تأملات فى سفر يشوع بن سيراخ
مقدمة
مقدمة عن1- الأسفار القانونية الثانية
سفر يشوع بن سيراخ واحد من ضمن الأسفار القانونية الثانية أو كما يطلقون عليها الأسفار المحذوفة كما سنجد لها بعض التسميات فى كتب كثيرة , فالبعض يسمونها الأسفار المنحولة ,أو البروتستانت بيسمونها أسفار الأبوكريفا , وطبعا الأسم ده مش صح لأن كلمة أبو كريفا يعنى المخفية أو المزورة وحانشوف ليه البروتستانت حذفوها , لكن الكنيسة الأورثوذكسية بتسميها الأسفار القانونية الثانية , وهى تختص كلها بالعهد القديم , وكما نعلم العهد القديم بينقسم إلى جزئين , وإذا كانت تلك هى الأسفار القانونية الثانية إذا فهناك أسفار قانونية أولى , فالأسفار القانونية الأولى وهى اللى جمعها عزرا الكاهن والكاتب , وعزرا كان سنة 534 قبل الميلاد وهو كان كاهن يهودى من الكهنة وكان فى نفس الوقت كاتب يعنى بينسخ الأسفار المقدسة وهو من اليهود اللى رجعوا من سبى بابل إلى أورشليم , وأسفار العهد القديم لم تكن مجمعة فى ذلك الوقت , فهو لما حصل السبى والرجوع , فكر أنه يجمع كل الأسفار المقدسة فى كتاب واحد , وقام بتجميع الأسفار اللى هى حاليا موجودة تحت أيدينا اللى هى الأسفار الأولى فى الكتاب المقدس التى تقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية وكان بيحرص عزرا أن كل اللى جمعه يكون مكتوب باللغة العبرية اللى هى لغة اليهود القومية , فالأسفار القانونية الأولى كما قلت تنقسم إلى ثلاثة أقسام :- 1- التوراة وهو الذى يضم أسفار موسى الخمسة , 2- النييم (الأسم بالعبرى) وهو يختص بالأنبياء سواء الأنبياء المتقدمين اللى هم جائوا فى الأول زى يشوع بن نون وسفر القضاة وصموئيل والملوك و.... ويطلق عليهم الأنبياء المتقدمون والأولون وبعدين الأنبياء المتأخرين اللى هم جائوا فى آخر العهد القديم اللى هم بيشملوا أشعياء وأرميا وحزقيال ودانيال , والأنبياء الصغار الأثنى عشر, 3- الكتبيم ( الأسم بالعبرى) أو الكتب التى تختص يالأسفار التاريخية زى أستير وعزرا ونحميا وأخبار أيام والأسفار الشعرية زى الأمثال ونشيد الأنشاد وأيوب والمزامير إلى آخره , وهذه هى الأسفار القانونية الأولى اللى موجودين الآن فى طبعة الأنجيل الحالية اللى طبعها البروتستانت , لكن الأسفار القانونية الثانية كانت موجودة من بعد عزرا , وطبيعى ماكانش جمعها نتيجة حاجتين 1- أنه لم يجمع إلا اللى كتب باللغة العبرية , ولكن اللى كتب باللغة اليونانية لم يقم عزرا بتجميعه , 2- أن هناك أسفار منها كتبت بعد عزرا أو بعد ما مات عزرا وقد جمع الجزء اللى جمعه , والبروتستانت قالوا أحنا لا نعترف إلا بالأسفار اللى جمعها عزرا الكاهن فبالتالى الأسفار اللى كانت مكتوبة باللغة اليونانية والأسفار التى كتبت حتى باللغة العبرية بعد موت عزرا لم تنضم لأسفار العهد القديم الموجودة فى الطبعة البروتستانتية , والحقيقة كان ليهم عدة إعتراضات على أنهم يضعوها فى الكتاب المقدس 1- لأن عزرا لم يجمعها , وده مردود عليه أن عزرا كان مات فكيف سيجمعها؟. 