رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إقامة الأحياء الذين هم موتي بقلم : البابا شنودة الثالث أهنئكم ياأخوتي وأبنائي بعيد القيامة المجيد, راجيا لكم جميعا ولبلادنا العزيزة مصر كل خير وبركة ويمن ورخاء, أعاده الله علينا والعالم في سلام وطمأنينة وهدوء. وإذ نحتفل بعيد القيامة, نذكر إلي جوار قيامة سيدنا يسوع المسيح, أنه أقام كثيرا من الموتي: ذكر الإنجيل من بينهم أبن أرملة نايين( لو7:14), وابنه يايرس( لو8:55), ولعازر الذي أقامه من الموت في اليوم الرابع لوفاته( يو11). لكن إلي جوار هذه, توجد معجزات قيامة من نوع آخر هي إقامة الأحياء الموتي التي تذكرنا بقول الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء أو يذكرنا ذلك بقول شاعر آخر: كم مات قوم وماماتت مكارمهم وعاش قوم وهو في الناس أموات حقا, من هم أولئك الأحياء الذين هم موتي؟ وكيف اقيموا؟ إنهم علي ثلاثة أنواع, كما ذكرهم الكتاب. 1- الخطاة الذين اعتبروا امواتا, لأنهم انفصلوا عن الله. 2- الخاملون النائمون الذين بلا حركة ولا انتاج. 3- الأمم الوثنية القديمة التي أعطاه الرب حياة جديدة بالإيمان وسنحاول أن نعرض لكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة بشيء من التفصيل. 1 ـ قيامة الخطاة الموتي روحيا إنهم مثل راعي مدينة ساردس الذي أرسل إليه السيد المسيح يقول له: إن لك أسما انك حي, وأنت ميت( رؤ3:1). أمام الناس هو هي. له قلب ينبض, وأنفاس تتردد, ولكنه في الحقيقة ميت. هو من الناحية الجسدية حي, ومن الناحية الروحية ميت, هذا هو الموت الروحي الذي عمل المسيح علي إقامة الناس منه. وهنا نسأل: ماهو الموت الروحي ؟ ويجيب القديس أوغسطينوس قائلا: موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد. أما موت الروح فهو انفصال الروح عن الله. فما معني ذلك؟ المعروف أن الله هو مصدر الحياة كلها. بل هو الحق والحياة( يو14:6 وفيه كانت الحياة( يو1:4) فالذي ينفصل عن الله, ينفصل عن الحياة الروحية. فيعتبر ميتا روحيا. والإنسان ينفصل عن الله بالخطية. لذلك فإن الخاطئ يعتبر ميتا. الله نور(1 يو1:5), والخطية ظلمة. ولاشركة للنور مع الظلمة(2 كو6:14). الخاطئ إذن منفصل عن الله, ويعيش في الظلمة. هو إذن ميت, وأيضا تحت حكم الموت الأبدي, وفي هذا يقول الكتاب كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا( أف2:1). إذن كيف يقوم الخاطئ من الموت الروحي؟ يقوم بالتوبة. وهكذا تكون التوبة هي قيامة من الموت. ولهذا ففي قصة الابن الضال التي رواها السيد المسيح, قال الأب عن ابنه الذي ضل وعاد, وكان خاطئا فتاب: ابني هذا كان ميتا فعاش, وكان ضالا فوجد( لو15:24). ولهذا ايضا فإن القديس يوحنا المعمدان الذي جاء يمهد الطريق أمام المسيح, كانت رسالته أن يكرز بالتوبة, وبمعمودية التوبة وكانت أول كرازة للسيد المسيح هي المناداة بالتوبة. والذي يساعد الناس علي التوبة, إنما يقيمهم من الموت وفي هذا قال الكتاب من رد خاطئا عن ضلال طريقه, يخلص نفسا من الموت, ويستر كثرة من الخطايا( يع5:20). يخلصه من الموت الروحي الذي يعيش فيه, ومن الموت الأبدي الذي ينتظره في الدهر الآتي: مادامت الخطية موتا, إذن فالتوبة هي قيامة من الموت. هي حياة جديدة, أو هي عودة إلي الحياة مع الله.. والذي يقود الناس إلي التوبة, إنما يخلصهم من أسباب الموت, ومن عثراته ومغرياته, ومن الذين يصورون لهم الموت الروحي علي أنه لذة الحياة الدنيا ومشتهاها, فيحبون الظلمة أكثر من النور. إن الشيطان يكره قيامة الخطاة من الموت, فيعمل علي منعها أو علي إعاقتها, بأنواع وطرق شتي, لكي يبقوا في الموت الذي يريده لهم. ويفعل الشيطان ذلك بطريق مباشر, أو بمساعدة أعوانه الأشرار الذين هم رسل الموت علي الأرض. وقد حارب السيد المسيح أولئك القادة العميان قائلا لهم: الويل لكم... لأنكم تفلعون ملكوت السموات قدام الناس. فلا تدخلون أنتم, ولاتدعون الداخلين يدخلون تطوفون البحر والبر, لكي تكسبوا دخيلا واحدا, ومتي حصل, تصنعونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا( مت23:15,13). علي أن الموتي لم يصيروا هكذا دفعة واحدة, بل تدرجوا في السقوط ربما بدأوا بالاهمال, وبالتساهل مع الخطية, حتي فقدوا هيبتهم الروحية, وأعطانا مجالا للشيطان لكي يسيطر عليهم. ولم ينقادوا إلي ضمائرهم, حتي فقد الضمير سلطانه شيئا فشيئا, إلي أن وصلوا بذلك إلي موت الضمير, وأصبحوا في حاجة إلي قوة من الخارج تحيي ضمائرهم, وهنا لابد من