إدانة الذات
لذلك إذا أخطأ لا يعتذر، لأنه يشعر أنه على حق ولم يخطئ. وإذ ساء تفاهمه مع أخيه لا يذهب ليصالحه، لأنه يأمل أن طلب الصلح لابد يأتي من الطرف الآخر! لماذا؟ إنها الذات.
بل حتى مع الله، قد لا يعترف بأخطائه، لأن ذاته تقنعه أنه لم يخطئ.
إدانة الذات تأتي من الاتضاع. والاتضاع يأتي بنكران الذات وغير المتضع لا يدين ذاته ولا يلومها. بل دائمًا يدين ويلوم الآخرين!!
وإن قلت له: لماذا تلوم الآخرين يلومك لأنك تقول له هذا.
الإنسان الذي لا يعكف على تمجيد ذاته وتكبيرها، بأسلوب علماني، والذي يهدف باستمرار إلى تنقية ذاته من كل الأخطاء وتكبيرها، بأسلوب علماني، والذي يهدف باستمرار إلى تنقية ذاته من كل الأخطاء والنقائص... تراه باستمرار يلوم نفسه، ويفحص أخطاءه ويدين ذاته عليها..
في إحدى المرات زار البابا ثاؤفيلس منطقة القلالي، وسأل الأب المرشد في الجبل عن أحسن الفضائل التي اقتنوها، فأجابه:
[صدقني يا أبي، لا يوجد أفضل من أن يأتي الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء...].
هذا هو الأسلوب الروحي الذي يسعي به الإنسان إلى تقويم ذاته: يأتي بالملامة على نفسه، وليس على غيره وليس على الظروف المحيطة به.. وليس على ظانًا أنه قصر في معونته..!
والذي يدين نفسه ههنا، ينجو من الدينونة في العالم الآخر.
لأنه بإدانته لنفسه يقترب من التوبة، وبالتوبة يغفر له الرب خطاياه. أما الذي لا يدين ذاته. من أجل اعتزازه بهذه الذات، فإنه يبقي في خطاياه، ولا يتغير إلى أفضل، ويكون تحت الدينونة. وصدق القديس الأنبا أنطونيوس حينما قال:
[إن دنا أنفسنا، رضي الديان عنا]..
[إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله].
وإدانتنا لأنفسنا تساعد على المصالحة بيننا وبين الناس. يكفي أن تعتذر لإنسان وتقول له: [لك حق. أن أخطأ في هذا الأمر].. لكي تضع بهذا حدًا لغضبه ويصطلح معك... أما إن ظللت تبرر موقفك، فإنك تري خصمك يشتد في إثبات إدانتك. وما أجمل قول القديس مقاريوس الكبير في هذا المجال:
[احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك..].