النمو البدني عطية إلهية... يصاحبه مشاكل!
سرعة النمو البدني في مرحلة المراهقة هي عطية إلهية، خلالها يودع الإنسان مرحلة الطفولة ليقتحم خبرة الحياة الناضجة الجديدة تدريجيًا. غير أن هذه المرحلة يصاحبها الكثير من المشاكل والصعاب، نذكر منها:
1- ظهور الشعور بالنقص، فالمراهقون حسّاسون جدًا لنموهم البدني، يقارنون أنفسهم بزملائهم مع شيء من التخوف، فيظن الكثيرون أنهم غير مقبولي الشكل، ينقصهم جمال الجسد. أحيانًا ترى الفتاة أن نمو زميلاتها أكثر من نموها فتضطرب وتقلق على مستقبلها دون أن تدرك أن النمو يصيبه التعديل بعد فترة قصيرة. وقد تتخيل الفتاة أنها أكثر طولًا من غيرها فتظن أنها لا تجد الإنسان المناسب لها (أطول منها) في حياتها الزوجية. وقد يظن المراهق أنه غير كامل النضوج خاصة من الجانب الجنسي فيرتبك، أو أنه أقصر من زملائه أو أكثر بدانة، فيكون موضع سخرية الغير.
يطالب علماء النفس المراهقين أن يدركوا أن لكل إنسان جمله الخاص، حتى وإن بدا فيه عيب بدني معيَّن، فيبرز الفتى في عيني نفسه ما وهبه الله من جمال سواء كان بدنيًا أو قدرات خاصة بالذكاء أو الفن... كما يحتاج المراهقون إلى حكمة الوالدين ليؤكدوا لأبنائهم حبهم لهم وتقديرهم وافتخارهم بهم، لا أن يسخروا بعيب معين فيهم ولو على سبيل المزاح.
أما من الجانب الروحي، فإن التربية الروحية السليمة تعطي للمراهق أن يركز أنظاره بالأكثر على الجمال الداخلي، حاسبًا كل ما وهبه الله هو صالح ومبارك لبنيانه. عمل روح الله في المراهق المساندة المستمرة للنمو والبنيان في رجاء وبقوة، وبدون يأس.
2- أحيانًا ينمو البعض بدنيًا بسرعة تفوق الآخرين، فيجد المراهق نفسه شاذًا بين زملائه الذين في ذات عمره. لا يعرف كيف يقيم صداقات معهم، إذ يراهم كأطفال بالنسبة له، وفي نفس الوقت يعجز عن إقامة صداقات مع من في مثل حجمه ويكبرونه في السن إذ يعاملونه كطفل بسبب صغر سنه وقدراته الفكرية،مثل هؤلاء يحتاجون إلى مساندة خاصة في البيت والمدرسة والكنيسة لتعالج حالتهم بطريقة شخصية حتى لا تتحطم نفسيتهم.
3- يحتاج النمو البدني إلى طاقة كبيرة، لذا يميل المراهقون إلى الاهتمام بالأكل فيهتمون بالنَّهم والإفراط فيه. هذا من جانب، ومن جانب آخر يصحب النمو البدني نشاط وحركة مستمرة ورغبة في التلاقي مع الأصدقاء لفترات طويلة، وفي نفس الوقت متى جاءوا إلى منزلهم يشعرون بالحاجة إلى الراحة والنوم فيُتهمون بالخمول والكسل وعدم التعاون مع الأسرة في ممارسة الأعمال المنزلية.
4- غالبًا ما يبدأ النمو في حياة الفتاة قبل الفتى، ويتحقق بمعدل أسرع، ففي سن الثانية عشرة تبدو الفتاة "سيدة صغيرة" بينما يبدو الفتاة "صبيًا صغيرًا"، الأمر الذي يسبب نفورًا مؤقتًا بين الجنسين، فيحجم كل جنس عن الاختلاط بالجنس الآخر، ويكون لكل جنس عالمه الخاص. فالفتيات ينظرن إلى الفتيان كصبيان صغار ويتهمونهم بالعنف في معاملاتهم، بينما تحس الفتيات أنهن سيدات صغيرات رقيقات الطبع... لكن بعد قليل ينمو الجنسان أكثر، وتظهر العاطفة والمشاعر الجديدة لكل جنس نحو الآخر، ويطلب كل شخص أن يكتشف عالم الجنس الآخر.
5- ظهور المتاعب النفسية الدفينة في حياة بعض المراهقين تدفعهم للتنفيس عنها بالانهماك في الأكل، مما يجعلهم أكثر بدانة ويعرضهم لمتاعب نفسية جديدة.
هذه المشاكل وما على شاكلتها تتطلب مراعاة الوالدين والكهنة والمرشدين طريقة التعامل مع المراهقين بما يناسب طبيعتهم وظروفهم حتى يكسبونهم بالحب والتقدير. هذا أيضًا يتطلب من المراهقين إدراكهم حقيقة نموهم، وتعرفهم على مفهوم النضوج والبلوغ والحرية. إنهم محتاجون إلى مساندة إلهية حتى ترافقهم نعمة الله، لتهبهم روح الاستنارة الداخلية، وتذلل المصاعب فتجعل منها فرصًا للنمو الحقيقي، وتوجههم نحو إدراك رسالتهم وتحقيقها، فيشعر المراهقون بقدسية الحياة وجديتها مع الفرح والبهجة حتى وسط المتاعب؛ يتلمسون صداقة الله مخلّص نفوسهم القريب إليهم بل هو في داخلهم. بهذا ينشدون أغنية النصرة بقوة وفي رجاء، قائلين: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني".