رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
تجربة بسيطة عارضة
السيد / جميل صبحي موسي سعد مدير عام بحوث ضرائب الدمغة – الفلكي القاهرة ترجع وقائع اللقاء المصيري بالنسبة لي إلي عام 1954 عندما كنت طالبا بالصف الثالث بكلية التجارة جامعة عين شمس " المعهد العالي للعلوم المالية والتجارية سابقا "، بشارع القصر العيني وقتئذ. وفي تلك السنة بالذات ركزت كل اهتمامي لاستيعاب كافة المواد، وبذلت قصاري جهدي في التحصيل والاستذكار بما يضمن لي النجاح في تلك السنة والتفوق في السنة التي تليها ( البكالوريوس)، ورغم أنني لم أقصر في بذل العناية المطلوبة إلا أن نتيجة آخر العام جاءت مخيبة لآمالي، محبطة لتطلعاتي المستقبلية فقد رسبت في مادة الضرائب علي الدخل. اعتراني حزن شديد وأصيبت باكتئاب، فعزفت عن الخروج وتحاشيت اللقاء أو التحدث مع أحد، رغم قراءاتي المستمرة في الأناجيل المقدسة، ورغم إيماني المطلق بالارادة العلوية والمشيئة الالهية إلا انني ضعفت أمام هذه التجربة .ومع الهواجس السوداء والظنون القائمة التي اجتاحتني، نسبت هذا الفشل – في رعونة وطيش – إلي تخلي السيد المسيح عني، ومعاندة السماء لي. ظللت أتجرع كل يوم كأس العذاب مرارة في الفم وغصة في دروب القنوط واليأس ألي أن جاء اليوم الذي تداركتني فيه رحمته الحانية، فقد زارني أحد الأصدقاء ويدعي يوسف يعقوب، ولم أكن قد رأيته منذ مدة طويلة. اقترح هذا الصديق أن نصلي معا باحدي الكنائس – ولم يفصح لي عن اسمها أو مكانها – فوافقت علي الفور دون تردد أو مناقشة . لقد قادني إلي كنيسة مارمينا بمصر القديمة، وكان الكاهن المصلي هو القس مكاري السرياني ( نيافة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات المتنيح). كانت نفسي مثقلة بالأتعاب، وذهني مشبع بالأوهام الخاطئة فلم التفت إلي ما يدور داخل الكنيسة. انتهي القداس وعند توزيع الأسرار المقدسة كان الأب الورع القمص مينا المتوحد يوزع لقمة البركة بنفسه علي الحاضرين، وعندما اقترب مني، وقبل أن أمد يدي لأخذ البركة مال علي أذني وقال بصوت خافت " لاتغادر الكنيسة، أنا عايزك في موضوع مهم". وبعد رش المياه وانصراف المصلين لم يبق في رحاب الكنيسة سوي شخصي، فأتاني كاهن العلي التقي القمص مينا فوقفت إحتراما وإجلالا رغم أنها المرة الأولي التي أراه فيها، فبادرني بالأسئلة التالي’: " لاحظت أنك في حالة شرود ذهني وانصراف روحي عن متابعة كل ما يدور داخل الكنيسة، فما هو السبب ؟" أجبت " لاشيء يا أبونا". فعاد قداسته ليقول : " لاحظ ياابني أنك داخل الكنيسة، وتقف أمام الهيكل فيجب أن تكون أقوالك صادقة ". فأجبته وأنا أتواري خجلا من ذكر الواقع . فقال لي متسائلا : هل أنت طالب بكلية التجارة ؟ اعتقدت للوهلة الأولي أن سؤال الأب القديس جاء نتيجة احتمالات صادفت محلها من الصواب، فرددت بالايجاب. فعاد وسألني ثانية : وهل أنت بالصف الثالث؟ وما أن أكمل القديس سؤاله حتي شعرت برعشة تجتاح جسدي من قمة الرأس إلي الاخمصين، حيث تأكدت بما لايدع مجال للشك أنني واقف أمام قديس يستشف الغيبيات، ويكشف المستور بحيث لا يفصل بينه وبين الله حجاب. أجبته وأنا أحاول جمع الحروف والكلمات المتلعثمة ... " حقا أنني في كلية التجارة ... جامعة عين شمس وبالصف الثالث". قال لي بابتسامة حانية هل بسبب تجربة بسيطة عارضة ،القصد منها اختبار قوة ايمانك ومحبتك تفقد الثقة بمسيحك، أما سمعت الآية التي تقول " احسبوه كل فرح ياأخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة "... لاتجزع فستجني ثمار تعبك إن لم يكن اليوم ففي الغد القريب، وكل ما يعمل يعمل للخير ". ثم اقتادني إلي مدخل الكنيسة ووقف أمام صورة كبيرة للسيدة العذراء ،ومد يده نحو القنديل المتدلي أمامها، وسكب قدرا من الزيت في قارورة صغيرة، واحكم سداد الفوهة، ولفها في ورقة مع قطعة قطن وناولني اياها وقال : عليك يابني في صبيحة يوم الامتحان، وبعد الصلاة أن ترسم جبينك بعلامة الصليب بهذا الزيت، وعلي ابهام يدك اليمني، وصرفني داعيا بالبركة. وغني عن البيان أنني اجتزت الامتحان بنجاح ونلت توفيقا في حياتي العملية. كتبت هذه الذكريات عقب زيارة إلي دير مارمينا الذي به رفات القديس البابا كيرلس السادس يوم 15/1/1988. وبمناسبة الحوار الذي دار بين صاحب هذه المعجزة، وبين أبونا مينا المتوحد، وما ورد به من نصيحة بمناسبة فشله في الامتحان . |
|