رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اك خطورة كبيرة حينما تندمج التعاليم التى تُلقَى على العلمانيين فى العالم وتُلَقن للرهبان سكان البرية . معنى هذا خلط بين الطريقين ، يوجد انفصام فى شخصية الراهب لأن كل منهما له تدبيره الخاص وحياته المستقلة عن الآخر . من حق الناس أن يختاروا الشخص الذى يثقون به ويطمئنون إليه ويعهدون إليه بروحياتهم يرعاهم ويهتم بها . والله نفسه يحب هذه الحرية ولا يُرغم إنسان على أمر ضد إرادته – ولا يسيره على الرغم منه حتى ولو إلى الخير . ما أكثر الفخاخ المنصوبة فى الطريق الروحانى … المتضعون يفلتون فلكى نصل أو بالأحرى لكى تتصل النفس بخالقها بدون عائق وتتحد به تماماً يلزم أن تتطهر من الإنسان العتيق… ولكى تتنقى لابد لها أن تدخل كور التجارب ثم تنتظر بعد ذلك افتقاد النعمة . فليس عمل الإنسان هو كل شىء إنما ما نقدمه أمام الرب من تذلل بأنواع النسك والتقشفات ما هو إلا لنجتذب رحمة الرب إلينا ونستدر عطفه وحنانه علينا … ولكن أعظم الجهادات والإماتات لا تفى حق أصغر الخطايا . إذاً ليس لنا سوى الإيمان القوى الثابت فى أن نتطهر بالدم الذكى المسفوك لأجل الخطاة . الراهب الذى لم يكن مستوى معيشته بعد الرهبنة أقل بمائة ضعف مما كان عليه فى العالم لا يستحق أن يأخذ عوض ما ترك مائة ضعف كوعد السيد له المجد . وهكذا عاش أولاد الملوك وأرسانيوس العظيم كقول بولس الرسول : خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكى أربح المسيح ( فى 3 : 8 ) . الراهب العَمَّال فى طريق التوبة والعبادة . هو الذى يقضى يومه ليس كأجير يحسب يومه بالساعة وحياته بالأيام . بل كابن يحيا ويعمل مع أبيه ( فى ضوء الوصية ) وبذلك لا يشعر بثقل اليوم أو شدة الحرب . وهذا ما عاشه آباءنا القديسين فى البرارى فكانت السنين الطويلة عندهم كأيام قليلة . هذا الجيل الصاعد لا يحتاج إلى مواعظ وتعاليم ملقنة أو مقروءة بقدر ما يحتاج إلى تجارب وضيقات عملية يجتازها بنفسه لتمحيصه وانفتاحه لواقع الحياة ثم نضوجه فكرياً وروحياً ليحيا الحياة السوية بدون شطط فى الخيال والآمال . جيل مراهق فى الفضيلة والعبادة والحياة الرهبانية وسيظل طول عمره فى فترة المراهقة الروحية إذ يحب ويتجاوب مع من يشاركه أحاسيسه الرهيفة ونظره القصير وسطحية أفكاره ، وإذ يتجنب المتاعب والمصاعب فى الجهاد لذلك يقف على هامش الواقع متخيلاً الوصول إلى الحقيقة ولكنه أخيراً يشعر أنه واقف على أرض رخوة ومن يدرى ربما تخور به فيهوى إلى الحضيض . مع التواضع يتمشى الفرح وسلامة النفس مع الضمير الصالح ، والضمير الصالح ينمو فى نور الوصية وحيثما تنفذ الوصية هناك مسكن الله فى القلب النقى . الشهيد الحقيقى هو المجاهد بنشاط ومثابرة فى نطاق دعوته القانونية دون خداع ومخاتلة بل من القلب لله وليس للناس . الدعوة التى دعى فيها كل واحد فليلبث فيها ( 1كو 7 : 20 ) . ما دعى كل واحد فيه أيها الإخوة فليلبث فى ذلك مع الله ( 1كو 7 : 24 ) . حينما يدخل علم النفس والفلسفة فى الحياة الرهبانية يفسدها تماماً كما يفعل السوس فى الخشب وكفعل الصدأ فى الحديد لأن الرهبنة بُنيت على البساطة والإيمان يغذيها والجاء يقويها والمحبة تشددها . من ثمار الحياة التعبدية الرهبانية الثبات مع الصبر فى موضع واحد لأنه كلما زاد تيار النعمة