2- قالوا أن فيها بعض من قصص الأساطيرأو القصص الخرافية زى مثلا قصة طوبيا , والرد على ذلك أنه ممكن أن تكون هناك قصص تفوق العقل أو الخيال لكن مش معنى كده أن أحنا نقول أنها لا تحصل زى ما عندنا فى العهد القديم قصة يونان فى جوف الحوت , ولو أحنا حانقول أنها شىء لا يتخيله العقل أذا يجب أن نحذف سفر يونان , فهم أعترضوا على الحاجات دى فأصبحت أى حاجة قبل تاريخ عزرا مكتوبة باليونانى زى سفر تتمة أستير وتتمة دانيال اللى فيها تسبحة الثلاثة فتية ودى كانت مكتوبة باليونانى ,أو زى سفر الحكمة بتاع سليمان اللى كان مكتوب باللغة اليونانية , فعزرا لم يضعها ضمن أسفار العهد القديم وكذلك البروتستانت , أو اللى أتكتب بعد تاريخ عزرا زى سفر يشوع بن سيراخ وأيضا بالتالى لم يوضع وعلشان كدة الكنائس التقليدية (الأوثوذكسية والكاثوليكية) التى أهتمت بهذه الأسفار وأطلقت عليها الأسفار القانونية الثانية , وكلمة قانونية تعنى أسفار حقيقية ,اطلقت عليها الثانية وذلك ليست لأنها درجة تانية لكن لأنها مش موجودة فى الطبعة اللى طبعوها للكتاب المقدس , والحقيقة الكنيسة عاشت بهذه الأسفار وأستعملتها فى عبادتها وفى دراستها وفى منهجها الروحى واللاهوتى معترفة بيها , لكن علشان نقدر نعرف أهمية هذه الأسفار وأن هذه الأسفار غير مرفوضة سنجد فى حاجة عجيبة جدا أن السيد المسيح نفسه أستخدم بعض الألفاظ من هذه الأسفار ففى أنجيل يوحنا الأصحاح 10: 22 22وَكَانَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. وعيد التجديد لا نجد له أى تاريخ فى الأسفار القانونية الأولى ولا يوجد له أى ذكر , يعنى ماكانش فى توراة موسى , لكن جاء ذكره فى أحد الأسفار المحذوفة وهو سفر المكابيين الأول وبإختصار كان فى واحد أسمه يهوذا المكابى بعد ما الهيكل قد نجس وتدنس ودخلت فيه عبادة الأصنام وأن أعداء شعب الله كانوا أبطلوا وخربوا فيه كثيرا , فيهوذا المكابى عمل ثورة وأعاد تنظيف الهيكل وترتيب الهيكل وأعاد العبادة بأسم ربنا مرة تانية وكان فى 25 من شهر كسلو وهو الشهر التاسع العبرى وعمله عيد قومى يحتفل بيه كل اليهود وأطلقوا عليه عيد التجديد , والسيد المسيح كان بيحرص أنه يحضر عيد التجديد هذا فى الهيكل فى أورشليم , يعنى كأن السيد المسيح أعتبره عيد مقدس ومقبول منه , ودى شهادة السيد المسيح أن هذه الأسفار مقبولة , وغير كده بنشوف أن بعض الرسل الذين كتبوا فى العهد الجديد أستعانوا وأقتبسوا بآيات كثيرة جدا من الأسفار القانونية الثانية المحذوفة بفعل البروتستانت , يعنى أخذوا منها آيات وأستخدموها ,من سفر يهوديت ومن سفر حكمة سليمان ومن سفر يشوع بن سيراخ ومن سفر المكابيين زى يعقوب الرسول وزى بولس الرسول اللى أقتبسوا آيات كثيرة جدا من هذه الأسفار القانونية الثانية , وهذا لوحده أيضا دليل على أن هذه الأسفار ليها قداستها وليها مكانتها وليها دلالتها فى الحياة الروحية , وعلشان كده بالذات الكنيسة الأورثوذكسية أدخلت هذه الأسفار القانونية كلها فى عبادتها وفى ليتورجيتها , والكنيسة فى الصوم الكبير بتقرأ نبوات كثيرة من هذه الأسفار , فى أيام الصيام وفى أيام أسبوع الآلام وفى ليلة أبو غلمسيس وكمان فى ليلة العيد بتقرأ أجزاء من هذه الأسفار القانونية الثانية , وهذا هو التقليد الكنسى الذى تسلمته الكنيسة وعاشت بيه من الآباء الرسل وهو أن لهذه الأسفار قدسيتها , وهذه الأسفار بتتلخص فى تسعة أسفار :-
