منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 03 - 2014, 03:49 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

مزمور 116 (114، 115 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
الانطلاق إلى أرض الأحياء



يضم هذا المزمور مزمورين حسب الترجمة السبعينية وهما مزمور 114 و115.
يرى البعض أن واضع المزمور هو داود النبي بإعلان الروح القدس عندما كان شاول يحاول قتله أو أثناء تمرد ابنه أبشالوم عليه. لقد عانى مرة من المرض الشديد [3، 8]، وربما وضع في قيود [3، 16]. أدرك أنه أسير الموت [3]، وعلّة ذلك أن كل إنسان يكذب عليه [11]. لكن الله المحرر واهب الحياة، لا يشاء موت قديسيه، بل يسمح لهم بالموت كجزء من خطته الإلهية المحبوبة (مز 31: 15؛ 139: 6). شعر المرتل كأن آلام الموت حوّطت به، فامتلأت نفسه قلقًا، لكن الرب أحسن إليه ووهبه تعزيات سماوية [7].
يعتبر هذا المزمور مسيانيًا، يشير إلى آلام السيد المسيح وموته ونصرته.
يرى كثير من الآباء مثل القديسين يوحنا الذهبي الفم وباسيليوس الكبير وجيروم أنه يعَّبر عن صرخة قلب كل إنسان مؤمن روحي، مشتاقًا للتمتع بالحياة الأبدية ويعاني من التجارب والمتاعب التي تلحق به في هذه الحياة. ويرى القديس أغسطينوس أن هذه الأغنية يترنم بها كل إنسانٍ مع مصاف القديسين، إذ يشعر أنه كان كمن هو متغرب عن الرب أثناء رحلته في العالم، لكن الرب اجتذبه إليه، فالتهب قلبه بالحب نحو الله الذي سمع تضرعاته حين كان ضالًا، وميتًا، فرده إليه، وأعاد إليه الحياة، وضمه إلى جماعة القديسين.
تستخدمه كنيسة إنجلترا في تقديم صلاة شكر عندما يُولد طفل.
يراه كثيرون أنه مزمور شكر مبهج يقدمه المؤمن عندما ينقذه الرب من ضيقة.
يبدأ المرتل المزمور يتضرع إلى الله ليميل بأذنيه وينصت إلى صرخات سجين في أسر الموت، وينتهي إلى كائن متهلل يسبح الله ويشكره ويمجده.

1. المجاهرة بالإيمان العملي
1-2.
2. الضيقة والخلاص
3-6.
3. رجوع النفس إلى راحتها الحقيقية
7-11.
4. ماذا أرد للرب؟
12-15.
5. ذبيحة الحمد والشكر
16-19.
من وحي المزمور 116
مزمور 116  (114، 115 في الأجبية)  - تفسير سفر المزامير - الانطلاق إلى أرض الأحياء
1. المجاهرة بالإيمان العملي

أَحْبَبْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَسْمَعُ صَوْتِي تَضَرُّعَاتِي [1].
كلمة "أحببت" هنا تشير إلى التمتع بلذة صادقة وبهجة في الالتصاق بالرب والتعرف على إرادته الإلهية مع العرفان بالجميل والشكر لرحمته وحنوه. كما تعبَّر عن الرغبة في الالتصاق بالله والفرح بحضوره الدائم في أعماق النفس.
حقًا تتهلل النفس وتمتلئ فرحًا حينما تدرك أن الله خالق السماوات والأرض، ينصت إليها، ويستجيب لها فيما هو لبنيانها. غير أن المرتل لم يقل "فرحت لأن الرب يسمع صوت تضرعاتي" وإنما يقول "أحببت". وكأنه إذ يتأمل حب الله له وتواضعه بأن يميل بأذنه ليسمع له ويستجيب لتضرعاته، تصير رأس كل الوصايا "حب الرب إلهك" أمرًا سهلًا بل وطبيعيًا.
يرى القديس جيروم[1] كلمة "أحببت" جاءت في صيغة الماضي، بينما "يسمع صوتي" في صيغة المستقبل. فإننا نحب الرب دون أن ننتظر حتى يسمع تضرعاتنا، وإن كنا في ثقة أنه في الوقت المعين يستجيب تضرعاتنا.
* ماذا يحب؟ الرب إلهه من كل قلبه... وكمكافأة لحبه يتقبل استجابة صلواته[2].
البابا أثناسيوس الرسولي
* لقد سررت وفرحت أن يسمع الرب صوت تضرعي، بمعنى إذ تدرجت من مخافة الرب إلى حبه من كل قلبي، صار هو أيضًا يستجيب إلى صوت تضرعي ويمنحني مرادي.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* "أحببت أن يسمع الرب صوت تضرعي". ليت النفس التي تتجول في تغرب عن الرب تغني هكذا. ليت الخروف الذي كان ضالًا يغني هكذا. ليت الابن الذي كان ميتًا فعاش وكان ضالًا فوُجد (لو 15: 6، 24)يفعل هذا...
لنغنِ هكذا مع القديسين: "أحببت أن يسمع الرب صوت تضرعي"[3].
القديس أغسطينوس
لأَنَّهُ أَمَالَ أُذْنَهُ إِلَيَّ،
فَأَدْعُوهُ مُدَّةَ حَيَاتِي [2].
كثيرًا ما يصور الكتاب المقدس الله وهو يتنازل ليميل بأذنه نحو الإنسان (مز 17: 6؛ 31: 2؛ 40: 1؛ 78: 1). ما أروع أن يدرك المؤمن أبوة الله الحقيقية، ويشعر بأنه يستمع لصرخات المسكين ويستجيب لطلبته.
تعبير "أدعوه" يستخدم بمعنى "أعبده" (تك 4: 26)، خاصة ممارسة الصلاة، وأحيانًا تُستخدم بمعنى "أشكره".
يرى القديس جيروم أن تعبير "مدة حياتي" جاءت لتعني "أيامي (بالنهار)". فالمؤمن حياته كلها نهار ونور، كما يقول الرسول بولس. لسنا نعرف الليل، لأن لا مكان للظلمة في قلوبنا، ولا أمام أعيننا، لأننا مسكن المسيح النور الحقيقي، ودومًا في حضرته.
* "لأنه يميل أذنه إليّ" (مز 116: 2). لأننا صغار وأسفل، وعاجزون عن أن نرفع أنفسنا إليه، فإن الرب ينحني إلى أسفل نحونا في حنو رأفته متنازلًا للاستماع إلينا. في الحقيقة إذ نحن بشر ولا نستطيع أن نكون آلهة، فإن الله صار إنسانًا، وتنازل كما هو مكتوب: "طأطأ السماوات ونزل" (مز 18: 9).
"فأدعوه مدة أيامي" هنا يثور سؤال طبيعي: كيف يدعو الإنسان الرب في وقت النهار (أيامه) ولا يصلي بالليل؟ ولماذا يقول مزمور آخر: "في منتصف الليل أقوم لأشكرك" (مز 119: 62). مادام القديسون يمارسون الصلاة بالليل؟ وفي مزمور آخر يقول: "بالليالي ارفعوا أيديكم نحو القدس، وباركوا الرب" (مز 134: 1-2). إذن ماذا يقصد المرتل عندما يقول: "أدعوه مدة أيامي (النهار)"؟ إنه لا يقول أدعوه (في الحاضر) وإنما سأدعوه في المستقبل. مادمنا في العالم الحاضر ندعو الرب بالليل، وفي العالم العتيد ندعوه في النهار. لهذا يقول المرتل: "في أيامي (النهار)، التي هي بالنسبة للخطاة ليل، وأما بالنسبة لي فهو نهار[4].
