رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" فأناشدكم، أيها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيَّة مقدسة مرضية عند الله. فهذه هيَ عبادتكم الروحية. ولا تتشبهوا بما في هذه الدنيا، بل تغيروا بتجديد عقولكم لتعرفوا مشيئة الله المرضية والصالحة والكاملة " (رومية 12 : 1 – 2). تأمل بسيط قادني إليه الروح القدس من خلال هذه الآية المعبّرة التي دونتها لنا رسالة رومية، ويتمحور هذا التأمل حول المقارنة بين مقاييس هذا العالم في شتَّى المجالات، إن من ناحية التفكير أو من ناحية التصرف أو ... والذي – للأسف – تغلغلَ في قلوب أغلب الناس ومن ضمنهم نحنُ المؤمنين، وما بين مقاييس الله في شتَّى المجالات أيضاً، وما علينا سوى أن نترك أنفسنا بينَ يدي الرب، مُقادين من الروح القدس، ومتأملين بالفارق الكبير بين المقياسين ومحاولين أن نرى أينَ نجد أنفسنا لكي نصلح بقوة الله ما يجب إصلاحه. والآن إليكم هذه المقاييس: مقاييس العالم: 1 – أحب الذين يحبونني، وأحسن إلى الذين يُحسنون إليَّ وأقرض من يردّ لي مالي مع فائدة (هذا في أحسن الأحوال). مقاييس الله: 1 – أحبوا أعداءَكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل المسيئين إليكم ... وأقرضوا غير راجينَ شيئاً (لوقا 6 : 27 - 35). مقاييس العالم: 2 – عين بعين وسن بسن، ينبغي أن أنتقم ممن يُسيء إليَ أو أقله أن أشتكي عليه، وأزجَّهُ في السجن لكي ينال عقابهُ العادل. مقاييس الله: 2 – لا تقاوموا من يُسيء إليكم. من لطمك على خدك الأيمن، فحوّل له الآخر (متى 5 : 39)، لا تردوا الشر بالشر، والشتيمة بالشتيمة، بل باركوا فترثوا البركة (1 بط 3 : 9)، لا تجازوا أحداً شراً بشر، واجتهدوا أن تعملوا الخير أمام جميع الناس (رو 12 : 7). مقاييس العالم: 3 – هل تعلم ؟ لقد ساعدتُ البارحة إبن عمي، واليوم ساعدت جاري، هما فقيرين وأنا أحب أن أساعد الناس وهذا ما أفعلهُ دائماً مع عدد كبير من الأشخاص. مقاييس الله: 3 – إياكم أن تعملوا الخير أمام الناس ليشاهدوكم ... فإذا أحسنتَ إلى أحد، فلا تطبّل ولا تزمّر مثلما يعمل المراؤون في المجامع والشوارع... أمّا أنتَ إذا أحسنتَ إلى أحد فلا تجعل شمالك تعرف ما تعمل يمينك (متى 6 : 1 – 3). مقاييس العالم: 4 – هل تعلم، إنني منشغل كثيراً هذه الأيام، لقد صليت هذا الأسبوع لعدة أشخاص، وهذا عمل أقوم به دائماً، كما صمت من أجل عدد كبير من الناس، وحالياً أنا ممتنع عن تناول أصناف كثيرة من المأكولات، إنني أحب أن أصلي للناس وأن أساعدهم. مقاييس الله: 4 – وإذا صليتم، فلا تكونوا مثلَ المرائين، يحبون الصلاة قائمين في المجامع ومفارق الطرق ليشاهدهم الناس ... وإذا صمتم، فلا تكونوا عابسين مثلَ المرائين، بل صلي في مخدعك، واظهر صائماً لأبيك السماوي فقط (متى 6 : 5 – 18). مقاييس العالم: 5 – كم أنا خائف وقلق ومتوتر، أولادي مرضى، أقساط المدارس ترهقني، وضعي في العمل صعب، الظروف المحيطة