مزمور 110 (109 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
هذا المزمور إنجيلي بحت، قد يكون داود كتبه بعد انتصاره على بعض الأعداء ومن ثم استتباب الأمن والسلام في مملكته، ولكن بروح النبوة، نطق الروح القدس على لسان داود فأخرج نبوة رائعة عن عمل المسيح العجيب، بل هذا المزمور كله عن المسيح الذي انتظره الآباء ووعدهم الله به. واليهود دائمًا اعتبروا هذا المزمور أنه عن المسيح المنتظر. ولذلك حيَّر المسيح الفريسيين في (مت41:22-46)، فهم يعرفون أن المسيح سيكون ابن داود، والمسيح سألهم وكيف يكون ابن داود ويدعوه داود ربًا فتحيروا فهم يعلمون أن هذا المزمور يتكلم عن المسيح (مر35:12-37 + لو41:20-44).
والمزمور يتكلم عن انتصار المسيح النهائي على أعدائه حينما يجلس عن يمين العظمة في الأعالي (أع34:2 + 1كو25:5 + عب13:1 + عب13:10). وقد يقول اليهود أن اليمين إشارة للقوة، وأن الله أقام من داود ملكًا وأعطاه قوة، ولكن كيف يُسَمَّي داود ربًا. لذلك فهذا المزمور يتكلم عن المسيح وليس سواه. الذي صار الشيطان تحت قدميه (1كو24:15-26).
هنا المزمور يتنبأ عن أن المسيح سيكون ملكًا وكاهنًا (على رتبة ملكي صادق). (عب6:5 + 17:7، 21). ونفهم من هذا انتهاء الكهنوت اليهودي ليبدأ الكهنوت المسيحي وتبطل الذبائح الدموية ليبدأ الكهنوت المسيحي وتقديم ذبيحة الافخارستيا من خبز وخمر. وانتهاء الكهنوت اليهودي أعلن عنه في شق حجاب الهيكل. ولكل هذه المفاهيم النبوية.
نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة، ففيه انتصر المسيح على الشيطان نهائيًا.
نرى في هذا المزمور المسيح متجسدًا وفي هيئة متواضعة بالجسد، ونرى ملكه ونرى امتداد كنيسته وهو يحكم فيها كملك وهو رئيس كهنتها. ونراه وقد صعد ليجلس عن يمين الآب.
آية (1): "قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك."
الفكر البشري لا يمكنه أن يعرف مساواة الآب للابن إن لم يعلن الروح القدس لنا هذه الحقيقة. والسيد المسيح كشف هذا أن الروح القدس هو الذي أعلن ذلك لداود (مت43:22). قال= تشير لمسرة الآب بعمل الابن. الرب لربي= تشير لمساواة الآب للابن، فالابن سيجلس على نفس المستوى مع الآب. والابن بلاهوته مُلكه أزلي أبدي. ولكننا هنا نفهم أن الكلام عن الناسوت، فبعد أن أكمل تدبير تجسده الخلاصي وقام وصعد للسموات جلس عن يمين العظمة (عب3:1). وكلمة اليمين= تشير للقوة والكرامة والمجد الذي حصل عليهما المسيح بجسده. فالناسوت المتحد باللاهوت صار في كرامة فنسجد له بلاهوته غير المنفصل عن ناسوته. أما المسيح بلاهوته فمجده أزلي ابدي. راجع تفسير (يو 17 : 5).
آية (2): "يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك."
قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك= لقد ملك المسيح ابتداء من صهيون ثم تسلط على العالم، الذين كانوا أعداء فآمنوا وجعلوا المسيح ملكًا عليهم. والقضيب يشير للملك، يعني صولجان الملك. والملك المسيح ملك بعز بصليبه (قضيبه) وكان انتشار ملكوت المسيح بالكرازة وسط الشعوب وليس بالقوة والسيف.
آية (3): "شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من رحم الفجر لك طل حداثتك."
شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ = شعب المسيح الملك سيكونون له شعباً، فهو اشتراهم بدمه وهم سيخدموه ويسبحوه ويكرسون أنفسهم لهبإرادتهم الحرةواختيارهم =مُنْتَدَبٌ، فهم أحبوه لأنه أحبهم أولاً وأدركوا أنه صلب لأجل خلاصهم. وهم صاروا له جنوداً يحاربون مملكة الشيطان بقوة، وستظهر فيهم قوة المسيح= فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ. وسيكون شعبه مقدساً في فضائل= زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ فالمسيح هو رأس لكنيسته المقدسة ويعطيها قوة ويزينها. وجاءت الآية فىالسبعينية"معكالرياسة في يوم قوتك في بهاء القديسين". فهو رب الجنود، هو الذيغلب ويغلب فينا وهو الرئيس الذى يقود شعبه ويسندهم.مِنْ رَحِمِ الْفَجْر ،ِ لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ = الفجر علامة إشراق نور الشمس، والمسيح هو شمس برنا. حين أشرق بنوره كان المؤمنين في بداية الكنيسة من الكثرة كأنهم الطل من السماء. هذه الكنيسة التي آمنت هي كنيسة قوية =حَدَاثَتِكَ أى كأنها في عنفوان الشباب، وهي سماوية فالطَلّينزل من السماء، وهى كنيسة تحارب بقوة، تحمل صليبها كما حمل رأسها صليبه في يوم قوته (يوم الصليب) يوم فتح أبواب الجحيم وأبواب الفردوس. وقوته ستظهر تماماً يوم الدينونة. والجزء الأخير من الآية تترجمه السبعينية "من البطن قبلكوكب الصبح ولدتك" = هنا يتكلم عن ميلاد المسيح الأزلي من الآب "نور من نور" وحينما ننسب لله أعضاء بشرية فيكون ذلك لشرح معنى ما. فاليد تشير لقوته وهكذا. والابن يولد من بطن الآب فهذا يعني مساواته له في الجوهر وهذه تساوى تماما قول المسيح ،"الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خَبَّر" (يو1 : 18) وتمييزاً للإبن الوحيد عن الكنيسة التي تبناها الله. وقال أحد الأباء أن قوله من البطن يشير لولادته من العذراء بالجسد. وقوله قبل كوكب الصبح يشير لولادته أزلياً من الآب. والمعنى واحد فى السبعينية وترجمة بيروت ، فكوكب الصبح يظهر قبل الفجرمباشرة ، وهذا يناظر ترجمة بيروتمِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ أى قبل ظهور الشمس فى الفجر . وقوله رحم يناظر القول ولدتك فى السبعينية .
آية (4): "أقسم الرب ولن يندم. أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق."
لم يجتمع الملك والكهنوت عند اليهود أبداً (حدث هذا فقط لفترة بسيطة مع المكابيين ولكن المكابيين كانوا كهنة من سبط لاوى وأخذوا الملك فترة قليلة بعد أن هزموا ملوكاليونان. ولكن المكابيين كانوا من سبط لاوى ولكن داود هو من وعده الله بالملك ، أى سبط يهوذا كان هو سبط الملك)، فالملك من يهوذا والكهنوت من لاوي أما طقس ملكي صادق فيشير لملكي صادق الملك والكاهن، والمسيح هو الذي جمع كلا الوظيفتين. وأعطى لكنيسته الكهنوت على طقس ملكي صادق (ذبيحة الخبز والخمر) فملكي صادق كان رمزًا للمسيح. والله أقسم، أي ليظهر للبشر اهتمامه وجديته في أمر الخلاص (عب16:6) فالقسم هو الطريقة التي يفهمها البشر لإظهار الجدية.
الآيات (5، 6): "الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكًا. يدين بين الأمم. ملأ جثثًا أرضًا واسعة سحق رؤوسها."
قال في آية (1) أن الرب قال لربي اجلس عن يميني. وهنا يقول الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ = لنفهم أن اليمين ليس مكان بل يشير للقوة والكرامة. وفي يوم الدينونة سيحطم كل القوات المقاومة (تمثال نبوخذ نصر تناثر فى الهواء كغبار). والمسيح بصليبه دان إبليس وجنوده في هذه المعركة، وانتصاره كان كانتصار ملك حَوَّلَ جيش أعدائه لجُثَثً. وهو قد تلوثت ثيابه من دم أعدائه (إش3:63). وهذا ما سيتكرر في اليوم الأخير. وبالنسبة لفترة وجود المسيح بجسده علي الأرض ، فالقول الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ = أن الله حفظ المسيح من كل محاولات قتله حتي حانت ساعة الصليب ( يو 8 : 59) .
آية (7): "من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس."
هنا نرى المسيح في أيام جسده وآلامه، واحتياجه لأن يشرب من النهر كما حدث لداود حين عطش في معركته (1صم9:30 ، 10 + 1أي17:11). والمسيح عطش على الصليب وقال أنا عطشان. وشمشون عطش وأرسل له الله ماءً ليشرب (قض18:15 ، 19) والمسيح حين صلي في بستان جثسيماني ليلة صلبه أرسل له الله ملاكاً ليقويه (لو43:22) فنفسه كانت حزينة جداً حتى الموت (مر34:14)، بل في ضعفه الجسدي جاع وعطش واضطربت نفسه وطلب أن يجيز الآب عنه هذه الكأس، واحتاج لأن يأتي له ملاك ليقويه ويعزيه. فالمسيح كان كإنسان مشابها لنا فى كل شئ ، وكل منا في ألامه يحتاج أن يشرب من نهر تعزيات الروح القدس لكي يرفع رأسه ولا تنحني نفسه فيه. لقد اختبر المسيح ألامنا وإذ تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين (عب18:2). ولكن بعد انتهاء تجربته رفع رأسه ووطأ أعداءه، إذ قام وداس الموت والشيطان.