1-سفر طوبيا
2-سفر يهوديت
3-تتمة سفر أستير
4-سفر الحكمة لسليمان
5-سفر الحكمة ليشوع بن سيراخ
6-سفر باروخ
7-تتمة سفر دانيال
8-سفر المكابيين الأول
9-سفر المكابيين الثانى
ويضاف إليها المزمور 151 وهو موجود فى الترجمات السريانية والسبعينية والحبشية والفاتيكانية والقبطية والأرمنية وقد أعترفت جميع هذه الترجمات بقانونية هذا المزمورالذى أستشهد بيه كثير من آباء الكنيسة وأعلامها كالقديس أثناسيوس الرسولى والقديس يوحنا ذهبى الفم والحقيقة مش كل البروتستانت رفضوا هذه الأسفار وبنشوف بعض الطوائف فى البروتستانت مثل الكنيسة الأسقفية أو الإنجيليكانية , بتؤمن بهذه الأسفار وبتقرأها , والبروتستانت أستندوا كما قلت على أن عزرا الكاتب لم يجمعها , وأيضا أستندوا على أن فيها بعض القصص الخيالية , واستندوا على أن بعض الشخصيات من المؤرخين اليهود زى يوسيفوس المؤرخ لم يذكر عنها حاجة , وأيضا بعض الآباء فى القرون الأولى للمسيحية زى أوريجانوس الذى لم يتكلم عن هذه الأسفار فقالوا يبقى هذه الأسفار مشكوك فى صحتها , لكن بالرغم من كده لم يستطيع أحد أن ينكر أن هذه الأسفار نافعة للتعليم والقراءة وفيها فائدة عميقة جدا جدا جدا للأنسان اللى بيقرئها .
مقدمة عن 2- سفر يشوع بن سيراخ
سفر يشوع بن سيراخ بالذات بيقرأ منه نبوات كثيرة فى قراءات الصوم الكبير, هو أحد كتب الحكمة , لأن فى مجموعة كتب يطلق عليها كتب الحكمة , وحكمة يعنى فيها حكم أو مواعظ وتداريب أو سلوكيات معينة , وكتب الحكمة تشمل مجموعة هى :- 1- سفر أيوب . 2- المزامير. 3- الأمثال. 4- الجامعة. 5- نشيد الأنشاد. 6- حكمة سليمان. 7- حكمة يشوع بن سيراخ.
ولذلك ترتيب سفر يشوع بن سيراخ يأتى بعد نشيد الأنشاد وبعد حكمة سليمان على طول .
ملخص السفر كله فى كلمتين أى هو بيتكلم على أن رأس الحكمة مخافة الله , ويمكن الآية دى أحنا عارفينها كلنا لأنها أتكررت فى أسفار كثيرة لكن سفر يشوع بن سيراخ بيكمل على رأس الحكمة مخافة الله وبيقول وكمال الحكمة محبة الله , يعنى أقصى درجات الحكمة محبة الله , ونلاحظ هنا أنه ربط ما بين المخافة والمحبة , وهو ده ملخص السفر أنه كيف تكون مخافة ربنا فى قلب الأنسان وهو متمتع بمحبة الله تمتع لا نهائى ؟.
كتب سفر يشوع بن سيراخ باللغة العبرانية وهذا تم أثباته فى المخطوطات التى وجدوها فى وادى قمران وهو الإكتشاف الذى حدث فى القرن العشرين وهو فى كهف من كهوف الأردن فى منطقة قمران , ووجدوا النسخة الأصلية لسفر يشوع بن سيراخ المكتوبة باللغة العبرية , لكن السفر تمت ترجمته باللغة اليونانية بواسطة حفيد يشوع بن سيراخ وهذا ما سنجده فى مقدمة السفر لما سنتأمل في السفر , وترجمه للغة اليونانية علشان تعم الفائدة على ناس كثيرة من قراءة هذا السفر.
زمن يشوع بن سيراخ كان فى القرن الثانى قبل الميلاد بينما عزرا الكاتب كان فى القرن السادس قبل الميلاد كما قلنا سنة 534 قبل الميلاد , ويشوع بن سيراخ كتب سفره سنة 180 قبل الميلاد بالضبط .