تدخل نعمة الله القادر علي إقامة الموتي... إن الله لايريد موت الخاطئ, بل أن يرجع ويحيا( حز18:23) إنه يترك الإنسان إلي حرية إرادته, ليختار الخير بمشيئته, دون أن يرغمه الله علي عمل الخير. فإن اختار الإنسان لموته, فإن الله يرسل نعمته إليه لكي ترجعه. فإن تجاوب أخيرا مع عمل النعمة, ورجع فإنه يحيا, يقيمه الله من الموت الروحي مرة أخري. المهم كما قال الكتاب: نهاية أمر خير من بدايته( جا7:8). هناك نوع آخر من الموتي الأحياء, يعمل الرب علي إقامتهم: 2 ـ إقامة موتي الخمول والكسل: الإنسان حسب طبيعته, كل ما فيه حركة دائبة.. القلب لا يكف عن العمل, وكذلك المخ, وباقي أجهزة الجسد: إن تكاسل واحد منها, فإن الإنسان يمرض بسبب ذلك. ومع ذلك, فقد يتكاسل الإنسان, كعضو يعيش في المجتمع.. وكما أن الجسد الميت لا يتحرك, يبدو هو أيضا بلا حركة, وبلا إنتاج ولا إنجاز. لا يشعر المجتمع بوجوده!! ليس له أثر فيمن حوله من الناس. حضوره كغيابه..! فإن غاب, لا يشعرون أنهم قد نقصوا شيئا.. وكأنه ميت! أو علي الأقل ـ إن أحدث تأثيرا في بعض الأوقات ـ يكون تأثيرا ضئيلا لا يتناسب مع كونه إنسانا. لذلك يقول الكتاب: استيقظ أيها النائم, وقم من الأموات, فيضيء لك المسيح( أف5:14). فاعتبر هذا النائم أو الخامل ميتا, يحتاج أن يقوم من الأموات. ولهذا فإن السيد المسيح أراد أن يعيش المؤمنون كأنهم شعلة من عمل ونشاط. وقال: جئت لألقي نارا علي الأرض. فماذا أريد لو اضطرمت( لو12:19). ومنح تلاميذه الروح الناري يوم الخمسين( أع2). فنالوا به قوة( أع1:8) جعلتهم لا يهدأون في عملهم وشهادتهم للرب. فإذا بهم في كل الأرض خرج منطقهم, وإلي أقصي المسكونة بلغت أقوالهم( مز19:4). أما عن الخاملين, المشبهين بالموتي, فيقول عنهم الكتاب: ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة( أر48:10). والله لا يترك هؤلاء إلي الرخاوة التي لا تتفق مع مشيئته, بل يقيمهم منها, ويدفعهم دفعا بعمل نعمته وروحه القدوس. المهم أنهم يريدون ذلك, أو علي الأقل لا يقاومون عمل الروح فيهم. ويقول المزمور: يجدد مثل النسر شبابك( مز103:5). وما أجمل ما قيل عن ذلك في سفر إشعياء النبي وأما منتظرو الرب, فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون( أش40:31). أيسمون ذلك نهضة أو يقظة؟ ليكن كذلك. وهي أيضا قيامة من كسل كأنه موت. هناك قيامة أخري وهي: 3 ـ قيامة خاصة بالأمم أو غير المؤمنين كان الشعب اليهودي هو المؤمن وسط العالم الوثني, وقد اختصه الله بالوحي والأنبياء. وباقي الشعوب كانوا يسمونهم الأمم lsentiles وبقوا غرباء عن الله, في أصنامهم, وفي تأثيرهم الوثني السيئ. وكان من المحرم شرعا مخالطتهم والتزاوج معهم, والاشتراك معهم في أي تحالف. كانوا معزولين وكأنهم موتي! ثم جاء السيد المسيح فأقامهم من هذا الموت الاجتماعي والديني. ومنهم الكنعانيون, والسامريون, وباقي الأمم الوثنية. وقال لتلاميذه القديسين: اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها( مر16:15). اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم, وعمدوهم.. وعلموهم جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر( متي28:20,19). وهكذا صارت لتلك الأمم حياة جديدة مع الله, لم تكن لهم من قبل. أحياهم الله بعد موت, فعرفوه وعبدوه. لاشك انها قيامة من الموت, من موت الجهل والوثنية. وبالمثل فعل الرب مع الشعوب الملحدة, فردها إلي الإيمان.. ولولا نعمة الله التي منحتهم هذه القيامة, لبقوا في الموت دنيا وأخري..! لا يعرفون الله, ولا يدخلون في عويته. من كل هذه الأمثلة, علينا أن نثق في عمل الله ورعايته, واهتمامه بالبشرية التي خلقها, مهما ماتت روحيا, أو اجتماعيا, أو دينيا. فهو قادر أن يقيمها. وأيضا تعطينا القيامة رجاء في حل المشاكل مهما صعبت وتعقدت. فالله قادر علي كل شيء. والإنجيل يقول: غير المستطاع عند الناس, هو مستطاع عند الله( مر10:27). علينا إذن أن نطلب الحل من الله. نعمل ونطلب من الله أن يعمل معنا. نصلي لأجل مشكلة الشرق في فلسطين ولبنان وسوريا, أن يحلها الله, ونصلي بسبب القيود المفروضة علي ليبيا والعراق, وقد طال عليها الزمن. والله قادر أن يحلها. نصلي أيضا من أجل إفريقيا وما تعانيه من مشاكل اقتصادية وسياسية ومن أمراض. ونصلي من أجل بلادنا المحبوبة مصر, ليقودها الله باستمرار إلي حالة أفضل, ويمنح القوة للرئيس مبارك وكل العاملين معه وكل يد مخلصة تعمل لخير هذا الوطن العزيز. وكل عام وجميعكم بخير. |
|