![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وبحسب يونغ، لا يحمل الكائن البشريّ في داخله ظلاً شخصيّاً فقط، بل يحمل أيضاً ظلاًّ جماعياً تشكّله جميع الأمور السيئة والمُظلمة الّتي تمّت في تاريخ البشرية. فالظلّ الجماعيّ هو جزء من اللاوعي الجماعيّ، وهو الذاكرة التي تُخزّن فيها خبرات الأسلاف، والتي تمّ التعبير عنها في الأساطير والنماذج الأولى (Archetype) والرموز الدينية. وينتمي إلى اللاوعي الجماعي أيضا الأنيما والأنيموس (الأنوثة والذكورة)، رمزا السمات والصفات الخاصة بالمؤنث والمذكر للأمومة وللأبوة. في القسم الأول من الحياة، تسيطر على الكائن البشريّ رغبة إثبات الذات. فيتماهى مع الأنا ويتمّ كبت الظل، الذكورة أو الأنوثة واللاوعي، من دون أن ينتج عن هذا أذىً شديداً. ولكن الأمور تتغيّر في المنتصف الثاني من الحياة، ويتوجّب على الإنسان إدماج الظل، أي الذكورة أو الأنوثة، ويتخلّى بالنتيجة عن الإسقاطات التي أسقطها نحو الخارج، وأن ينفتح على لاوعيه، وأن يحوّل الصفات والاستعدادات الموجودة في هذا اللاوعي إلى وعي. على الأنا أن يعود إلى أصله، إلى الذات، لينال من هذا الأصل قوّةً حيويّةً جديدة. فهدف التفرّد هو انشراح الذات. ويعرّف يونغ هذا المفهوم كما يلي: «الشموليّة النفسية للكائن البشري. فبينما لا يكون الأنا إلاّ واعياً والظل لا واعياً، تشمل الذات الوعي واللاوعي في آنٍ واحد. لذلك، على الكائن البشريّ أن ينشرح ثانية من الأنا إلى الذات. وهذا يتمّ بالتحوّل في مجال الوعي وبإدماج قسم كبير من اللاوعي.» 2- مشكلات منتصف الحياة يقع منتصف الحياة بين 35-45 سنة تقريباً، وهو يشير إلى الانشراح الّذي تتحوّل فيه الأنا إلى الذات من خلال النضج. إنّ المشكلة الأساسيّة المطروحة في هذا التحوّل، هي أنّ الكائن البشريّ يعتقد أنّه يستطيع السيطرة على مهام المنتصف الثاني من الحياة إذا حافظ على طرائق المنتصف الأول ومبادئه. فالحياة البشريّة تشبه مسار الشمس. إنها تشرق في الصباح وتنير العالم. وحين تصل إلى الظهيرة، تبلغ نقطة انعطافها، فتبدأ بالانخفاض ويخف إشعاعها. وفترة بعد الظهر مهمّة مثل فترة الصباح. لكنها تتبع قوانين أخرى. فبالنسبة إلى الكائن البشري، حين يريد أن يعترف ويقبل بمنحنى الحياة، عليه أن يتكيّف مع واقعه الداخليّ حين يصل إلى فترة الظهيرة، لا أن يتكيّف مع الواقع الخارجيّ. لذلك لا يُطلب منه الانفلاش بل الانكماش حول ما هو أساسيّ، أي المسار نحو الداخل أو الانطواء. «فما وجده الشباب وما عليه أن يجده في الخارج، على إنسان بعد الظهر أن يجده في داخله». إن المشكلات الّتي يواجهها الإنسان في منتصف حياته ترتبط بالوظائف الّتي يَفرض عليه تحقيقها منتصف الحياة الثاني، والتي عليه أن يدّد موقفه تجاهها: - نسبيّة شخصيّته. - قبول ظلّه. - إدماج ذكورته وأنوثته - انشراح الذات في قبول الموت واللقاء مع الله. نسبيّة شخصيّته كان يجب على المراهق وعلى الشابّ البالغ أن يبذل جهداً كبيراً ليجد مكانه في الحياة. وقد تطلّب منه هذا الصراع شخصيّةً قويّةً تسمح له بأن يثبت ذاته في الوجود. إلاّ أنّ تقوية الشخصيّة تتمّ من خلال كبت اللاوعي. في وسط الحياة، يعود هذا اللاوعي إلى الظهور، فيختلّ توازن الكائن البشريّ، وتنهار ضماناته الّتي يقبلها واعياً. ويرى يونغ أنّ فقدان التوازن هذا أمر حسن، لأنّه يجبر الشخص على البحث عن توازن جديد يجد فيه اللاوعي مكانه. لا شكّ في أن انهيار نقاط العلاّم هذه قد يؤدّي إلى كارثة، إذ غالباً ما يظهر لدى الشخص «ردّ فعل ضدّ اختلال التوازن هذا، فيتشبّث بشخصيّته، ويتماهى بمركزه وبعمله وباللقب الذي ناله، من دون أيّة مسافة بينه وبينها.» ويعتبر يونغ أنّ التماهي بمركزٍ أو بلقبٍ يغوي الإنسان إغواءً حقيقيّاً، حتّى