القديس جيروم
* من أين جاءه هذا الرجاء؟ منذ قال: "لأنه أمال بسمعه إليّ فدعوته في أيامي". أحببت لذلك يسمع؛ ويسمع لأنه أمال أذنه إليَّ. من أين عرفتِ هذا أيتها النفس البشرية بأن الله أمال أذنه إليك إلا بقولكِ: "آمنت لذلك تكلمت" (مز 116: 10)؟ هذه الأمور الثلاثة إذن تثبت معًا: الإيمان والرجاء والمحبة (1 كو 13: 13). فإنكم إذ تؤمنون تترجون، وإذ تترجون تحبون...
ما هي أيامكم التي فيها دعوتموه؟ هل هي ملء الزمان حيث أرسل الله ابنه (غل 4: 4)، هذا الذي قال: "في وقت القبول استجبتك، وفي يوم الخلاص أعنتك" (إش 49: 8)... بالحري أدعو أيامي أيام بؤسي، أيام موتي، الأيام التي بحسب آدم مملوءة تعبًا وعرقًا، الأيام التي حسب الفساد القديم. إذ "غرقت في حمأة عميقة" (مز 69: 2)... في هذه الأيام دعوتك[5].
القديس أغسطينوس
* إمالة الأذن كناية عن تعطف الله نحو من ليس له دالة في رفع صوته بسبب خطاياه. وأيضًا بمعنى تنازل الله واقترابه إلينا بالجسد. أما قوله: "أدعوه مدة حياتي"، فمعناه: في مدة حياتي أو في أيام حزني، أو في أيامي التي تصنعها لي ليس الشمس الحسية، بل التي يُنيرها شمس البرّ الذي هو كلمة الله وابنه الوحيد.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
مزمور 116  (114، 115 في الأجبية)  - تفسير سفر المزامير - الانطلاق إلى أرض الأحياء
2. الضيقة والخلاص

اكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ الْمَوْتِ.
أَصَابَتْنِي شَدَائِدُ الْهَاوِيَةِ.
كَابَدْتُ ضِيقًا وَحُزْنًا [3].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "لأن أوجاع الموت قد اكتنفتني، وشدائد الجحيم أصابتني".
ليس من وجه للمقارنة بين متاعب الجسد مهما اشتدت ومتاعب النفس، فقط تدفع الإنسان أحيانًا إلى اشتهاء الموت ولا يجده.
لا ندهش إن كان المرتل وهو رجل الله يشعر أحيانًا أنه ليس واقفًا على جبلٍ عالٍ، بل يئن لأنه يسلك في وادي ظل الموت. ما يعنيه المرتل هنا بحبال الموت وشدائد الهاوية التعبير عن حالة الضيق والحزن والمرارة التي يعاني منها المرتل.
يقارن القديس أغسطينوسبين حياة الإنسان وهو متغرب عن الرب في تيهٍ وضلالٍ، فيحسبها أيامه، وبين حياته في الرب حين جاء السيد في ملء الزمان وردنا إليه، فيحسبها أيام الرب.
في أيام الإنسان يلهو بملذات العالم، وفي الحقيقة يسقط في فخ الهاوية وهو لا يدرى، ويصيبه الموت الأبدي، وهو يظن أنه يسعد بالحياة. أما في أيام الرب، فيتمتع المؤمن بالحياة الجديدة، ويتحرر من شدائد الهاوية.
* أيامي تختلف عن أيام الرب. إنني أدعو هذه أيامي التي فيها تجاسرت بنفسي أقمتها لنفسي، والتي فيها هجرته... استحققت السجن، أي تقبلت ظلمة الجهالة وقيود الموت...
في أيامي هذه "اكتنفتني حبال الموت، أصابتني شدائد الهاوية". ما كان للآلام أن تكتنفي، لو لم أضل عنك. الآن قد اكتنفتني، فلم أعد أجدها وأنا أتلذذ بترف العالم، حيث خدعتني بالأكثر شباك الهاوية[6].
القديس أغسطينوس
* يبدو لي أن أوجاع الموت هي الأفكار الشريرة. عندما تفكر النفس أفكارًا فاسدة، تشتاق إلى الخطية، وعندما تخطئ يكون الموت حالًا... إن كانت الخطايا دومًا في طريقنا، فلنركض سريعًا حتى لا تلحق بنا...
"كابدت ضيقًا وحزنًا". لا يسعى القديس نحو الراحة بل نحو التعب؛ إنه يعرف "أن الضيق ينشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاءً، والرجاء لا يُخزي" (رو 5: 3-5)... فإن كلمتك المُرة كانت لي للفرح والبهجة (راجع إر 15: 16). في هذا العالم لا أطلب سوى الضيق، لكي أنال السعادة والراحة في العالم التالي... إذ خرج شعب الرب من مصر جاء إلى مارة التي تعني مرارة، ومن مرارة إلى سيناء التي تعني تجربة. مرة أخرى يقول إرميا: "جلست وحدي لأني امتلأت مرارة" (راجع إر 15: 17)[7].
القديس جيروم
* حبال (مخاض) الموت هي شهوات النفس نحو فعل الخطية، لأن يعقوب الرسول أخ الرب يقول في رسالته: "الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع 1: 15). وأيضًا للجحيم شدائد وأبواب. فالشدائد هي الهواجس الجاذبة للخطية، وأما أبوابه فهي الخطية نفسها.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
وَبِاسْمِ الرَّبِّ دَعَوْتُ:
آهِ يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي [4].
وسط الضيق الشديد لا يجد المؤمن سندًا حقيقيًا يعنيه سوى الالتجاء إلى الله.
يقول القديس جيروم إنه جاءت كلمة "آه" في العبرية Anma والتي تعني "أتوسل وأتضرع". إذ يعاني النبي من ضيق خطير وحزن يستخدم أسلوب التضرع والتوسل.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل أدرك أنه في ضيق وحزن، ليس فقط بسبب متاعب الحياة، وإنما حتى بملذات الحياة الزمنية ومقتنياتها. فإنه إذ ينال شيئًا زمنيًا، يخشى أن يفقده، فيحل به الحزن. لقد دعا اسم الرب ليحرره من الاتكال على العون البشري والتمتع بالملذات الزمنية، وبهذا يحيا في الحرية. إنه يليق بشعب الله المقدس أن يدعو اسم الرب للتمتع بهذه الحرية، وإذ يسمع الوثنيون ذلك يكتشفون أنهم في ضيق وحزن، فيدعون هم أيضًا اسم الرب.
* بعد أن وجدت ضيقًا وحزنًا "باسم الرب دعوت"... ظننت أنني أفرح وأتهلل بعون الإنسان الباطل. لكنني إذ سمعت من ربي: "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون" (مت 5: 4)، لم أنتظر حتى أفقد تلك البركات الزمنية التي أفرح بها وعندئذ أحزن، إنما صرت مهتمًا ببؤسي نفسه الذي جعلني أفرح بمثل هذه الأشياء، والتي أخشى أن أفقدها ومع ذلك لم أستطع أن أحفظها... وهكذا "باسم الرب دعوت. آه يا رب نجِ نفسي"[8].
القديس أغسطينوس
الرَّبُّ حَنَّانٌ وَصِدِّيقٌ،
وَإِلَهُنَا رَحِيمٌ [5].
