رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تقدير الله الكبير للعمل الصغير الله يهتم بالعمل الصغير، ويطوبه، ويجعل منه شيئًا كبيرًا، ويكافئ عليه وهذا من فرط محبته للبشر. انظروا كيف يقول "من سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ، فالحق لكم إنه لا يضيع أجره" (مت10: 42). ** وهكذا جعل الله أجرًا في ملكوته عن كأس الماء البارد ** مجرد كأس ماء بارد، لم يتعب مقدمه فيه، ولم يضف إليه شيئًا. يؤكد الأمر كلمة (فقط). ويزيد العمق أيضًا أنه لأحد الصغار، وأنه باسم تلميذ. ولكن محبة الله لا تترك عملًا بدون أجر، مهما صغر شأنه. كذلك جعل الله شأنًا كبيرًا للإيمان الذي في قدر حبه الخردل. فقال (الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبه خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلي هناك فينتقل. ولا يكون شيء غير ممكن لكم) (مت17:20).. إنه لم يطلب قدرًا عظيمًا من الإيمان، إنما طوب حتى الإيمان الذي مثل حبه الخردل، ومنحه قوة عجيبة وفاعلية. وبالمثل طوب الرب فلسي الأرملة. لم يحتقر القليل الذي قدمته، إنما نظر إلي مشاعر القلب الذي قدم من أعوازه، فقال (الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت في الخزانة أكثر من جميع الذين ألقوا. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا. وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها) (مر12:43،44). ونفس الوضع حدث مع أرملة صرفه صيدًا التي قدمت لإيليا النبي في فترة المجاعة ملء كف من الدقيق وقليلًا من الزيت لم ينس الرب تقدمتها هذه، وباركهما قائلاُ: إن كوار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص، إلي اليوم الذي يعطي فيه الرب مطرًا علي وجه الأرض) (1مل17:12-16). إن الله في محبته للبشر، لا ينسي أبدًا العمل الطيب الذي تعمله بنيه مقدسة، مهما كان صغيرًا في نظر الناس. ولكنه ليس كذلك في حكم الله.. إنه لم ينس مطلقًا زيارة ملكة التيمن لسليمان. واعتبر هذه الزيارة عملًا عظيمًا وبخ به الجليل الذي رفضه. فقال إن (ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهوذا أعظم من سليمان ههنا) (مت12:42). وطوب الرب أيضًا وكيل الظلم، لاهتمامه بمستقبله. علي الرغم من أخطاء هذا الوكيل الذي أدت إلي فصلة من وظيفته. وعلي الرغم من سلوكه الظالم لصاحب المال بالنسبة إلي مديونية.. ومع ذلك يقول الكتاب (فمدح السيد وكيل الظلم، إذ بحكمة فعل) (لو16:1-8). وجد له وسط أخطائه الكثيرة شيئًا يمدحه عليه، وهو في تدبير أمور المستقبل. وقدمه لنا مثالًا في الحكمة، لا في الأخطاء.. ومن محبة الله أن جملة واحدة جعلها سببًا في خلاص خطاة. عبارة واحدة قالها العشار (اللهم ارحمني أنا الخاطئ) (لو18:13)، جعلته يخرج من الهيكل مبررًا. إذ نظر الله إلي انسحاق وتوبة القلب، واعتبر هذه الجملة الواحدة كافية لأن ينال العشار المغفرة. وبالمثل عبارة واحدة قالها اللص التائب (اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك) (لو23:43).. أخذ الله ما فيها من إيمان وتوبة، ووعد هذا اللص بأنه سيكون معه في نفس اليوم في الفردوس.. ولم يحاسبه علي كل ماضيه الأثيم، كما لم يحاسب العشار أيضًا علي ماضية الظالم. وبالمثل أيضًا قبل إليه زكا العشار. ما الذي فعله زكا لكي ينال إعلانًا عجيبًا من الرب قال عنه فيه (اليوم حصل خلاص لهذا البيت) (لو19:9)؟! مجرد أن زكا (ركض متقدمًا، وصعد إلي جميزة لكي يراه).. ولكن هذا العمل الذي يبدو صغيرًا، فيه الرب مشاعر عميقة وكثيرة تستحق الخلاص، فاعترف زكا وقدم توبة وتعويضًا عن