مزمور 96 (95 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
البناء اليومي لهيكل الرب
يرى البعض أن هذا المزمور بخصوص قيام الهيكل الذي بناه زربابل بعد رجوعهم من السبي البابلي. وهو نشيد البشرية التي تسبح الرب من أجل تحريرها من سبي إبليس وبنائها كهيكل روحي مقدس للرب.
1. بناء جديد وتسبحة جديدة
1-2.
2. بناء في كل الأمم
3-8.
3. ملك على خشبة
9-10.
4. فرح السمائيين والأرضيين
11-13.
من وحي مز 96
العنوان
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: أن عنوان هذا المزمور هو "تسبحة لداود عندما بُني البيت بعد السبي".
يرى القديس جيروم في عنوان هذا المزمور دعوة لكل مؤمنٍ أن يبني بيته الذي هدمه الأعداء. هذا البيت الذي في قلبه في حقيقته هو بيت الرب، يتحقق بناؤه بمخافة الرب، خلال التوبة.
في سفر الخروج قيل عن القابلتين اللتين خافتا الرب في أيام ميلاد موسى فلم تقتلا الأطفال، أنهما إذ خافتا الرب صنع الله لهما بيوتًا (خر 1: 21). في الحقيقة صنع الله له بيوتًا في أعماقهما.
لقد هدم البابليون بيت الرب في أورشليم، وعاد المؤمنون بعد السبي يبنون الهيكل الذي هدمه الأعداء. هذا العمل يلزم القيام به كل يومٍ، حيث لا يمل عدو الخير عن تحطيم هيكل الرب الذي فينا خلال الخطية، ونحن بدورنا لا نتوقف عن إعادة بيت الرب أو هيكله فينا بالتوبة والمخافة الربانية.
وما نقوله عن كل مؤمنٍ ينطبق أيضًا عن الكنيسة كل يومٍ. فالعدو يقاومها، ومخافة الرب تبني ما يتهدم كل يوم.
* إن كان إنسان ما بعد أن يخطئ يتوب بإخلاص، فإن بيته يُعاد بناؤه بعد السبي.
لنصلِ للرب أولًا وقبل كل شيء لكي لا يُهدم بيتنا، فلا يأتي الكلدانيون والأشوريون، ويهدموا هيكل المسيح الذي فينا.
إن كان بالضرورة يسقط، يمكننا أن نخلص بواسطة لوحٍ خشبي هو ملجأ آخر، وذلك خلال انكسار سفينتنا.
بيت المسيح هذا يُعاد بناؤه كل يومٍ في حياة التائب... أوضح المرتل أن إعادة البناء تحدث كل يومٍ. إذ يمكننا تطبيق ذلك أيضًا على كنيسة المسيح التي تتهيأ بعد السقوط[1].
* يلزمنا أن نبذل كل جهد ونستخدم كل معرفة لحسابنا لنمنع الدمار الكامل، فيتحقق فينا ما هو مكتوب في الخروج: "إذ خافت القابلتان الله أن صنع لهما بيوتًا" (خر 1: 21). لاحظوا: لأنهما خافتا الله بنتا بيوتًا. بدون مخافة الله لا يُمكن للبيت أن يُبني. إن كان بمخافة الله البيوت بُنيت بواسطة هؤلاء الذين يرتكبون خطية، بل صار بناؤهم موضع سرور الله، فماذا يجب علينا نحن المأسورين (في الخطية) أن نفعل؟ أصغ أيها الخاطي، يلزمنا أن نخاف الله بالحق ونتجنب الخطية، ولكن بعد الضياع توجد خشبة (إنقاذ) ثانية للتوبة... مادام يوجد زمن، فالباب دائمًا مفتوح للتوبة، فإنه مهما طالت حياتك، مادمت لا تزال حيًا فإنك تسقط في خطية"[2].
1. بناء جديد وتسبحة جديدة
رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً.
رَنِّمِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ [1].
إذ تمتعنا بالخليقة الجديدة في المسيح يسوع، صار لنا لسانًا روحيًا جديدًا يقدم تسبحة جديدة.
* "سبحوا للرب تسبيحًا جديدًا". يا للتوبة المغبوطة! فإنك حتى وإن سقطت، إن تبت تعلن بشكلٍ قاطعٍ عن بيت جديد للمسيح... البيت الجديد يتأهل لتسبحة جديدة...
"سبحوا للرب يا كل الأرض" [1]. هذه العبارة تبطل ما يقوله اليهود وأتباع نوفتيان. "سبحوا للرب يا كل الأرض"، ليس يا أورشليم فقط، بل يا كل العالم. يقول نوفتيان: توجد خطايا يلزم التوبة عنها مثل الكذب والحنث بالقسم والسرقة؛ أما الزاني والقاتل فلا توبة لهما. أسألك أن تصغي ماذا يقول المزمور: "سبحوا للرب يا كل الأرض". بقوله يا كل الأرض يشمل الزاني والقاتل، وكل خطية على الأرض. إن كانت كل خطية دون استثناء تحمل عليهما ختم الأرض، فلتتب أيا كانت الخطية التي ارتكبتها، وأنت بكل وسيلة تخلص[3].
