رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجَمال ان الحيز المتاح لهذا الموضوع هنا لا يتسع الا لعرض مشكلتين تعترضان دارسى الكتاب المقدس، وهو ان نولي عناية خاصة للتداخل بين الجمال الفني والجمال الأخلاقي في الكتاب المقدس، وان نتفهم معنى الجمال الفني في الطبيعة: (1) الجمال الفني في الكتاب المقدس: مما لا شك فيه ان الكتاب المقدس يعنى كثيرا بالاخلاق، فمفتاح الوحي هو "البر" في كل علاقات الإنسان باعتباره كائنا ادبيا، فهو النور الذي يضيء لنا كيما نتفهم كل معاني الكتاب. فكل كتاب المقدس موحي به ومكتوب في جو من الجمال، وتتضح لنا هذه الحقيقة في دراستنا له من التكوين إلي الرؤيا، فاول جو وجد فيه أبوانا الأولان كان جوا من الجمال الماثل في "الجنة" حيث كانت "كل شجرة شهية للنظر" (تك 2: 9)، واخر ما تراه في الكتاب هو المدينة العظيمة التي "بناء سورها من يشب والمدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي.. والاثنا عشر بابا اثنتا عشرة لؤلؤة كل واحد من الابواب كان من لؤلؤة واحدة وسوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف" (رؤ 21: 10 و18 21)، فالصورة من اولها إلي اخرها صورة في غاية من الطهر والجمال،فنرى في البداية الطهارة والبراءة قبل التجربة، ونرى أخيرًا "البر الشامل الراسخ" حيث نقرا: " واراني نهرا صافيا من ماء حيوة لامعا كبلور خارجا من عرش الله والخروف" (رؤ 22: 1). والمشكلة التي تواجهنا هي كيف نميز بين هذين العنصرين الممتزجين من الطهر والجمال في كل الكتاب المقدس. وسوف نذكر هنا بعض الايات التي تساعدنا كدارسين للكتاب، على تفهم هذا التقارب الشديد: "واحدة سالت من الرب وإياها التمس. ان اسكن في بيت الرب كل ايام حياتي لكي انظر إلي جمال الرب واتفرس في هيكله" (مز 27: 4). " لان كل الهة الشعوب اصنام. اما الرب فقد صنع السموات. مجد وجلال قدامه، العز والجمال في مقدسه " (مز 96: 5 و6). فإذا تفهمنا المعنى الموجود في هذين المزمورين وما يماثلهما من المزامير، فسيكون ذلك بمثابة ابرة مغناطيسية ترشدنا إلي ما يشبهما أينما نقرا في الكتاب، وما أكثره. ويكفينا مثلا ان نتأمل في التعليمات المعطاة بخصوص اقامة تابوت العهد وخيمة الشهادة المحيطة به وزينة الكهنة الذين كانوا يخدمون أمام الرب، كما جاء في الاصحاح الخامس والعشرين من سفر الخروج وما بعد ذلك، لندرك كيف ان كل ثروة اسرائيل قد تجمعت لاخراج التابوت والخيمة وخدمتها في أبهى الصور. واذا نظرنا إلي أي فهرس للكتاب المقدس، فإننا نجد نصف عمود تحت كلمة " تابوت "، وعمودا ونصف عمود تحت كلمة "خيمة الشهادة". وبالرجوع إلي هذه الايات، نستطيع ان ندرك مدى العناية والدقة اللتين روعيتا في إخراج تلك الوسائل الايضاحية للعبادة، في صورة رائعة من الجمال والبهاء. ونجد في سفر أخبار الأيام الأول، والإصحاحين الخامس عشر والسادس عشر، تسجيلا لكيفية نقل تابوت العهد في ايام داود إلي مدينته ليستقر في الخيمة التي اعدها لهذا الغرض وما صاحب ذلك من فخامة وروعة وجمال وابداع موسيقي: "وامر داود رؤساء اللاويين ان يوقفوا اخوتهم المغنين بالات غناء بعيدان ورباب وصنوج مسمعين برفع الصوت بفرح" (1 أخ 15: 16). وترنم داود في