رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دموع لا تجف... بسبب موت كلب من كتاب دعوني أنمو لمسات واقعية في عالم الشباب - القمص تادرس يعقوب ملطي يتطلع البعض إلى سرعة انفعال المراهقين كعلامة على قلة خبرتهم وعدم كمال نضوجهم. فالمراهقون غالبًا ما ينفعلون لأمور هم أنفسهم يتطلعون إليها عند بلوغهم أنها تافهة ولا تستحق إعطائها إهتمامًا؛ متطرفون في تخوفاتهم كما في لهوهم وترفهم، يضخمون الأمور عن حجمها الواقعي، لذا كثيًا ما يأخذون قرارات سرعان ما يتراجعون فيها. يقدم لنا الدكتور جيمس دوبسون مثلًا واقعيًا في حياته، فيذكر لنا يومًا عبر به يحسبه أكثر أيام مراهقته حزنًا، حينما جاءه والده إلى المدرسة وهو في الثالثة عشرة من عمره. أخذه في سيارته بعد لحظات من الصمت الرهيب، وقد بدت على ملامح الوالد أن أمرًا خطيرًا قد حدث. قطع الأب الصمت بقوله: "جيم، يوجد خبر مؤلم بالنسبة لك، لكنني أريدك أن تكون رجلًا في تقبلك له". سأله جيم: "هل والدتي بخير؟" أجابه بالإيجاب. ثم روى له أن كلبه Pippy قد مات. لم يحتمل جيمي الخبر إذ شعر أنه فقد ألألصق صديق له. هنا يصوّر لنا الدكتور دوبسون كيف قضى يومه في مرارة، وكيف قام بدفنه في حديقة المنزل بدموع، ليختلي بنفسه يكتب مرثاة لمحبوبه بيبي (1)! هذه صورة متكررة تحدث في حياة المراهقين بسبب سرعة نمو عاطفتهم في هذه المرحلة. فكيف يواجه البالغون والمراهقون هذه السِمّة؟ 1- العاطفة القوية هنا للتقديس... لا للتحطيم بلا شك في هذه العاطفة القوية وما يتبعها من حماس وغيرة، في حقيقتها طاقات حّية وجبارة يتسلمها الإنسان في أعماقه لينميها ويوجهها. يستطيع أن ينميها باتزان لتجعل منه إنسانًا حكيمًا ناضجًا، ويمكنه أن يكبتها إلى حين فتغلق قلبه وتضيق الخناق على فكره وتحطم حيويته تمامًا، كما يمكنه أيضًا أن يترك لها العنان بلا ضابط، فتفقده نضوجه، وتجعله يمارس الطفولة المدللة بقية أيام حياته . بمعنى أنه يليق بالمراهقين ألا يخافوا عواطفهم وانفعالاتهم وحماسهم وغيرتهم، أو يهربوا منها، لكنهم يتعرفون على تقديسها بروح الله القدوس لتكون معينًا لهم وسر نموهم في كل جوانب حياتهم. يطلب سليمان الحكيم من الشاب ألا يعيش في كبت، لكنه على العكس أن يعيش حياته فرحًا متهلًلا بعطايا الله له، لكن في حكمة متطلعًا إلى يوم الرب "إفرح أيها الشابُّ في حداثتك، ولُيسرّك قلبك في أيام شبابك، واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك، واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة" (جا9:11). العاطفة القوية مع الحماس والغيرة علامة من علامات السمو الروحي والصحة النفسية والحياة السوية ليس فقط عند المراهقين، بل وفي حياة كل مسيحي. ما أجمل العبارة التي يرددها المتنيح القمص بيشوي كامل في عظاته: "المسيحي لا يعرف الشيخوخة". 2. غيرة متقدة... بلا اندفاع يليق بالمراهق أن يتدرب على التمييز بين الحماس أو الغيرة المقدسة والاندفاع. يقول نيافة الأنبا بيمين: (الشاب المندفع هو إنسان تحركه انفعالاته، والانفعال طبع غريزي بدائي. فكل الدوافع الأولية -حسب تعبير علم النفس- لها مُثيراتها ولها انفعالاتها. والانفعال هنا هو الاستجابة للمثير، هذا المستوى هو أقل المستويات وأضعفها، لأنه يخلو من مميزات الإنسان المتحضر. الإنسان المتسم يتسم بالموضوعية، وعمق التفكير، والرؤية وعدم التسرع في إصدار الأحكام لقد جاء ربنا يسوع المسيح إلينا بروحه الهادئ الوديع (إش2:42، مت9:12) لكنه نار ملتهبة لا تستطيع كل مقاومة العالم أن تطفئها، واهبًا إيانا روحه لنحمل هذه السمة النارية في الحق، إذ يقول: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟!" (لو49:12). هذا الروح الناري كان يعمل في الكنيسة في العصر الرسولي، حتى أن الذين تشتتوا بسبب الاضطهاد والضيق الشديد "جالوا مبشرين بالكلمة" (أع4:8). لم يستطع الألم أن يطفئ نار غيرتهم المتقدة وحماسهم الروحي في الرب، لأن الروح القدس يجدد مثل النسر شبابهم (مز5:103) فلا ينطفئون. فالحماس والغيرة والعاطفة، هذه جميعها إن تقدست تصير للبنيان، لكن إن أسيء استخدامها تتحول إلى غيرة مُرَّة وتحزب وتشويش، الأمر الذي يحذرنا منه القديس يعقوب (يع13:3-17). 3- توقع تغيّر حدة انفعالك أو إحباطك! يليق بالمراهقين في حالة انفعالهم الشديد ألا يأخذوا قرارات سريعة بل ينتظروا قليلًا، واضعين في أذهانهم أن هذا الحال لن يدم، وأن انفعالهم سيهبط حتمًا. بنفس الطريقة إن أصيبوا بحالة إحباط شديد ليتهم لا يخافوا ولا يرتبكوا مدركين أن ذلك يحدث إلى حين ليعودوا فترتفع نفسيتهم. هذا التوقع -التغيير في حدة الانفعال أو الإحباط- من جانب المراهقين أنفسهم يخفف من شدة التغيير ويعطيهم سلامًا في الرب. وأيضًا من جانب البالغين تجعلهم لا يتسرعون في الحكم على المراهقين بل يترفقوا بهم، مدركين حاجتهم إلى اللطف وطول الأناة. ليت كل إنسان عند تعامله مع المراهقين يذكر حاجتهم إلى اللطف وطول الأناة. ليت كل إنسان عند تعامله مع المراهقين يذكر أنه إجتاز ذات المرحلة يومًا ما، وحمل ذات التذبذب في الانفعالات والعواطف، وكان في عوز إلى أيٍد تترفق به وقلوب متفتحة وأفكار متسعة وحكيمة تسنده. ليتنا ندرك أن ما يتسم به المراهق من انفعال هو أمر طبيعي، نواجهه ببشاشة مملوءة حبًا صادقًا، بغير إستخفاف. 4- لا تتسرع في أخذ قراراتك... العاطفة وحدها لا تكفي! يليق بالمراهقين في لحظات انفعالهم العاطفي أو السلكي ألا يتسرعوا في أخذ قراراتهم بل يتريثون قليلًا ليرجعوا إلى الله، يدخلون معه في حوار صريح خلال الصلاة وقراءة الكتاب المقدس بروح تعبُّبدي تقويّ، بكون كلمة الله قائدًا ومرشدًا وسلاحًا روحيًا. هذا وأن يرجعوا إلى أب الاعتراف والوالدين والمرشدين لينتفعوا بخبراتهم. وأن يسندوا انفعالاتهم وعواطفهم بالتفكير الجاد، فالعاطفة وحدها لا تصلح للوصول إلى قرار نهائي، لأنها متغيرة. نختم حديثنا بكلمات الأب لاكتانتيوس عن العواطف أو الانفعالات البشرية: (توجد ثلاث انفعالات -أو قل هياج- تسبب إضطرابًا لذهن الإنسان، متى ضغطت على الإنسان ينسى كرامته ولا يبالي بأمانة. إنها: الغضب الذي يطلب الإنتقام، والطمع الذي يتوق إلى الغنى، والشهوة التي تهدف نحو اللذة. هذه الرذائل الثلاث يجب مقاومتها بشدة؛ هذه الجذور الشريرة يجب إقتلاعها ليُسمح للفضائل أن تغرس مكانها. يطلب الرواقيون انتزاع هذه الانفعالات تمامًا، بينما يطلب الارسطاطليون كبتها. الاثنان ليسا على صواب، لأن الانفعالات لا يمكن انتزاعها تمامًا، إذ هي مغروسة فينا بالطبيعة، وهي توجد لأسباب صالحة أكيدة؛ كما لا يمكن كبتها لأنها لو كانت شريرة لكان البشر يسلكون بدونها حتى ولو ضبطت في حدود طاقتها. الآن نحن نؤكد أنه يجب ألا تنتزع ولا أن يقلل منها. فهي ليست شريرة في ذاتها، إنما زرعها الله في الإنسان لهدف صالح. ومع كونها صالحة بالطبيعة، إذ أعطيت لحماية الحياة - لكنها تصير شريرة بإساءة استخدامها. كالشجاعة إن استخدمت للدفاع عن الوطن تكون صالحة، وإن استخدمت ضد الوطن تصير شريرة، هكذا الانفعالات (العواطف) إن استخدمت لهدف صالح تصير فضائل، إن أسيء استخدامها تتحول إلى رذائل). |
|