" (مت 6: 10). ليس هناك أنفع ولا أحكم ولا أجمل من مشيئة الله.. الله القدوس المحب للخير وصانع الخيرات.. الله العارف بكل شيء.. الذي يعرف الأمور قبل كونها.. الذي لا يحده مكان ولا زمان، فهذا "الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء" (رؤ1: 8). الضابط الكل (بانطوكراتور).."الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17). الذي ليس فيه ظلمة البتة.. الأمين في مواعيده، والقادر على تحقيقها.. المعين، والمدبر، والحكيم، والرؤوف، والعادل.. الذي ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء.. الله هو الجدير بأن نثق في مشيئته، ونقبلها، ونسلك بمقتضاها.. بل أن تصير مشيئته هي شهوة تشتاق قلوبنا إلى تحقيقها، ونجد مسرتنا فيها. مفهوم الطاعة إن الطاعة لله ليست نوعًا من إلغاء وجود الإنسان أو إلغاء إرادته الخاصة.. ولكنها لتأكيد هذا الوجود، ولتزكية هذه الإرادة. فالطاعة تحتاج إلى إرادة قوية تقدر أن تطيع، وتُقدِّر قيمة الطاعة.. فمثلًا الطالب الذي يطيع من يدرِّسه في تحصيل الدرس وعمل الواجبات ويثابر في الاستذكار، هو الذي يتقدّم في المعرفة ويحصل على أعلى الدرجات ويصلح للرسالة التي يعد لها نفسه. وقائد السيارة الذي يلتزم بقواعد القيادة السليمة، يضمن سلامته هو وسيارته، ويضمن سلامة الآخرين، ويصل إلى مقصده ويتمم مسعاه. الوصية الإلهية هدفها خير الإنسان وحفظه من العطب والفساد الذي تسببه الخطية،كما أن هدفها هو تمجيد الإنسان ومكافأته على هذه الطاعة، مع ما تجلبه الطاعة من خير وبركة وخلاص. من وجد حياته يضيعها قال السيد المسيح: "من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (مت10: 39) والمقصود بهذه العبارة أن من يسلك حسب أهدافه الخاصة بعيدًا عن مشيئة الله فسوف يضيع نفسه. الإنسان في سعيه لتحقيق ذاته وتحقيق وجوده يخرب نفسه.. وفي سعيه لتحقيق مشيئة الله يحفظ نفسه لحياة أبدية.. الله هو مصدر الوجود، ومصدر الحياة. فهو الذي "به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 17: 28). فلا معنى للوجود بدون الله، ولا معنى للحياة بدونه. الله لا يفرض وجوده في حياتنا.. ولكننا نحن المحتاجين إلى هذا الوجود. تمامًا مثلما لا يفرض الماء وجوده علينا.. بل نحن المحتاجين إلى الماء لكي نحيا به. وعندما يبعد الإنسان عن الله يحزن الله على البشرية ويقول: "تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (أر2: 13). وقال السيد المسيح: "إن عطش أحد فليقبل إلىّ" (يو7: 37). وقال أيضًا عن الماء المادي: "من يشرب هذا الماء يعطش أيضًا" (يو4: 13). وقال عن ماء الحياة الأبدية: "ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو4: 14). مشيئة الله في السماء إن الملائكة في السماء يطيعون الله طاعة كاملة كقول المزمور "سبحوه يا جميع ملائكته الصانعين كلمته" (انظر مز103: 20). أما الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم وسلكوا في عدم الطاعة فقد سقطوا من السماء، كما قال السيد المسيح: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو10: 18). الجميل في السماء أن الكل هناك يصنعون مشيئة الله في انسجام عجيب.. إنها سيمفونية الطاعة تعزفها الصفوف السمائية مثلما يسبحون الله بأفواههم، فهم يمجدونه بطاعتهم العجيبة.. إنه لحن الطاعة الذي تسمعه آذان القديسين.. وما الألحان والموسيقى إلا إيقاع متناغم على أوتار أو آلات.. هذا ربما يكون مما لم تسمع به أذن. إننا نصلى لكي تكون مشيئة الله نافذة على الأرض في حياتنا كما هي نافذة في السماء. |
|