فى نفس الراهب وعملت معه قوة الرب كلما غاص أكثر فى أعماق روحية . كل هذا يتوقف على الجو المحيط به والتربة التى ينمو فيها وهى الأبوة والأخوة والصحبة التى يتعامل معها ويعيش بينها . فالمناخ الروحى المشبع بالمحبة والألفة والسلام يُفرخ قديسين إذ يبعث فيهم اجتهاداً ونشاطاً وشوقاً بلا ملل ولا قلق إلى أفاق بعيدة المدى . يأتى العلمانى إلى الرهبنة من العالم إلى الدير وفى قلبه أشواق كثيرة وآمال فى الطريق وحرارة وغيرة ونشاط فى العبادة وخدمة الجميع وما يلبث شهوراً أو سنوات قليلة وينطفىء كل هذا . وحين يُعرض عليه أى خدمة فى العالم بأى نوع يستجيب وإن كان يتردد أحياناً . فما السبب فى ذلك ؟ السبب القوى والواضح هنا هو أنه لم يتشبع بالروح الرهبانية السليمة منذ ابتداء دخوله الدير ولم يجد الشيوخ المحنكين العمالين فى الفضيلة المجاهدين حقاً ليتسلم منهم الروح لأن الرهبنة هى سر لذلك خدع نفسه أو خُدع من مدبريه بفضائل إنجيلية اكتفى بها ولم يطعمها بروح آباء البرية بطريق سَوْى لا شذوذ ولا تعقيد فيه مملحاً بنعمة روحانية منبثقة من تعاليم شيوخ الرهبنة السابقين والمعاصرين بإفراز وتقوى وموت حقيقى عن العالم لذلك كان لابد له أن يتمم الخط الذى سار فيه وابتدأ منه بخدمة إنجيلية على طقس الرسل والكارزين وليس على طقس أبينا أنطونيوس وأبينا مقاريوس سباع البرية . ليعطنا الرب من روحهم . ما أجمل القداسة التى تخرج من كور التجارب وبوتقة الآلام مثل الذهب المصفى أما تلك التى لها مظهر القداسة البراق الناتجة عن رقة وحساسية وآداب فى اللفظ أو المعاملة فعليها خوف كثير . الغلاف الذى يحفظ الثمرة بالنسبة لنفس الراهب هو المسكنة نعنى بها الإتضاع وإنكار الذات وأن يكون الإنسان غير محسوب ولا معروف عند الناس وهذا يؤكد قول السيد فى علامة تبعيته . ينكر ذاته ويحمل صليبه ولأن الفضيلة إذا اشتهرت بطُلت لذلك يلزم الراهب أن يكون مجهولاً من الجميع حيث لا كرامة ولا مديح ولا اعتناء يوجه له حينئذ يضمن لنفسه أن تكون مستورة ومحفوظة من مجد هذا العالم الزائل . الراهب الذى يسعى فى طلب الله بجد واجتهاد واستقامة قلب . عليه أن يحتمل الظلم والمعيرة والازدراء والاحتقار والإهانة . وبالإجمال كل ما أصاب ربنا على الصليب ليس من الخارجين عن الإيمان فقط بل ربما من الأحياء أيضاً – أما إذا قبل الكرامة والتمجيد وطلب التقدم والترأس أو تذمر على ما يلاقيه من ضيق فليعلم إن تعب جهاده باطل . الراهب العمَّال هو الذى يستطيع أن يكتشف الكنز الذى بداخله لأن فيه ذخيرة حية فعالة فيها عزاء وغذاء روحى لا ينضب معينه لنموه الروحى. الأمور والأوضاع والمبادىء الملتوية الشاذة والمعقدة غير المستقيمة . أصبحت لغير الناضجين روحياً . أمثلة للكمال المسيحى وقدوة للجهاد الروحى الرهبانى . الرهبنة ليست تعاليم ومواعظ تُلقَى من على المنابر ولكنها حياة تنبعث من المقابر ( أى من قبر القلاية ) . أعط بسخاء مما أعطاك الله فيزيدك الله من عطاياه . هذا الجيل يتروحن ولكن لن يصل إلى الروحانية الحقيقية لأنه يصنعها ويتصنعها بذاته . المجمع الرهبانى الذى لا يوجد به شيوخ عمَّالين فى الفضيلة من الصبوة إلى الشيخوخة داخل أسواره ، الرهبنة فيه عاقر . ربى تُرى متى يكون السفر ؟ وكيف ؟ وأين ؟ وإلى أين ؟ هذه أسرار مضمونها عندك . أما عندى ففرح وبهجة لا مزيد عليها حين أحلم أننى مسافر ولكن أستيقظ وأجد أننى لم أسافر فأحزن . أما جهة سفرى فهى بلا شك إليك أيها المحب الحنون . أنا أعلم أن بأعمالى ليس لى خلاص ولكن لى فى محبتك ودمك الذكى ثقة كبرى لا تستطيع قوات الظلمة أن تعيق نفسى حين خروجها من الجسد لتلتقى بك ولا أن يعطلوها ويحتجوا على خطاياها الكثيرة . فإن كنت أنا ناقص وخاطىء فيسوع كمل عنى كل شىء ووفى الدين ( دينى ) إن كنت لم أستطع أن أصوم كما يجب فيسوع صام عنى . إن كنت لم أعرف أصلى فيسوع صلى عنى يسوع سهر عنى يسوع تألم عنى يسوع قبر قام عنى . فمن هنا تبدأ نصرتى بمن أحبنى فلابد لى أن أقوم معه . حين أخلع هذا الجسد البالى ويضطجع فى التراب أبدأ حياة جديدة . إذن الموت ليس نهاية بل هو بداية فترى متى يكون الرحيل حقق يا رب أحلام الليل . ما أجمل الوداع على أمل اللقاء … إذن ليس هو وداع بل رجاء فوداعاً أيها الجسد الترابى سألاقيك فى صورة نورانية أجمل وأبهى . وداعاً يا من ألفت العشرة ( العيشة ) بينهم سنتقابل هناك مع المحبوب فى المجد – وداعاً أيتها الأماكن التى كانت سترة لجسدى . أنا ذاهب إلى الأفضل والأبقى . وداعاً أيتها الطبيعة بكل صورها لقد كنت لى تعزية وقتية هناك الأبدي . يشترط فى أب اعتراف الراهب أن يكون : طبيب روحانى ( له خبرة بأمراض النفس والروح)، قائد روحى ( له خبرة وحنكة فى حرب أعداء الروح ) ، أبوة كل ما تشمل هذه الكلمة من عطف وحنان كما يدخل فيها أيضاً الرعاية ولنا بذلك المثل الأعلى السيد المسيح له المجد . وكوصيته أن الراعى يبذل نفسه عن الرعية ويكون مستعداً للتضحية . قدوس قدوس قدوس الكلمة قريبة منك جداً فى فمك وفى قلبك لتعمل بها . هو يكون معك لا يهملك ولا يتركك لا تخف ولا ترتعب . ليس العبرة بكثرة القراءة وسماع الأقاويل إنما العبرة بالعمل والتحفظ . يا نفسى قومى واستيقظى ها قد بدت شمس المغيب والنور من حولك ينبىء بقرب الرحيل . تستطيع أن تعرف الراهب الحقيقى الطالب الله بقلبه من بحثه وتفتيشه عن الطريق وكثرة أسئلته ومشاورته والتصاقه بمن سبقوه وعاشوا ذات الحياة. أما الراهب الذى لا يهمه فى الحياة الرهبانية سوى إرضاء الرؤساء وتنفيذ ما يلقى عليه من أوامر ليكون محبوباً ومرضياً عندهم فهناك خطورة كبيرة على نموه الروحى خاصة إذا كان يعيش بهواه ….. هكذا قال الرب قفوا على الطريق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم . ولكنهم قالوا لا نسير فيه . وقال مار إسحق : لتكن مناجاتك مع محبى الخير لتكون سكناك معهم فى العلاء . لأن الذى استضاء هو يضىء لقوم آخرين. إن أساس البنيان الروحى والأخلاقى السليم هو فى زمن الشبوبية حيث يتأصل الإنسان فى التقوى. ممارساً عملياً جميع الفضائل بأنواعها وبذلك يحصد فى شيخوخته ثمرة بره . كما أن الشجرة تنمو هكذا النفس تنمو . نمو النفس فى السكون والهدوء كما قال مار إسحق إن أنت سكنت فى القفر أفكار القفر تحدث لك وإن خالطت كثيرين أفكار كثيرين تحدث لك . ليس نمو النفس قاصر على هذه الحياة فقط بل هناك فى الحياة الدائمة تنمو النفس أيضاً . هنالك زيارات من النعمة فى فترات تكون واضحة جداً وبقوة فى نواحى عديدة فى الروحيات يستطيع أن يفرزها الراهب المستيقظ الراصد لحركات الروح فى داخله . فالراهب الحكيم يستطيع أن يتاجر فى الوقت المناسب ليكسب الدرة