رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
احترام الصغار إن احترام الكبار واجب، تدرب الكثيرون عليه. أما احترام الكبير للصغير، فهو تواضع من الكبير، ونبل منه. إن الله -تبارك اسمه- هو المثل الأعلى في التواضع، وقدوتنا في كل تصرف. وفي هذه النقطة بالذات، لا نقول إنه يحترم عبيده، مخلوقاته.. فربما هذا التعبير غير مقبول لاهوتيًا. وإنما نقول: إنه في معاملته لهم، يحتفظ لهم بكرامتهم، ويرفع من قدرهم، ويعطيهم احترامًا في نظر الآخرين. ولا "يدعوهم عبيدًا بل أصدقاء" (يو15: 15). ولا يتخطى وكلاءه، كما قال للأبرص بعد أن شفاه "اذهب أرِ نفسك للكاهن" (مت8: 4). وعجيب أن الله – في بعض الأحيان – يعرض قراراته على بعض عبيده أو وكلائه، قبل تنفيذها. ويأخذ رأيهم وينفذه! * مثال ذلك قبل أن يحرق سادوم، قال "هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله؟!" (تك18: 17). وعرض الأمر عليه. ورضى أن يقول له إبراهيم: أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! أتهلك البار مع الأثيم! حاشا" (تك18: 25). وفي اتضاع شديد، يدخل الرب في حوار مع إبراهيم، ويقبل فكره نقطة نقطة، إلى أن يصل إلى المستوى الذي إن وُجد فيه عشرة أبرار في المدينة، لا يهلك المدينة من أجل العشرة (تك 18: 32). * مثال آخر إنه لما عبد بنو إسرائيل العجل الذهبي، وأراد الرب إفناءهم، نراه يكلّم موسى أولًا، ويقول له "أتركني لأفني هذا الشعب.." (خر32: 10). كما لو كان موسى ممسكًا به. فلا يفعل، إن لم يتركه موسى يفعل!! ورفض موسى أن يترك الرب يفني الشعب، وشرح وجهة نظره. وقال له في جرأة أو في دالة "ارجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر" (خر32: 12). والعجيب هنا في تواضع الرب أنه استجاب لموسى فيما طلبه. وهكذا يقول الكتاب "فرجع الرب عن حمو غضبه، "وندم على الشر" (خر32: 14). * الله أيضًا في إكرامه لداود النبي -حتى بعد موته- لما أخطأ إليه سليمان بن داود خطية كبيرة، وأوقع عليه عقوبة، لم يشأ أن تكون تلك العقوبة في أيام سليمان، وإنما بعده، قائلًا "من أجل داود عبدي.." (1مل11: 12، 13). * ونجد في قصة الابن الضال (لوقا 15) مثالًا آخر من تواضع الآب السماوي: أتاه الابن نادمًا ومنسحقًا، يقول له "أخطأت إلى السموات وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا.." ولكن الآب في حنوه، وحرصه على أن يحفظ كرامة ابنه،منعه في حنوه أن يكمل انسحاقه بعبارة "اجعلني كأحد أجرائك" التي كان قد عزم أن يقولها (لو15: 19، 21). بل بالأكثر أكرمه ورفع شأنه جدًا في توبته، وأمر أن يذبحوا له العجل المسمن،وأن يضعوا خاتمًا في يده.. وأيضًا الابن الكبير لما رفض أن يحضر الوليمة التي صنعت لأخيه، لم يهمله الآب، بل خرج إليه ليصالحه. ولما اشتط هذا الابن في الكلام وتطاول على أبيه قائلًا "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، ولم تعطني قط جديًا لأفرح مع أصدقائي. ولما جاء ابنك هذا الذي صرف معيشتك على الزواني، ذبحت له العجل المسمن!".. لم يرد الأب على تطاول ابنه وغضبه، بل قال له في اتضاع: "يا ابني، أنت معي، وكل مالي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ضالًا فوُجد، وكان ميتًا فعاش" (لو15: 28- 32). * نلمح اتضاع الكبار أيضًا في سير الآباء وأقوالهم: نرى ذلك في اتضاع القديس أوغسطينوس في صلاته لأجل شعبه. إذ يقول "اطلب إليك يا رب من أجل سادتي عبيدك" . فيعتبرهم سادته! ويقول : "أنا بالنسبة إليهم راعٍ لهم. ولكنني أمامك -معهم- خروف في قطيعك: ترعاني وترعاهم".. وهكذا- على هذا النمط – فإن بعض الآباء الأساقفة في اتضاعهم، يقول كل منهم عن نفسه "خادم إيبارشية (كذا)..". * ويقول الآباء في بستان الرهبان: "ليكن كل إنسان كبيرًا في عينيك" أطلب بركة كل أحد" "اجعل كل أحد يباركك". * ومن أمثلة الكبار الذين يرفعون من قدر أبنائهم: القديس بولس الرسول: * ويظهر هذا في رسالته إلى فليمون من أجل عبده أنسيموس. فعلى الرغم من أن فليمون كان أحد تلاميذه، إلا أنه كان يكلمه برجاء وباحترام، ومع أن أنسيموس كان عبدًا، إلا أن بولس الرسول يذكره بتوقير شديد، فيقول لفليمون: "أطلب إليك لأجل ابني أنسيموس الذي ولدته في قيود الإنجيل. ولكن بدون رأيك لم أرد أن أفعل شيئًا" "لا كعبد في ما بعد، بل أفضل من عبد: أخًا محبوبًا، ولاسيما إليّ".ثم يقول لفليمون أيضًا "إن كنت تحسبني شريكًا، فاقبله نظيري. ثم إن كان ظلمك بشئ، أو لك عليه دين، فاحسب ذلك عليّ.. أنا أوفي.. أرح أحشائي في الرب" (فل10-20). إنه أدب عجيب في التخاطب يصدر من رسول قديس ومعلم كبير لتلميذه: يقول له "إن كنت تحسبني شريكًا" ويرجوه قائلًا "لم أرد أن أفعل شيئًا بدون رأيك". ويقول عن العبد "أقبله نظيري" "لا كعبد بل أخًا محبوبًا" ويقول عنه "ابني" "أحشائي". أليس هذا درسًا لنا في احترام الصغار؟! * وبنفس الأسلوب في توقير تلاميذه، يكتب في آخر رسالته إلى روميه: فيقول عن أكيلا وبريسكلا "الذين لست أنا وحدي أشكرهما، بل أيضًا جميع كنائس الأمم". ويقول "سلموا على أندرونيكوس ويونياس "اللذين هما مشهوران بين الرسل، وقد كانا في المسيح قبلي" (رو16: 7). بينما كثيرون جدًا من المسيحيين لا يعرفون عنهما شيئًا! ويقول أيضًا "سلموا على روفس المختار في الرب، وعلى أمه أمي" (رو16: 13). وفي إرسال سلامه يسجل تعب العاملين معه في الخدمة. ومن أولئك يذكر "تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب" و"برسيس المحبوبة التي تعبت كثيرًا في الرب" (رو16: 12). بل في المقدمة وقبل الكل يذكر فيبي خادمة الكنيسة التي في كنخريا "كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين" (رو16: 1). إنه يمتدح تلاميذه ويرفع ذكرهم. ويقول مثلًا "سلموا على أبُلّس المزكى في المسيح" (رو16: 10). و"أبينتوس حبيبي الذي هو باكورة أخائية للمسيح" (رو16: 5). |
|