رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإيمان والبساطة * المتواضع له بساطة القلب التي تقبل من الله كل شيء، دون مجادلة ودون شك. مثل بساطة الأطفال الذين يتلقون قواعد الإيمان، فيقبلونها دون مجادلة. ولهذا قال الرب "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت18: 3). على أن كثيرًا من الناس كلما تنمو عقولهم، تقف عقولهم ضد بساطة الإيمان، ولا يقبلون إلا ما تستطيع عقولهم أن تستوعبه عن الله وعن حكمته ووصاياه! بينما عقولهم محدودة، والله غير محدود. ولا يستطيع المحدود أن يستوعب غير المحدود. * وهكذا فإن بعض الفلاسفة انحدروا إلى الإلحاد، إذ أنهم في كبرياء المعرفة اعتزوا بعقولهم، ورفضوا الله الذي لا يرونه ولا يلمسونه. يُروى عن أحد الفلاسفة أنه مر في طريقه على أحد الحقول، ورأى فيه فلاحًا راكعًا يصلي. فوقف يتأمله في تعجب. وقال في نفسه "أنا مستعد أن أتنازل عن نصف فلسفتي، إذ مُنحت بساطة هذا الفلاح الذي بكل ثقة يتكلم في صلاته مع كائن لا يراه"!! ونرى في هذه القصة مثالًا عن تواضع البساطة التي تقود إلى الإيمان، إلى جوار "المعرفة التي تنفخ" (1كو8: 1)، وتقود إلى الكبرياء الذي ينكر وجود الله! عجيب هذا الأمر جدًا: أن العقل وهو هبة من الله للإنسان، يستخدمه الإنسان لينكر الله الذي وهبه إياه. وإذ بالفيلسوف قد يكون أكبر الناس عقلًا، يتحول في كبرياء العقل إلى الجهل بالله. وصدق المرنم حينما قال في المزمور "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز14: 1). * في كبرياء العقل أيضًا ينكر المعجزة. ينكرها لأنه لم يفهمها، فيدعي أن المعجزة ضد العقل! والواقع أن المعجزة ليست ضد العقل، إنما هي مستوى أعلى من العقل. يقبلها إيمان المتواضع، ويرفضها العقل المتكبر. ولهذا فإن المتواضعين يطلبون من الله المعجزة وقد يهبهم إياها إن كانت توافق مشيئته. بينما المتكبر لا يطلب المعجزة. وإن حدثت أمامه، يحاول أن يرجعها إلى أسباب طبيعية، أو يقابلها بتعجب دون أن يرجعها إلى الله.. * ومن المعجزات التي ينكرها العقل المتكبر: الخلق والقيامة. بينما كل المؤمنين بالله في العالم أجمع يؤمنون بالخلق من العدم، ويؤمنون بالقيامة من الموت. ويصدقون -في اتضاع وبساطة- ما قالته كتب الوحي الإلهي عنهما. في إنكار الخلق، قال الغنوسيون إن المادة أزلية، بينما لا يوجد أزلي إلا الله وحده.. وماذا أيضًا عن الحياة؟ لا يمكن أن تكون الحياة الأرضية أزلية. لأنه مرّ وقت كانت فيه الأرض قطعة ملتهبة، حينما انفصلت عن المجموعة الشمسية، وكانت حرارتها لا تسمح بوجود حياة لبشر أو حيوان أو إنسان. فمن أين إذن أتت الحياة؟ لاشك من الله. وهنا يتفق العقل مع الإيمان. ولكن المتكبرين يرفضون قبول الله، لأن عقولهم ترفض أن تتنازل عن كبريائها، وتريد أن تستوعب فكرة وجود الله..! وغالبية الفلاسفة ترفض عقولهم فكرة القيامة بسبب الكبرياء التي ترفض كل ما لا تفهمه! ألسنا بالنسبة إلى كثير من المخترعات الحديثة: نقبلها دون أن نفهمها؟! ولا يفهمها إلا المتخصصون في العلم الخاص بها..! الرؤى أيضًا والظهورات الروحية، يراها المتواضعون ببساطة قلوبهم.. يقبلونها، ويفرحون بها، بل وينتظرونها ويتهللون برؤيتها. بينما المتكبرون قد لا يرون لأن قلوبهم غير مستعدة، أو لأن الكبرياء تعوق الإيمان. أو لأنهم حتى إن رأوا نورًا إلهيًا، يحاولون أن يرفضوا مصدره الإلهي، زاعمين تخمينات لا يسندها العقل ولا الواقع، مثل الليزر والأطباق الطائرة!! وتسألهم عن مصدر ذلك الليزر وتلك الأطباق الطائرة، وعلاقتها بتلك الرؤى، فلا يجيبون.. مجرد الرفض هو الأساس في تفكيرهم، ويخولهم العقل، وينقصهم الإيمان، بسبب الكبرياء.. * نفس الوضع بالنسبة إلى الكتب المقدسة: يقبلها المتواضعون بإيمان وفرح. بينما الكبرياء تقود البعض إلى النقد الكتابي Biblical Criticism. يجعلون عقولهم مشرفة على الكتاب المقدس. تحلله وتنتقده، وتقبل فقط ما تقبله عقولهم، وترفض الباقي. وأيضًا تضع الكتاب المقدس خاضعًا لأهواء الناس، يرفضون منه ما لا يوافق أهواءهم. مثل المؤيدين للشواذ جنسيًا أو الخائفين منهم، أو المشجعين للشذوذ الجنسي Homosexuality، هؤلاء يرفضون آيات الكتاب التي تدين هذا الشذوذ. ليس لهم التواضع الذي يقبل كلام الله ويطيعه. بل في كبرياء لا يقبلون ما لا يستطيعون طاعته بسبب شهوات قلوبهم! وهناك ما ترفضه عقولهم، لا لأنه ضد العقل. وإنما لأن عقولهم ليست حرة، بل هي مقيدة بقيود أهوائهم وشهواتهم. * والمتكبرون لهم أيضًا أسلوبهم في ترجمة الكتاب المقدس وفي تفسيره. فالبعض قد يترجم الكتاب ترجمة توافق معتقداته، فيحرف فيه ويغير. مثلما فعل شهود يهوه في ترجمتهم التي أسموها (ترجمة العالم الجديد للكتاب): New World Translation of The Scripture ففيها آيات كثيرة محرفة في مدلولها وألفاظها لتثبيت ما ينادون به من بدع وهرطقات. ويستخدمون هذه الترجمة في كتبهم ويضلون بها الناس. والمتكبرون أيضًا يفسرون حسب هواهم وفهمهم ونوع عقلياتهم، ولو أدى الأمر أن ينشئوا مذهبًا جديدًا. ولهذا السبب كثرت المذاهب في بلاد الغرب، وتعددت طوائفهم. أما المتواضعون فليسوا كذلك. إنهم يقبلون الكتاب كما هو، ولا يخلطونه بنوعية عقولهم في الترجمة أو التفسير. ويعتمدون في معناه ومفهومه على ما وصل إليهم من التقليد Tradition ومن أقوال الآباء وتفسيراتهم. كل هذا يقودنا إلى نقطة أخرى هي علاقة التواضع بالتعليم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أَعطنا روح الطفولة والبساطة |
العفوية والبساطة |
الله والبساطة |
الهدوء والبساطة |
الصديقان والبساطة |