كلمة "صديق" أو "بار" هنا وهي تخص الله إنما تعني عدل الله الذي ليس فيه ظلم أو إجحاف.
إن كان الله يسمع صوت تضرعاتي ويميل أذنه إليّ كأب يحنو على ابنه، يود أن ينتشله من شباك الموت، فهو إله حنان وصدّيق (بار) ورحوم. في حنانه هو بار أو عادل، وفي عدله يؤدب لكنه يرحم. لا يمكن عزل رحمته عن عدله.
حقًا الله عادل، ولا يستطيع أحد أن يتبرر أمامه. لكنه حنان ورحيم، يحوط عدله بالحنو والرحمة، يسبقه الحنان وتلحقه الرحمة، كما على اليمين واليسار. فمع تقديرنا لعدله يلزمنا أن نلجأ إلى حنوه ورحمته بالتوبة. إنه يطيل أناته على الإنسان في حنوٍ، وإذ لا يرتدع بالحنو يؤدب، وفي تأديبه ينتظر لكي يقبله كابنٍ له.
يقول القديس أغسطينوس [يبدأ بالحنو، لكنه يؤدب، ويقبله، لأنه "يجلد كل ابن يقبله" (عب 12: 6). فجلداته لي ليست مُرَّة، مادام قبوله لي حلو[9].]
* منتصر هو ذاك الذي يترجى نعمة الله، وليس الذي يعتمد على قوته الذاتية. لأنه لماذا لا تعتمد على النعمة، مادام لك ديان رحيم في الصراع؟ "الرب حنان وعادل، وإلهنا رحيم" (مز 116: 5 LXX). يُشار للرحمة مرتين، أما العدل فمرة واحدة. العدل في الوسط وتحوط به أسوار الرحمة من الجانبين. الخطايا مفرطة، لذا فلتكن الرحمة مفرطة. مع الرب يوجد فيض من كل القوات، إذ هو رب القوات. مع هذا لا توجد عدالة بدون رحمة، ولا يوجد عدل دون ممارسة الرحمة، لذلك كُتب: "لا تكن بارًا كثيرًا" (جا 7: 16).
ما هو فوق القياس المطلوب لا تقدر أن تحتمله، حتى وإن كان صالحًا. احفظ القياس فتنال حسب القياس[10].
القديس أمبروسيوس
* لتنخس أذنيك أيها الخاطي، فإن الرب رحيم، ولكن لتحذر فإنه في الكلمات التالية يقول إنه عادل (صديق أو بار). وبالرغم من ذلك فإن الرب رحيم وعادل على حد سواء... رحيم مع الخطاة، وعادل مع الصالحين.
القديس جيروم
الرَّبُّ حَافِظُ الْبُسَطَاءِ.
تَذَلَّلْتُ فَخَلَّصَنِي [6].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الذي يحفظ الأطفال هو الرب. اتضعت فخلصني".
كلمة "حافظ" هنا لا تقف عند الحراسة والحماية، لكنها تعني الحنو والاهتمام والرعاية الإلهية.
كلمة "البسطاء" وردت في المزامير ثلاث مرات وفي الأمثال 13 مرة وفي حزقيال مرة واحدة. وهي تحمل معنى البساطة ووردت مرة واحدة بمعنى الغباوة أو الجهل في أمثال 9: 6. يرى البعض أنها تشير إلى الصغار أو الأطفال العاجزين على تدبير أمورهم بأنفسهم وحماية أنفسهم، والبعض يرى أنها تشير إلى الضعفاء في الفكر، الذين ليس لهم قدرة فكرية أو تعقل لتدبير حياتهم. كل إنسان في الحقيقة إن تأمل نفسه يدرك أنه ضمن فئة البسطاء العاجزين عن تحقيق اشتياقاتهم بأنفسهم دون العون لإلهي.
"فخلصني" تعني "أنقذني" أو "أعانني" وهو تناسب الذين يعانون من مرض أو فقر أو ظلم أو تجربة أو إحباط أو ظلمة روحية.
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن المرتل يتطلع إلى الجنين الذي في بطن أمه، حيث لا حول له ولا قوة، يرعاه الله ويهتم وهو في الرحم، وأيضًا حين يخرج إلى العالم. هكذا من يشعر بضعفه وعجزه ويتكل على الرب، فالرب يحفظه ويخلصه.
* كيف لا يحفظ الرب الصغار، مادام يجلد أولئك الذين عندما يصيروا بالغين ويطلب أن يجعلهم ورثة. لأنه أي ابن لا يؤدبه أبوه؟ كنت في بؤس وأعانني، لأن الألم الذي يسببه الطبيب بمشرطه ليس عقوبة بل هو صحيَّ[11].
القديس أغسطينوس
* "الرب يحفظ الصغار". إن انتفخ إنسان عظيم بالكبرياء، فالرب ليس حافظًا له. إن ظن أحد أنه مهم جدًا، لا يترفق الرب به. إن تواضع أحد، فالرب يتحنن عليه ويحميه...
"تذللت فخلصني" تفهم بطريقتين: إما أخطأت وهو خلصني، أو عندما تكبرت تواضع هو وخلصني[12].
القديس جيروم
* الذين هم قلة في الجسم، والذين هم حكماء في العالم، إذ يتخلون عن معرفتهم... يصيرون كالأطفال الصغار (البسطاء) بكامل حريتهم، ويتعلمون الحكمة التي لا يُمكن اقتنائها بالجهاد الدراسي[13].
القديس إسحق السرياني
* أما الذين هم أطفالٌ صغارٌ وقليلو الخبرات في القتال، فيتأذّون منه أكثر جدًا بسبب سذاجتهم الطفولية. ومع ذلك فبقدر ما يطلبون الرب بإخلاصٍ لا يخسرون معاركهم مع الشيطان، ولا يرزحون تحت نيره، لأنه مكتوبٌ: "حافظ الأطفال هو الرب" (مز 116: 6 الترجمة السبعينية). ففي الحقيقة إنّ الدرع السماوي الذي يرتديه المسيحيون هو الذي يحاربون به سرًّا في داخل نفوسهم كشخصٍ مقابل آخر. إلاّ أنّ الذين يحاربونهم يعتادون على القتال في أوقاتٍ معينة، وبعد هذه الصراعات يخلد الإنسان إلى الطمأنينة، ويستقر مرةً ثانيةً في وطنه الذي يذوق فيه طعم الهدوء والسلام[14].
القديس مقاريوس الكبير
* ”اتبع التوسط في الأمور. تناول غذاءك كل عشية، وإن دعت الضرورة لمرضٍ أو أي عارضٍ، فاسلك حينئذ كما يقتضي الحال. وإن لزم أن تتجاوز الوقت المحدد للأكل فلا تحزن، وإن لزم أن تأكل في يوم غير مسموح فيه لك بذلك فافعل لأننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة. وإذا أكلت فلا تملأ بطنك ولاسيما من الأطعمة الحنجرانية (أي اللذيذة)، وأحب دائمًا الأطعمة الأقل لذّةً. واحرس قلبك، لأن النبي يقول: "ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله الله" (مز 51: 17). وقال أيضًا: "تذللتُ فخلَّصني" (مز 116: 6). ويقول الله بلسان إشعياء النبي: "إلى هذا أنظر، إلى المسكين والمنسحق الروح، والمرتعد من كلامي" (إش 66: 2). فاجعل يا بنيَّ اتكالك كله على الرب: "سلِّم للرب طريقك، واتكل عليه، وهو يُجري، ويُخرج مثل النور برّك، وحقك مثل الظهيرة" (مز 37: 5-6)".
