رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ياسر بركات : يكشف شـبكة جواسيس الـ«C.I.A» في القاهرة * المخابرات الأمريكية كانت تؤهل " جهاد الحداد" للقيام بدور الجاسوس الشهير سعيد رمضان «صهر حسن البنا» الذي دبر الانقلاب ضد «عبدالناصر» * رئيس المخابرات الأمريكية ليون بانيتا: نتواصل مع الإخوان ونعرف أنهم علي اتصال بأكثر من 16 جهاز مخابرات بالعالم * تصريحات عصام العريان عن الخمور وعودة اليهود لمصر كانت بالتنسيق مع الـ«C.I.A» «فرونت باج» الأمريكية: الحداد من أبرز أعضاء شبكة هيلاري كلينتون في مصر.. وأمريكا خسرت عنصر معلومات استراتيجيا المتابعون للتحركات الأمريكية ولردود الفعل داخل أروقة المؤسسات المخابراتية هناك يعرفون جيداً أن الاهتمام بخبر إلقاء القبض علي جهاد الحداد فاق بكثير درجة الاهتمام بالقبض علي مرشد عام الجماعة، واستحوذ علي اهتمام الدوائر السياسية أكثر من الاهتمام بالقبض علي أكبر القيادات الإخوانية بداية من خيرت الشاطر وانتهاء بمحمد البلتاجي أو صفوت حجازي. وانشغلت الصحف ووكالات الأنباء العالمية بإلقاء القبض علي جهاد الحداد المتحدث باسم الإخوان، ومسئول التواصل مع وكالات الأنباء والصحف باللغة الإنجليزية بصورة غير مسبوقة، وأفردت صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية صفحاتها للخبر مؤكدة أن إلقاء القبض علي الحداد يمثل ضربة كبيرة لشبكة متنوعة من العلاقات الإخوانية - الأمريكية. هذا وقد اهتمت وكالة "الاسوشيتد برس" بتصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية والتي علقت علي خبر اعتقال الحداد بالرفض الأمريكي له، واعتبرت مجلة " تايم" الأمريكية أن ردود الفعل سواء المؤيدة أو المعارضة لإلقاء القبض علي "الحداد" دليل علي مدي تأثيره الكبير، ومن أهم الصحف والوكالات والمواقع الإلكترونية التي اهتمت بإلقاء القبض عليه "الواشنطن بوست" وشبكة "بي بي إس" التي سبق أن تحدث إليها الحداد عبر سكايبي وعبر عن خشيته من اعتقاله وذلك في 8 سبتمبر الجاري وشبكة "أوباما 13" و"جلوبال بوست" و"إذاعة صوت أمريكا" و"ذي هوفنجتون بوست" و"أريزونا ديلي ستار" و"ذي جاردن أيلاند" الأمريكيين. هذا بالإضافة إلي موقع الجزيرة باللغة الإنجليزية ووكالة "فرانس برس" و"رويترز" وشبكة "بي بي سي" و"الجارديان" و"الإندبندنت" و"لندن ساوز إيست" البريطانية ووكالة أنباء "شينخوا" الصينية وصحيفة "داون" الباكستانية وموقع "أوراسيا ريفيو" وصحيفة "ذي ناشيونال" الإماراتية الناطقة بالإنجليزية. هل لهذا الاهتمام المبالغ فيه، وغير المسبوق، والذي لم يحدث حتي مع إلقاء القبض علي المرشد، علاقة بما كشفته مجلة "فرونت باج" الأمريكية عن أن جهاد الحداد كان من أبرز أعضاء شبكة أقامتها وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" في مصر؟! المجلة الأمريكية أوضحت أن جهاد الحداد كان يعمل في فرع "مؤسسة كلينتون" في لندن، وبعد وصول الإخوان المسلمين للحكم تم تكليفه بالعودة إلي مصر للعمل كمتحدث إعلامي لتنظيم الإخوان، لقدرته علي مخاطبة الإعلام الغربي، مستغلا شبكة علاقاته التي أنشأها من خلال القرب من