* "رنموا للرب ترنيمة جديدة" الإنسان القديم ينهدم، ويُبنى الجديد، لذلك تُرنم ترنيمة جديدة. "رنمي (بفرحٍ) للرب يا كل الأرض". الأرض التي تتحول بإخلاص للرب ترنم باستمرار بتسابيح الشكر بعذوبة صوت شاب"[4].
* بحضور ربنا تجددت الأشياء كما كتب الرسول في الفصل الخامس من رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس، قائلًا: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء القديمة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17). لقد كمل فينا ما قد جاء في مزمور آخر أن يتجدد مثل النسر شبابنا، لأننا طرحنا ونزعنا الإنسان العتيق المختص بالتصرف الأول الفاسد، بما يخص شهوات الطغيان، وتجددت عقولنا بالروح، ولبسنا الإنسان الجديد المجدد لمعرفة صورة من خلقه، واتخاذنا عهدًا جديدًا. لذلك عند ميلاد ربنا سبحت الملائكة تسبيحًا جديدًا، الذي هو المجد لله في الأعالي... ونحن أيضًا فلنسبح هذا التسبيح الجديد لمن بنى البيت الجديد، وهو جسده الذي أخذه من الدائمة البتولية.
يرى القديس أغسطينوس أن بيت الرب يتحقق ببناء الكنيسة على الأرض كلها، أي نشر الإيمان بالسيد المسيح في كل الأمم. هذا البناء يتحقق بوصية المسيح الجديدة، التي هي الحب خلال الصليب، فتصير لنا تسبحة جديد، وبناءً جديدًا!
هذا البناء ينمو ويتزايد بين الأمم بعمل الروح القدس الناري.
* إن كانت كل الأرض تسبح تسبحة جديدة، فإن هذا هو المبنى الذي يتحقق بالتسبيح. عمل التسبيح هو المبنى، وإنما فقط إن كان لا يسبح تسبحة قديمة. شهوات الجسد تسبح تسبحة قديمة. محبة تسبح تسبحة جديدة... اسمعوا لماذا تدعى تسبحة جديدة. يقول الرب: "وصية جديدة أنا أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضًا". إذن الأرض كلها تسبح تسبحة جديدة، لهذا فقد بُني بيت الرب[5].
رَنِّمُوا لِلرَّبِّ،
بَارِكُوا اسْمَهُ،
بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ [2].
* "باركوا اسمه". اسم الرب هو "المخلص"، لأجل عمل خلاصه فينا.
ماذا يعني: "بشروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه؟ يفهم البار هذه بالطريقة التالية: سبحوا الرب كل يومٍ، أي يومًا بعد يومٍ، أو سبحوه اليوم، وسبحوه غدًا. هذا التفسير واضح. لكن يوجد معنى أعمق وراء الكلمات: "بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه". لا يمكن تسبيح الرب إلا في نور النهار. كان يلزم للمرتل أن يقول: سبحوا الرب نهارًا وليلًا لو أننا أخذنا الكلمات بالمعنى الحرفي. إننا نواجه مشكلة: هل لا نستطيع أن نسبح الرب أيضًا بالليل إن كنا نسبحه أثناء النهار؟ لتتعلموا إذن ماذا تعني. عندما تسبحوا الرب، سبحوه دومًا في النور؛ لا في ظلمة الخطايا، إنما في نور الفضائل. ليت شمس المسيح تشرق في نفوسكم دومًا، فيضئ فيكم نور جديد على الدوام.
"بشروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه". لنفحص هذه العبارة من زاوية أخرى. يوجد يومان لا ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة. يُوجد يومان: العهدان القديم والجديد، يشرق المسيح في كليهما. لا تسبحه فقط في العهد القديم لئلا تكون يهوديًا. ولا تسبحه في الجديد وحده، لئلا تكون من أتباع ماني. سبحه من يومٍ إلى يومٍ، في العهدين القديم والجديد، هذا اليومان يبعثان نورًا واحدًا بعينه. هذا هو السبب الذي لأجله مكتوب في اللاويين: كل حيوان مشقوق الظلف ويجتر هو طاهر (لا 11: 3). إذا كان غير مشقوق الظلف فهو غير طاهر... إنسان الكنيسة هو مشقوق الظلف ويجتر، إذ يؤمن بالعهدين وغالبًا ما يتأمل بعمق في كليهما. وما يُدفن في الحرف يقوم في الروح[6].