فى القرن الثانى قبل الميلاد كانت ظهرت الحضارة الهيلينية أو الحضارة الإغريقية وكان الأسكندر الأكبر قد غزا العالم كله وأمتلك العالم كله ووحد العالم بعدة طرق , سواء الطرق الأرضية أو المواصلات , وقام أيضا بتوحيد اللغة فى العالم كله ,وتكلم العالم كله اللغة اليونانية ,وأصبح لا يوجد حدود بين الدول ولا حدود بين الثقافات , ولا حدود بين الحضارات , وصار العالم كله وحدة واحدة وخاضع إلى الحضارة الهيلينية أو الإغريقية , وبالتالى شعرت الناس بتقارب بينها وبين بعض وبوحدانية بينها وبين بعض , وفى هذا الوقت وكما نعلم أن اليهود كانت نزعتهم القومية أنهم شعب مختار أو شعب منفصل ليه ثقافته وليه حضارته وليه شريعته وليه إلهه , يعنى ليه الحاجة الخاصة بيه , ,ايضا فى هذا الوقت كان هناك يهود مشتتين فى العالم بالإضافة لليهود الموجودين فى أورشليم بجوار الهيكل , ولما الدنيا كلها أنفتحت على بعض واللغة أصبحت لغة مشتركة حتى أن اللغة العبرية نفسها أضمحلت وأصبحت قليلة والناس اللى يعرفوها عددهم قليل , وكما نعرف أن السيد المسيح لما جاء فى فلسطين اللى ماكانوش بيتكلموا العبرية وكانوا بيتكلموا اللغة الأرامية العامية , والسيد المسيح نفسه لم يكن يتكلم العبرية بل كان بيتكلم بالأرامية , ولذلك كان فى خطر أن الحضارة الهيلينية تغزوا المعتقدات اليهودية والثقافة اليهودية والحضارة اليهودية بل الديانة اليهودية , ولازم ناخد بالنا أن هذا الموضوع مهم وخطير لأن أحنا حاليا بنعانى منه وهو موضوع العولمة أو Golobal والعالم أصبح كله واحد , يعنى العولمة تعنى أنه مابقاش فى حدود ومابقاش فى ثقافات ومابقاش فى لغات والكل دلوقتى بيقرب جدا من بعض بحيث أن الكل حايبقى حاجة واحدة , ولذلك السؤال اللى بيطرح نفسه هنا هو كيف نحافظ على كياننا ؟ يعنى ناخد الحاجات اللى تفيد من العولمة ونظل محتفظين بكياننا وبشخصيتنا وبعلاقتنا بالله , وهو ده اللى حاول يعمله يشوع بن سيراخ وهو كيف أن الإنسان اليهودى يظل محتفظ بثقافته وحضارته وعلاقته بإلهه وفى نفس الوقت مايبقاش منغلق أو بمعنى آخر مقفول عن العالم لكن بيقدر يتفاعل مع العالم ومع الثقافات والحضارات الموجودة فى العالم ويقدر يستفيد منها ويقدر ينمو وهو ثابت فى مبادئه وفى أخلاقه ومن هنا تأتى أهمية سفر يشوع بن سيراخ , وهو قام بكتابته علشان يقيم التوازن مابين الفكر الهيلينى (الأغريقى) وما بين العقيدة الإلهية اليهودية اللى موجودة ومتغلغلة فى كيان الشعب اليهودى لأنه لاحظ أن فى خطر من الفلسفة الهيلينية بتهدد الديانة اليهودية فأخذ يكتب علشان يدافع عن التراث الروحى الدينى والثقافى وعن نظرة اللاهوت اليهودى نحو الله ونحو العالم , ومن هذا المنطلق فملخص كلامه كله هو أن الشريعة أو كلام ربنا أو وصايا ربنا هى أصل كل حكمة بل هى الحكمة الأصلية اللى حاتنبع منها كل حكمة وأبتدأ يؤكد على هذا المعنى فى كتاباته وعلشان كده لو قرأنا هذا السفر برؤية مفتوحة للدراسة وبروح الإهتمام , فعندها حانقدر نعرف كيف نعيش فى ظل العولمة التى يطلقون عليها الآن إله هذا العصر أو بمعنى آخر أن العولمة حاتكون الإله الذى سيسود على كل العالم , ولذلك كتب يشوع بن سيراخ سفره باللغة العبرية كما قلت سنة 180 قبل الميلاد وجاء حفيده من بعده وقام بترجمة ما كتبه جده من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية , والسؤال هنا طيب ليه عمل كده ؟ لأن كما قلت أن اللغة العبرية كانت ضعفت , غير أن فى يهود كثيرة أتشتتوا فى كل العالم من أول زمن أرميا النبى لما حصل السبى وخراب الهيكل , فاليهود أتشتتوا فى العالم ولم يذهبوا إلى بابل فقط , لكن أولا فى مجموعة نزلت لمصر وهذه المجموعة التى نزلت لمصر فضلت تتزايد وأتركزوا فى مكانين 1- مدينة الأسكندرية فى أقصى الشمال وكانت معسكر ومستعمرة يهودية , 2- فى جزر اليفنتين أو جزيرة فيلة اللى موجودة فى أسوان , وهذان المقران كانا للجالية اليهودية فى مصر , وعلى فكرة اليهود فضلوا قاعدين فى مصر من أول زمن أرميا لحد سنة 1952 فى عهد الثورة , وهم كانوا بيمثلوا نسبة كبيرة مستوطنين فى مصر وكانوا عايشين فى مصر لحد عهد الثورة اللى قامت وفى ذلك الوقت كان قد تم إنشاء لليهود وطن قومى فى فلسطين , وأعتبر جمال عبد الناصر أن العدو الأول للعرب هو اليهود , وعندها خرج اليهود من مصر , وثانيا كان المكان الآخر اللى كان متركز فيه اليهود هو إيران أو اللى منها حاليا بابل وتاريخيا كانت فى أيران والآن فى العراق وفعلا وكان أكبر تجمع لليهود فى أيران حتى الثامنينات 1980 أو لحد ماقام الخموينى بثورته الإسلامية , فأبتدأوا يتركوا إيران ويذهبوا إلى كل بلاد العالم , إذا أكبر تجمع كان موجود فى مصر وكان موجود فى إيران لحد هذا القرن أو لغاية القرن العشرين , وقد أطلق على اليهود اللى أتشتتوا فى العالم كما قلت فى التأملات فى شخصية القديس أستفانوس , أطلق عليهم يهود الشتات أو المتشتتين فى كل أنحاء العالم , ويهود الشتات فقدوا اللغة العبرية يعنى مابقوش يتكلموا عبرانى أو بتعبير آخر فقدوا لغتهم القومية ولكن ظلوا يتكلموا بلغة العالم فى ذلك الوقت وهى اللغة اليونانية أو لغة الثقافة كما كان يطلق عليها , فجاء حفيد يشوع بن سيراخ بعد ما وجد أن فى يهود كثيرين متشتتين فى العالم وما بيتكلموش إلا اللغة اليونانية , راح قام بترجمة سفر يشوع بن سيراخ من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية , وغير يهود الشتات كان فى حاجة تانية أسمها اليهود الدخلاء , وهم أصلهم مش يهود ولكن أصلهم أممى لكن قبلوا الإيمان اليهودى وأختتنوا وأصبحوا يهود ولذلك أطلق عليهم اليهود الدخلاء , وهم أيضا ما بيعرفوش يتكلموا اللغة العبرية ولكن بيعرفوا يتكلموا اليونانى , ولذلك حفيد يشوع أبن سيراخ وهو أسمه أيضا أبن سيراخ الذى حركه قلبه ناحية يهود الشتات واليهود الدخلاء , وأنه كان عايز يوصل لهم الفكر التقوى أو يظلوا متمسكين بالله فى وسط خطر الحضارة اليونانية والفلسفة الإغريقية التى بدأت تنتشر وتغزوا العالم كله ولذلك قام بترجمة هذا الكتاب .
يشوع بن سيراخ اللى كتب الكتاب كان أنسان بيحب شريعة الله ووصايا الله , وليس فقط كان بيعرفها ويحبها ولكن كان أيضا بيعيشها ويسلك فيها , فكتب كتابه علشان يفيد بالذات الشباب وده اللى حانشوفه فى قرائتنا للسفر , أنه بيكلم الشباب بالذات , وهو كلم الشباب من حياته ومن معرفته ومن إختباراته ومن سلوكياته ومن الحاجات اللى هو عاشها بل أنه أيضا فتح مدرسة علشان يعلم الشباب سلوكيات الحياة وأصول فن الحياة , ولذلك سنرى أن سفر يشوع بن سيراخ بيتكلم عن كل مجال من مجالات الحياة سواء المجال الروحى و العبادة والعلاقة بين الإنسان والله وكيف تكون أو على مستوى العلاقات الإجتماعية وقد لمسها وهى الصداقة والأبوة والبنوة والأمومة وكيف تقوم بتربية الأولاد وكيف تختار شريك الحياة وأتكلم عن الحياة الثقافية وأتكلم عن الحزن وعن الفرح وعن الصبر , يعنى أتكلم عن كل مجالات الحياة كسلوكيات يقدر الإنسان يتعامل بيها ويعيشها وعلشان كده يعتبر كتابه هذا موسوعة بتلمس كل جوانب حياة الإنسان سواء الروحية أو الإجتماعية أو الثقافية أو العملية .
