رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أعلم أن العالم منبثق من الله، والله محبة وخير بكل ما في الكلمة من معنى. ولكن من أين جاء الشر، وما معناه؟ إن مسألة وجود الخير والشر معاً في العالم شغلت أفكار القدماء، ولكن حين لم يجدوا وجهاً لنسبة الشر إلى الله اعتقدوا بوجود أصل للشر مستقل عنه تعالى. وذهبوا إلى القول أن مقر ذلك الأصل الشرير هو المادة. وأن مصدر الخير هو الله. وانطلاقاً من هذا الفكر قالوا أنه يوجد إلهان عظيمان أزليان، إحداهما أصل الخير ودائرته الروحيات. والثاني أصل الشر ودائرته الماديات. ويبدو أن الفرس هم أول من قبل هذا الاعتقاد. لأن معلمهم الأكبر زرادشت قال بوجود إلهين. الأول اسمه أروماند، وهو إله الخير. والثاني اسمه أهرمان، وهو إله الشر. ويقول كبار اللاهوتيين أن هذا الاعتقاد نجم عن تعسر تعليل أصل الشر، وعدم إمكان وجوده في خليقة تحت سلطان الله، الذي هو مصدر كل خير. وفي تعبير آخر، إن أصحاب هذا القول لما غلطوا في فهم ماهية الشر، نسبوه إلى غير أصله الحقيقي. ولما كانت المادة أبعد الأشياء عن روحانية الله، ذهبوا إلى القول بأن المادة هي أصل الشر ومركزه. وبأنها قائمة بنفسها، ومستقلة عن الله منذ الأزل. بحيث أن الله منزه عن المشاركة في إبداعها. بيد أنه إذا نظرنا إلى الشر كونه فساداً أدبياً، يتضح لنا أن هذا التعليل مخالف للشريعة الأدبية التي وضعها الله. وأن كل مخلوق عاقل مكلف قد يكون أصلاً للشر. أما كيفية سماح الله بوجود الشر، فمن المسائل المتعذر علينا حلها. مثلها كالألم، الذي لم يستطع الفكر البشري أن يدرك سر وجوده. صحيح أن الشر في حد ذاته مضادة روحية وأدبية لله وللخير، ولكننا لسنا نعلم لماذا لم يلاشه الله من العالم. بيد أننا حين ندرس الكتاب المقدس، نرى أن كلمة الوحي تعزو الشر إلى الشيطان، الذي يحمل لقب «الشرير» وقد قال المسيح أن الشرير «كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ ٱلْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِٱلْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (الإنجيل بحسب يوحنا ٨: ٤٤). والشيطان كائن حقيقي، ورئيس رتبة من الأرواح الشريرة. ويخبرنا الكتاب المقدس أنه ملاك، سقط بسبب الكبرياء. وهو نفسه جرب آدم الأول، وألقاه في خطية الكبرياء. وهو نفسه جرب آدم الثاني (المسيح) ولكنه فشل. وقد حاول أن يغربل رسل المسيح، وكاد ينجح ضد بطرس، لولا أن المسيح تدارك رسوله بالعون. ويخبرنا الكتاب المقدس أيضاً، أن الشيطان منذ سقوطه، طُرد من وجه الله إلى عالم الظلمة. غير أن طرده لا يمنع اشتغاله في الأرض، كعدو الإنسان. وهو يعمل جاهداً على قلب مقاصد الله وأعماله. ويخبرنا الرسول بولس أن تحت إمرة الشيطان قوات خبيثة روحية، منظمة تنظيماً محكماً. وقد سماها الرسول «أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ». وهذه الأجناد لها رؤساء وسلاطين، والكل يعمل تحت قيادة الرئيس الأعلى، الشيطان الذي يدبر مكايدها ويديرها (رسالة أفسس ٦: ١٢). وبالمقارنة بين كتابات بطرس وبولس ويهوذا، نفهم أن هذه الطغمة كانت قبلاً ملائكة نورانية، وإنما سقطت. وقد اقتبست تنظيماتها من الحالة التي كانت عليها قبل سقوطها. وقد لُقب الشيطان برئيس هذا العالم، نسبة لسلطته على البشر الساقطين، الذين يتخذ منهم أعواناً لتنفيذ مكايده. غير أن الشيطان مع قوته وشدة بأسه، لا يقدر أن يغتصب أحداً، ولا يقدر أن يبطل حرية الإنسان. وقد قال الرسول يعقوب: «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ اِقْتَرِبُوا إِلَى ٱللّٰهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ» (رسالة يعقوب ٤: ٧-٨). |
|