إن الطاقة الجنسية أمرٌ مباركٌ أودعه الله إيانا لفائدتنا، ولذلك فمن الخطأ أن نُعادي هذه الطاقة الحيوية بل ينبغي أن نعترف بها، ونصادقها ولا نعمل ضدها بل نعمل معها.
* التوجيه الإيجابي للطاقة الجنسية:
1- قبول الجنس الذي ننتمي إليه:
وهذا يعني أن يشعر الشاب بسعادة الإنتماء إلى الرجولة، بكل ما للرجولة من معاني القوة والشهامة، والتضحية والنجدة، وبكل ما للرجل من طموح في أن يكون الزوج المحب والأب الحنون..
بالنسبة للفتاة يعني قبول الجنس الذي تنتمي إليه، أن تشعر بسعادة الإنتماء إلى الأنوثة، بكل ما للأنوثة من معاني الرقة والجمال، والحنان والإهتمام بالآخرين، وبكل ما للشابة من طموح في أن تكون الزوجة التي تفخر بزوجها، وتسعد بيتها، وتبتهج بأطفالها..
إن هذا الأمر هامٌ جداً.. وبدون تكوين هذه الإتجاهات الطبيعية نحو الجنس الذي ننتمي إليه، لن يكون هناك إمكانية للتوجيه الإيجابي لطاقتنا الجنسية، لأننا -عندئذ- لن نشعر بقيمة هذه الطاقة بعد أن فقدنا رؤية التقدير الطبيعية للرجولة والأنوثة. وهذا كثيراً ما يحدث نتيجة التشبع ببعض الأفكار الإجتماعية والدينية السلبية التي تنال من الرجولة والانوثة، وتحاول أن تطفئ بريقهما.
2- قبول الجنس الآخر:
سوف نجد -بطبيعة الحال- أن قبولنا للجنس الآخر لا يمكن أن يتحقق إلا إذ كنا قد قبلنا أولاً الجنس الذي ننتمي إليه.. فالرجل لا يعرف معنى وجود المرأة بالنسبة له إن لم يعرف أولاً معنى رجولته، والمرأة لا تكتشف قيمة الرجل إلا من خلال إكتشافها المعنى الحقيقي لأنوثتها.
والواقع العملي يعملنا أنه بدون التواجد المشترك للجنسين معاً، والتعامل الواعي المتعقل بينهما، يصعب جداً فهم الجنس الآخر، وتكوين رؤية واضحة وسليمة عنه.. لذلك نجد في المجتمعات التي لا يُسمَح فيها بالتعامل الطبيعي بين الجنسين، أن الفتاة تصبح بالنسبة للشاب لغزاً محيراً، ويصبح الشاب بالنسبة للفتاة مخلوقاً غامضاً.. ومن هنا ينشأ الصراع الدائم بين الرغبة في إكتشاف الجنس الآخر، والخوف من المجتمع الذي يمنع ذلك.. وهكذا تتولَّد الضغوط الجنسية..
وحينما يتدخل الخيال (أحلام اليقظة) ليخفف من حدة الصراع، فإذ به يجعل رؤيتنا للجنس الآخر بعيدة عن الواقع، وحينما نعود إلى أرض الواقع نجد الصراع على أشده، ونجد الضغوط الجنسية تزداد حدة. ومن هنا يبحث بعض الشباب عن مخرج لتخفيف حدة تلك الضغوط بممارسة اللذة الإنفرادية.
ومن المفيد –إذن- أن يتواجد الشباب من الجنسين معاً في حضن الكنيسة، وتحت إشراف واع من الآباء الكهنة والخدام، وبتوعية مستمرة للطرفين.. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال الندوات المشتركة، والأيام الروحية، والرحلات العائلية.
أخيراً نقول أن من علامات القبول السليم للجنس الآخر، أن ينظر كل من الشاب والفتاة للآخر كشخص له قيمته وكيانه الإنساني المتميز لا كجسد للإمتلاك والإستمتاع، وهذا يتكون من خلال التعامل السليم بين الجنسين، جنباً إلى جنب مع النمو النفسي والروحي السليم.. فهذا يؤدي لنمو الشخصية وإلى أن يتعامل الشباب من الجنسين كأخوة وأخوات في الرب، مثلما أوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس أن يتعامل مع "الحدثات (الشابات) كأخوة بكل طهارة" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2:5).
3- جهاد العفة الإيجابي:
وهو ليس مجرد الإمتناع عن إستخدام طاقتنا الجنسية خارج الإطار الأصيل الذي رسمه الله منذ البدء يوم زرع الله فينا هذه الطاقة، لكنه أيضاً تقديم أنفسنا –بملء إرادتنا وبكامل حريتنا- إلى الرب يسوع الذي أحبنا أولاً (ستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا)..
العفة المسيحية ليست حرماناً للمؤمن من إستخدام الدافع الجنسي الذي باركه الله منذ البدء حينما أسس سر المحبة بين الرجل والمرأة وباركهما وطلب منهما أن يتحدا معاً بالمحبة ليكونا كيانا إنسانياً واحداً.. ولو كانت العفة المسيحية حرماناً لكانت مطلوبة فقط من غير المتزوجين، ولكن لأنها ليست حرماناً بل إرتقاء بالحب مع السماح بتدفقه في قنواته الطبيعية، فهي لذلك مطلوبة قبل الزواج وبعده على السواء.
4- الأنشطة الإجتماعية والإبداعية:
الطاقة الجنسية طاقة إنفتاحية، أي تدفع الفرد للإنفتاح على الآخرين والتفاعل معهم، و"الآخرين" هنا مقصود بهم كل أفراد المجتمع بلا إنحصار..
ومن المجالات الإجتماعية المفيدة: الإجتماعات، واللقاءات والرحلات، والمعسكرات والحلقات الدراسية، والقراءات العلمية والثقافية والأدبية، والأنشطة الرياضية المتعددة، وخدمة الآخرين بكل أنواعها..
أيضاً الطاقة الجنسية طاقة إبداعية، أي أنها تدفع الإنسان إلى صقل المواهب والإنتاج الفني والأدبي أو العمل اليدوي.. إلخ. ولذلك فعلى كل شاب وشابة إكتشاف المواهب الكامنة، وصقلها بالدراسة والممارسة وإكتساب الخبرات. وهذا بدوره يجعل الفرد يشعر بالرضا عن الذات، والثقة في النفس، ونمو الشخصية، مما لا يجعله يلجأ إلى تفاهات يحقق من خلالها ذاته.
5- تكريس القلب للمسيح:
الطاقة الجنسية أيضاً طاقة حب جبارة تدفع الفرد للإنتعاش الروحي، إن هو/هي وجّه عواطفه ورغباته ومشاعره للمسيح حباً به.. ولذلك فإن تكريس القلب للمسيح يحوَّل مسار الطاقة الجنسية بعيداً عن الأنانية، في مجال حب الله مروراً بالآخرين، في حركة بذل وعطاء دائمين.. ومع النمو الروحي بالطبع يتحقق النمو النفسي والإجتماعي وتكامل الشخصية، بشرط أن يتحرك الشباب في المجالات المتعددة في آنٍ واحد: المجال الاجتماعي والمجال الإبداعي، والمجال الروحي.