* أما قول النبي: "بشروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه" [2]، كأنه من قبل ربنا الذي أوصى تلاميذه أن يتلمذوا كل الأمم، ويعلموهم باسم الآب والابن والروح القدس. فعلموا بأمره، وطافوا المسكونة كلها، وبشروا بخلاصه. وأخبروا في كافة الأمم بمجده، وفي جميع الشعوب بعجائبه.
بقوله: من يومٍ إلى يومٍ" يعلمنا أنه يريد منهم أن يصنعوا هذا الفعل دائمًا...
الذين يبشرون بخلاص الرب لهم علم اليوم الواحد الذي هو العهد القديم، ومن هذا اليوم يهتدون إلى اليوم الثاني الذي هو العهد الجديد. فإذًا هذان اليومان كلاهما ينيرهما ربنا يسوع المسيح الذي هو شمس البرّ، وشعاع مجد الآب.
2. بناء في كل الأمم
حَدِّثُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِمَجْدِهِ،
بَيْنَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ [3].
يرى القديس أغسطينوس أن بناء بيت يبقى ينمو في كل الأمم، وذلك خلال الكرازة أو البشارة المفرحة من يومٍ إلى يومٍ. هذا البناء لا لمجد الكارزين الذين يقومون بالبناء، بل بمجد الرب نفسه. من يطلب مجد نفسه لا يقدم تسبحة جديدة للرب.
* "حدثوا بين الأمم بمجده" [3]. بمجده (بكرامته) لا مجدكم أنتم.
حدثوا أيها البناؤون بمجده بين الأمم. إن اخترتم أن تتحدثوا عن كرامتكم تسقطون، إن اخترتم كرامته، فإنكم أنتم أنفسكم تُبنون فيما أتم تبنون. لذلك الذين يختارون أن يحدثوا عن كرامتهم، يرفضون أن يسكنوا في ذلك البيت. وبذلك لا يسبحون تسبحة جديدة في كل الأرض[7].
* جاء في نبوة إشعياء: "يا رب أنت إلهي أعظمك. أحمد اسمك لأنك صنعت عجبًا، مقاصدك منذ القديم أمانة وصدق" (إش 25: 1). لأن ربنا وإلهنا يسوع المسيح هو الذي صنع العجائب، وهي إحياء الموتى وشفاء المرضى وسائر إحساناته التي يخبر بها الإنجيليون للشعوب. واثبات رأي الله القديم الصادق، وهو أن يكون الإنسان على صورة الله. هذه الصورة جددها ربنا عندما أعاد خلقة الإنسان بتجسده.
لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَحَمِيدٌ جِدًّا،
مَهُوبٌ هُوَ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ [4].
* "لأن الرب عظيم ولا يمكن حمده كما يليق به" [راجع 4]. من هو الرب إلا يسوع المسيح الذي هو عظيم ولا يمكن حمده كما يليق به؟ أنتم تعرفون بالتأكيد أنه ظهر كإنسانٍ. أنتم تعرفون تمامًا أنه حُبل به في رحم امرأة. أنتم تعرفون أنه وُلد من رحم، وأنه رضع، وحُمل على الأذرع، وخُتن، وقُدمت عنه تقدمه، وأنه نما، وأخيرًا تعلمون أنه لُطم وبُصق عليه، وكُلل بالشوك، وصُلب ومات وضرب بالحربة، واحتمل كل هذه الأمور. "إنه عظيم ولم يُحمد كما يليق به"... ليُسبح به وليُكرز به؛ ليُعلن مجده وليُبنى بيته[8].
لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الشُّعُوبِ أَصْنَامٌ،
أَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ [5].
بقوله: "لأن كل آلهة الأمم أصنام أو شياطين"، يريد أن يوضح أن بقوله: "مرهوب على كل الآلهة"، لا يثبت أنها آلهة، بل يوبخهم لأنهم حسبوا الشياطين أو الأصنام آلهة وعبدوها.
* مثل هذه الكلمات (دعوة الأصنام آلهة) تُستخدم ليس كما لو كانت آلهة حقيقية، وإنما لأن الكلمة تعلمنا بأن الله الحقيقي هو خالق الكل، هو الرب الوحيد لكل هذه التي باطلًا تُدعى آلهة وأرباب. لكي يقنعنا بهذا قال الروح القدس بداود: "لأن كل آلهة الشعوب أصنام للشياطين وليست آلهة" (راجع مز 96: 5). وجعل اللعنة على الذين يعبدون مثل هذه الأصنام[9].