تلك المناسبة بواحد من أجمل مزاميره (ا أخ 16: 8 36). ولسنا في حاجة إلي الرجوع إلي هيكل سليمان (1 مل 6 و 7، 1 أخ 3 و4) فمن المعروف جيدا ان كل عناصر الجمال والفخامة التي وصلت اليها المدنية في عهده، قد استخدمت في بناء بيت الرب والتجهيزات اللازمة للعبادة، فقد اجتمع جمال الشكل والألوان والتوافق الموسيقي، كل ذلك أصبح جزءا من العبادة في زينة مقدسة، وقد لمست كل الاجيال هذه الروعة وذلك الجمال. وهناك جمال في الكلام. فأجمل ما جاء في الأدب الكلاسيكي في لغتي شعبين في مقدمة الشعوب، وهما اللغتان الانجليزية والألمانية، انما هي ترجمة الكتاب المقدس، وليس ثمة تفسير لهذا سوى ان الأصل هو الذي ادى إلي هذا السمو والجمال. انك تستطيع ان تنتقل بين الترجمات المختلفة، فتجد نفس الروعة والسمو، لان الأصل يتميز بهذا السمو والجمال الشاعري، وفي ذلك الدليل الذي لا ينكر على ان كتبة الوحي سجلوا هذه التعاليم بالغة السمو في ثوب رائع من الجمال والجلال، فكتبوا شعرا ونثرا، واستخدموا الاستعارات والمجازات والرموز التي تاخذ بالالبات، وتوضح المعنى، وابرز الأمثلة على ذلك هي الامثال التي نطق بها الرب يسوع، فكان لها تاثيرها العميق لما تحويه من صور وتشبيهات لها جمالها الواضح الملموس: "هوذا الزارع قد خرج ليزرع" (مت 13: 3)، فهذا منظر كان ومازال يبعث على البهجة، وهو مايفسر لنا رؤية صورة الزارع معلقة على جدران بيوت المسيحيين، فيكفي النظر اليها ليتذكر الناظر مثل الزارع ومرماه الجميل. ولعل التركيز الشديد على الأخلاقيات في العهد الجديد، قد شد الانتباه بعيدا عن الناحية الاخرى من الجمال رغم وجودها القوي. (2) الجمال في الطبيعة: مما يدعو للاسف اننا لا نتنبه لرؤية ذلك الجمال اللامتناهي في الطبيعة الا متأخرًا جدا في حياتنا، فجميعنا نرى الجمال في قوس قزح، بل في الواقع ان كل الأشياء تحمل الوانا مختلفة، وما الوان قوس قزح الا عينة منها. وكل العناصر المتوهجة لها طيف خاص به بعض الوان قوس قزح في سعة لا نهائية تنتشر في موجات اثيرية. وبما ان معظم عناصر الكون قابلة للتوهج، فاننا نستطيع ان نرى لا نهائية مجال التعبير بالألوان، التي لا يستطيع رؤيتها كلها الا الله غير المحدود. اما عن الارض التي تتهادى في الفضاء، فان غرس الروح الجمالية، تجعلنا نستطيع ان نرى الجمال في كل شيء بدءا من عظمة مناظر الجبال الراسخات، إلي الخطوط والالوان الجميلة التي نراها من خلال الميكرسكوب واذا نظرنا إلي الفراشة ننبهر بجمالها، ولكن يغيب عنا ان اليرقة التي خرجت منها هذه الفرإشة، لا تقل عنها جمالا بما فيها من الوان مبرقشة ودقة متناهية في تكوينها. والجمال في الخليقة برهان مقنع عن وجود الله، فما الجمال إلا رسول من الله، كما كانت الآلهة "ايريس" عند الإغريق، وقوس قزح عند العبرانيين (تك 9 ك11 17). فالجمال اينما يوجد هو عنصر من عناصر اعلان الله، هو العليقة المتوقدة بالنار ولكنها لا تحترق، يجب أن نخلع أمامه أحذيتنا من أرجلنا لان الموضع الذي نقف عليه ارض مقدسة (خر 3: 2 5 )، ولا شك ان هذا الجمال من الازل وإلي الابد هو ما يميز "قديم الايام". |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ويسألونَك أَين تجد الجَمال |