رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الشاعرة والاديبة مي زيادة والمعلم برسوم المجبر
المعلم برسوم المجبر كان من مشاهير القبط فى علاج الكسور وكانت عائلتة تتوارث هذة المهنة من جيل بعد جيل فى السطور الاتية تذكر الاديبة مى زيادة حادث كسر يدها وعلاجها على يد برسوم المجبر وقد كتبتها فى جريدة المحروسة فى ٩ يناير ١٩١٦ بعد وفاة المعلم برسوم فقالت ... رحمة الله عليك يا برسوم منذ عامين ونصف تقريبًا وقعتُ وأصاب شمالي صدع في الساعد وكسر، فالتف حولي السيدات والفتيات شفيقات متأسفات، وقال بعضهن بصوت واحد: «أسرعي إلى برسوم!» قلت: «من هذا برسوم؟» أَجَبْنَ: «اسألي في أي أجزخانة تجدينها في طريقك عن برسوم المُجبِّر، فكل الناس يعرفونه.» عدت إلى البيت وانتظرنا المعلم برسوم ساعات لم يستطع في خلالها إهمال الزائرين عنده من كسيري العظام مثلي، وكان بعضهم آتيًا إليه من الأرياف، ها أنا أرى خياله الآن كما رأيته يومئذٍ وعلامات الغضب بادية على وجهه، ينظر إليَّ شزرًا كأني ألحقت به أذى وكأنه آتٍ ليناقشني الحساب، حيَّيتُه بكلمة طيبة ولا أذكر أنه ردَّ عليَّ السلام، بل أسرع إلى لمس يدي، ويا لها من لمسة دونها لمسة الموت هولًا! إذا كان جَبْرُ العظام موجعًا إلى هذا الحد، فكم من قلوب كسيرة لا يهتم في جبرها أحد! وكم من نفس ممزقة وليس من يد راحمة تضمِّد جراحها ولو بمثل تلك اللمسة القاسية! لم أخش أحدًا في حياتي كما كنت أخشاه، حتى كنت أسائل نفسي عما أستطيع أن أفعله لاستجلاب رضاه وإقلاعه عن إيلامي بتلك الضغطة الغضنفرية، ولمَّا يأتي اليوم الرهيب يوم مجيئه كنت أبكي سلفًا وأتمنَّى أن يغمى عليَّ سلفًا كي تفوتني مرارة تلك اللحظة؛ لحظة إرجاع العظم إلى موضعه حتى إذا ما اصطلحت يدي وكادت تعود إلى ما كانت عليه، أخذ وجه المعلم برسوم بإبداء البشاشة رويدًا رويدًا، وانتشرت رغبة الابتسام على ملامحه، وجاء يومٌ ابتسم فيه بسمة مستكملة الأوصاف، تبعتها بسمات وأحاديث شتى، فطفق يخبرني عن مهنته، وعن خصائص العظم وكيفية إصلاحه إلى غير ذلك من الحوادث العديدة التي مرَّت عليه، وسألته كيف عرف وجعي دون أن يفحص يدي، فأجاب أنه لطول الاختبار أصبح يكتفي بلمحة صغيرة للعضو المكسور ليعرف موضع الخلل فيه. كنت أُصغي إليه ولا أصدق أن (الدكتور) برسوم الذي يُغضِب ويوجع ولا يرد التحية هو هو الذي يحدثني بهذا اللُّطف وبتلك البسمة. رحمة الله عليك، يا مجبِّر يدي! كَثُرت الوجوه التي رأيتَها في حياتك، وكثرت العظام التي كنت لها مقوِّمًا، لكن الوجيع الذي رآك مرة لا ينساك، ولعل ذاكرتنا لا تحفظ صورة من الصور بمثل الأمانة التي تحفظ بها صورة مَن أوجعنا ليفدينا؛ ولذا أودُّ أن أقول عن موتك وفقدك شيئًا فيعصاني القول لأن صورتك حية أمامي، رحمك الله رحمة واسعة ..... ابرام ... |
|