* كل الأمم كانت لهم الشياطين آلهتهم؛ هؤلاء الذين دعوهم آلهة كانوا شياطين. وذلك كما يقول الرسول بأكثر علانية: "بل إن ما يذبحه الأمم، فإنما يذبحونه للشياطين لا لله" (1 كو 10: 20). فإذن كانوا في سبي، لأنهم كانوا يذبحون للشياطين، على هذا الأساس كل الأرض بقيت خشبية (متعبدة للأخشاب)... عندما قال : "مهوب على كل الآلهة" [4]، أضاق: "لأن كل آلهة الشعوب شياطين"... ولكن هل هذا هو كل المدح الذي له، هذا لا يمكن مدحه كما يليق به، أنه على كل آلهة الأمم التي هي الشياطين. انتظروا، واسمعوا ما يلي هذا: "أما الرب، فقد صنع السماوات" [5]... انظروا الفارق بين السماوات والشياطين والفارق بين السماوات وبين صانع السماوات. انظروا أي مجد هو للرب... إن كانت قد صنع السماوات، فهو نفسه الذي صنع الملائكة، وصنع الرسل. لقد خضعت الشياطين للرسل، والرسل أنفسهم كانوا سماوات، حملت الرب... أيتها السماوات التي خلقها، تخبر بمجده للأمم![10]
مَجْدٌ وَجَلاَلٌ قُدَّامَهُ.
الْعِزُّ وَالْجَمَالُ فِي مَقْدِسِهِ [6].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الاعتراف والبهاء قدامه. الطهر والجلال العظيم في قدسه".
في شيء من الإفاضة يحدثنا القديس أغسطينوس عن رغبة كل إنسان أن يكون بهيًا أو جميلًا، وأن يكون في عظمةٍ أو عز الملائكة، فالطريق للبهاء هو الاعتراف بخطايانا، والطريق لعز الملائكة وسلطانهم أو عظمتهم هو برّهم وطهارتهم. لنبدأ بالاعتراف، فننعم بالبهاء. ولنبدأ بطلب البرّ، فننال العظمة أو السلطان.
* أتحبون المال (البهاء)؟ أتريدون أن تكونوا جميلين؟ اعترفوا. لم يقل: "الجمال والاعتراف" بل "الاعتراف والجمال". لقد كنتم فاسدين، اعترفوا حتى تصيروا مملوءين جمالًا.
لقد كنت خاطئًا، اعترف لكي تصير بارًا. استطعت أن تشوه نفسك، لا تستطيع أن تجعل نفسك جميلًا. من أي نوع هو خطيبنا، ذاك الذي يحب الفاسدة ليجعل منها جميلة...؟ لقد قال: "لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة" (مت 9: 13). من الذين تدعوهم؟ خطاة، هل ليبقوا خطاة؟ يقول لا... "الاعتراف والجمال قدامه". إنهم يكرمونه بالاعتراف بخطاياهم. إنهم يتقيأون الشرور التي التهموها بنهمٍ، فلا يعودون إلى قيئهم مثل الكلب الدنس (2 بط 2: 22). عندئذ يكون الاعتراف والجمال.
إننا نحب الجمال، فلنختر أولًا الاعتراف، فيتبعه الجمال.
مرة أخرى يوجد من يحب العز والعظمة، إنه يُريد أن يكون عظيمًا مثل الملائكة. توجد عظمة معينة في الملائكة، وعز معين، لو مارسته الملائكة إلى النهاية لا يمكن مقاومته. وكل إنسانٍ يرغب في عز الملائكة، لكن ليس كل إنسانٍ يرغب في برِّهم. لتحب أولًا برَّهم فسيتبعه عزهم[11].
* كنتم تطلبون أولًا العظمة، فلتحبوا البرّ. وحينما تصيرون أبرارًا، ستكونون أيضًا عظماء! فإن كنتم تطلبون بطريقة منافية للمنطق أن تكونوا عظماء، تسقطون ولا تقدرون أن تقوموا. فإنكم لا تقومون بطريقة أفضل إن كان يقيمكم ذاك الذي لا يسقط. فإن ذاك الذي لا يسقط نزل إليكم يا من سقطتم. إنه ينزل، ويبسط يديه إليكم. إنكم لا تقدرون أن تقدموا بقوتكم. احتضنوا يد ذاك الذي نزل حتى تقوموا بذاك القوي[12].
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا قَبَائِلَ الشُّعُوبِ،
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدًا وَقُوَّةً [7].
* لو أن المزمور يشير إلى هيكل أورشليم، فما هو المعنى الذي وراء الكلمات: "قدموا للرب يا قبائل الشعوب، قدموا للرب مجدًا وقوة" [7]. جموع الأمم ودعوة الشعوب هي التي تكّون الكنيسة[13].