القديس أثناسيوس الرسولي
* قال ناسك: "إننا محتاجون قبل كل شيء إلى التواضع". لماذا قال هذا، ولم يقل إننا محتاجون قبل كل شيء إلى ضبط النفس، مع أن الرسول يقول: "كل من يجاهد، يضبط نفسه في كل شيء" (1 كو 25:9)؟ أو لماذا لم يقل إننا محتاجون قبل كل شيء إلى مخافة الرب، إذ يقول الكتاب المقدس: "مخافة الرب رأس المعرفة" (أم 7:1)؟ أو لماذا لم يقل إننا محتاجون قبل كل شيء إلى الرحمة أو الإيمان، حيث قيل: "بالرحمة والحق يُستر الإثم" (أم 6:16)، و"بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب 6:11)؟
لماذا ركز الناسك على التواضع وحده، تاركًا هذه جميعها إلى جنب بالرغم من احتياجنا إليها؟ إنه بهذا يُظهر لنا أنه لا يمكن لمخافة الرب أو الرحمة أو الإيمان أو ضبط النفس أو أية فضيلة أخرى أن تنمو بدون التواضع، هذا بجانب ما للتواضع من قدرة على إفساد كل سهام العدو. فجميع القديسين سلكوا طريق التواضع، وجاهدوا فيه: "أنظر إلى ذلي وتعبي، واغفر لي جميع خطاياي" (مز 18:25)، وأيضًا: "تذللت فخلصتني" (مز 6:116).
الأب دوروثيؤس
مزمور 116  (114، 115 في الأجبية)  - تفسير سفر المزامير - الانطلاق إلى أرض الأحياء
3. رجوع النفس إلى راحتها الحقيقية

ارْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ،
لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ [7].
لا نستطيع أن نتمتع بخلاص نفوسنا من الموت ما لم نتمتع بالراحة الحقيقية، أي بالمسيح يسوع نفسه.
جاءت كلمة "راحة" بصيغة الجمع. كان كثير من مؤمني العهد القديم يظنون أن راحتهم هي السكنى في أرض الميعاد. لكن كما يقول الرسول بولس: "لأنه لو كان يشوع قد أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يومٍ آخر، إذ بقيت راحة لشعب الله" (عب 4: 8). راحة النفس الحقيقية هي التمتع بالشركة مع ربنا يسوع. فهو شبعنا وفرحنا وإكليلنا، أما الدخول إليه فيتحقق أيضًا به، إذ هو الطريق والحق والحياة.
أوضح القديس يوحنا الذهبي الفم كيف استخدم طقس التجنيز التسبيح بالمزامير، إذ يقول: [فكر بماذا ترنم في هذه المناسبة؟ "ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك لأن الرب قد أحسن إليك" (مز 116: 7). وأيضًا: "لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز 23: 4). وأيضًا: "أنت ملجأي من الغم الذي أحاط بي" (مز 32: 7)..
تأمل، ماذا تعني هذه المزامير؟ لكنك لا تعطي اهتمامًا لمعانيها، بل تسكر حزنًا. تأمل باهتمام أن الأحزان الخاصة بموت الغير إنما هي لعلاجك.
"ارجعي يا نفسي إلى راحتك لأن الرب أحسن إليك". أخبرني، هل تقول إن الرب أحسن إليك وأنت تبكي؟ أما يكون هذا تمثيلًا، أو يكون رياءً؟ فإن كنت تؤمن حقًا بما تقول فلا موضع لحزنك، لكن إن كنت تقوم بدور تمثيلي وتظن أن هذه الأمور واهية، فلماذا تُغني بالمزامير...؟ لماذا لا تطرد المرتلين بها؟"[15]]
* "ارجعي يا نفسي إلى راحتك، لأن الرب قد أحسن إليك". هذا معناه: ارجعي يا نفسي إلى الفردوس، ليس لأنكِ تستحقين ذلك، وإنما من أجل حنو الرب. خروجك من الفردوس كان من عمل رذيلتك، أما رجوعك إليه فهو من عمل حنو الرب.
ليتنا أيضًا تقول لنفسك ارجعي إلى راحتك. راحتنا هو المسيح إلهنا. إن كنا في ضيقات عظيمة، وأفكارنا مستعدة أن تذعن للخطية، فلنصرخ: "ارجعي يا نفسي إلى راحتك"[16].
القديس جيروم
* "ارجعي يا نفسي إلى راحتك، لأن الرب قد أحسن إليكِ"، ليس لأجل استحقاقاتكِ، ولا لأجل قوتكِ، وإنما لأن الرب قد أحسن إليكِ[17].
القديس أغسطينوس
* لا شيء يعطي للنفس أجنحة، وينزعها عن الأرض، ويخلصها من رباطات الجسد، ويعلمها احتقار الأمور الزمنية مثل التسبيح بالنغمات الموزونة.
* النفس بطبيعتها حسَّاسة للموسيقى، فلكي يحرم الله الشياطين من أن توحي للبشر بالأغاني الخليعة وضع لهم المزامير لحمايتهم، فهي نافعة ومحببة في نفس الوقت. بالأناشيد الروحية تنطلق النفس مع الشفتين بنعمة الروح القدس.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "ارجعي يا نفسي إلى راحتكِ، لأن الرب قد أحسن إليكِ". (مز 116: 7) المتباري الشجاع يطبق على نفسه هذه الكلمات المعزية تمامًا، مثل بولس عندما يقول: "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، وحفظت الإيمان، وأخيرًا وُضع لي إكليل البرّ" (2 تي 4: 7-8). وقال النبي هذا عينه لنفسه: "حيث أنكِ تتممين بكفاية طريق هذه الحياة، ارجعي إلى راحتكِ، لأن الرب قد أحسن إليكِ". لأن الراحة الأبدية تُوضع قدام الذين يجاهدون في الحياة الحاضرة، حافظين الشرائع، راحة ليست مقابل دين بسبب أعمالنا، بل من أجل نعمة لله السخي للذين يترجونه[18].
القديس باسيليوس الكبير
* الخطية تعذب النفس وتقلقها، وتسبب لها إزعاجًا، أما الذي يتجنبها ويتوب عنها، فذاك يرد نفسه إلى الراحة والأمان.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* أنتم ترون داود يفرح بدواء موت كهذا، لأنه يضع نهاية للخطأ، فيزول الإثم لا الطبيعة. هكذا يقول: إنه يهب حرية وتحرر. "أرضي الرب في أرض الأحياء". فهذه هي أرض الأحياء، التي تخص النفوس حيث لا توجد خطايا، بل يوجد مجد الفضائل[19].
* يعرف (داود) أن الموت من أجل المسيح أكثر مجدًا من أن يحكم الإنسان هذا العالم، لأنه أي شيء أسمى من أن تكون ذبيحة من أجل المسيح؟
إذ نقرأ كثيرًا عن الذبائح التي قدمها داود للرب، مضيفًا هذه العبارة: "أقدم لك ذبيحة التسبيح"، لا يقول "أقدم ذبيحة، إنما "سأقدم لك ذبيحة"، بمعنى أن الذبيحة ستكمل عندما يقف كل واحدٍ أمام الرب، متحررًا من قيود هذا الجسد، ويقدم نفسه ذبيحة تسبيح. فقبل الموت لا تكمل تسبحة، ولا يستطيع أي أحدٍ في هذه الحياة أن يسبح تسبحة نهائية، لأن أعماله الأخيرة غير أكيدة. فالموت إذن هو تحرر النفس من الجسد[20].