بي ضاغطة جداً، يبدأ نهاري قاتماً وينتهي أكثر سواداً، أخاف من أي شيء قد يواجهني، إذا مرضت يذهب فكري بعيداً، دائماً الأمور مضخمة في داخلي، وببساطة أنا خائف باستمرار ... مقاييس الله: 5 – لا تقلقوا أبداً، بل اطلبوا حاجتكم من الله بالصلاة والإبتهال والحمد، وسلام الله الذي يفوق كل إدراك يحفظ قلوبكم في المسيح يسوع. (فيليبي 4 : 6 – 7). إلق على الرب همك وهوَ يعولك (مز 55 : 23)، ... ولا تقلقوا، فهذا يطلبهُ أبناء العالم ... لا تخف أيها القطيع الصغير ! فأبوكم السماوي شاء أن يُنعم عليكم بالملكوت (لو 12 : 29 – 32). مقاييس العالم: 6 – إنني أعمل نهاراً وليلاً، وهكذا أكسب أموالاً طائلة، فالمال يحلّ كل المشاكل. مقاييس الله: 6 – بركة الرب هيَ التي تغني، وكثرة التعب لا تزيدُ شيئاً (أمثال 10 : 22). مقاييس العالم: 7 – لقد جمعتُ أموالاَ كثيرة، وأصبح لديَّ كمية كبيرة من المقتنيات (مصالح وأعمال، قطع أرض، سبائك ذهب، استثمارات وأسهم ...) الحمد لله فأنا مطمئن ولا أخاف على مستقبلي ومستقبل أولادي. مقاييس الله: 7 – لا تجمعوا لكم كنوزاً على الأرض، حيثُ يُفسد السوس والصدأ كل شيء... بل اجمعوا لكم كنوزاً في السماء... لأنهُ حيثُ يكون كنزك يكون قلبك. (متى 6 : 19 – 21). مقاييس العالم: 8 – ما أجمل جلسات تناول الخمرة، فهيَ تنسيني تعبي وحزني وهمومي، وتبعث فرحاً في قلبي، وكم نفرح بعدها بتبادل الأغاني الشعبية، والمزاح والنكات التي تجعلنا نضحك لساعات. مقاييس الله: 8 – لا تسكروا بالخمرة، ففيهـا الخلاعـة، بل امتلئوا بالروح وتحدثوا بكلام المزامير والتسابيح والأناشيد الروحية (أفسس 5 : 18 – 19)، لا سفاهة ولا سخافة ولا هزل، فهذا لا يليق بكم، بل التسبيح بحمد الله (افسس 5 : 4). مقاييس العالم: 9 – لقد ذهبنا اليوم إلى أفخم وأرقى المحلات الحديثة، واشترينا ملابس تتناسب مع آخر مبتكرات الموضة العالمية، لأنهُ ينبغي علينا أن نرتدي ملابسنا وفقاً لهذه الموضة حتى لو كانت محرجة بعض الأحيان، فلا يمكننا عدم مراعاة العصر وإلاَّ بدونا غير متمدنين وقد يرفضنا المجمتع، فنحنُ بالنتيجة نعيش فيه، كما اخترنا بعض الحلى والذهب واللآلىء التي تعطي طلتنا رونقاً مميزاً. مقاييس الله: 9 – لا تكن زينتكنَّ خارجية في الملابس، بل داخلية بما في باطن القلب من زينة نفس وديعة مطمئنة لا تفسد، وثمنها عند الله عظيم (1 بط 3: 3 - 4). وأريد أن تلبس المرأة ثياباً فيها حشمة، وأن تتزين زينة فيها حياء ووقار، لا بشعر مجدول وذهب ولآلىء وثياب فاخرة، بل بأعمال صالحة تليق بنساء يعشنَ بتقوى الله (1 تي 2 : 9 – 10). مقاييس العالم: 10 – لا أحد يُقدّر ويُشجّع في هذا العالم، لذلكَ كل ما عليَّ فعله هوَ أن أقوم بعملي بحده الأدنى، فلا أحد يعرف أو يُراقبني، وكل همّي أن يمر الوقت وأذهب بعدها إلى بيتي، وعندما أعلم أن رب عملي أو أحد المفتشين سيزور القسم الذي أعمل فيه، أبدو أمامه مجتهداً ومنظماً وهكذا أنال رضاه