حقًا يليق بالعذراء القديسة مريم أن تكون نموذجًا لملكوت السموات، ويليق بيوسف النجار البار أن يكون نموذجًا للإنسان الذي يطلب ملكوت السموات. وقد حقق الله له شهوة قلبه بأن يجد الحقل المُقدَّس الذي لم يُزرع، ولكنه مُخصَّب بالنعمة الإلهية!!
لقد كان سؤل قلب يوسف البار أن يجد ملكوت الله.. "لكن اطلُبوا أوَّلاً ملكوتَ اللهِ وبرَّهُ، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لكُمْ" (مت6: 33)، لذلك أعطاه الله.
أنتَ وأنا .. ماذا نطلب؟
أخشى أن ينطبق علينا قول مُعلِّمنا يعقوب في رسالته: "تطلُبونَ ولستُمْ تأخُذونَ، لأنَّكُمْ تطلُبونَ رَديًّا لكَيْ تُنفِقوا في لَذّاتِكُمْ" (يع4: 3). ليتنا نطلب حسنًا ملكوت الله وبره، مثلما طلب يوسف فوجد.
أما من جهة العذراء القديسة مريم، فهي حقًا الحقل الذي لم يُزرع، ووجدت فيه ثمرة الحياة. إنها الجبل الذي رآه دانيال، وقد قُطع منه حجر ليس بيد إنسان، وهي الباب الذي نظره حزقيال في المشرق ولم يفتحه إنسان، ولكن دخل فيه الملك وخرج والباب مُغلق بعناية إلهية، وهي عصا هرون التي أفرخت وأنبتت دون غرس ولا سقي .. إنها البتولية الحقيقية الكاملة.
إنها الأعجوبة التي تنبأ عنها الأنبياء، ونظرها القديسون، ولم يصدقها العقلانيون. فعلاً مَنْ يصدق أن عذراء تحبل وتلد ابنًا بدون زرع بشر، ثم تظل عذراء بعد ولادة ابنها الإلهي العظيم؟!!
إن الميلاد البتولي الطاهر هو برهان عظيم على أن المولود هو الله الظاهر في الجسد، لأنه مَنْ من الناس وُلد هكذا؟
إن قالوا آدم .. آدم لم يولد، ولكنه خُلق بدون أب أو أم، لأنه لم يكن هناك بشر قبله.
وإن قالوا حواء .. هي أيضًا لم تُولد، ولكنها خُلقت بدون أم، لأنه لم يكن هناك نساء قبلها.
أما ميلاد ربنا يسوع فكان هكذا بدون أب، لأنه كان كائنًا قبل أن يولد من العذراء، ولم يكن محتاجًا لأب يعطيه نعمة الوجود، ولكنه في اتضاعه العجيب احتاج أُمًا تعطيه من دمها ولحمها جسدًا كاملاً طاهرًا مساو لنا كالتدبير
لم يشأ ? بصلاحه ? أن يستحضر معه جسدًا من السماء يعيش به وسطنا، بل أخذه من أمه العذراء، لكي يعطينا نعمة أن يشاركنا في طبيعتنا البشرية، ويكون ابنًا لآدم ليخلص آدم والبشرية، وليبارك طبيعتنا فيه.
حقًا ما أمجد اسمك القدوس أيها الكائن الأزلي الذي لا بداية أيام له ولا نهاية .. لأنكَ وُلدت من عذراء طاهرة في ملء الزمان لأجل خلاص جنسنا نحن البشر الخطاة الضعفاء.
لقد وجدك يوسف البار لؤلؤة كثيرة غالية الثمن جدًا. وجدها في أحشاء البتول، لم يضعها يوسف بل وجدها. ولم يضعها إنسان، بل دخل الجوهرة بنفسه ليزرع بيده الإلهية في الحقل الطاهر البكر الذي لم يزرعه إنسان.
ربي يسوع .. إنك الجوهرة الثمينة الغالية التي تستحق أن أبيع كل شيء لأقتنيك في داخلي ..
إذا ما أعطيتني هذه النعمة أن أقتنيك فيَّ سأصير غنيًا جدًا بكَ لكي أعطي آخرين ..
ليست أموال هذا العالم الزائل بل خلاص نفوسنا بتلاوة اسمك القدوس ..
سأكون غنيًا مثل بطرس الذي قال للمُقعد:
"ليس لي فِضَّةٌ ولا ذَهَبٌ، ولكن الذي لي فإيّاهُ أُعطيكَ: باسمِ يَسوعَ المَسيحِ النّاصِري قُمْ وامشِ!" (أع3: 6).
ربي يسوع كن لي اللؤلؤة الوحيدة التي تغذيني وتشبعني وتعزيني.
لا تدع اغراءات العالم تشغلني عنك .. لا المال ولا المركز ولا الناس ولا العواطف ولا الجسد
ولا لذة الأكل ... ولا شيء يشغلني عنك يا مُخلصي القدوس.
ولنهتف مع مُعلِّمنا بولس الرسول: "مَنْ سيَفصِلُنا عن مَحَبَّةِ المَسيحِ؟ أشِدَّةٌ أم ضَيقٌ أم اضطِهادٌ أم جوعٌ أم عُريٌ أم خَطَرٌ أم سيفٌ؟ كما هو مَكتوبٌ:
"إنَّنا مِنْ أجلِكَ نُماتُ كُلَّ النَّهارِ. قد حُسِبنا مِثلَ غَنَمٍ للذَّبحِ". ولكننا في هذِهِ جميعِها يَعظُمُ انتِصارُنا بالذي أحَبَّنا. فإني مُتَيَقنٌ أنَّهُ لا موتَ ولا حياةَ، ولا مَلائكَةَ ولا رؤَساءَ ولا قوّاتِ،
ولا أُمورَ حاضِرَةً ولا مُستَقبَلَةً، ولا عُلوَ ولا عُمقَ، ولا خَليقَةَ أُخرَى، تقدِرُ أنْ تفصِلَنا عن مَحَبَّةِ اللهِ التي في المَسيحِ يَسوعَ رَبنا" (رو8: 35-39)