القديس أمبروسيوس
لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ،
وَعَيْنِي مِنَ الدَّمْعَةِ،
وَرِجْلَيَّ مِنَ الزَّلَقِ [8].
يصرخ المرتل فقد حلت به الشرور من كل جانب، لحقت بنفسه فدخلت بها إلى الموت، وبعينيه فلم تتوقف عن البكاء، وبرجليه فتعثرتا. لكن جاء المخلص لينقذ ويعين في الوقت المناسب وبالكمال. نعمته فيها كل الكفاية.
لا يكف المؤمن عن الصراخ لمخلصه، فهو يحتاج دومًا إلى تطلع المخلص إليه!
* من لا يبكي في العالم الحاضر، يسكب الدموع في العالم الآتي. "طوبى للحزانى لأنهم يتعزون" (مت 5: 5)...
لأن قدمي لم يثبتا على الصخرة "كادت تزل قدماي، لولا قليل لزلقت خطواتي" (مز 73: 2). لقد ُأنقذت رجلي من الزلق. لماذا؟ لأن نفسي رجعت إلى راحتها[21].
القديس جيروم
* إنه يصف الراحة المستقبلية، مقارنًا إياها بالأمور الحاضرة. يقول: هنا أحزان الموت قد أحاقت بي، أما هناك فقد خلص نفسي من الموت. هنا عيناي تسكبان الدموع بسبب المتاعب، وأما هناك فلا تعود توجد دمعة تظلم أعين الذين يتهللون بالتأمل في جمال مجد الله. إذ يمسح الله كل دمعة من كل وجه[22].
القديس باسيليوس الكبير
أَسْلُكُ قُدَّامَ الرَّبِّ فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ [9].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "أرضي (سأرضي) الرب أمام كورة الأحياء".
السلوك قدام الرب يشير إلى التحرك المستمر والنمو الدائم داخل كنيسة المسيح، حتى الرحيل إلى الحياة العتيدة. الحياة في المسيح يسوع حركة دائمة ومستمرة خلال نعمة الله للتمتع بالنمو الدائم، والصعود كما من مجدٍ إلى مجدٍ.
ما يشغل قلب المرتل لا ما يقوله الناس، بل ما يراه الله عليه، لأنه سيقف أمام الله الفاحص القلوب.
* يظن الناس أني بار، أنا الذي ليس لي أعمال صالحة. يظن الناس أني قديس، أنا الذي ليس لي كلمات صالحة. هكذا يقول داود والقديسون والرسل أيضًا، لأن الخطاة لا يقولون هذا. ماذا يقول البار؟ ليس لي أعمال صالحة ولا كلمات صالحة، ويظنون فيَّ أني قديس، ويمدحونني؛ لكنني أعرف ضميري. أنا أعلم بأي نوع من الأفكار يتلاطم قلبي من هنا وهناك.أنا أعرف كم من شهوات جامحة تمسك بي. إني "أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية" (رو 7: 24). ولهذا أصرخ: "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 24)...
لقد أطلت هذه العظة هكذا لتأكيد هذه النقطة أنه في العالم الحاضر ليس أحد قادرًا أن يكون بارًا بالتمام، لا داود ولا الرسل ولا أي أحد من القديسين. ليس أحد طاهرًا من خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا (أي 14: 4-5). حيث أن الرسل والقديسين لم يجسروا أن يقولوا "نحن قديسون"، ولا يجسرون أن يقولوا: "أرضي (الرب)" وإنما "سأرضي"، فإن النبي يعد بالنسبة للمستقبل بما يعترف أنه لم يفعله في الماضي: "سأرضي الرب"...
أين سأرضي الرب؟ "في كورة الأحياء". هذه الأرض هي أرض الأموات، أما الأخرى فهي أرض الأحياء... لقد عرف (داود) هذا العالم ليس كأرض الأحياء بل أرض الأموات. هل تريد أن تعرف أرض الأحياء؟ يخبرنا الرب في الإنجيل: "أنا إله إبراهيم، وإله إسحق وإله يعقوب" (مت 22: 32)، وكانوا أمواتًا[23].
القديس جيروم
* أرض الأحياء هي الدهر العتيد، حيث لا يكون للموت فيه سلطان علينا. يُقال عن الذين ينعمون بها: "هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة... لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس، ولا شيء من الحر، لأن الحمل الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية، ويمسح الله كل دمعه من عيونهم" (رؤ 7: 13، 16-17).
الأب أنسيمُس الأورشليمي
آمَنْتُ لِذَلِكَ تَكَلَّمْتُ.
أَنَا تَذَلَّلْتُ جِدًّا [10].
لن يبقى الإيمان حبيس الفكر المجرد، إنما يُعلن خلال الكلام والسلوك، كما في داخل القلب والعقل. دائمًا يُعلَن الإيمان خلال الحياة العملية المقامة. يقول الرسول بولس: "فإذ لنا روح الإيمان عينه حسب المكتوب: آمنت لذلك تكلمت، نحن أيضًا نؤمن ولذلك نتكلم أيضًا. عالمين أن الذي أقام الرب يسوع، سيقيمنا نحن أيضًا بيسوع ويحضرنا معكم". (2 كو 4: 13-14). لن يبقى الإيمان معطلًا داخل القلب، إنما يلزم إعلانه بالسلوك العملي في المسيح يسوع.
* بماذا أؤمن؟ أنني سأرضي الرب في كورة الأحياء. هذا هو ما أومن به، هذا هو السبب أني أتكلم. وما هو الذي أتكلم به؟ "أنا تذللت (تواضعت)". يا له من فهم عميق جدًا للمنطوق الإلهي! يقول: "آمنت أنني سأرضي الرب، سأصير ملاكًا، وسأكون في السماء، ولم أتكبر. لم انتفخ بل بالحري تذللت جدًا. وذلك بسبب مراحم الله العظيمة سأكون في أرض الأحياء. إنني أعرف نفسي جيدًا، إني تراب ورماد، لذا بالحقيقة تذللت. بماذا يفتخر التراب والرماد؟[24]"
القديس جيروم
* نطق المرتل بهذه الكلمات عندما كان في خطر عظيم ولم يكن هناك أي احتمال للهروب إلا بقوة الله. وفي ظروف متشابهة، يقول بولس إننا نحمل ذات الروح لكي نستريح أيضًا (2 كو 4: 13). هكذا يظهر أنه يوجد تناغم عظيم بين العهدين القديم والجديد. إنه ذات الروح الذي يعمل في كلا الاثنين. كان رجال العهد القديم في خطر كما نحن أيضًا. يلزمنا نحن أيضًا أن نجد الحل مثلهم خلال الإيمان والرجاء[25].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* الصدق في الكلام يتقدمه حسن الإيمان، لأن غير المؤمن لا يصدق كلامه الذي يقوله عن الله، إذ رأس التعليم الصادق والقول الحقيقي هو الإيمان الثابت الدائم في قلب المتكلم. لذلك كتب الرسول: "فإذ لنا روح الإيمان عينه، حسب المكتوب: آمنت لذلك تكلمت. نحن أيضًا نؤمن، ولذلك نتكلم أيضًا" (2 كو 4: 13). فروح الإيمان الذي قاله الرسول الإلهي هو الملكة الحاصلة من الإيمان، أو موهبة الروح المعطاة للمؤمن. وكمال الإيمان هو التواضع وعدم الاختيال والكبرياء... كتب الرسول: "أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي إني قد أدركت" (في 3: 13)، لذلك قال النبي: "وأنا تواضعت (تذللت) جدًا".