مؤسسة كلينتون وعلاقته بوزيرة الخارجية السابقة، وذكرت المجلة أن عملية إلقاء القبض علي الحداد بتهمة التحريض علي العنف، تعكس إصرار الحكومة المصرية علي مطاردة تنظيم الإخوان في كل مكان بالإضافة إلي رغبتها في تفكيك شبكة هيلاري كلينتون الموجودة في مصر، وتوقعت المجلة الأمريكية أن تفتح التحقيقات مع المتحدث الرسمي باسم الإخوان الباب أمام الكثير من التساؤلات حول علاقة تنظيم الإخوان بمسئولين أمريكيين كبار استخدموهم لتحقيق أهدافهم، وتم إعدادهم منذ فترة للوصول لحكم مصر. واذا كانت أطراف المعادلة «الأمريكية ـ الإخوانية» قد تكشفت كثيراً منذ سقوط محمد مرسي إلا أن الخفايا الجديدة التي ستظهر عقب القبض علي الحداد ستكشف جانباً آخر أكثر أهمية يتعلق بصناعة " الجواسيس " وتدريبهم سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من منظمات التدريب والتأهيل التابعة لشبكات المخابرات العالمية. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية متمثلة في هيلاري كلينتون اكتشفت مواهب خاصة في شخصية "جهاد الحداد" وهي نفس المواصفات الشخصية التي تمتع بها "سعيد رمضان" الذي تعاملت معه المخابرات الأمريكية منذ عقود، ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية وجدت تشابها كبيرا بين جهاد وسعيد رمضان الذي تم تجنيده وتحريضه للقيام بالانقلاب ضد جمال عبدالناصر وثورة يوليو كما سنكشف في السطور القادمة. فمنذ الستينيات وهناك توافق بين جماعة الإخوان وأجهزة المخابرات الأمريكية، ومن يعرفون تاريخ الإخوان السياسي يعرفون ذلك جيداً فالتاريح شهد وقائع عديدة تؤكد أن ما يحدث اليوم استكمال لسيناريوهات تم رسمها منذ عهد عبدالناصر، فقد التقي مرشد عام الجماعة مأمون الهضيبي بمسئولي السفارة الأمريكية في القاهرة وعقد معهم اجتماعاً استمر 3 ساعات وطلب منهم تصفية بعض عناصر الثورة خاصة جمال عبدالناصر، بل وطالب الهضيبي عبر ممثله الشخصي لدي الخارجية الأمريكية بتأييد الإخوان لمساعي التسوية مع إسرائيل من خلال اتصالات بزعماء اليهود في الخارج وفي إسرائيل. وعادت العلاقات الأمريكية مع تنظيم الإخوان في مصر للعمل بشكل منتظم منذ بداية عام 2004 حيث عقد التنظيم الدولي للإخوان اجتماعا في العاصمة التركية إسطنبول، شارك فيه ممثلو الأجنحة الإخوانية بكل من مصر- فلسطين- الأردن- الجزائر، تمت خلاله مناقشة الانفتاح علي الإدارة الأمريكية انطلاقا من العلاقة القديمة والمستمرة بينهما. كما استغلت الجماعة سماح السلطات للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح للسفر خارج البلاد بالنظر لموقعه كأمين اتحاد الأطباء العرب للمشاركة في حضور المؤتمرات التي يشارك فيها مسئولون أمريكيون ومن بينها مؤتمر عقد بالعاصمة التركية إسطنبول نهاية شهر أبريل عام 2005 تحت عنوان «الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني» شارك فيها من الجانب الأمريكي، ريتشارد ميرفي «المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط» وجورج تينيت «الرئيس السابق للمخابرات الأمريكية»، ومن الإخوان الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، كما