رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجدية والتـدقيـق
قداسة البابا شنودة الثالث إن الفارق الجوهري بين أكثر الناجحين في حياتهم وغيرهم من الفاشلين، هو عنصر الجدِّية في حياة أولئك الناجحين، بحيث شملت الجدية كل مناحي الحياة عندهم. نرى ذلك في حياة أصحاب المشروعات، أو كبار رجال الأعمال. أو حتى طلبة الجامعات والمدارس الثانوية، حيث أن الطالب الذي يهتم اهتماماً جاداً بالدراسة وتثبيت المعلومات، هو الذي يتفوق في حياته ويصير ممتازاً. فالإنسان الجاد في روحياته، هو إنسان يحترم نفسه، ويحترم مبادئه، ويحترم الكلمة التي تخرج من فمه، ويحترم الطريق الروحي الذي يسلكه فلذلك هو يتميز بالثبات وعدم الزعزعة، إنه كسفينة ضخمة تشق طريقها في بحر الحياة بقوة متجهة نحو هدفها، وليس كقارب تعصف به الأمواج في أي اتجاه. الجدية في الحياة الروحية لا تقبل الإهمال والتراخي والتردد، والرجوع أحياناً إلى الوراء، ولا تقبل التأرجح بين الفرقتين (محبة العالم ومحبة الله). فالإنسان الروحي الجاد لا يتساهل في حقوق الله مطلقاً، إنه يأخذ حق الله من نفسه أولاً قبل أن يأخذه من غيره. وهو يسلك في وصية الله بكل حزم ودقة، وبكل عمق، وإذا نذر نذراً، لا يعاود التفكير فيه أو المساومة. ولا يؤجل الوفاء بنذره، ولا يحاول استبداله بغيره ولا يماطل، ولا يرجع في كلمته أنه بكل جدية وبكل سرعة ودقة ينفذ النذر واضعاً أمامه العبارة من سفر الجامعة (5: 5) "أَن لا تَنْذُر خَيرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ". والإنسان الروحي يكون أيضاً جاداً في توبته، ولا يؤجلها، وإِنْ ترك خطيئة، يتركها بجدية، فلا يعود إليها مرة أخرى، ويكون جاداً في مقاومة الخطايا بكل ضبط للنفس، وما أجمل قول أحد القديسين: لا أتذكر أن الشياطين قد أطغوني في خطية واحدة مرتين. والإنسان الجاد في توبته لا يعذر نفسه في سقطاته، ولا يقدم تبريرات لخطاياه، ولا يضعف أمام الظروف الخارجية، شأنه كيوسف الصديق العفيف الذي كانت تضغط عليه الظروف الخارجية وتحاول إخضاعه للخطة، ولكنه لم يتساهل مع إغراء السقوط ، ولا بحجة أنه كان عبداً وتحت سلطان غيره، وبإمكان سيدته أن تؤذيه . والإنسان الجاد، يستخدم بكل جدية وقوة، أية موهبة منحه الله إياها لتسير في طريق الخير ولعل في مقدمة هذه المواهب: الوقت. فالإنسان الجاد يعتبر أن الوقت هو جزء من حياته، إِنْ فقد شيئاً منه، يكون قد فقد جزءاً من حياته لذلك فهو يستخدم وقته كله من أجل خير المجتمع الذي يعيش فيه، ومن أجل خيره هو شخصياً، وهكذا لا يضيع أي جزء من وقته بغير فائدة. إنَّ الجدية ترتبط أيضاً بحياة التدقيق ولكي نفهم التدقيق في عمقه نفترض الآتي: لنفرض أن ملاكاً أعلن لإنسان أن حياته على الأرض ستنتهي بعد أسبوع، فلا شك أن هذا الإنسان سيسلك في خلال ذلك الأسبوع بكل تدقيق، استعداداً لأبديته، وعلى هذا القياس نود أن نتحدث عن حياة التدقيق . وهكذا فالإنسان الروحي الجاد يدقق في كل علاقاته مع الله، ومع الناس، ومع نفسه ويكون مدققاً في كل تصرف، وفي كل كلمة يلفظها، وفي كل أفكاره ونياته. ويكون مدققاً من جهة حواسه ومشاعره واتجاهاته، من جهة مواعيده ووقته والنظام الذي يسير عليه . والإنسان المدقق، لا يكون مدققاً فقط وهو مع الناس، وإنما حتى حينما يكون في حجرته الخاصة يسلك بتدقيق. إن التدقيق قد يكون سهلاً في حضرة الناس، لأننا بطبيعتنا لا نحب أن ينتقدنا الغير، ونخشى أن ننكشف أمام الناس وتظهر أمامهم عيوبنا، ولذلك فالمقياس الحقيقي للتدقيق هو عندما نكون بمفردنا، وأن يكون التدقيق بدافع داخلي تتمثل فيه مبادئنا وقيمنا. الإنسان المدقق حريص على وقته، وهو أيضاً مدققاً من جهة وقت غيره، فلا يشغل وقت غيره بغير ضابط، وبخاصة لو كان هذا الغير يخجل من أن يصده لذلك فهو لا يضيع الوقت في التوافه أو في أحاديث تأخذ وقتاً لا تستحقه. الإنسان الروحي يدقق في كلامه: يزن كل كلمة قبل أن يقولها سواء من جهة معنى الكلمة أو قصدها أو مناسبتها للمجال أو للسامعين. ومعروف أن السرعة في الكلام أو إبداء الرأي أو السرعة في الحكم على الآخرين، أو في الإستسلام للغضب، كل ذلك يعرض الإنسان للخطأ فلا يكون مدققاً أو موفقاً في كلامه. وكما يدقق الإنسان في كلامه، ينبغي أن يدقق في مزاحه وضحكه فلا يتحول ذلك إلى نوع من التهكم على الغير أو الإستهزاء به، كما ينبغي أن يكون مدققاً في نقده وعتابه وفي توبيخه، فلا يجرح شعور غيره حينما ينصح، ولا يوبخ فيحطم. والإنسان المدقق تظهر دقته في أداء أية مسؤولية تعهد إليه، والدقة تقوده إلى النجاح وإلى إتقان عمله، وإلى احترام الناس له وثقتهم به . إنَّ البعض قد يدقق فيما يسميه الخطايا الكبيرة، أما الخطايا الصغيرة، فيستهين بها ولا يوبخه ضميره عليها. غير أن الشخص الروحي عليه أن يدقق في كل حركاته، في دخوله وخروجه، في صوته ومشيته، لأن كل خطوة لها حسابها، فلا تجرفه التيارات السائدة، ولا يجاري الأخطاء الشائعة... الخ. خلاصة: الإنسان عليه أن يبقى يقظاً ومدققاً في ما يفعله أو ينوي فعله لأن الكتاب المقدس يقول: "كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ"(متى 12: 36). نقلها (من النت) الشماس مارسيل فائز حنوش |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الجدية في الخدمة، تشمل الجدية أيضا في قدوة الخادم |
الحديث |
الحديث معك |
احب الحديث معك |
الحديث |