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* جاء الكلمة لكي تأتي الأرض المهجورة بثمرٍ لنا. جاء الكلمة، وتبعه الصوت. فإن الكلمة أولًا يعمل في الداخل قبل أن يتبعه الصوت. لذلك يقول داود: "آمنت عندئذ تكلمت" (مز 116: 10)[26].
القديس أمبروسيوس
أَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي:
كُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ [11].
وسط الضيقات شعر كأن كل البشر حتى ألصق الأصدقاء له عاجزون عن تقديم أية مساعدة لائقة. جاءت كلمة "كاذب" هنا بمعنى "باطل". لقد فقد المرتل رجاءه في البشر، لهذا يلزمه أن يتكل على الله. هذا هو الطريق الآمن للخلاص من الظلمة والتمتع بالنور الحقيقي. لقد عانى الرسول بولس أيضًا، إذ قال: "الجميع تركوني". وإن كان قد وُجد من بين أحبائه من لم يخجل من سلسلته. قال أحد المختبرين: معارفي يملأون كاتدرائية ضخمة، وأصدقائي صاروا منبرًا للوعظ، لكن من يقدر أن يدخل أعماقي ويرد لي سلامي غير السيد المسيح.
يرى القديس أغسطينوس أن الإنسان في حيرته يقول إن كل الناس كاذبون، هذا ما حدث مع القديس بطرس حينما اتكل على نفسه، فتعلم أن كل الناس كاذبون، فلا يتكل على ذراع بشر، حتى على ذراعه هو.
* "أنا قلت في حيرتي كل الناس كاذبون". يقصد بالحيرة الخوف الذي يحدث عندما يهدد المضطهدون، وعندما تحل آلام عذابات الموت، وعندما يتألم الضعف البشري. نفهم ذلك لأن صوت الشهداء يُسمع في ها المزمور. تُستخدم الحيرة أيضًا بمعنى آخر، عندما لا يحل الخوف بالعقل، وإنما حينما يحل إيحاء خاص برؤيا[27].
* كنت في الأصل لا شيء وهو خلقني. كنت مفقودًا وهو بحث عني ووجدني. عندما كنت أسيرًا خلصني. اشتراني ورعاني. كنت عبدًا، وجعلني له أخًا؛ فماذا أرد للرب؟
ليس لديكم شيئًا تقدمونه له. فإنكم تطلبون منه كل شيء، فماذا تعطون؟[28]
القديس أغسطينوس
يرى القديس جيروم أن كل إنسان كاذب بمعنى أنه إذ يسلك كإنسان يكذب، إنما أن يتقدس وينطبق عليه القول: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82: 6) لا يعود يكون كاذبًا. [إنسان القداسة يصير إلهًا، وإذ هو إله، يكف عن أن يكون إنسانًا فلا ينطق بالكذب[29].]
* "أنا قلت في حيرتي كل إنسانٍ كاذب"... ما يقوله النبي هو هذا: سأرضي الرب في كورة الأحياء، ومع هذا إذ أتطلع إلى الحياة البشرية وأتأمل في كل أنواع الخطأ لا أجد الحق في هذا العالم... هذا هو ما أقوله: كل ما نراه، وكل ما نتمعن فيه بفطنة هو كذب. كيف هو كذب؟ "كذب" هنا تُستخدم بمعنى "ظل"، كما لو كانت خيالًا. وكما يقول مزمور آخر: "إنما كخيالٍ يتمشى الإنسان" (مز 39: 7). بنفس المعنى يقول مزمورنا كما جاء بالعبرية، كل إنسان كاذب، بمعنى كل إنسان خيال[30].
القديس جيروم
* إن قوله: أنا قلت في حيرتي" معناه أنا قلت عندما تحيرت من كثرة مصائبي. وأيضًا عندما تفكرت في أمور العالم وذهلت. قلت إن كل إنسانٍ كاذب، أي كل من كان خاضعًا للانفعالات البشرية، وكل من ركن إلى أفكار البشر، ولم يسند رأيه على أحكام الله فهو كاذب.
كلمة "كاذب" هنا بمعنى "باطل" و"فانٍ". وكأن قوله يعني أن سعادة الإنسان وغناه وعلمه زائل وسريع الزوال. كل ما كان موجودًا للإنسان في هذا العمر الحاضر، سريع التحول والانقلاب، إن كان مسرًا أو مضرًا، فلا يدوم على حالٍ واحدٍ مطلقًا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* إن كان كل إنسان كاذب والله وحده هو صادق، ماذا ينبغي علينا نحن الخدام، أساقفة الله، أن نفعل سوى أن نرفض الأخطاء والأكاذيب البشرية، ونبقى في حق الله، نطيع وصايا الرب؟[31]
الشهيد كبريانوس
* حسنًا فعل العظيم داود - كما يبدو لي - حينما عبَّر عن استحالة عمل كهذا. لقد رُفع بقوة الروح خارج ذاته، وصار في طوباوية من الدهش الروحي في الجمال غير المدرك وغير المحدود. رآها كأقصى ما يستطيع أن يرى، فإذ هدأت شهوات جسده، ودخل بقوة الفكر المجرد إلى فوق، متأملًا في العالم الروحاني المعقول، وتاق أن يقول كلمة تليق بهذا المنظر، انفجر بتلك الصرخة التي دوى صداها مرارًا: "كل إنسانٍ كاذب" (مز 116: 11) [32].
القديس غريغوريوس النيسي
* حتى وإن كان كل البشر قد أحبوا الكذب قبل مجيئهم إلى الحق، فإن الله الحقيقي يبقى عادلًا، يمسك بالأمور اللائقة به ويحقق كل شيءٍ لائق[33].
يوسابيوس أسقف إمسا
* الله حق في ذاته؛ أنت كاذب في ذاتك، أما فيه فيمكنك أن تكون صادقًا[34].
القديس أغسطينوس
* يعلن داود: أنا قلت في دهشي: كل إنسانٍ كاذب" (راجع مز 116: 11). بالحق لقد انتقل خارج نفسه ليشترك في الإلهيات، فقال إن الناس كاذبون، لأنه لم يعد بعد مجرد إنسان، ذلك بسبب شركة الروح القدس[35].
القديس ديديموس الضرير
مزمور 116  (114، 115 في الأجبية)  - تفسير سفر المزامير - الانطلاق إلى أرض الأحياء
4. ماذا أرد للرب؟

مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ [12].
لم يقل المرتل: ماذا أقدم أو أعطي الرب؟ لأن ليس للإنسان ما يقدمه للرب إلا أن يرد القليل مما وهبه الرب. حتى ما قدمه الشهداء للرب هو أن يردوا له الحب بالحب الذي وهبهم إياه بروحه القدوس، وقدموا دمهم مسفوكًا، مقابل سفكه دمه لأجل خلاصهم.