التقي أيضا الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ومهدي عاكف، بالأمريكي جون شانك وهو شخصية بارزة بالكونجرس الأمريكي خلال شهر سبتمبر عام 2004، والذي أبلغهما استعداد السفير الأمريكي بالبلاد لاستقبال قيادات الجماعة والاستماع لوجهة نظرهم واقتراحه بتشكيل وفد إخواني لزيارة أمريكا والالتقاء بالمسئولين بوزارة الخارجية. كما عقد ممثلو الحكومة الأمريكية عدة لقاءات مع العديد من الرموز الإخوانية ونوابها بمجلس الشعب من بينها لقاء النائب محمد سعد الكتاتني «مسئول الكتلة البرلمانية للإخوان» بزعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب الأمريكي "ستاني هويد" بمنزل السفير الأمريكي بالقاهرة في 4 أبريل 2007 خلال حفل الاستقبال الذي أقامه السفير الأمريكي بالبلاد بمناسبة زيارة وفد الكونجرس للقاهرة، وسبق هذا اللقاء، لقاء آخر للنائب سعد الكتاتني بالمستشار السياسي للسفارة الأمريكية بالقاهرة للحصول علي تأشيرة دخول للولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر مارس 2007، حيث أبلغه الدبلوماسي باختياره كمندوب اتصال بين جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية!! ليس غريباً إذن أن يتم اكتشاف بعض العناصر الإخوانية الفاعلة داخل الكونجرس الأمريكي، وتحديداً مع السيناتور الجمهوري جون ماكين، وهي تلك التي تقف وراء تعزيز علاقته مع إخوان مصر وسوريا والعناصر الجهادية في ليبيا، وحشد الرأي العام باتجاه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، ومواقف السيناتور ماكين منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وميله الواضح تجاه القوي الإسلامية الراديكالية والمتطرفة، لم تأت من فراغ، ولكن بدفع من هذه العناصر. هناك معاون للسيناتور ماكين يدعي معاذ مصطفي «فلسطيني الأصل» له روابط مع حركة حماس، ولعب دوراً رئيسياً في التقريب بين حركة الإخوان في مصر وخاصة نائب المرشد العام للجماعة المحظورة "خيرت الشاطر" والسيناتور ماكين أثناء قضية تمويل منظمات المجتمع المدني، والتي اتُهم فيها عدد من الأمريكان في ظل إدارة المجلس العسكري عقب ثورة يناير. هذه المحطة كانت نقطة البداية في انفتاح ماكين علي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فقد أشرف معاذ مصطفي علي ترتيب زيارته إلي سوريا في مايو الماضي عقب موافقة مجلس الشيوخ علي تسليح المعارضة السورية. وهناك ناشطة أخري هي إليزابيث بوجي كان لها العديد من الكتابات المطالبة بمواجهة نظام بشار الأسد في سوريا، آخرها مقال لافت للنظر في صحيفة "وول ستريت جورنال" حول الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها النظام السوري. كما كشفت العديد من الوثائق أن علاقة الإخوان مع أمريكا ليست وليدة الأيام أو السنوات الأخيرة، ولكنها كما أشرنا تعود إلي الأربعينيات. الإخوان واليهود وفي 29 يونيو 2011 صدر خطاب من مكتب مدير الاتصال بالجمهور والمساعدات "دانيال بورين" إلي السيدة جينيفر مزراحي مسئولة منظمة المشروع الإسرائيلي، جاء فيه أن الإدارة الأمريكية قررت استئناف الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي كانت قد بدأت في عام 2006 ونشر هذا الخبر في صحف ومجلات الجماعات اليهودية-الأمريكية واللوبي الإسرائيلي في أمريكا، بل ونشر بجواره أن إسرائيل ستحضر اللقاءات الأمريكية المقبلة مع الإخوان عبر مسئولين أمريكيين، وردت الإدارة الإسرائيلية بسؤال عن موقف الإخوان من حركة حماس، وكانت المفاجأة في الإجابة التي قالها دانيال بورين بأن لنا اتصالات سرية مع الإخوان بدأت في عام 2006، بهدف إزاحة الرئيس مبارك وعائلته، ولا علاقة للأمر بحركة حماس. وكانت "بورين" تعمل منسقة للعلاقات بين المنظمات اليهودية بأمريكا، كما كلف الرئيس الأمريكي أوباما "جون كارسون" بملف العلاقات مع الإخوان أيضا، وهو صاحب نظرية «طحن البيانات»، حيث يقوم بجمعها عن طريق المتطوعين، وبدأ يظهر بعد الثورة المصرية علي يمين الرئيس أوباما، واشترطت الإدارة الأمريكية علي الإخوان أن تعمل الجماعة علي ترويض الشارع المصري والعربي لقبول الدور الأمريكي، ومجابهة الأصوات المعادية لأمريكا وإسرائيل، والتمهيد للمفاوضات العربية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية، ومساندة الاتفاقيات التي تنتج عن التفاوض وحمايتها بشكل استراتيجي دائم، في مقابل تمكين الجماعة من حكم مصر، وتم تحديد السيدة "آن دي بارل نانس" نائب كبير موظفي البيت الأبيض لتكون المسئولة عن ترتيب اللقاءات بين الإدارة الأمريكية والإخوان، وترتيب المواعيد والبروتوكول. وشنت المنظمات اليهودية هجوما علي إسناد ملف العلاقة مع الإخوان إلي جون كارسون، وعلقوا علي الأمر بأن أمريكا تريد أمركة الإخوان، وتم ضم جون فافيرو إلي الأسماء السابقة في متابعة ملف العلاقات مع الجماعة، وهو من قام بكتابة جميع خطابات أوباما السياسية خلال الثورة المصرية، كما تم تكليف مكتب البيت الأبيض لـ"شراكات الأديان" بالانضمام إلي المجموعة السابقة لتولي ملف العلاقة مع الجماعة، وما يؤكد هذا الأمر أن الجماعة لم تتطرق بعد الثورة إلي مسألة الغاز المصدر إلي إسرائيل أو حقوق الشعب الفلسطيني، كما خرج د.عصام العريان الوجه الإخواني المقبول أمريكيا للتأكيد علي أنه لا مساس بقانون الخمور في مصر، ولا مساس بالسياحة، وبالترحيب باستقدام اليهود المصريين إلي مصر ثانية. كشف تقرير أمريكي آخر للبروفيسور ميخائيل جوسودوفسكي مستشار المخابرات الأمريكية للجماعات الإسلامية السياسية، قدمه للإدارة الأمريكية أوائل عام 2010 تحت عنوان "من يساعد الـ سي آي إيه والموساد الإسرائيلي والناتو في إعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون في مصر". وقام "جوسودوفسكي "بتوثيق حقيقة أن "كونداليزا رايس" قابلت الإخوان في عدة لقاءات مسجلة بينهم، منها لقاء تم في مايو 2008 في البيت الأبيض نفسه، وأنهم خلال ذلك اللقاء اتفقوا مع ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي لبوش، وبتفويض كامل منه علي عدد من المبادئ في التعامل بينهم وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، بل وفي تطور جديد كشف المكتب الإعلامي للبيت الأبيض في هذا التوقيت أن إدارة أوباما ستساند الإخوان حتي