القياده

[Ebn Barbara]

سفر إشعياء 28 : 23 – 29.

" أصغوا واسمعوا صوتي ! أنصتوا واسمعوا قولي ! أكلَّ يوم يفلح الفلاّح أرضهُ ويشقها ويُمهدها للزرع ؟ أم أنه إذا سوّى وجهها بذرَ العدس، وذرَّ الكمّون وألقى الحنطة في أتلامها والشعير في مكانه والفول في أطرافها. إلهه يعلمه ذلكَ ويُرشدهُ، كما يعلمه ويُرشده أن العدس لا يُدرس بالنورج ولا تدار بكرة العجَلَة على الكمّون، بل يُخبط العدس والكمّون بالعصا. والحنطة لا تُضرب ضرباً ولا تداس دوساً، وإنمّا يُجَّر عليها النورج فلا تسحـق. هـذه الحكمة ومثيلاتها جاءَت من عند الرب القدير وهوَ عجيبُ المشورة عظيم الفهم ".



هذه الحكمة ومثيلاتها جاءَت من عند الرب القدير وهوَ عجيبُ المشورة عظيم الفهم، هذا ما يقوله النبي إشعياء.

" والكتاب كله من وحي الله، يُفيد في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البرّ ليكون رجلَ الله كاملاً مستعداً لكل عمل صالح " وهذا ما قالهُ بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس 3 : 16 – 17.



" من كان لهُ أذنان، فليسمع ما يقول الروح للكنائس " وهذه عبارة رددها الرب يسوع عدة مرات للكنائس في سفر الرؤيا.

حِكَمْ أوردها الروح القدس في سفر إشعياء ووضعها بين أيدينا لكي نتأمل بها ونستخلص منها عِبَراً مفيدة لحياتنا الروحية، وقد شاءَ الروح القدس أن يختارها لنا اليوم ليعلمنا درساً بسيطاً لكنه عميق جداً، عمق عمل الله.



وبالطبع فإن الروح القدس لا يقصد أن يعلمنا كيف نفلح الأرض أو كيف نبذر البذار، ولا كيفَ نهتم بمختلف أنواع الحبوب، إنما هذه المعاني الرمزية، قد قصدَ الروح من خلالها أن يعلمنا كيفية التعامل مع النفوس المؤمنة وغير المؤمنة على حدّ سواء، هادفاً من ذلك خدمة هذه النفوس الهالكة أو المحتاجة إلى عون عند اجتيازها في مشاكل ومصاعب هذه الحياة، ومن الواضح جداً من خلال هذا المقطع لو تأملنا فيه بهدوء وتحتَ قيادة الروح القدس، أن نستنتج بأننا نحتاج أن نتعامل مع كل شخص ومع كل موقف بطريقة خاصة قد تختلف عن شخص وموقف آخرين، وبالطبع لسنا نمتلك في ذواتنا هذه الحكمة، لكن الروح القدس يمتلكها، وكل ما علينا هوَ أن نتكل عليه في كل موقف ليُعطينا الكلمة المناسبة والطريقة المناسبة، ومن ثمَّ تصبح آذاننا حساسة لصوته بصورة دائمة وذلك بسبب الممارسة المتكررة، كمـا تقـول رسالة العبرانيين 5 : 14 " أمّا الطعام القوي، فهوَ للكاملين الذين تدربت حواسهم بالممارسة على التمييز بين الخير والشر ". أحبائي لنتعلم من الرب يسوع نفسه، فهوَ قالَ للمرأة الزانية: " ولا أنا أدينك، اذهبي بسلام ولا تخطئي بعد الآن " (يوحنا 8 : 11)، أمّا للرجل الغني فقال له: " بعْ كل ما تملك ... وتعالَ اتبعني " (لوقا 18 : 22)، أمّا للفريسيين ومعلمي الشريعة فقد وبخهم بشدة ونعتهم بأولاد الأفاعي والقبور المبيضة، ونعتَ آخرين منهم بأولاد إبليس، ويسوع لم يكن يصيح كما تقول الكلمة عنهُ، لكنه غضبَ وطردَ باعة الحمام والصيارفة من الهيكل، وقرر أن يرد على بيلاطس عندما حاكمه ولكنه رفضَ الكلام قطعياً عندما حاولَ هيرودس محادثتهُ، ولو تأملتَ بالإنجيل كله لأدركتَ تماماً أن الرب تعاملَ مع كل شخص ومع كل ظرف بطريقة تحتلف عن الأخرى، ونحنُ نسألهُ في هذا الصباح أن يعطينا فهماً عميقاً وحكمة مميزة بالروح القدس لندرك عمق هذه الدروس، إن كنّا نريد أن ننمو ونُستخدم بقوة لامتداد الملكوت، وليُعطنا أيضاً " أن نرتفع إلى التعليم الكامل فــي المسيــح لأنــهُ مــرَّ علــى الكثيــر منّا الوقـت الكافي لنصير معلمين "، هذا ما تقوله رسالة العبرانيين 5 : 12 و 6 : 1.لأننا لو درسنا العدس بالنورج لأفسدناه ولو أدرنا بكرة العَجَلَة على الكمّون لأفسدناه أيضاً، لأن العدس والكمّون يُخبطان بالعصا !!!