أمام عطايا الله العجيبة، حيث وهبنا وجودنا نفسه من العدم، ووهبنا أن نكون على صورته، كما تجسد لكي يفدينا، ليس لنا ما نقدمه سوى ذبيحة الشكر.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل يقدم الشكر لله لا من أجل عطاياه وإنما من أجل إحساناته أو صلاحه الذي يرده له. فالمرتل يشعر أنه يصنع شرًا، والرب يرد الشر بالخير. على عكس ما فعله الكرامون الذين لما رأوه قالوا: "هذا هو الوارث هلموا نقتله" (مت 21: 38)، فردوا صلاحه بالشر[36].
* بأي استحقاق أرد للرب؟ أنا طين، أنا تراب. إنه وعدني أنني سأرضيه في أرض الأحياء. جعلني معلمًا. لذلك آمنت وتكلمت. ماذا يليق بي لأقدمه مقابل هذا الإحسان وهذا الحنو؟ ما أعطيه هو بالحقيقة له، فأنا لا أعطيه، بل أرد له مما له. ليس لي ما أقدمه سوى أن أسفك دمي لأجله، وأن أموت شهيدًا من أجله. هذا هو الأمر الوحيد الذي أرده، أن أقدم الدم مقابل الدم. إذ خلصنا بواسطة المخلص، نفرح بسفك دمنا لأجله[37].
القديس جيروم
* أعدوا أنفسكم أن تذهبوا إلى خالقكم، وتمزقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يوئيل 2: 13)، وتسألوا أنفسكم: "ماذا نرد للرب من أجل كل حسناته لنا؟!"[38]
القديس أنبا أنطونيوس
* إذا كنتَ تعلم أنك مستنيرٌ، وأنّ نفسك صالحة فقُل: ”الله عمل معي وأنار ذهني الغارق في الظلمة"، "وقُل في قلبك: بماذا أردُّ للرب عن كل ما أعطانيه" (مز 116: 12)[39]
أنبا ثيؤفيلس البطريرك
* ما أرده هو أن أرعى غنمه، وحتى هذا أفعله "لا أنا بل نعمة الله" (1 كو 15: 10)[40].
الأب قيصريوس أسقف آرل
* أما نرد شيئًا لذاك الذي هو محسن علينا؟ حقًا إنه يستحيل علينا أن نرد لله حسناته علينا، لكنه أمر شرير أن نأخذ الهبات ولا نعرف قيمتها. الطبيعة نفسها تشهد بعجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لذلك عندما كان بولس الطوباوي يتعجب من عظم بركات الله، قال: "من هو كفء لهذه الأمور" (2 كو 2: 17). لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص، وبالموت داس الموت، ممهدًا طريق الأمجاد السماوية بغير عقبات أو حواجز لهؤلاء الذين ينمون.
لهذا عندما أدرك أحد القديسين النعمة مع عجزه عن أن يرد لله مقابلها، قال: "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي" (مز 116: 12). لأنه عوض الموت تقبل حياة، وبدل العبودية نال حرية، وبدل القبر وهب له ملكوت السماوات.
لأنه منذ وقت قديم "تسلط الموت من آدم إلى موسى"، أما الآن فإن الصوت الإلهي قال: "اليوم تكون معي في الفردوس". وإذ يشعر الإنسان القديس بهذه النعمة يقول: "لولا أن الرب كان معي، لهلكت نفسي في الهاوية".
علاوة على هذا، يشعر الإنسان بعجزه عن أن يرد للرب عن إحساناته، لكنه يعرف عطايا الله، كاتبًا في النهاية: "كأس الخلاص أتناول، وباسم الرب أدعو... عزيز في عينيّ الرب موت أتقيائه" (مز 116: 13، 15).
القديس أثناسيوس الرسولي
* تألم السيد المسيح في الوقت الذي كان فيه بيلاطس بنطس يعمل حاكمًا وقاضيًا... من الذي تألم؟ ربنا، ابن الله الوحيد! وماذا حدث له؟ صُلب ومات وقُبر! ومن أجل من؟ لأجل الأشرار والخطاة! يا لعظم هذا التنازل! يا لعظمة النعمة! "ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي؟ (مز 116: 12)[41]
القديس أغسطينوس
كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ،
وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو [13].
كان الكاهن يقدم سكيبًا من الخمر على الذبيحة، إشارة إلى الفرح، لأن الخمر يشير إلى الفرح الروحي، وسط الآلام.وسط الآلام نتقبل من يد الرب كأس الخلاص، أو كأس الفرح الداخلي أو التعزيات الإلهية.
لقد ارتبط طقس الفصح عند اليهود بأكثر من كأس يشترك فيه الحاضرون علامة الفرح الجماعي بخلاص الله. هذا ويرتبط هذا الكأس بالتسبيح بالمزامير.
إذا قدم لنا الخلاص المجاني، ودفع الثمن على الصليب، يلذ لنا أن نُصلب معه، أي نشترك في الآلام. فإن الدعاء باسم الله لا يقف عند الطلبة بالشفتين، وإنما بالقلب كما بالعمل.
* من لا يقبل كأس الخلاص ببهجةٍ وطيب نفس؟ من لا يشتهي بفرح وسرور أن يرد لربه شيئًا مما له؟ من لا يقبل بشجاعةٍ وبدون تردد الموت العزيز في عيني الرب، لكي يُسر عينيه، هذا الذي يتطلع علينا من فوق إلى أسفل، نحن الذين نصارع من أجل اسمه؛ يستند إرادتنا، ويعين في الجهاد لنوال الأكاليل مقابل الصبر والصلاح والحب، فيكلل فينا ما يهبه هو لنا، ويكرَّم ما حققه فينا؟[42]
الشهيد كبريانوس
* "كأس الخلاص أتناول (آخذ)، وباسم الرب أدعو"... ما هو كأس يسوع؟ "يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" (مت 26: 39). و"أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها؟" (مت 20: 22). وأكمل القول: "أما كأسي فتشربانها" (مت 20: 23). لماذا أركز على هذا؟ لكي تدركوا تمامًا أن الكأس هي آلام الاستشهاد: "كأس الخلاص"، أو كأس يسوع آخذ. هذا الاستشهاد ليس بقوتي، وإنما كما يقول هو بنعمة الله. لهذا لا أقدر أن أشربه ما لم أدعُ باسم الرب. إنه يسوع هو الذي ينتصر في شهيده، في شهيده يسوع يحمل الإكليل[43].
القديس جيروم
* من الواضح أن "كأس الخلاص" الذي جاء ذكره في المزامير، هو موت الشهداء. من أجل ذلك، فالفقرة التي تقول: "كأس الخلاص آخذ، وباسم الرب أدعو"، قد تبعها، "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" (مز 13:116، 15). فسيأتيننا الموت "الثمين" إن كنا أتقياء الرب، ومستحقين للموت، لا الموت العام، إن أمكنني تسميته كذلك، بل لنوعٍ خاص من الموت، هو موت مسيحي وتقويّ ومقدس[44].
العلامة أوريجينوس
أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ،
مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ [14].
اعتاد البعض أن ينذروا للرب نذورًا عندما يكونون في ضيقة. كانت النذور إما تقديم عطايا مالية أو ذبائح. وكان عند تقديم الذبائح يأخذ مقدم النذر جزءً من الذبيحة ويقيم وليمة يدعو إليها الأرامل والأيتام والفقراء ليشتركوا مع الأسرة في فرحهم بالله الذي يرعى شعبه، خاصة وسط الضيق. وكانت تسابيح الشكر لله أمر جوهري في مثل هذه الولائم. هنا يقدم المرتل النذور أمام كل الشعب لا حبًا في الظهور أو نوال مديح من أحدٍ، وإنما لبث روح الشكر لله والثقة فيه.