أخطائه، واستحق أن يدخل السيد إلي بيته.. * كذلك قد يبدو أن ما فعلته المرأة السامرية شيئًا ضئيلًا!! الرب هو الذي قادها إلي الاعتراف والتوبة وإلي الإيمان. بل هو الذي ذكر لها خطايانا، دون أن تذكرها هي.. ربما اكتفي بإيماءة منها، أو بمجرد قولها (ليس لها زوج) (يو4: 17). وأكمل لها ما لم تقله.. وخلصت هذه المرأة، ولم يوبخها الرب علي شيء من كل أخطائها القديمة!! ما أعمق حنوه! * بل ما أعجب عمل المحبة الذي عامل به الرب لوطًا وأسرته. لم يطلب لوط أن يخرج من مدينه سادوم الخاطئة، وقد فقد هيبته فيها. بل أرسل الله ملاكين لإخراجه وإنقاذه من أجل شفاعة أبينا إبراهيم. ويقول الكتاب في خروج لوط (كان الملاكان يعجلان لوطًا قائلين: قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين، لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما تواني، أمسكا بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه، لشفقة الرب عليه. وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة) (تك19: 15، 16).. وخلص لوط (لشفقة الرب عليه) علي الرغم من توانيه في الخروج يكفي انه أطاع ولو بدفعه دفعًا إلى الخارج. * ومن محبة الله في قبوله للعمل الصغير، مثل الزرع الجيد. قال في مثل الزارع وبذاره (وسقط أخر علي الأرض الجيدة، فأعطي ثمرًا: بعضه مائه، وآخر ستين، وآخر ثلاثين) (مت13: 8).. حتى الذي أعطي ثلاثين فقط، اعتبره من ثمر الأرض الجيدة.. يكفي أن الأرض قد أعطت ثمرًا، حتى لو كان قليلًا.. * يذكرنا هذا بأنه أعطى نفس البركة لصاحب الوزنتين، كما أعطي لصاحب الخمس وزنات. وقال لكليهما أنه عبد صالح وأمين، وأدخله إلى فرح سيده (مت25: 14- 23). * وتبدو محبة الرب وقبوله للعمل القليل، في يوم الدينونة. قال اللذين أوقفهم علي يمينه (تعالوا يا مباركي أبى، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم)، . لماذا؟ هل لعمل كرازي عظيم أوصلوا الإيمان به إلى كثيرين وأدخلوهم إلى عمق الروحيات؟! كلا، أنه يقول لهم (لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني. كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني..) (مت25: 34- 36).هل هذا القليل يا رب يدخلهم ملكوتك مثل كبار الرسل وصانعي المعجزات؟! نعم، أن محبة الرب تسمح بهذا.. * يذكرنا هذا أيضًا بأصحاب الساعة الحادية عشرة. هؤلاء اللذين جاءوا إلى كرمه في آخر النهار، ولم يشتغلوا سوى ساعة واحدة. ومع ذلك أعطاهم نفس الأجر كاللذين عملوا النهار كله، شفقة منه عليهم، إذ كانوا بطالين لأنه لم يستأجرهم أحد (مت20: 1- 15). ونحن نذكر هؤلاء في صلاة الغروب كل يوم متذكرين شفقة الله علي أولئك الذين أتوا إليه متأخرين، ونطلب إليه أن يحسبنا معهم.. * محبة الله للذين عملوا قليلًا، علمها الرب لتلاميذه أيضًا. فعاملوا بها الأمم لما قبلوا الإيمان وهكذا قالوا (لا يثقل علي الراجعين إلي الله من الأمم، بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم) وهكذا فعلوا (أع15:19،20،29). وبالمثل قال معلمنا بولس لأهل كورنثوس (وأنا أيها الأخوة لم استطع أن أكلمكم كروحيين، بل كجسديين كأطفال في المسيح. سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون..) (1كو3:1،2). إن الله في محبته يرضي بالقليل الذي تبذله، علي شرط أن يكون آخر جهدك، لا عن إهمال، بل عن ضعف.. * وهكذا نقول في أوشيه القرابين (أصحاب الكثير وأصحاب القليل). بل نقول أكثر من هذا (والذين يريدون أن يقدموا لك، وليس لهم).. ليس جميع الناس في مستوي واحد من الروحيات. والله في محبته للبشر يقبل كل المستويات، كل واحد