النهاية، ماداموا يلتزمون بخارطة الطريق بينهم وبين الإدارة الأمريكية، وأن المسئولين الأمريكيين في حوار دائم مع قيادات الإخوان، وأن الحوار يقوم علي أسس من التفاهم والاحترام، وأن الجماعة أكدت نبذ أية أفكار عنف.. ذلك التقارب بين الإخوان والأمريكان والإسرائيليين، هو ما ساعد في تبرئة ساحة الإخوان أمام الكونجرس الأمريكي. وخلال جلسة استماع الكونجرس لشهادة المخابرات الأمريكية حول أحداث الثورة في مصر قال رئيس المخابرات الأمريكية ليون بانيتا، رداً علي سؤال: هل جماعة الإخوان المسلمين في مصر جماعة إرهابية متشددة؟!.. فقال: إن الواقع يدفعنا أن نشهد بأنه من الصعب فعلاً تقييمهم كجماعة متشددة دينيا، حيث إنهم في اتصالات مستمرة بيننا وبينهم وبين أجهزة مخابرات إسرائيل، وإن كل الاتصالات تؤكد يوما بعد يوم أنهم جماعة سياسية منفتحة، تسعي لإثبات نفسها كجماعة سياسية يمكن الاعتماد عليها، بل إنه ذكر في شهادته أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ربما كانت من بين أذكي الجماعات السياسية الدينية بالعالم حاليا، لأنها طورت أفكارها في فترة وجيزة، لتتفاعل مع محيطها السياسي والجغرافي، لتحقيق أهدافها الخاصة. وفي رده علي سؤال آخر للكونجرس حول: هل يوجد متشددون في الجماعة، لا تعرف المخابرات الأمريكية عنهم معلومات بعد؟!.. قال: في الواقع كل الاتصالات بيننا وبينهم، وكذلك اتصالات الموساد معهم، لم نستطع تحديد حقيقة وجود متشددين أو فصيل متشدد بينهم، مضيفا: الإخوان المسلمون في مصر لا يتصلون بنا وحدنا في الـ"سي آي إيه"، وتلك المعلومات ليست ثمار اتصال منفرد بيننا وبين الإخوان في مصر، «لأنهم عمليا يتصلون منذ أعوام بأكثر من 16 جهاز مخابرات بالعالم»، ومعلوماتنا تعد خلاصة بيانات أجهزة مخابرات العالم عن رأيهم فيما أسفرت عنه اتصالاتهم بالإخوان في مصر، ونهاية برأينا نحن يمكننا أن نقطع بأن الجماعة قد نبذت العنف حاليا، وأنها تسير بكل طاقتها للسيطرة علي مقاليد الأمور السياسية في مصر. ولا نحتاج دليلا علي أن الإخوان كانوا أول من دفع الآخرين لتقوية العلاقات مع أمريكا وإسرائيل، بل ودفع الفلسطينيين لتوقيع معاهدة أبدية مع إسرائيل، فهم الأكثر استعدادا لتقديم التنازلات الكبيرة للأمريكان والإسرائيليين، ولعل تصريح مرشد الجماعة السابق محمد مهدي عاكف لوكالة "الأسوشيتد برس" قد كشف هذه الرؤية مبكراً، وذلك إثر فوز الجماعة بخُمس مقاعد البرلمان في انتخابات 2005 حيث صرح بأن «الإخوان لن يحاولوا تغيير السياسة الخارجية لمصر، ومن ضمنها معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل عام 1979، ولن يسعوا لمحاربة إسرائيل». ونقلت وسائل الإعلام العالمية عن" مهدي عاكف" في ديسمبر 2005 وصفه لـ"الهولوكست" بأنها أسطورة، وهو ما أحدث ردود فعل واسعة، فقد اعتبرت فرنسا أن تصريحات المرشد العام للجماعة في حينها، التي تحولت إلي القوة المعارضة الأساسية في مصر غير مقبولة، وإزاء هذه الردود العالمية، اتهم عاكف بعض وسائل الإعلام في الدول العربية والإسلامية بمحاولة الزج بالجماعة في صراع مع إسرائيل حول موضوع "الهولوكست"، قائلا: إن الجماعة