الثمينة فى هذه الفترة ينبغ ى أن يتمسك الراهب جداً بالوضع الذى يشعر بعمل النعمة فيه ولا يتزعزع مهما كانت الظروف المحيطة به . ويسير بإتكال على الرب فربما كانت هذه هى الطريق التى يريدها له الرب ليكمل جهاده فيها برضاه . فى ذهنى الآن أمثلة كثيرة ولكن تعبير قلمى قاصر عن توضيحها فالروح الواحد الذى يعمل فى الكثيرين منه يستفيد الجميع لخلاص أنفسهم ولخير الكنيسة الجامعة المقدسة الأرثوذكسية أمنا المحبوبة حقاً ما أجمل تعاليمها وما أسمى دعوة الرهبنة المكنوز فيها ذخائر روحية عجيبة . طوبى لمن ساير فى طقسها متمماً قوانينها بدقة . كتعاليم العظماء الأوائل الأنبا أنطونيوس والأنبا باخوميوس والأنبا شنوده وأبو مقار سلام لروحهم الطاهرة . الرهبنة هى قلب الكنيسة النابض . نعم هى الحيوية الروحانية لأعضاءها . وتقاس الدرجة الروحية للكنيسة بمقياس نمو وإزدهار الرهبنة . ليس فى كثرة تعداد الرهبان إنما فى قوة شركتهم وصلتهم بربهم . وكما فى الأمور الجسدانية أننا نحصل على النور بسهولة فى منازلنا نتيجة لإدارة المولد الكهربائى فى منطقته البعيدة كذلك أيضاً فى الأمور الروحية . لقد ذكر فى بستان الرهبان أن الرب رد غضبه عن العالم بصلاة أنبا إشعياء الإسقيطى إذ كان عارياً متذللاً أمام الله فى البيداء. ( وإن وصلت إلى أذنيك من المدينة جلبة وصياح الشياطين فلا تخف ولا تضطرب فقبل أن تصل إلى السماء يطغى عليها صوت من الصحراء هو صلوات وأنات القديسين . كثيرون يقولون فلان متواضع وفلان متكبر ، فلان محب وفلان غير محب ، فلان مطيع وفىلن غير مطيع . لماذا هذا يا إخوتى لينظر كل منا إلى نقائصه أنظر الخشبة التى فى عينك ولا تدينوا فلا تدانوا وحاشا لى من قبل الرب أن أتعرض للناس فى أقوالهم وأفعالهم لأننا جميعاً سنقف أمام ديان واحد عادل . فقط هنا أود أن أنذر نفسى الشقية المملوءة بالخطايا والآلام والضعفات والأوجاع لعل الرب ينظر لمسكنتى ويشفى إنكسار قلبى . ليس هنالك متواضع حقيقى سوى يسوع المسيح الإله المتجسد إذ أنه مشارك لأبيه فى المجد تنازل من علو سماه وأخذ ما لنا وأعطانا ما له . سر يفوق العقول . أما إذا وصف إنسان بهذه الصفة ( التواضع ) حسب رأيى أنها ليست حقيقية للطبيعة البشرية وكيف للتراب أن يتواضع التراب من الأرض أُخذ فهل إذا نظره إنسان يظن أنه لآلىء ثمينة وجواهر غالية القيمة - حاشا وكلا . إنما أردنا أن نُعبر عن صفة لا حقيقة والحقيقة هى فى الإنسان الكامل يسوع ابن الله . كذلك الطاعة تتجلى بصورتها الكاملة الفعلية فى المحبوب يسوع إذ أطاع حتى الموت . كذلك يجب على الإنسان أن يطيع الله بتنفيذ وصاياه كما قالوا آباءنا القديسين . أما عن المحبة التى هى درجة الكمال فليس حب أعظم من هذا أن يضع .... وهكذا أحب الله العالم .... فالمحبة هى الله . وحسب رأيى الطاعة والإتضاع متداخلين متحدين معاً فى المحبة لذلك قَلَ مَنْ يستطيع أن يوضحهما أو يفصلهما كل على إنفراد . أنا شخصياً أطيع وأتضع لمن أحب وأخلص له حتى الموت لأن المعطى المسرور يحبه الرب وهو شىء ناتج عن طبيعة ليس بتغصب أما أنك ترغمنى على فعل شىء ولو كان صالحاً إرغاماً لأجل المحبة والطاعة والإتضاع أقول لك بكل صراحة لا لأن الحق علمنى ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس وإن كنت أرضى الناس لست بعد عبداً للمسيح . |
|