ويعتبرني أنني أعمل دائماً بهذه الطريقة. مقاييس الله: 10 – أيها العبيد، أطيعوا أسيادكم في هذه الدنيا بخوف ورهبة وقلب نقي، كما تطيعون المسيح، لا بخدمة العين كمن يُرضي الناس، بل بكل قلوبكم كعبيد للمسيح يعملون بمشيئة الله (أف 6 : 5 – 6)، أيها العبيد، أطيعوا في كل شيء سادتكم في هذه الدنيا، لا بخدمة العين كمن يُرضي الناس، بل بنقاوة القلب ومخافة الرب (تيطس 3 : 22). مقاييس العالم: 11 – أنا المسؤول، أنا القائد، أنا الرئيس، ينبغي أن يُطيعني الجميع وينفذوا أوامري التي أصدرها، ويحققوا لي رغباتي، هذا هوَ موقعي الذي حصلت عليه بجدارتي، ولم يقم أحد بتقديمه لي على طبق من فضة. مقاييس الله: 11 – أمَّا أنتم، فما هكذا حالكم، بل ليكن الأكبر فيكم كالأصغر، والرئيس كالخادم (لوقا 22 : 26). مقاييس العالم: 12 – أنا متميز عن غيري، إنني ذكي كثيراً وهذا ما يقولهُ الجميع، فأنا استحق التقدير، وليسَ أحد غيري من أنجزَ هذا العمل وبصراحة لم يُساعدني به أحد، ولقد تعبت كثيراً قبلَ أن أحقق ذلكَ، في الوقت الذي كان غيري مرتاحاً، لذا لا عيب إن تصدرت المقاعد الأمامية، وطالبت أن أكون مفضلاً عن غيري، فلي مكاني وللذين لم ينجحوا أماكنهم، هذه هي شريعة الحياة. مقاييس الله: 12 – ... مفضلين بعضكم على بعض في الكرامة (رو 12 : 10)، وما نحسبهُ أقلها كرامة هوَ الذي نخصهُ بمزيد من التكريم، وما نستحي به هوَ الذي نخصهُ بمزيد من الوقار (1كو23:12)، ... والبسوا كلكم ثوبَ التواضع في معاملة بعضكم لبعض، لأن الله يصدَ المتكبريـ ويُنعم علـى المتواضعيـن (1بط5:5)، منزهين عن التحزب والتباهي، متواضعين في تفضيل الآخرين على أنفسكم، ناظرين لا إلى منفعتكم بل إلى منفعة غيركم. (فيليبي 2 : 3 – 4). مقاييس العالم. 13 – إنه عصر التطور والكومبيوتر، ولكي نواكبهُ ينبغي أن نزيد من معرفتنا وثقافتنا، وشهاداتنا، فبذلكَ لا تعود تفوتنا أية أمور، لقد أصبحتُ أمتلك مستويات عالية من الخبرة، وأصبحتُ مرجعاً للناس، فليست هناك من مشكلة لا يُمكنني حلها، إن المعرفة هيَ سر النجاح وقد نمتلك العالم وكافة أسراره من خلالها. مقاييس الله. 13 – فلا يخدع أحد منكم نفسه. من كان منكم يعتقد أنهُ رجل حكيم بمقاييس هذه الدنيا، فليكن أحمق ليصير في الحقيقة حكيماً، لأن ما يتعبرهُ العالم حكمة هوَ في نظر الله حماقة (1كور3 : 18-19)، بكل قلبك اطمئن إلى الرب ولا تعتمد على فطنتك (أمثال5:3)، أينما سرت تعرَّف إليه فيُيَسر لك طريقك، لا تكن حكيماً في عينيك (أمثال3 : 6-7)، طريق مستقيمة في عينيك، قد يؤدي آخرها إلى الموت (أمثال25:16). مقاييس العالم. 14 – لقد نبهتهُ مراراً لكي لا يقوم بهذه الأمور، لكنهُ لم يسمع لي، فليدفع ثمن ما ارتكبهُ، فربما يتعلم درساً مفيداً، ولا أظن أنني مستعد أن أفعل لهُ شيئاً الآن لأنه لم يسمع منذ البداية، وها هوَ قد وقعَ أخيراً لأنه أخطأ كثيراً فهذه مشكلتهُ وليست مشكلتي. مقاييس الله. 14 – يا إخوتي، إن وقعَ أحدكـم فـي خطـأ فأقيمـوه أنتـم الروحيين بروح الوداعة... ساعدوا بعضكم بعضاً في حمل أثقالكم (غل 6 : 1 – 2)، فيا إخوتي، إن ضلَّ أحدكم عن الحق وردَّهُ أحدٌ إليه، فليعلم أن من ردَّ خاطئاً عن طريق ضلاله خلصَ نفساً من الموت وسترَ كثيراً من الخطايا. (يعقوب 5 : 19 – 20). مقاييس العالم. 