كيف نقدم للرب مجدًا وقوة؟ يتحدث الكتاب المقدس عن آلام السيد المسيح وصلبه بكونها مجده، حيث مزق كتاب خطايانا بصليبه، وحطم سلطان إبليس وقواته وشَّهر بهم. عندما نتألم مع السيد المسيح ونُصلب معه، فلا يكون لعدو الخير ولا لأعماله سلطان علينا نُحسب كمن يقدم مجدًا له، إذ يتمجد فينا. أما تقديم القوة، فهو ليس بحاجة إلى قوة، لأنه القدير القوي، ونحن كأبناء لله إذ نحمل قوته فينا، يتحقق قول الرسول: "اكتب إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء" (1 يو 3: 14) نكون كمن قدمنا للرب قوة.
* الآن يدعو المزمور قبائل الأمم، أي أحبارهم ومقدميهم، أن يقدموا للرب مجدًا يمجدونه بما يليق به، ويصنعوا أعمالًا صالحة لكي يراها الناس ويمجدوا الله.
"وكرامة"... أي يكرموه بمنزلة أب، لأنه أهَّلهم أن يصيروا بنيه بالتبني، ويهتفوا إليه في صلواتهم: "أبانا الذي في السماوات".
وأيضًا مجد اسم ربنا هو الصليب، فالذين يصلبون ذواتهم، أي يميتون شهوات أجسادهم يقدمون مجدًا لاسمه.
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ اسْمِهِ.
هَاتُوا تَقْدِمَةً، وَادْخُلُوا دِيَارَهُ [8].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "احملوا الذبائح وانطلقوا، فادخلوا دياره. اسجدوا للرب في داره المقدسة".
يسألنا المرتل أن نقدم تقدمة، أو "احملوا الذبائح وأدخلوا دياره"، إنما يطالبنا بتقديم أعمال الحب والرحمة، كقول الرب: "أريد رحمة لا ذبيحة".
ويلاحظ أن كلمة "دياره" في الترجمة السبعينية جاءت تارة بالجمع وأخرى بالمفرد. وهذا لا ينطبق على العبادة اليهودية بل المسيحية. فلم يكن لليهود سوى هيكل واحد في أورشليم تُقدم فيه الذبائح، أما في كنيسة العهد الجديد، فتُقدم ذبيحة الإفخارستيا في الكنائس في كل العالم، وهي دار واحدة أيضًا بكونها جسد المسيح الواحد.
* بقوله "ارفعوا الذبائح"، أي ارتفعوا بتقديمكم له ذبائح رفيعة القدر، وهي الأعمال الحسنة السماوية، ولا تسقطوا بتقديمكم له ذبائح من المواشي. ما قوله : "دياره" [9] بصيغة الجمع فتدل على الكنائس الكثيرة، أي الهياكل الموجودة في أقطار العالم، لأن موضع ذبائح اليهود كان واحد (في الهيكل بأورشليم)، أما ذبائح الأمم الخاصة بالمسيح فديارها ومذابحها كثيرة. وأما قوله: "دار قدسه" بصيغة المفرد فتدل على انضمامها واتحادها في الرأي في المسيح، وتدعى دار قدسه، لأنها محل قداسته بكونها جسده المقدس.
* لاحظ أنه ليس من الممكن أن تدخل ديار كثيرة من دار واحدة. أتريد أن تسمع هذه السرّ عينه في موضع آخر في الكتاب المقدس؟ يوجد تاجر لديه لآلئ كثيرة، باع جميعها ليشتري اللؤلؤة الواحدة (متى 13: 46). أيضًا يقول النبي: "قفوا على طرق الرب، واسألوا عن السبيل الذي للرب" (راجع إر 6: 16). ماذا نفهم من اللآلئ الكثيرة والطرق الكثيرة التي منها نجد اللؤلؤة الواحدة والسبيل الواحد، الدار الواحدة؟ إبراهيم وإسحق ويعقوب، وموسى ويشوع بن نون، وإشعياء وإرميا وحزقيال والاثنا عشر نبيًا، وداود وسليمان، هؤلاء كلهم هم الديار. إنهم ديارنا، التي ندخل منها أولًا، ومنهم نصل أخيرًا إلى دار الأناجيل، وهناك نجد المسيح[14].
* الاعتراف هو هدية تقدم لله. أيها الوثني، إن أردت أن تدخل دياره، لا تدخلها فارغًا. أحضر هدايا.
أية هدايا نقدمها معنا؟ "الروح المنسحقة هي ذبيحة الله. "القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 17).
أدخل بقلبٍ متواضع إلى بيت الله، بهذا تدخل ومعك هدية[15].
3. ملك على خشبة
اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ.
ارْتَعِدِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ [9].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "فلتتزلزل الأرض كلها من أمام وجهه".
* يُقال "وجه الرب" عن حضوره وظهوره للناس. وأما الأرض فتُقال عن البشر، لأنهم قاطنون على الأرض. فعند حضور ربنا بالجسد اضطرب الناس، وبُهتوا من عجائبه، وتزعزعت الأرض منقلبة من الجحود إلى الإيمان. وأيضًا حين نودي بالإيمان بالمسيح الإله اضطرب جميع الأرضيين وضجوا.