لا يشغلها إثبات أو إنكار هذه القضية التي تخص اليهود وحدهم، ولا تخصنا نحن العالم الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين، بل واعتبر أن إثارة وسائل الإعلام لهذا الموضوع علي لسانه، محاولة لتوريط تيار الإسلام المعتدل، الذي تعتبر الجماعة أحد أهم روافده، في الدخول في معارك وصراعات جانبية، حتي تنشغل عن الإصلاح السياسي، الذي يقوم به هذا التيار في البلاد العربية، التي عشش الفساد في حكوماتها، وجعلها تقف في آخر الصفوف في العالم. الحداد وسعيد رمضان.. إعادة إنتاج الجواسيس وبالعودة إلي "جهاد الحداد" الذي سيطر علي وسائل الإعلام الأمريكية عقب القبض عليه لابد من استعراض تاريخ جاسوس سابق هو "سعيد رمضان" فقد كان الاندفاع الإخواني لتولي حكم مصر في السنوات بين 1953-2003 يتم بمجهودات إخواني مصري ذي خبرة كبيرة في عالم الاتصال والتخابر بين الجماعة وأوليائها الأوروبيين والأمريكان والصهاينة اسمه "سعيد رمضان" الذي التحق بالجماعة في أوائل الأربعينيات وتمكن من الزواج من ابنة حسن البنا، وبهذا الزواج وما يتعلق به من قصص وتقاليد فرض سعيد نفسه علي كل أعمال حسن البنا وتنظيم الإخوان المسلمين، فصار سكرتيراً ومستشاراً بل وقائماً بأعمال حسن البنا في شئون قيادة الجماعة!!.. وكان من الواضح أن هناك توجهات أمريكية لإعادة صناعة "سعيد رمضان" من جهاد الحداد خاصة أنه مؤهل تماما لهذا الدور. وإذا كان الضباط الأمريكان والبريطانيون والألمان يتكفلون بتخطيط بعض الأعمال السياسية والتنظيمية والإعلامية وحتي العسكرية لتنظيم الإخوان مثلما تتكفل أجهزتهم الخاصة بنفقاته في متابعة ذلك، فقد أظهر مقال مستند لأرشيف الأمن السويسري أن سعيد رمضان كان بمثابة "عنصر معلومات استراتيجي" لأجهزة استخبارات وحكومات بريطانيا وأمريكا «وعنصر استراتيجي تسمية حديثة للمخبر أو الجاسوس القائم برعاية عمل سياسي كبير كزعيم أو أمين لحزب أو كان خازن أسرار» وزاد تورط سعيد رمضان مع المخابرات الأمريكية وارتكازها إليه حتي أن ضباط ألمانيا الغربية بتعليمات منC.I.A قاموا في ديسمبر 1963 بمنع سعيد من الاشتراك في مهرجان ضد الاتحاد السوفيتي، حماية لمستقبل العمليات التي تولاها أو سيتولي أمرها سعيد رمضان مع أطراف حلف الأطلسي في الشرق الأوسط. ويمكن العثور علي معلومات أخري عن الشأن الاستخباري لسعيد رمضان والـC.I.A في الحافظةE4320 من الأرشيف السويسري الفيدرالي بمدينة بيرن، كذلك ترخيص سيارته الكاديلاك في كانتون جنيف.. كان أكبر قادة سعيد ومستشاريه شخصين: الأول هو الإسكندر الأصفر وكان حاخاماً يهودياً «صهيونياً» ذا علم ومعرفة واتصالات، وكان حاخاماً لرومانيا بل راعياً ومستشاراً لملكها. الرجل الثاني الذي أحاط سعيد رمضان برعايته كان زعيماً كاثوليكياً اسمه المعلن هنري بابال ولكن لا يعرف عنه أي شيء، ولا يوجد شيء عنه في كل كانتون جنيف!! غير أن أشهر منظري الإسلام السياسي وأحد القريبين من سعيد رمضان كان هو اليهودي النمساوي ليوبولد فايس الذي أعلن إسلامه واختار لنفسه اسم "محمد أسد". وظلت شخصية سعيد رمضان مسيطرة علي عقول رجال المخابرات الأمريكية الذي