وهذه الأمثلة تنطبق تماماً على طريقة تعاملنا مع النفوس، فلو أطعمتَ الأطفال الروحيين لحماً ولم تسقهم الحليب كما علمتنا الكلمة، فسوفَ تتسبب بموتهم وخسارتهم ربما.



ليفتح الروح القدس أذهاننا في هذا الصباح لكي تدخل كلماته ودروسه إلى أعماقنا وتثمر حياة ترضي الله !!!

لأنني لا أريد أن أملأ ذهنك بالمعرفة التي تنفخ بل بكلام الحياة الذي يبنيك ويبني من تخدمهم.

أحبائي كم من المرات خسرنا أخوة مؤمنين من حولنا أو أطفئنا حرارتهم الروحية أو جرحناهم وأخرجناهم من حقل المعركة بسبب كلام ليس مناسباً لهم أو لم يكن في التوقيت المناسب ؟



ولأننا حفظنا أو سمعنا مجموعة من التعاليم وأصبحنا نستخدمها للكل على حد سواء، دون تمييز وقيادة من الروح القدس.

وكم من النفوس غير المؤمنة قد تحجّرت قلوبها وأصبحت مقفلة لا تريد أن تسمع مجدداً أي كلمة بسبب عدة تقاليد أو عبارات توارثناها واستخدمناها معها، دون تمييز وقيادة من الروح القدس ؟ نجادلهم في معتقداتهم وطريقة عبادتهم وندخل معهم في مماحكات سخيفة وباطلة، لكي نبرز لهم حسنات تقاليدنا وعاداتنا وطريقة عبادتنا، وسوء تقاليدهم وعاداتهم وعبادتهم، وننسى أن نقدم لهم يسوع المسيح المصلوب والذي هوَ الحلّ الوحيد لكل مشاكلهم !!!

لم نُدعَ لنقدم للناس طائفة أو مجموعة من العقائد والتقاليد، ولم نُدعَ لننتقد ممارساتهم وطقوسهم وتقاليدهم، بل دُعينا لنقدم للجميع دون استثناء، الرب يسوع المسيح المصلوب والمُقام لفداء البشرية جمعاء.



لا تسحق النفوس بنورج التقاليد، ولا تضربها بعصا العقائد، ولا تدير عليها بكرة عَجَلة المماحكات والأنساب مناقشاً معها المواضيع الخلافية الطويلة والقديمة، بل قدّم لها يسوع فقط !!

لن أطيل الشرح، واثقاً أن الروح القدس يعمل الآن في قلب كل واحد منّا، ليُعمّق هذا التأمل بداخله، وكل ما أطلبه منكَ أن تتوقف وتعطي الرب الفرصة ليتكلم إلى حياتك، يفحصها ويمتحنها ويُصحح ما يجب تصحيحه.

أدعوك أن تراجع طريقة تعاملك مع أهل بيتك أولاً، أبوك وأمك وزوجتك وأولادك وكل القريبين منكَ، هل تقوم بدرسهم بالنورج كما يفعل الآخرين بالعدس ؟ أم تقوم بمعالجة أمورهم بقيادة الروح القدس، كل حالة على حدة ؟ قد تضطر أحياناً للتوبيخ وأحياناً أخرى للتأديب لكن أرجوك في وقت الله وفي طريقة الله، وليسَ توقيتك أنت وطريقتكَ أنت !!!



راجع أيضاً طريقة تعاملك مع محيطك غير المؤمن، هل تقدّم لهم مجموعة من التقاليد والوصايا والعادات، وتدخل معهم في مماحكات حذّرنا الكتاب المقدس من تجنبها، وبهذه الطريقة تفقدهم أي فرصة ثانية لقبول كلمة الله ؟ أم أنكَ تقدّم لهم الرب يسوع المسيح المصلوب والذي ماتَ من أجلهم.

واثقاً أن للروح القدس قصد كبير وعميق من هذا التأمل، أرجوك لا تفوّت الفرصة على الرب أن يعمل في حياتك. وأخيراً أترك لكَ هذا السؤال.

من يقودك ؟ مجموعة من التعاليم والعادات والتقاليد ؟

أم الروح القدس ؟