بركة هابيل البار
فليعطنا الرب بركة هابيل البار، أول من ذكر له الكتاب أنه قدم محرقة الرب، وذبيحة مقبولة، نذكرها باستمرار في كل قداساتنا. فنقول في مقدمة أوشية بخور باكر "يا الله، الذي قبل إليه قرابين هابيل الصديق.. اقبل إليك هذا البخور من أيدينا نحن الخطاة"..
وذبيحة هابيل الصديق تعطينا فكرة عن أهمية التقليد في الكنيسة. لأن هابيل في تقدمته لم ينفذ وصية مكتوبة، و لم تكن هناك شريعة مكتوبة في أيامه، ولا وصية مكتوبة تأمر بتقديم المحرقات.. إنما أخذها هابيل عن أبيه، الذي أخذها من الله
لم تكن هناك وصايا مكتوبة أيام هابيل. ولكن كان هناك التقليد أو التسليم. وجيل يسلم جيلًا وصايا
الرب. وظل الأمر هكذا في كل ذبائح نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب، إلى أن وصلت إلينا الشريعة المكتوبة على يد موسى النبي، بعد آلاف من السنين عاشتها البشرية بالتقليد والتسليم من الآباء.. وجميل جدًا هو قول الكتاب عن تقدمة هابيل البار: "وقدم هابيل أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها" (ع 4)
لقد قدم البار أفضل ما عنده للرب. بل أنه نفذ وصية البكور، قبل أن يقول الرب على يد موسى النبي " قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم.. إنه لي" (خر 13: 2).
أتراه قدم البكور، بروح النبوة، قبل الوصية المكتوبة؟ أم تراه فعل ذلك عن طريق التقليد والتسليم أيضًا؟ أم هو القلب البار الحساس الذي يدرك مشيئة الرب ورغبته، دون أن يتلقنها من معلم..؟
إنه هابيل الذي شهد له أنه بار، وشهد الله لقرابينه. "وبه وإن مات يتكلم بعد" (عب 11: 4) ولقد ذكره بولس الرسول في مقدمة رجال الإيمان: فقال " بالإيمان، قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين" (عب 11: 4). إذن لم تكن هذه الذبيحة مجرد أمر تعوده هابيل، أو تسلمه بلا فهم. وإنما كان عملًا من أعمال الإيمان"، "به شهد له أنه بار"..
إن هابيل يمثل الإيمان وهو بكر، في بداية معرفته. إنه أول إنسان في العالم، وصف بكلمة الإيمان.
ترى ماذا كان الإيمان في أيام هابيل؟
إنه على أية الحالات كان بداية لذلك المبدأ اللاهوتي القائل "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22). الخطية كشفت عرى الإنسان آدم، والذبيحة غطته، حينما صنع له الله أقمصة من الجلد (تك 3: 21)، ورفض أن يغطى بورق التين، وبشيء من ثمار الأرض.
وعرف هابيل هذه الحقيقة: الله يريد الدم لا ثمار الأرض. فقدم الدم من أبكار غنمه ومن سِمانها. بينما قدم قايين من ثمار الأرض. وكأنه لا يؤمن بما حدث لأبويه..
وكانت ذبيحة هابيل رمزًا لذبيحة السيد المسيح. وكان هابيل في ذبيحته كاهنًا للرب. ولم يكن قايين كذلك..
ولم يذكر الكتاب خطية ارتكبها هابيل، بل شهد له السيد المسيح نفسه أنه بار (مت 23: 35). ويذكرنا بالبر الذي يناله كل من يقدم ذبيحة للرب.
أنستطيع أيضًا أن نقول إن هابيل كان أول شهيد:
لقد قتل لأجل بره، وبسبب ذبيحته التي قبلها الرب، ورضى عنها إنه أول دم بشرى يتقبله الرب.
إنه باكورة الدماء الذكية المقدسة التي تقبلتها السماء، عبر الأجيال الطويلة..
إنه الباكورة التي قدمت بكورها للرب.
وحسنًا إنه انتقل إلى السماء بعد تقديمه الذبيحة.
انتقل وهو في حالة بر، مقدس بالذبيحة التي قدمها.
وعزيز عند الرب موت أتقيائه..