11 - 07 - 2013, 02:15 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الصليب (موضوع متكامل)
إذن يجب أن تبقى أقوال الشاهدين فى موضع الشبهات حتى تتوفر لدينا شهادات متفقة يحق أن تؤخذ حجة على المتهم ، ولكن الأدلة التى عندنا تقودنا إلى اتجاة آخر غير هذا . فإن الذى قاله يسوع ، حسب رواية البشير يوحنا هو : " أنقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه " ويضيف الكاتب إلى هذا : ( وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده ) . إن عبارة " ثلاثة أيام " .... تكررت فى أكثر من حديث ، خذ مثلا الشواهد الثلاثة التى وردت فى بشارة مرقس الرسول : " وابتدأ يعلمهم أن ابن الأنسان ينبغى أن يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ، وبعد ثلاثة أيام يقوم " ( مر 8 : 31 ) . " لأنه كان يعلم تلاميذه ويقول لهم أن أبن الأنسان يسلم إلى أيدى الناس فيقتلونه ، وبعد أن يقتل يقوم فى اليوم الثالث " ( مر 9 : 31 ) . " ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الأنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة ، فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم ، فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه ، وفى اليوم الثالث يقوم " ( مر 10: 33 ) . إن السيد المسيح هنا يؤكد على حتمية قيامته من الموت بعد ثلاثة أيام ، هذا هو جوهر حديث السيد المسيح عن انتصاره على الموت ، أما عدد الأيام الثلاثة – التى اتخذها الشهود الحانقين المعاندين – وجعلوا منها تهمة ، فهى ليست القضية فى تخطيط السيد المسيح فى عملية الفداء التى كان يستعد لها . بقى أن نلقى نظرة على الظاهرة الغريبة الأخرى فى هذه المحاكمة ، فإن يسوع الناصرى قد حكم عليه بالموت ، لا بناء على أدلة المدعين عليه ، بل على اعتراف انتزع منه انتزاعا بعد أن استحلفه رئيس الكهنة . ويبدوا لنا جليا أنه بعد استماع أقوال الشهود ورفض شهادتهم ، اتخذت اجراءات القضية اوضاعا شاذة غير قانونية ، وموضع عدم المشروعية أن رئيس المحكمة حاول بتوجيه الأسئلة مباشرة إلى المتهم ، أن يتلمس الأسباب اللازمة للحكم عليه مما عجز عنه الشهود أنفسهم . وهذا يناقض تناقضا تاما حرفية القانون القضائى اليهودى وروحه ، وقد كان مرماه أن يحوط حياة المواطن اليهودى بكل أسباب الضمان . فإن إقامة الدعوى فى قضية عقوبتها الموت كانت موكولة بحسب الشريعة اليهودية إلى الشهود دون سواهم ، فكانت مهمتهم أن يلقوا القبض على المتهم ، وأن يجيئوا به إلى ساحة القضاء ، وكانت مهمة المحكمة أن تصون حقوق المتهم بكل الوسائل الممكنة ، وتبذل كل جهد فى تمحيص أقوال الشهود واصدار حكم عادل لا تحيز فيه على الأدلة التى يتقدمون بها . ونظرة واحدة إلى نص الرواية فى هذه القضية تدلنا على أن المتهم فيها لم يفز بهذه الحصانة القضائية . ويبدو هذا من لهجة الحنق والغيظ التى وجه بها رئيس الكهنة سؤاله إلى المتهم بعد أن تهدمت أقوال الشهود : " أما تجيب بشىء ؟ ماذا يشهد به هؤلاء عليك ؟ " ولعل الأعتراض لم يكن على هذا السؤال فى حد ذاته ، فقد كان من حق المسيح كمتهم أن يدلى بأى أقوال أو حقائق دفاعا عن نفسه . كان من اللائق أن يسأل إذا كان لديه شىء يعلق به على أقوال الشهود . أما الذى يسترعى أنظارنا فهو العداء المكشوف نحو المتهم ، وهو نذير بما سيجىء بعد هذا السؤال ، فإن رئيس الكهنة كشف عن نواياه ، وأزال كل المظاهر التى تلبس القضية شكلها القانونى الظاهر على الأقل . ذلك أن قيافا وهو واقف فى مكانه وسط المحكمة وجه إلى يسوع القسم الأعظم فى الدستور العبرانى : " أستحلفك بالله الحى " ( متى 26 : 63 ) ولم يكن بد أن يجيب يسوع وهو اليهودى التقى النقى المحافظ على الشريعة صونا لحرمة هذا القسم العظيم : وقد جاء بكتاب المشنة اليهودى : " إذا قال قائل : أستحلفك بالله القادر على كل شىء ، أو بالصباؤوت ، أو بالعظيم الرحيم ، الطويل الأناة ، الكثير الرحمة ، أو بأى لقب من الألقاب الإلهية ، فإنه كان لزامل على المسئول أن يجيب " . وكان السؤال الذى وجهه قيافا رئيس الكهنة إلى المسيح مباشرا صريحا ، مجردا عن المصطلحات العبرانية الخاصة : " أأنت المسيح ؟ أتدعى أنك أنت هو الآتى ؟ " ولم يكن المتهم بأقل صراحة من سائله ، وهذه هى النصوص الثلاثة لاجابته : " أنا هــــو " ( مرقس 14 : 62 ) . " أنت قلـــت " ( متى 26 : 64 ) . " أنتم تقولون إنى أنا هـــو " ( لوقا 22 : 70 ) . لقد نطق يسوع بإجابته فى شىء كثير من التصميم والحزم . ونرى قيافا قد سر بعد أن حصل من المتهم نفسه على هذا الإقرار الهائل الخطير . ويكاد المرء يسمع رنة الفوز والظفر فى صوته وهو يلتفت إلى الأحبار وشيوخ الشريعة قائلا : " ما حاجتنا بعد إلى شهود ؟ قد سمعتم التجاديف ! أبصروا أنتم " والقارىء اليقظ المتنبه لما يسمى بالحقائق الخفية الدفينة فى القصة ، يرى لذة ومتاعا فى تطور القضية هذا التطور الفجائى وبلوغها هذه الذروة المفجعة . المعروف أن جماعة الصدوقيين الأقوياء الذين ينتمى إليهم رئيس الكهنة كانوا قد وطنوا العزم على إبعاد يسوع من طريقهم . ولا تتحقق أغراضهم هذه إلا بعقوبة الموت . ومن الغريب أنه مع هذا التصميم ، لم يسعهم الأكتفاء بقضية ثبت فيها التجديف أو الشعوذة ، لأن قيافا كان عليه أن يبتعد بنظره الثاقب إلى آخرين من غير طائفته ، إلى جماعة المعارضين فى مجلس السنهدريم ، وإلى أحكام الشريعة الموسوية ، وإلى ذلك الحاجز المنيع الذى أقامته روما من قوتها وتسامحها . ولم يكن أحد أكثر من قيافا يعرف النتائج السياسية والشخصية التى تترتب على مجىء المسيا الذى ترقبته الأمة اليهودية . فإن هذا معناه ظهور نوع من الملكية يكون مقامها فى أورشليم والمقادس الأخرى . ومعناه أيضا تحدى السلطات الرومانية فى كل البلاد ، وثورة الشعب عن بكرة أبيه ، وقيلم حملة تأديبية مريعة على يد قائد رومانى أشبه بتلك الحملة المريعة التى حدثت بعد هذا التاريخ بأربعين عاما ودمرت المدينة تدميرا . وقد كان قيافا رئيس الكهنة سياسيا أريبا وداهية ماكرا حين قال لقومه : " خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها " ( يو 11 : 50 ) . |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
موضوع متكامل عن الصليب |
موضوع متكامل عن الصليب المقدس |
الصليب (موضوع متكامل) |
موضوع متكامل عن الصليب |
الصليب (موضوع متكامل) |