رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجماعة: من المحظورة إلى المغرورة إلى المذعورة! الجماعة المقصودة هنا هى الإخوان المسلمون، والتى مرت بعدة أطوار منذ نشأتها على يد مُعلم فى إحدى ثانويات الإسماعيلية، عام 1928، وهو حسن عبدالرحمن البنا. وفى سنواتها العشر الأولى كانت الجماعة «دعوية»، ركزت على مكارم الأخلاق والتبشير باستعادة «الدولة الراشدة»، كما كان الأمر فى عهد الخُلفاء الراشدين (632 - 661 ميلادية)، بعد صدمة سقوط الإمبراطوريات الإسلامية، وهى الدولة العثمانية (1400 - 1924م). ومع ازدياد شعبية فكرة حسن البنا فى بعث الخلافة، دخلت جماعة الإخوان المسلمين طورها الثانى، وهو العمل السياسى المُباشر ـ أى مُحاولة المُشاركة فى السُلطة (1938 - 1949) أو التأثير فيها. ولجأت فى ذلك إلى العُنف والاغتيالات السياسية. وكان أكثر هذه الأخيرة صخباً هو اغتيال الجماعة للمستشار أحمد الخازندار (1949)، لصدور أحكام قضائية مُشددة من الدائرة التى كان يرأسها ضد المتهمين بحوادث العُنف من الإخوان المسلمين، وكذا اغتيالهم رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، وهو محمود فهمى النقراشى باشا، وهو ما أدى إلى حل الجماعة ومُحاكمة عدد من نشطائهم وإيداعهم السجون، وهو ما يعتبره الإخوان فى أدبياتهم «المحنة الأولى» (1948 - 1952). ودارت الأيام، وقامت ثورة 1952 ضد الملك فاروق والنظام الملكى، بقيادة محمد نجيب وجمال عبدالناصر. وكانت مُقاطعة مع الإخوان، فأفرجت عن سُجنائهم، وأفسحت لهم الطريق ليكونوا شُركاء، لكن الإخوان كانوا يُريدون اختطاف ثورة يوليو لحسابهم. ولأن جمال عبدالناصر قاوم ذلك، فقد قرروا اغتياله عام 1954، ومع فشل المحاولة والقبض على الضالعين فيها ومحاكمتهم وإيداعهم السجون بالمئات، أطلق الإخوان على تلك الأحداث اصطلاح «المحنة الثانية»، ومرت السنون، ولم يتخل الإخوان عن محاولة اغتيال عبدالناصر، ولا عن محاولة الاستيلاء على السُلطة لتحقيق حلمهم، وهو إقامة دولة الخلافة. وكانت المُحاولة الثانية لاغتيال عبدالناصر فى عام 1965، وفشلت تلك المحاولة بدورها، وتم القبض على الضالعين فيها ومئات غيرهم من زُعماء الجماعة وكوادرها، وحُكم على عدد من زُعمائهم بالإعدام، منهم أحد أكبر مُفكريهم وهو سيد قُطب، صاحب كتاب «معالم فى الطريق» الذى أفتى بتكفير الدولة والمجتمع، وبضرورة الجهاد لتخليص المسلمين والبشرية منهم، وإقامة الدولة المؤمنة ـ الراشدة. ورغم أن سيد قطب كان أحد الذين قُبض عليهم وتمت محاكمتهم وإعدامهم عام 1966، فإن أفكاره حول جاهلية الدولة والمجتمع أصبحت دستوراً لكل الجماعات والحركات الجهادية المتشددة، خلال العقود الخمسة التالية. وأَخْذ الأجيال المُتتالية بهذه الأفكار القطبية وما يترتب عليها من الصِدام المُسَلَّح مع الدولة هو أحد أسباب الاحتقان الذى تشهده مصر هذه الأيام، والذى يعتبر المُعتصمون فى ميدان رابعة العدوية أحد تجلياته. كما تعتبر مُحاولة شباب المعتصمين الهجوم على مقر الحرس الجمهورى، فى مُحاولة البحث عن أحد زُعمائهم وهو د. محمد مرسى، رئيس الجمهورية السابق، وسقوط عشرات القتلى والجرحى، هى آخر