الأب أنسيمُس الأورشليمي
* "ارتعدي قدامه يا كل الأرض" [9]. أنصت إلى ما يقوله المرتل. السماء لا ترتعب في حضرة الله، لكن الإنسان الأرضي في فكره يتطلع إلى الرب بقلقٍ، ويرتبك جدًا، ويرتعب[16].
قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ.
أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ فَلاَ تَتَزَعْزَعُ.
يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاِسْتِقَامَةِ [10].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "قولوا في الأمم إن الرب قد ملك على خشبة. وأيضًا قوَّم المسكونة، فهي لا تتزعزع. يُدين الشعوب بالاستقامة".
بتجسد كلمة الله وظهوره بين البشر تزعزع الأرضيون واضطربوا، أما الذين آمنوا به فانطلقوا بين الأمم، يخبرون على الملك بعد أن رفضه اليهود. وكما قال بولس وبرنابا في أنطاكية بسيدية: "كان يجب أن تكلموا أنتم أولًا بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية، هوذا نتوجه إلى الأمم. لأن هكذا أوصانا الرب: قد أقمتك نورًا للأمم لتكون أنت خلاصًا إلى أقصى الأرض. فلما سمع الأمم ذلك كانوا يفرحون ويمجدون كلمة الرب" (أع 13: 46-48).
إذ تقدم الدعوة للإيمان لكل الأمم والشعوب، ففي مجيئه الثاني يدين الرب الشعوب بالاستقامة. حيث يعلن الرب ذاته كديان المسكونة كلها، ويبصره الذين طعنوه والذين جحدوه واضطهدوه في كنيسته، وكما يكلل المؤمنين الذين صلبوا معه واحتملوا الآلام من أجله.
* "قولوا بين الأمم: الرب ملك". إن لم ترتعب الأرض، وتنسحب من الاهتمامات الزمنية، لا يملك الرب بين الأمم"[17].
* الخشبة التي لك تجعلك خشبيًا، أما خشبة المسيح فتعبر بك البحر[18].
* قال داود: "الرب قد ملك على الشجرة" (راجع مز 96: 10). في موضع آخر يتنبأ النبي عن ثمرة هذه الشجرة، قائلًا: "الأرض أعطت بركاتها" (راجع مز 67: 6)... "تحمل الشجرة ثمرها"، ليست تلك الشجرة التي في الفردوس، والتي قدمت الموت للبشر الأوائل، وإنما شجرة آلام المسيح، حيث عُلقت الحياة[19].
* بصليبه قد قهر ملوكًا وتثبت على جباههم... وتمجدوا فيه، إذ فيه يتحقق خلاصهم. هذا هو العمل الذي يتحقق، هذا هو البيت الذي ينمو. هذا هو المبنى[20].
* "قوَّم المكسونة فهي لا تتزعزع". بالحقيقة جاء المسيح، وجعل الجنس البشري ثابتًا لا يضطرب، فلا يتزعزع طوال الأبدية. صليبه هو عمود البشرية. لست أفكر في الخشب، إنما في الآلام. يوجد هذا الصليب في بريطانيا وفي الهند وفي كل المسكونة. لهذا ما هو تحذير الإنجيل؟ "إن لم تحمل صليبي وتتبعني كل يوم" (راجع لو 9: 23). لاحظ ماذا قيل: "إن لم تستعبد نفسك للصليب، كما أنا بالنسبة لك لا تكون لي تلميذًا[21].
4. فرح السمائيين والأرضيين
لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ،
وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ،
لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ [11].
قديمًا كان البشر لا يطيقون أن يسمعوا عن الموت ولا عن يوم الدينونة. فالموت بالنسبة لهم كان يمثل الدمار الشامل للإنسان، ويوم الدينونة يمثل مواجهة خطيرة للإنسان الضعيف أمام القدير الغاضب على خليقته. لكن الآن وقد تجلى الحق الإنجيلي، وبلغت الكرازة إلى الأمم، صار الموت عبورًا إلى الفردوس، يوم الدينونة يوم العرس السماوي حيث تلتصق البشرية المؤمنة بعريسها السماوي.
يصف لنا المرتل هذا اليوم بالعبارات التي بين أيدينا [11-13]. فإن السمائيين بكل طغماتهم يذهلون مما يناله البشر في ذلك اليوم، حين يلتصقون كعروسٍ سماويةٍ بالعريس السماوي، وينطلقون من على السحاب إلى حضن الآب. من يقدر أن يصف المجد الذي يحل بالبشرية؟ من يعَّبر عن دهشة السمائيين أمام هذا الحدث المفرح؟
الأمم والشعوب التي كانت تمثل رعبًا ترتج متهللة، فقد تحولت إلى أنهار تفيض مياهًا حية، تفَّرح مدينة الله.