وغير معروف ماهى وظيفة يشوع بن سيراخ بالضبط ولكن بعض الآراء بتتكلم عن يشوع بن سيراخ بأنه هو كان واحد من الـ 72 شيخ اللى أستدعاهم بطليموس الثانى لمدينة الأسكندرية من أورشليم (لأن هو كان أورشليمى ولذلك كان يطلق عليه أيضا يشوع بن سيراخ الأورشليمى) علشان يقوموا بترجمة العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية , وقاموا بالترجمة وكان من ضمنهم سمعان الشيخ , وهذه الترجمة معروفة بالترجمة السبعينية نسبة لأن قام بيها 72 واحد , فهو جمعهم فى أسكندرية وقفل عليهم لحد ما ترجموا أسفار العهد القديم كله , فهو يقال أنه واحد من الأثنين وسبعين شيخ اللى أشتركوا فى الترجمة , وايضا بيقال عنه أنه كاهن أو رئيس كهنة وهذا ما سنفهمه من الكلام اللى كتبه لأنه أتكلم بإستفاضة عن الهيكل وعن المذبح والذبيحة والحياة الروحية , وبعض الآراء قالت أنه أيضا كان طبيب متخصص فى تخصصات كثيرة جدا ! لأننا سنجد فى السفر أنه تكلم عن الطب وفى كل مجالات حياته وعن الدواء وعن التطبيب وكيف ينال الإنسان الشفاء النفسى والجسدى والروحى , وهو هنا بدأ يضع من خبرته الحياتية اللى عاشها ويعرض ويقدم خبراته للشباب , وليس فقط أن هو يقول كلام ولكن عمل لهم مدرسة من أجل أنه يمرنهم على سلوكيات الحياة .
ولعهد قريب قد سائنى أن كنيستى بدأت محاضرات عن الأسرة وكيفية التعامل مع الآخرين مستعينة بكتاب لمؤلف أمريكى تاركين كنوز الكتاب المقدس وكأن تعاليم الكتاب المقدس وما يحتويه غير كافية وأن هذا الكاتب الذى هو أيضا لا يؤمن بمعتقداتنا ويظن أنه ينقل فكر أعظم من فكر الله وحكمة الله والعجيب أن الأسقفية تشجع ذلك ! ولكن كما قال مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث لن تستطيع أن تواجه أى تعليم جديد إلا بالكتاب المقدس و بالدسقولية , ولم أجد تفسيرا لماذا دفعنى الله أن أتعرض لهذا السفر ولماذا وضعه فى طريقى وهو كان آخر سفر أفكر أن أتأمل فيه ولماذا هذا السفر بالذات من أسفار الحكمة السبعة التى أشرت إليها بعاليه لا أعلم سوى أن الله أرادنى أن أتعلم منه وأن انقل التعليم المفرح الذى أفرح قلبى للآخرين ولن يستطيع أحد ان ينزع فرحنا عنا بتعليم آخر غير الكتاب المقدس والغريب أن الكنيسة لم تستعين بأى كتاب عن الأسرة من كتب البابا شنودة أو كتب بعض الأساقفة أو بعض الخدام , ولكن كما قلت خطر العولمة هذه هى بدايته التأثر بالفكر الغريب عنا وليعيننى الله أن أستطيع بمعونته أولا وأخيرا أن أنقل تعاليمه للكل بفرح لكى يفرح الكل معى .
والى اللقاء مع الأصحاح الأول راجيا أن يترك كلامى هذا نعمة فى قلوبكم العطشه لكلمة الله ولألهنا الملك والقوة و المجد إلى الأبد آمين.