ما هو نذرنا للرب، سوى التزامنا أن نسلك بما يليق بنا كأولاد له، وهبنا التبني، وأعطانا روحه القدوس، فنسلك حسب الروح لا الجسد.
* الصلاة هي التي تقدم شيئًا كنذرٍ لله، ويسميها اليونانيون "نذرًا". فما جاء "أوفي نذوري للرب"، يُترجم عن اليونانية "أوفي صلواتي للرب"، كذلك نجد في سفر يشوع بن سيراخ: "إذا نذرت للرب نذرًا، فلا تؤخره أيضًا" (3:5)، وأيضًا في (تث 21:23) و (جا 4:5، 5) جاء في اليونانية بمعنى "إذا صلّيت صلاة للرب، فلا تتأخر في إيفائها"... ويكون إيفاء الصلاة هكذا: بزهدنا هذا العالم، وإماتتنا عن كل الأفعال العالمية... واعدين بأن نخدم الرب بنية صادقة من القلب.
ونحن ننفذ الصلاة عندما نَعِد باحتقار الكرامة الأرضية، وازدرائنا بالغنى الزمني، ملتصقين بالرب في حزن قلبي وانسحاق روحي.
ونصلّي عندما نَعِد بأن نعضد على الدوام نقاوة الجسد العُظمى والصبر الثابت، وعندما ننذر بأن نقتلع من قلوبنا جذور الغضب تمامًا، وأصل الحزن الذي يعمل للموت. أما إذا ضعفنا بالكسل وعُدنا إلى خطايانا القديمة، فإننا نكون قد فشلنا في إيفاء الصلاة، وبهذا نخطئ بصلواتنا ونذورنا، وتنطبق علينا هذه الكلمات: "إنه من الأفضل ألا ننذر عن أن ننذر ولا نفي"، والتي تطابقها في اليونانية أنه من الأفضل ألا نصلّي عن أن نصلّي ولا نفي[45].
الأب إسحق
عَزِيزٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِهِ [15].
ليس شيء أو أحد في العالم يعادل عند الرب نفس الإنسان التقي. وإن كان موت الأتقياء عزيز في عيني الرب، فكم يكون موت رب الأتقياء القدوس من أجل تقديم الخلود وعدم الفساد والإكليل لمؤمنين به!
* ثمين هو الموت الذي يجلب الخلود بتقديم الدم تكلفة له، والذي يقدم الإكليل... يا لفرح المسيح به![46]
* ليته لا يفكر أحد في الموت بل في الخلود، لا في التأديب الزمني، بل في المجد الأبدي، فقد كُتب: "عزيز موت قديسيه"[47].
الشهيد كبريانوس
توجد أنواع مختلفة للموت. يتبع أوريجينوس التقليد في تعليمه عن الموت المزدوج للمسيحي. موت جسده الناتج عن خطيئة آدم[48]، وموت نفسه، الناتج عن خطيئته الشخصية[49]. ويميز أوريجينوس في الواقع ثلاث أنواع من الموت:
1. موت في الخطية - وهو شرير.
2. موت عن الخطية - وهو صالح.
3. موت محايد - ليس بصالحٍ ولا شريرٍ في ذاته، وهو ما نسميه بالموت "الجسماني" أو "العادي".
* هؤلاء إذ ماتوا عن العالم، وجحدوا أموره، نالوا موتًا مكرمًا، فإنه: "عزيز في عيني الرب موت قديسيه"[50].
* القدِّيسون الذين يمارسون الفضيلة ممارسة حقيقية، "هؤلاء أماتوا أعضاءهم التي على الأرض، الزنا والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة" (كو 3: 5)، فيتحقق فيهم، بسبب هذه النقاوة وعدم الدنس، وعد مخلصنا، "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). هؤلاء صاروا أمواتًا عن العالم، وازدروا بمقتنياته، مقتنين موتًا مشرفًا، إذ هو "عزيز في عينيّ الرب موت أتقيائه" (مز 116: 15). هؤلاء أيضًا قادرون على الاقتداء بالرسول القائل: "مع المسيح صلبت، لأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2: 20).
هذه هي الحياة الحقيقية التي يحياها الإنسان في المسيح، فإنه وإن كان ميتًا عن العالم، إلاَّ أنه كما لو كان قاطنًا في السماء، منشغلًا في الأمور العلوية، كمن هو هائم في حب تلك السكنى السماوية، قائلًا: "فإن سيرتنا نحن هي في السماوات" (في 3: 2).
القديس أثناسيوس الرسولي
* لما جُلد صمت! ولما صلب صلَّى لأجل صالبيه! "بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطانيه؟! كأس الخلاص آخذ وأدعو اسم الرب".
"كريم أمام الرب موت قديسيه" (مز 116: 15). العمل اللائق الذي نستطيع أن نعمله نظير ما فعله معنا، هو أن نقدم دمًا بدمٍ. وبما أننا اُفتدينا بدم المسيح، فلائق بنا أن نقدم حياتنا لمن افتدانا.
القدِّيس إبرونيموس
* يبدأ الفردوس تفوح رائحته بأطياب موت الشهداء. إنها رائحة ذكية وعجيبة، تقدم تسبيحًا عظيمًا للرب، ملك السماء وكل الطغمات السماوية، كما تنبأ النبي: "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" (مز 116: 15)[51].
ابونيوس Aponius
* مع أن القديس استفانوس سيم بواسطة الرسل، إلا أنه سبق الرسل أنفسهم بموت منتصر مبارك. ذاك الذي كان أقل في الرتبة صار الأول في الألم، والذي كان تلميذًا في الرتبة صار معلمًا باستشهاده[52].
الأب قيصريوس أسقف آرل
* لتأكيد أنه ليس شيء ما يسبب ضررًا للإنسان الفاضل، فلتتعلم أن الصالحين بوجه عام -باستثناء قلة- قد دُفنوا ولا نعلم أين هم. قد ترى البعض قُطعت رؤوسهم، وآخرون قد رُجموا، وهكذا رحلوا من هذه الحياة؛ والبعض عانوا من عقوبات عديدة لا حصر لها ومن أنواع مختلفة من أجل الدين، بينما الكل صاروا شهداء من أجل المسيح. لا يستطيع أحد أن يجسر ويقول إن مثل هؤلاء موتهم كان بدون كرامة. عوض هذا نحتفظ بالكلمات التي للكتاب المقدس: "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" (مز 116: 15)[53].
القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 116  (114، 115 في الأجبية)  - تفسير سفر المزامير - الانطلاق إلى أرض الأحياء
5. ذبيحة الحمد والشكر

<SPAN lang=ar-sa> آهِ يَا رَبُّ. لأَنِّي عَبْدُكَ.
أَنَا عَبْدُكَ، ابْنُ أَمَتِكَ.
حَلَلْتَ قُيُودِي [16].
يؤكد المرتل مدى التصاقه بالرب، فهو عبد للرب وابن لأمته، يرتبط بالرب الذي يحرره من قيود الحزن.
* في حبٍ أبديٍ لا نهائي يتقدم يسوع ليحمل خطاياي وخطاياك. متَّهمًا بالتجديف وفعل الشر، وفي هذا يُساق للذبح دون أن يفتح فاه!

<FONT size=6>"فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 30 (29 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير -
مزمور 97 (96 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 70 (69 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 61 (60 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 54 (53 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير


الساعة الآن 04:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024