* "لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض" (مز 96: 11) من أجل أولئك الذين يُنضحون بالزوفا[22]، ويتطهرون بزوفا روحي[23] هو قوة ذاك الذي في آلامه قُدم له أن يشرب من زوفا وقصبة[24].
فإذ تفرح القوات السمائية، ليته تستعد هذه النفوس التي تتحد مع العريس الروحي، فتسمع صوتًا صارخًا في البرية: "أعدوا طريق الرب" (إش 40: 3).
إنه ليس أمرًا بسيطًا ولا شيئًا هينًا ولا اتحادًا حسب الجسد، بل هو اختبار الإيمان يقوم به الروح القدس فاحص الكل (1 كو 2: 20).
إنه حيث توجد ثروة أو جمال يوافق العريس بسرعة، أما هنا فلا يطلب (العريس) جمال الإنسان، بل نقاوة ضمير النفس. إنه لا يسعى إلى ماله بل ثروة النفس في الصلاح[25].
القديس كيرلس الأورشليمي
* لتفرح السماوات التي تخبر بمجد الله. لتفرح السماوات التي صنعها الرب. ولتبتهج الأرض التي تمطر عليها السماوات. لأن السماوات هي الكارزون، والأرض هي المستمعون. "ليعج البحر وملؤه"؛ أي بحر؟ العالم...! كان العالم كله هائجًا ضد الكنيسة، بينما كانت تمتد وتُبنى على الأرض كلها[26].
* ولكن هيِّئ نفسك للشكر في كل الأمور إذ سمعتَ الرسول القديس يقول: "اُشكروا في كل شيءٍ" (1 تس 5: 18)، سواء "في شدائدٍ" أو "في ضروراتٍ" أو "في ضيقاتٍ" أو "في ضعفاتٍ" أو "أتعابٍ" جسدية (أنظر 2 كو 6: 4-5؛ 12: 10). في كل ما يأتي عليك أشكر الله، لأنني أرجو أنك أنت أيضًا تأتي "إلى راحته" (عب 4: 1). لأننا "بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22). فلا تشك إذن في نفسك ولا تَدَعْ قلبك يخور في أي شيء، بل تذكر القول الرسولي: "إن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدّد يومًا فيومًا" (2 كو4: 16). فإن كنتَ لا تحتمل الآلام لا يمكنك أن تأتي إلى الصليب، ولكن إن كنتَ تحتمل الآلام أولًا، فإنك تدخل إلى ميناء راحته، ومن ذلك الوقت فصاعدًا تعيش في هدوءٍ متحررًا أكثر من الاهتمامات، إذ ترسخ نفسك بثباتٍ، وتلتصق بالرب في كل شيءٍ، مع إيمان بحارسك (أي ملاكك)، فرحًا في الرجاء، مبتهجًا في المحبة، في حماية الثالوث القدوس المساوي. وحينئذٍ يتحقق بخصوصك القول: "لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض" (مز 96: 11)، لأن هذه هي حياة عدم الهمّ التي لرجل الله، لأن الآب والابن والروح القدس يبتهجون لخلاص نفسك يا أخي المحبوب.
* اليوم تتغنَّى الطغمات الملائكية بألحان التسابيح المفرحة، ويضيء نور البشارة بالمسيح متلألئًا على المؤمنين!
اليوم هو ربيعنا المفرح، ويشرق شمس البرّ، المسيح، بأشعته الناصعة علينا، مضيئًا أذهان المؤمنين!
اليوم يُشفى آدم متحركًا مع جوقة الملائكة، طائرًا نحو السماء...!
اليوم تضيء نعمة الله والرجاء في غير المنظور خلال المناظر السامية المدهشة، ويعلن بوضوح السرّ المكتوم منذ الأزل!
اليوم يتحقّق قول داود؛ لتفرح السماوات ولتبتهج الأرض، ليعج البحر وملؤه. ليجذل الحقل وكل ما فيه، لتترنَّم حينئذ كل أشجار الوعر" (مز 96: 11-13)، مشيرًا إلى (البشر) بالأشجار، وقد تكلم سابق الرب (يوحنا) عنهم كأشجار يلزمهم أن "يصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (مت 3: 8)، أو بالحري يتحدث عن مجيء الرب. غير أن ربنا يسوع المسيح يعد مؤمنيه بالسعادة الدائمة قائلًا: "ولكنني سأراكم أيضًا، فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22).
اليوم أعلن بوضوح سرّ المسيحيِّين... الذين بإرادتهم وضعوا رجاءهم في المسيح!
القدِّيس غريغوريوس صانع العجائب
لِيَجْذَلِ الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ.
لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ الْوَعْر [12].
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي البقاع (أو السهول أو الحقول) التي كان السيد المسيح يقف فيها ويعَّلم، تصير متهللة. وأشجار الوعر أو الغاب تبتهج، لأن ربنا قد شرفها بصليبه عندما ارتفع. الأشجار التي كانت بلا ثمر، تقدم لنا خلال الصليب ثمرة الحياة، أو خبز الحياة النازل من السماء.
* كل الودعاء، وكل اللطفاء، وكل الأبرار هم السهول التي لله... أشجار الوعر هم الوثنيون. ولماذا يبتهجون؟ لأنهم يُقطعون من زيتونة البرية، ويُطعمون في زيتونة الصالحة (رو 11: 17)[27].
* أشجار الغاب تبتهج، لأن ربنا شرفها بصليبه عندما ارتفع عليه. شجر الغاب أيضًا هو الناس الذين كانوا قبلًا عديمي الثمر، خالين من كل عملٍ صالح، وبحضور ربنا صاروا مثمرين، ومستحقين أن يُغرسوا في فردوس النعيم ويبتهجوا فيه دائمًا إلى الأبد.
أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ.
جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ.
يَدِينُ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ،
وَالشُّعُوبَ بِأَمَانَتِه [13].ِ
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "من قدام وجه الرب، لأنه يأتي. إنه يأتي ليدين الأرض..."
* لقد جاء أولًا وسيأتي أيضًا. جاء أولًا في كنيسته على السحاب. وما هو السحاب الذي يحمله؟ الرسل الذين كرزوا، بهذا الذي سمعتم عنه عندما قرأت الرسالة: "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20)...
ليتنا لا نقاوم مجيئه الأول حتى لا نرتعب عند مجيئه الثاني. "ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام" (مر 13: 17). لقد سمعتم الآن في الإنجيل: "انظروا... لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت" (لو 13: 33)...
لقد جاء أولًا، وسيأتي مؤخرًا ليدين الأرض. سيجد الذين أمنوا بمجيئه الأول فرحين: "لأنه جاء"[28].
من وحي مز 96
هيكل متجدد وتسبحة لا تشيخ
* بنيت يا إلهي بيوتًا للقابلتين،
لأنهما حفظتا موسى الرضيع!
أتقدم إليك في مخافةٍ وحبٍ،
لتقيم بيتًا في داخلي،
تسكن فيه، وتعلن ملكوتك.
تجعله هيكلًا مقدسًا،
وروحك القدوس يجدده على الدوام.
* اشتكي لك عدو الخير،
فمع كل قواته يحاول تحطيم هيكلك القائم فيّ.
ليحطم بكل طاقاته،
فأنت هو الأعظم، تجدد بناءه على الدوام.
في كل يوم أصرخ إليك بروح التوبة قائلًا:
أغفر لنا ذنوبنا.
لتغفر تلك الخطايا التي تهدم بيتك.
ولتهبني نعمتك التي تقدم لي برّك.
وتقيم ملكوتك في أعماقي.
* خطاياي تبكم فمي الداخلي،
فلا أدرك كيف أسبحك.
نعمتك تجدد أعماقي،
وروحك يعزف تسبحة سماوية جديدة لمجد اسمك القدوس.
* لا تقدر خطية ما أن تفسد رجائي فيك.
صليبك يرفعني إلى السماء،
يحطم كل خطية مهما كانت.
* أنت إله مهوب على كل آلهة الأمم.
أنت خالق السماوات وكل الطغمات السماوية.
لتقم في داخلي ملكوتك،
فأتحدى الشياطين،
وأتشبه بملائكتك!
* الاعتراف والجمال قدامك.
لقد شوهت صورتك بخطاياي،
وحلّ القبح بأعماقي.
لأعترف لك بخطاياي،
فأنعم بإشراق بهائك عليّ.
لأطلب برَّك يا أيها القدوس،
فانعم بالعز الذي تتمتع به ملائكتك!
* من يقيم بيتك فيَّ سواك؟
بإرادتي سقطت في الخطية،
تشوهت صورتك التي خلقتني عليها.
سقط البيت وفسد الهيكل،
من يقيمني إلا أنت يا أيها القيامة.
أنت هو باني البيت ومقدسه!
بإرادتي هدمت هيكلك في داخلي،
لكنني عاجز عن بنائه.
نزلت أنت أيها القدوس إليّ.
وبسطت يدك على الصليب لتحتضني.
هب ليّ أن احتضن يدك.
فتقيمني من قبري،
وتهبني الحياة والقيامة.
وأحمل بهاءك وجمالك في داخلي!
* هب لي القلب المتواضع والمنسحق.
أدخل به إلى بيتك المقدس.
فتقبله تقدمه وهدية مرضية أمامك.