1- الأصل في الزواج المسيحي هو إنجاب البنين. ولذلك يقول العلامة اثيناغوراس ناظر مدرسة الإسكندرية اللاهوتية في القرن الثاني " كل واحد منا ينظر إلى زوجته التي تزوجها حسب القوانين التي وضعت بواسطتنا ، وهذه فقط لغرض إنجاب البنين، وكما أن الزارع يلقى بذاره في الأرض منتظرا المحصول، ولا يلقى فيها أكثر،هكذا معنا...". ويعلق القديس اوغسطينس على غرض إنجاب البنين فيقول: "إن رابطة الزواج من القوة بحيث - على الرغم من أنها ربطت بقصد إنجاب البنين - إلا أنها لا يمكن أن تُحَل بسبب عدم إنجاب البنين. وليس مصرحا تطليق العاقر. ولا يمكن أن يتزوج شخص أزيد من زوجته الحية".
ويقول العلامة كليمنضس الإسكندري "الزواج هو أول رابطة بين الرجل والمرأة لإنجاب بنين شرعيين". 2- وهناك غرض آخر ورد في بدء الخليقة عند خلق حواء وهو قول الله " أصنع له معينا نظيره" (تكوين18:2). وفي هذا يقول القديس أوغسطينوس " ليس الزواج لإنجاب البنين فقط، وإنما أيضا لأجل التكوين الطبيعي للجماعة " "التعاون الاجتماعي" ويستطرد "إن شهوة الجسد تخفف بواسطة المشاعر الأبوية ومشاعر الأمومة".
غرض آخر لأجل الضعفاء:
3- على أن بولس الرسول أضاف غرضا آخر في رسالته الأولى إلى كورنثوس حيث قال " حسن للرجل أن لا يمس امرأة. ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها... لأن التزوج أصلح من التحرق" (9،2،1:7). وهكذا كما قال القديس أوغسطينوس "ليس لإنجاب البنين وإنما لأجل الضعف وعدم ضبط النفس".
وجوب الاعتدال والعفة في هذا الغرض العرضي:
4- يقول القديس أوغسطينوس "ففي الشيء المصرح به، ينبغي أن يكون هناك اعتدال سواء بالنسبة إلى الرجل أو المرأة، حتى لا تنفجر الشهوة، وتقود إلى غير المصرح به. لذلك فزينة الأزواج هي عفة الإنجاب والإخلاص في الخضوع لطلبات الجسد". ويعترض القديس على الانغماس في الشهوة، الأمر الذي يتعارض وقدسية الزواج المسيحي فيقول "كل ما هو مخجل ومنحط مما يفعله المتزوجون ببعضهما البعض، ليس هو عيب الزواج وإنما عيبهما هما". ويقول عن هذا أيضا في كتاب آخر "فأنتم ترون إذن أن عفة المتزوجين والإخلاص لفراشهما المسيحي هما عطية الله ولكن عندما تزيد الشهوة الجنسية، وتزيد عن حد المعاشرة الحسية اللازمة لإنجاب البنين، فإن هذا الشر ليس من الزواج وإنما هو عرضي"؟ والقديس أمبروسيوس يعتبر أن عدم العفة في الزواج هي زنا، إذ يقول "و لهذا فإن بولس الرسول يعلم العفة" الاعتدال "حتى في الزواج ذاته. لأن الذي ليس هو عفيفا في زواجه هو نوع من الزناة ويكسر قانون الرسول". ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "فليبتهج أيضا أولئك الذين إذا تزوجوا يستعملون الزواج قانونيا حسب فريضة الله، وليس للشهوة برخصة غير محدودة، الذين يعرفون مناسبات للامتناع ليتفرغوا للصلاة (1كو5:7)، والذين في اجتماعاتنا في الكنيسة يحضرون أجسادا نقية كالملابس النظيفة، الذين دخلوا إلى الزواج من أجل إنجاب البنين وليس من أجل الانغماس". والقديس اغريغوريوس الناطق بالإلهيات يقول عن الزواج "أنا أسمح به لأن الزواج مكرم عند الجميع والفراش غير دنس" (الرسالة إلى العبرانيين 4:13). إنه حسن للمعتدلين، ولكن ليس للشرهين، والذين يشتهون أن يعطوا الجسد أكثر من الإكرام الواجب له". ويقول القديس إبرونيموس: "فإن كان المسيح يحب الكنيسة في قداسة وعفة وبدون دنس، فليحب الأزواج زوجاتهم في عفة". " ليعرف كل واحد كيف يقتنى إناءه في قداسة وكرامة" (1تس4:4). " ليس في شهوة مثل الأمم الذين لا يعرفون الرب" (1تس7:4).
أيام تمتنع فيها المعاشرة الزوجية:
5-وفي الزواج المسيحي لم تكتف الكنيسة بأن تكون المعاشرات الزوجية في عفة واعتدال، وفي بعد عن الانغماس في الشهوة، وإنما حددت فترات للامتناع عن فراش الزوجية بقصد التفرغ للعبادة. وفى ذلك يقول القديس إيرونيموس "فليتحرروا أولا فترات قصيرة من قيد الزواج ويتفرغوا للصلاة. وعندما يذوقون حلاوة العفة، سيطلبون دوام تلك المتعة الوقتية [متعة البُعد عن المعاشرة]". وهذا التفرغ للصلاة والصوم ذكره بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس حتى لا يتجرب الزوجان من الشيطان "بسبب عدم تعففهما" (5:7) والأصوام في المسيحية كثيرة، ولكن بعضها إجباري على جميع المسيحيين إلا للمرضى ومن كل شاكلتهم ومن أمثلة ذلك صوم الأربعين المقدسة، وصوم أسبوع الآلام "البصخة"، وصوم الأربعاء والجمعة على مدار السنة تقريبا. وفى ذلك يأمر القديس باسيليوس الكبير في قانونه الثلاثين قائلًا "إنه شيء خارج عن الزيجة أن يلتصق أحد بفراشه في الأربعين يوما كلها من أولها إلى آخرها. والويل لمن يفعل هذه الخطية في البصخة المقدسة...". وقد ورد عن ذلك في المجموع الصفوي لابن العسال " الأيام المقدسة التي للصوم لا تدنسها، وأيام حيضها ونفاسها لا تقربها، لئلا تصير زيجتك بما لا يجب". كذلك تمتنع المعاشرة الزوجية في أيام التقدم للأسرار المقدسة. ومما يؤيد هذا القانون 13 للقديس تيموثاوس الكبير بطريرك الإسكندرية حيث وجه إليه سؤال في الامتناع عن المعاشرة الزوجية فأجاب بأنه في الأيام التي تقدم فيها الذبيحة المقدسة... طبعا أي يوم يتقدم فيه أحد الزوجيين إلى السرائر المقدسة. فإن حسبنا كل هذا نجد أنه كثير. أيام الصوم وأيام التقدم للسرائر الإلهية، كما يمتنع عنها كذلك في أيام حيضها وطمثها ونفاسها. فإن كانت ديانة تمنع المعاشرة الزوجية في أيام كثيرة، ليتفرغ الزوجان للعبادة، وعندما يجتمعان تحوطهما بجو من العفة، فهل مثل هذه الديانة يمكن أن تسمح لرجل بأن يتخذ له عددا من النساء في وقت واحد؟! إن كانت الزوجة الواحدة ليست معاشرتها مطلقة، فهل يسمح بعديد من الزوجات؟! إن روح الديانة يمنع هذا وليست المسألة شكلية، يبحث فيها عن نصوص، وإن كنا قد أوردنا أيضا نصوصا كثيرة.