حسب درجته. وفي الملكوت نجم يفوق نجمًا في المجد (1كو15:41). * كل المستويات الروحية يقبلها في ملكوته. يقبل الذين عاشوا في حياة الصلاة الدائمة وحياة النسك والزهد، كالسواح والمتوحدين. كما يقبل الذين عاشوا في المجتمع ومشغولياته، وعلي قدر طاقتهم وإمكاناتهم يصلون ويصومون. يقبل الرعية كما يقبل الرعاة. يقبل المخدومين كما يقبل الخدام.. في جسده -أي الكنيسة -أعضاء كثيرون. والله يقبل العين، كما يقبل اليد والقدم. ومحبته تشمل الكل. * وفي لقائه مع الشاب الغني، نري مثالًا لتعامل الرب. لم يطلب منه أولًا حياة الكمال في الزهد والتجرد. وإنما قال له (إن أردت أن تدخل الحياة، احفظ الوصايا). فلما أجاب (هذه كلها حفظتها منذ حداثتي) نقله الرب إلي الدرجة الأعلى وقال (أن أردت أن تكون كاملًا، فاذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء، فيكون كنز في السماء) (مت19:17-21). هنا نري الرب في حنوه يتدرج مع النفس البشرية. * وهو في حنوه أيضًا يقدر مشاعر الإنسان وحالته النفسية. كان نيقوديموس أحد رؤساء اليهود، وكان خائفًا منهم، لذلك أتي إلي المسيح ليلًا (يو3،1،2). وقبل الرب ذلك منه، دون أن يسأله عن خوفه.. وتدرج معه، إلي أن صار فيما بعد تلميذًا له، واشترك مع يوسف الراعي في تكفينه (يو19:39-40). * نري كذلك قبول الله للعمل الصغير في حياة الملوك القديسين في العهد القديم. قيل عن سليمان الحكيم إن النساء الغريبات أغوينه في زمن شيخوخته، وأملن قلبه وراء آلهة أخري. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب كقلب داود أبيه) (1مل11:4). ونحن نعلم أن داود النبي كانت له أخطاؤه المعروفة والتي عاقبة الرب علي بعضها (2صم12) (2صم24:10-15).. ومع ذلك يقول الكتاب إن قلبه كان كاملًا أمام الرب.. لعل الله كان يقصد مجرد إيمان داود، وعدم اتباعه آلهة أخري.. وهكذا قيل عن باقي الملوك القديسين في العهد القديم. كانوا كاملين من حيث الإيمان. وقبل الله منهم ذلك. وكان يعفو عن أخطائهم بالتوبة. * وعبارة "كامل" قيلت أيضًا عن كثير من أنبياء العهد القديم، وكانت لهم أخطاء.. أيوب الصديق مثلًا، قال عنه الرب أكثر من مرة أنه رجل كامل ومستقيم (أي1:8) (أي2:3). وعلي الرغم من ذلك سجل الوحي الإلهي عنه إنه (كان بارًا في عيني نفسه) (أي 32:1،2). وقد وبخه أليهو بن برخئيل البوزي (أي32). (أي35:1). بل وبخه الله نفسه، وسأله أسئلة ليثبت له جهله (أي38:1-4).. إلي أن اعترف أخيرًا بضعفه، وندم في التراب والرماد (أي42:1-6).. وحينئذ رفع الرب وجهه، وقال لأصحاب أيوب ".. لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب" (أي42:8). إن الله يعاملنا بالكمال النسبي، الذي يناسب ضعفنا البشري. لأنه (يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن) (مز103:14). لذلك يقبل أي عمل صغير نعمله، ويطوبنا عليه.. بل كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم (إن الله يجول ملتمسًا سببًا لخلاصك. حتى ولو دمعة واحدة تسكبها يسرع الله لأخذها، قبل أن يخطفها منك الشيطان المجد الباطل. ولكن ليس معني هذا أن نتهاون معتمدين علي حنو الله ومحبته. حقًا إن الله مستعد أن يقبل منا العمل الصغير. ولكن علينا نحن أن نبذل كل الجهد، وأن نقاوم حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية (عب12: 4). وأن نسعي نحو القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب. ونذكر باستمرار قوله (كونوا قديسين، لأني أنا قدوس) (1بط1:16) (لا 11: 44، 45).. ونسير زمان غربتنا بخوف (1بط1:17) (مكملين القداسة في خوف الله) (2كو7:1). |
|