وجدوا في جهاد الحداد تشابهاً كبيراً مع هذا الشخص الذي كان يمثل كنزا استراتيجياً للولايات المتحدة، وفي فبراير 2011 نشرت "نيويورك ريفيو أوف بوكس" مقالا للصحفي الكندي آيان جونسون وصف فيه العلاقة بين الإخوان وأمريكا بأنها أكثر من حميمية، وكشف صاحب كتاب "مسجد في ميونيخ- 2011"، الذي يعرض بالتفصيل لنشاط الإخوان في أوروبا ودورهم في تجنيد عناصر تبنت فيما بعد الفكر الجهادي، أن ما بين الإخوان والمخابرات الأمريكية تراض حقيقي، يرجع إلي الخمسينيات من القرن الماضي، وهو "تراض صامت"، تم بمقتضاه الاتفاق علي معاداة الشيوعية، وتهدئة أي توترات للمسلمين في أوروبا. وفي هذا المقال، أكد جونسون اطلاعه علي أحد الكتب للرئيس الأمريكي السابق دوايت ديفيد أيزنهاور يروي فيه تفاصيل اجتماع حضره سعيد رمضان مندوب الإخوان المسلمين، وصهر مؤسس ومرشد الجماعة حسن البنا وهو والد طارق رمضان الذي يحمل الجنسية السويسرية.. مشيرا إلي أن الـ"سي آي إيه" دعمت سعيد رمضان بشكل علني، وكانت تعتبره عميلا للولايات المتحدة، وساعدته بالتالي في الخمسينيات والستينيات في الاستيلاء علي أرض مسجد ميونيخ، وطرد المسلمين المقيمين ليبني المسجد عليها، الذي يعد من أهم مراكز الإخوان المسلمين في أوروبا. وكشف جونسون أيضاً دور المخابرات البريطانية في مساعدة سعيد رمضان لترتيب انقلاب ضد عبدالناصر سنة 1965، وهي العملية التي انتهت بالقبض علي أغلب عناصرها، فيما عرف تاريخيا بقضية تنظيم الإخوان، التي أعدم بسببها سيد قطب. ومعروف أنه بعد الثورة بعام أي في 1953، حظر مجلس قيادة الثورة في مصر جميع الأحزاب السياسية، باستثناء الإخوان المسلمين لدورهم الكبير في نجاح الثورة، ولم يشفع لعبدالناصر تجنبه الصدام مع الإخوان في بادئ الأمر، إلا أن الصدام سرعان ما ظهر للعلن بسبب ابتعاد عبدالناصر عن فكر الإخوان، وسعيه لإقامة دولة مدنية تتعارض مع "الأسلمة"، التي كان يسعي إليها الإخوان، خاصة أنهم كانوا يرون أنهم أصحاب الفضل الأكبر في نجاح الثورة، وبالتالي قيادتها. تلك مجرد إشارة سريعة للعلاقة مع أمريكا وأوروبا سواء في التنظيم الدولي أو محيط تلك العناصر التي تتحرك في أوروبا من منطلق إسلامي وخاصة تلك الشخصيات ذات العلاقات التاريخية مع هذه البلاد التي أقامت فيها، والتي استكملها طارق ابن سعيد رمضان، وكانت أمريكا تطمح أن يواصل جهاد الحداد نفس الدور لذلك رأت في القبض عليه ضربة كبري للتنظيم ولرجالها في المنطقة ومن هنا كان الاهتمام المبالغ فيه بخبر القبض عليه. من هنا نكتشف أن الهدف من وراء تلك الاتصالات الأمريكية مع الإخوان كان إنتاج "شرق أوسط جديد" يتم فيه إحلال الإخوان بديلا لنظام مبارك، ويتم فيه ربط إخوان مصر بإخوان المغرب وتونس والمجلس الانتقالي السوري، وكان العمود الفقري لهذا "الشرق الأوسط الجديد" هو إخوان مصر، وهو جزء من مخطط إقليمي ليعيد الأمريكان فيه إنتاج أنفسهم، بعد كراهيتهم في ظل الأنظمة السابقة، وبذلك تعود علاقاتها الجيدة في الشرق الأوسط، أي إعادة الروح لهذه العلاقات في المنطقة مرة أخري، ولكنها هذه المرة بقشرة إسلامية إخوانية وروح أمريكية. الموجز |
|