اتسم القرن الرابع بهجرة القلوب المؤمنة إلى البراري لتمارس حياة العشق الإلهي في أبدع صوره، حيث يرفض المؤمنون لا حياة الترف فحسب بل وكل ما يمكن أن يشغلهم عن التأمل الإلهي. وإذ انطلق الآلاف يمارسون هذه الحياة نجحت بعض الفتيات المشتاقات للحياة النسكية الجادة أن يختفين في زي رجال ويفقدن بالنسك نعومتهن وأنوثتهن ليعشن الحياة القاسية بقلب ملتهب حبًا وعاطفة مقدسة منطلقة في السماويات. من بين هؤلاء القديسات مارينا، وايلارية، واثناسيا وأبوليفارس الخ... وأيضا أفروسينى Euphrosyne (يوناني Άγια Ευφροσύνη)، التي يلقبها اليونان: "أمنا". جاءت أفروسينى ثمرة صلوات أحد الأباء الرهبان القديسين، إذ التجأ إليه أبوها بفنوتيوس أحد أثرياء الإسكندرية يطلب منه الصلاة ليهبه الله ثمرة مباركة، وقد استجاب الرب له، فدعاها والدها "أفروسينى" أي "بهجة"، إذ جاءت بعد شوق طويل لسنوات. نشأت هذه الفتاة الجميلة بين والدين تقيين وغنيين في نهاية القرن الرابع، سخيين جدًا في العطاء، فالتقطت منهما محبة الله الفائقة حتى اشتهت تكريس حياتها للعبادة. إذ بلغت أفروسيني الثامنة عشرة من عمرها، أراد والداها أن يزوجها لشاب تقي وغني، وعبثًا تضرعت إليه ليتركها وشأنها، وراح يعد لها العرس. فجأة اختفت الفتاة، فصار الأب يبحث عنها في كل مدينة وقرية فلم يجدها. انطلقت الفتاة إلى أحد الأديرة بعد أن اختفت في زي الرجال، والتقت بالرئيس الذي رفض في البداية قبولها لما رأى عليها من علامات النعومة والغنى مع الجمال، لكن تحت إصرارها قبلها تحت التجربة، حاسبًا إياها شابًا مدللًا لن يحتمل الحياة الرهبانية. طارت الفتاة من الفرح وأخذت تسلك بحياة نسكية جادة مع عبادة تقوية وسلوك أدهش الجميع. بعد فترة زار والدها الدير، فعرفته أفروسينى ولكنها كتمت مشاعرها، وكانت تلتقي به وترشده في احتمال الآلام بفرح. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ وأقوال الآباء). فوجد فيها تعزيته، لذا صار يكثر التردد على الدير بسببها وهو لا يعلم أنها ابنته. عاشت أفروسينى ثماني عشرة سنة كراهب ناسك، وإذ مرضت وأدركت أن يوم رحيلها حان كشفت أمرها لوالدها الذي انطرح على عنقها وصار يقبلها، فعزته وشجعته وأنعشت إيمانه، ثم رقدت بين يديه.
تطوبها كنيسة الروم بهذا النشيد العذب:
"لما صبوتِ إلى نيل الحياة العلوية أهملت النعيم الأدنى بنشاط ونظمتِ ذاتك في سلك الرجال، يا دائمة الذكر، فإنك قد ازدريت خطيبك الزمني من أجل المسيح ختنك". نعود إلى والدها الذي تأثر بابنته جدًا، واشتاق أن يلحقها في الحياة المقدسة في الرب مرتفعًا بروح الله القدوس على جبال الفضيلة... إذ باع كل ما يملكه ووزعه على الفقراء والتحق بالدير ليقضي عشر سنوات في قلاية إبنته يجاهد بفرح في حياة نسكية جادة. ويعيد لها يوم 25 سبتمبر في الكنيسة اليونانية / وفي كنيسة روما يوم 16 يناير، والآباء الكرمليين يوم 11 فبراير.