تجليات هذا الفكر الإخوانى ـ القطبى المُتشدد، الذى يعتنقه هؤلاء الشباب. وصدق المُفكر الإسلامى الراحل جمال البنا فى مقولته: «إن الإخوان المسلمين مثل أسرة البوربون الملكية فى فرنسا، لا ينسون شيئاً، ولا يتعلمون شيئاً، فهم يُكررون نفس الأخطاء، ويدفعون نفس الثمن!» وها هم يمرون بما سيسمونه «المحنة الرابعة»، فمحاولة إسقاطهم الدولة المصرية الحديثة ستبوء قطعاً بالفشل، ففضلاً عن أن مؤسسة الدولة هى أقدم كيان فى وادى النيل، منذ وحّد الفرعون نارمر، (مينا)، الوجهين القبلى والبحرى، قبل ستة آلاف سنة، فإن آخر تجلياتها هو الدولة العصرية الحديثة التى أسسها محمد على باشا، (1805). وساهمت خمسة أجيال مصرية مُتتالية فى تكريسها، وفى بناء مجتمع حديث يتوازى معها ويحميها، داخل نفس الحدود، التى تقع بين السودان جنوباً والبحر المتوسط شمالاً، وبين البحر الأحمر وسيناء شرقاً، والصحراء الغربية وليبيا غرباً. أما الذى يُريده الإخوان فهو تقليص مصر هذه التى عرفناها إلى «إمارة» فى دولة الخِلافة المخلوفة، والتى تمتد فى خيالهم من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً، وهى مساحة تمتد عبر قارتين (آسيا وأفريقيا) وأربعة بحار (بحر العرب، والبحر الأحمر، والبحر الأسود، والبحر الأبيض) ومُحيطين (الهندى والأطلنطى)، وتشغلها ستون دولة، كل منها ذات سيادة، وهى جميعاً أعضاء فى الأمم المتحدة، وفى منظمات إقليمية أخرى ـ مثل الأسيان، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، والوحدة الأفريقية، والجامعة العربية. ولا نعتقد أن معظم هذه الدول ستقبل طواعية التخلى عن سيادتها، والذوبان فى كيان أكبر، وهو «دولة الخلافة» المزعومة! إن جماعة الإخوان المسلمين التى تتبنى هذا المُخطط الإمبراطورى تبحث عن «فردوس مفقود»، وهو دولة الخلافة الراشدة، التى لم يتجاوز عمرها أربعين عاماً، والتى نُسجت حولها الأساطير، من حيث العظمة والعدل والقوة. وينسى أو يتناسى من يُرددون أسطورة دولة الخلافة الراشدة أن ثلاثة من هؤلاء الخُلفاء ماتوا قتلاً أو اغتيالاً بأيدى مسلمين آخرين، لأسباب دنيوية، وهى الصِراع على السُلطة والثروة. وربما يذكر الذين درسوا «الفتنة الكُبرى»، أى الصِراع بين على بن أبى طالب، ابن عم الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، ومُعاوية بن أبى سُفيان، حينما أوشك أنصار «على» أن يهزموا أنصار «مُعاوية»، أن أحد أنصار هذا الأخير، (عمرو بن العاص)، لجأ إلى حيلة أوقف بها القتال، وهى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، واقتراح خلع كل من «على ومُعاوية»، درءاً لسفك دماء المسلمين، فلما فعل أنصار «على» ذلك وأوقفوا القتال، انقض عليهم أنصار «معاوية». لقد كان ما حدث فى تلك المعركة بين «على ومعاوية» هو أول استخدام للدين فى السياسة، أى استخدام المُقدس، (القرآن الكريم)، من أجل مكسب دنيوى. وها نحن نرى، ويرى العالم معنا، نفس المشهد فى ميدان رابعة العدوية، حيث يعتصم عدة آلاف من الإخوان المسلمين، ترويجاً وتأييداً للدكتور محمد مرسى، كرئيس للجمهورية، فما أشبه اليوم بالبارحة! وعلى الله قصد السبيل المصري اليوم |
|