إنّ كثيراً من الرجال يحصرون أنفسهم في المرتبة الّتي منحهم إيّاها المجتمع. وبالتالي، يصبح البحث عن الشخص عسيراً إذا ما اختبأ داخل هذا الغلاف. ولا نجد وراء هذه المظاهر الفخمة إلاّ رجلاً ضعيفاً بائساً. فإغواء المنصب أو المرتبة يعوّض الشعور بعدم الرضا عن الذات. على إنسان منتصف الحياة أن ينتبه أكثر إلى الصوت الداخلي، وأن يبذل جهداً في تنمية شخصيّته العميقة، بدلَ أن يُصغي إلى انتظارات العالم، ويحتمي وراء شخصيّته. قبول الظل أو مشكلة المتعارضات يرى يونغ كلّ الحياة البشرية من منظور الثنائيّات المتعارضة: وعي - لاوعي نور - ظلام ذكورة - أنوثة. ومفهوم التعارض أساسيّ في الكائن البشري. وهو لا يصبح كلاًّ كاملاً، ولا ينتشر حتّى الأنا، إلاّ إذا لم يرفض التعارضات بل احتواها في ذاته. فبسبب تقوية الأنا في المنتصف الأول من الحياة، يتم التشديد على الوعي. ويصيغ العقل مثاليّات يتبنّاها الأنا. ولكن في اللاوعي، يكون لجميع هذه المثاليّات مواقف معاكسة. وكلّما ازداد الجهد في نبذ هذه الأمور المعاكسة، ازداد احتمال عودتها في الأحلام. وكذلك، تثير أنماط السلوك المُعاشة في الوعي مواقف معاكسة في اللاوعي. وهكذا، يتطلّب منتصف الحياة العودة إلى تلك الأقطاب المعاكسة، وقبول الظلّ الّذي لم يتمّ عيشه، والدخول في جدالٍ معه. وهنا نجد سلوكين خاطئين: الأوّل هو عدم رؤية ما يعاكس الموقف الواعي. فيتمسّك الشخص بالقيم القديمة، ويجعل نفسه بطلاً في المبادئ ومدافعاً عن الزمن الماضي. إنّه يتصلّب ويتحجّر ويتعامىَ. ويحلّ حفظ القوانين والشرائع محلّ التحوّل الروحيّ. وفي آخر الأمر، يعود سبب التصلّب إلى الخوف من مواجهة مشكلة التناقضات في الإنسان. فالطرف الآخر المُقلق والموجود في الظلّ يُشعر بالخوف. فيفضّل الإنسان ألاّ يراه، ولا يسمح لنفسه إلاّ «بحقيقةٍ واحدة وسلوكٍ واحد يُفترض به أن يكون مطلقاً. فلولا ذلك لا تكون هناك أيّة حماية من خطر الانقلاب الّذي يشعر به الإنسان في كلّ مكان حوله إلاّ في ذاته». وردّ الفعل الثاني الخاطئ تجاه المتعارضات هو رمي جميع القيم الّتي التزم بها الشخص من قبل. فما إن يكتشف خطأً في القناعات الّتي كانت لديه حتى الآن، ويكتشف ضلالاً في الحقيقة وكراهيّةً في المحبّة الّتي يعيشها حتى الآن، يرمي جميع المثاليّات السابقة، ويحاول متابعة حياته خلافاً للأنا الماضية. «ومن علامات الانقلاب نحو المواقف المعاكسة تغيير المهنة، الطلاق، تغيير الديانة، نكرانٌ لأمور كثيرة.» ويظنّ الإنسان أنّه استطاع أن يحقّق أخيراً كلّ ما كان مكبوتاً حتى الآن. لكنّه بدل أن يُدمِج ما لم يتمّ عيشه من قبل، يستسلم له رافضاً كلّ ما تمّ عيشه حتى الآن بشكلٍ واعٍ. فيقوم بعملية كبتٍ جديدة. فيستمر الكبت، ولكنّه يغيّر فقط المادة المكبوتة. ومع الكبت تستمرّ عمليّة بلبلة التوازن. ويخضع الإنسان لضلال الإيمان بأنّ قيمة مُعينة قد أُلغيت بالقيمة المعاكسة لها. ولا يدرك أنّه ما من قيمة وما من حقيقة في حياتنا يمكنها أن تزول بما يعاكسها، وأنّ القيمتين المتعاكستين ترتبطان بعلاقة تبادليّة. «كلّ ما هو إنسانيّ نسبيّ، لأنّ كلّ شيء يقوم على التضادات الداخليّة.» فالسعي إلى نكران القيم السابقة لصالح ما يعاكسها أمر متطرّف، مثل تطرّف النظرة الأحاديّة الاتجاه الّتي تتمسّك بالمثاليّات ولا تنتبه إلى الأهواء اللاواعية الّتي تثير الشكّ في هذه المثاليّات. فالمنتصف الثاني من الحياة ليس «انقلاباً نحو ما هو معاكس، بل محافظة على القيم القديمة، وإقراراً في الآن نفسه بالقيم المعاكسة». |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ازمة منتصف الحياة 6 # والاخير |
أزمة منتصف الحياة 5 # |
أزمة منتصف الحياة 3 # |
أزمة منتصف الحياة 2 # |
أزمة منتصف الحياة 1 # |