15– أمَّا أعمال العالم والجسد فهيَ: الزنى، الدعارة والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوة والشقاق والغيرة والغضب والدسّ والآنانية والخصام والتحزب والحسد والسكر والعربدة وما أشبه. مقاييس الله. 15 – أمَّا ثمر الروح فهـوَ المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة وضبط النفس (غلاطية 5 : 22 – 23). مقاييس العالم. 16 – لقد أساءَ إليَّ كثيراً، لقد جرحني وأذاني أذيّة كبيرة، لن أسامحهُ ولن أغفر لهُ، وكم أتمنى أن يذوق المرارة والعذاب اللذين ذقتهما. مقاييس الله. 16 – وليسامح بعضكم بعضاً إذا كانت لأحد شكوى من الآخر. فكما سامحكم الرب، سامحوا أنتم أيضاً (كولوسي 3 : 13)، المحبة تصفح عن كل شيء وتصبـر علـى كـل شـيء (1كو 13 : 7)، يـا سيـد، كـم مـرة يخطـأ إليَّ أخـي وأغفـر لـهُ ؟ أسبع مرات ؟ فأجابهُ يسوع: " لا سبع مرات، بل سبعين مرة سبع مرات ... " (متى 18 : 21 – 22)، فقالَ يسوع: " اغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون " (لوقا 23 : 34). وأخيراً هل وجدتَ مقاييس العالم كلاماً مركبّاَ، مبتذلاً، تمَّ اختياره من مجرد عبارات وإنشاء منمق، لكي يتناسب مع هذا التأمل ؟ أم هوَ واقع عملي حقيقي يعيشه أهل العالم والبعض منَّا أيضاً ؟ وماذا عن مقاييس الله ؟ هل هوَ مجرد كلام منمق ؟ بالطبع لا !! فهذه هيَ كلمة الله الحيَّة الفعالة المدونة لنا في الكتاب المقدس، ولهذا وضعنا الشاهد بعد كل مقطع كتابي، وهذه الكلمة كُتبت لكي نعيشها ونواجه بها مقاييس العالم. قد تكون تعرف عن مقاييس العالم التي أوردناها في هذا التأمل، وقد تكون تعيش البعض منها، لكنك لن تعرف مدى بشاعتها، إلاَّ عندما تضعها جنباً إلى جنب مع مقاييس الله، وهذا ما فعلناه في هذا الصباح بقيادة من الروح القدس، كم هيَ بشعة وقاسية هذه المقاييس ولذلكَ نبهنا الرب أن لا نحب العالم ولا الأشياء التي في العالم، لأن محبة العالم هيَ عداوة لله، نعم عداوة لله. لذا أدعوك أن تتأمل ملياً في هذه المقارنات وتدع الروح القدس يعمل في داخلك، ينزع منهُ مقاييس العالم ويغرس فيه مقاييس الله، ولا تتقيد بالحرف كما هوَ، لأن الحرف يقتل أمَّا الروح فيحيي، فليسَ شرب الخمرة ولا الغنى ولا الثياب الجميلة والزينة ولا المعرفة والعلم ولا العمل والنشاط من أجل تأمين متطلبات الحياة هيَ خطايا، لكن تعلق القلب بها، وتجاوزها الحدود اللازمة وجعلها الهدف الأساسي لوجودنا على هذه الأرض هوَ الخطيئة، والرب قادر أن يُفهمَك الفرق، ويُفهمَك مغذى هذا التأمل وهذه المقارنات، فقط أعطِ الروح القدس الفرصة ليفعل ذلكَ. |
|