الله يُمَجِّد خليقته
23-إن الله يمنح مجدًا لخليقته، حتى الجامدة منها:
وفى هذا يقول القديس بولس الرسول: "مجد السماويات شيء، ومجد الأرضيات شيء آخر. مجد الشمس شيء، ومجد القمر آخر، ومجد النجوم آخر. لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1كو 15: 40، 41). حتى زنابق الحقل أعطاها الله في جمالها مجدًا لم يكن لسليمان الملك. وفي ذلك قال الرب: "تأملوا زنابق الحقل.. ولا سليمان في كل مجده، كان يلبس كواحدة منها.." (مت 6: 28، 29).
24-بل تأملوا الملابس الكهنوتية التي أمر الله أن تصنع لهرون رئيس الكهنة بالذهب والاسمانجوني.. للمجد والبهاء (خر 28، 40).
الله هو الذي اختار بنفسه هذه الملابس لكاهنه، وأختار نوع قماشها وزينتها وطريقة تفصيلها، وأمر أن الذين يقومون بصنعها يكونون مملوءين من روح الحكمة. وهكذا قال لموسى النبى:
"واصنع ثيابًا مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء. وتكلم جميع حكماء القلوب، الذين ملأتهم روح حكمة، أن يصنعوا ثياب هرون ليكهن لي" (خر 28: 2، 3) " فيصنعون الرداء من ذهب واسمانجونى وقرمز وبوص مبروم صنعة حائك حاذق" (خر 28: 6)، وكذلك الصدرة (خر 28: 15) "وتصنع على الصدرة سلاسل مجدولة صنعة الضفر من ذهب نقي. وتصنع على الصدرة حلقتين من ذهب.." (خر 28: 22) "وتصنع صفيحة من ذهب نقي. وتنقش عليها نقش خاتم (قدس للرب) وتصنعها على خيط اسمانجونى لتكون على العمامة" (خر 28: 36، 37). وتكون على جبهته دائمًا للرضا عنهم أمام الرب (خر 28: 38). إن الله يرضى عن الشعب، حينما ينظر إلى الصفيحة الذهب التي على جبهة هرون المكتوب عليها " قدس للرب".
أي مجد هذا أعطاه الله لهرون في ملابسه وفي شفاعته؟! وليس هرون فقط، بل يقول الرب عن أولاد هرون:
"ولبنى هرون تصنع أقمصة، وتصنع لهم مناطق، وتصنع لهم ملابس للمجد والبهاء. وتلبس هرون أخاك إياها وبنيه وتمسحهم.." (خر 28: 40 / 41).
فهل المجد الذي أحاط الله به هرون، انقص من مجد الله؟! أم الله فرح بهرون وأولاده، وألبسهم المجد و البهاء؟
وإلى هذه الدرجة بلغ اهتمام الله بكهنته وبرئيس كهنته. أتريد أنت أن تصف هرون بالكبرياء والعظمة، وهو في ملابس الذهب والأرجوان والاسمانجوني؟! إذن عليك أن تصف زنابق الحقل بهذه التهمة أيضًا، لأنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها..!
وما ذنب هرون وما ذنب الزنبقة، أن الله ألبسهما هكذا؟!
إن كان الله يعطى بهاء لزنابق الحقل، أفلا يعطى خدمه ووكلاءه؟! بل هو يعطى بالأكثر.
24- بل انظروا المجد الذي أعطاه لموسى وإيليا على جبل التجلي.
حتى أن القديس بطرس الرسول قال:".. نصنع هنا ثلاث مظال. لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة" (مت 17: 4). ولكن هذا المجد يعطيه الله لخادمين له، قدما له الذبائح من قبل.. إنه مجد يحسب كعربون لأمجاد القيامة، التي سنكون فيها كملائكة الله في السماء (مت 22: 30).
25- ومن أمثلة المجد الذي أعطاه الله لخليقته، المجد الذي أعطاه للملائكة " المقتدرين قوة" (مز 103) الذي يقال عن الواحد منهم إنه ملاك نور (2كو 11: 14)، بكل مواهبهم وجمالهم ونقاوتهم..
26- والمجد كما أعطاه الله للقديسين، أعطاه كذلك للتائبين.
انظروا إلى الخاطئة يهوذا (في سفر حزقيال)، هذه التي كانت مطروحة بدمها، كيف طهرها الله وقال لها: "حممتك بالماء، وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت" ليس هذا فقط، بل يقول أيضًا : "وألبستك مطرزة.. وحليتك بالحلي.. وتاج جمال على رأسك. فتحليت بالذهب و الفضة، ولباسك الكتان والبز والمطرز وجملت جدا جدًا، فصلحت لمملكة. وخرج لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليك، يقول السيد الرب" (خر 16: 9 – 14).
أي مجد هذا، أن يلقى الله بهاءه على البشر، ليكون جمالهم كاملًا ببهائه؟!
27- ولكن ليس هذا غريبًا على الله عندما خلق الإنسان قال: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا"، "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه" (تك 1: 26، 27).
هذا هو أول مجد، إن الإنسان خلق على صورة الله.
28- ومن المجد الذي مجد الله به الإنسان، صنع العجائب
وهى معجزات عظم الله بها أولاده في أعين الناس، وكانت وسيلة لنشر أو تثبيت الإيمان. ونحن نرى في معجزة شق الأردن أن الله قال ليشوع بن نون قبلها: "اليوم أبتدئ أعظمك في أعين جميع إسرائيل، لكي يعلموا أني كما كنت مع موسى أكون معك" (يش 3: 7). وسمح الله أن معجزة شق البحر الأحمر لا تكون بيده الإلهية مباشرة، وإنما بيد موسى..
على أنى لا أرى في الكتاب المقدس كله آية تدل على تمجيد الله لأولاده بالمعجزات، أكثر من قول السيد المسيح لتلاميذه:
" من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها" (يو 14: 12).
الكتاب المقدس مملوء بالمعجزات، وهناك سجل بالمواهب ذكره بولس الرسول (1كو 12) ولم يكن ضد مجد الله في شيء أن يتمتع أولاده بهذه المواهب التي أعطاهم الله إياها..
29- إن المجد لم يطلبه أولاد الله، بل هو الذي أعطاه.
ولو كان الله يرى في ذلك شيئًا ضده، ما كان يعطى. ولكن هوذا الرسول يقول: "الذين دعاهم، فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم مجدهم أيضًا" (رو 8: 30). ويقول: "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17).
30- ومن أروع أنواع المجد، ذلك المجد العتيد الذي نناله في القيامة وفي العالم الآخر، مجد الأبدية:
يقول بولس الرسول: "أن آلام الزمان الحاضر، لا يقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو 8: 18). ولعل أولى بشائر هذا المجد الجسد الروحاني الذي ستقوم به "على صورة جسد مجده" (فى 3: 21)، هذا "الذي دعانا إلى مجده الأبدي" (1بط 5: 10) دعانا إلى ملكوته ومجده (1تس 2: 12).
وعن جسد القيامة يقول بولس الرسول: "يزرع في هوان، ويقام في مجد. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا.. وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو 15: 43-49).
وبطرس الرسول يقول عن نفسه: "شريك المجد العتيد أن يعلن".. ويقول للرعاة: "ومتى ظهر رئيس الرعاة، تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى".