رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ناحوم والمدينة المعاقبة لعل من أعجب ما ذكر زينفون ، أن نينوى سقطت بسبب فيضان نهر دجلة ، الفيضان الذى حطم أبواب الخزان فغرقت المدينة فى المياه ، ومكنت المهاجمين من اقتحامها ، ودك حصونها ، ... وهل هذا إلا ما ذكره ناحوم بالضبط فى نبوته عنها : « أبواب الأنهار انفتحت والقصر قد ذاب .. ونينوى كبركة ماء منذ كانت ولكنهم الآن هاربون » " نا 2 : 6 - 8 ". وقد يقول الناس إنها الطبيعة ، أو قد يقولون إنها قوة الكلدانيين الذين أخذوا طريقهم إلى الظهور ليكتسحوا الممالك ، لكننا نعلم على الدوام أن الأمم تقوم وتسقط لا لأسباب سياسية أو إقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية ، بل قبل وبعد هذه كلها ، لأن اللّه حكم بالقيام أو السقوط ... قبل مائة عام من تاريخ هذه النبوة ، أو مائة وخمسين عاماً قبل سقوط المدينة ، جاءها يونان ونادى عليها بالسقوط والانقلاب ، وتابت المدينة ، ونامت فى التراب والرماد ونجت ، وكتب لها فى جوده وحبه كتاب الحياة والنجاة ، ... لكن الإنسان الذى لا يقرع صدره توبة ، سيقرع صدره فزعاً ورعباً وندماً ، وهذا ما حدث لنينوى فى المرة الثانية إذ تنبأ النبى عن ملكتها الجميلة باسمها « هصب » قائلا : « وهصب قد انكشفت . اطلعت . وجواريها تئن كصوت الحمام ضاربات على صدورهن » ... " نا 2 : 7 " « فراغ وخلاء وخراب وقلب ذائب وارتخاء ركب ووجع فى كل حقو وأوجه جميعهم تجمع حمرة » " نا 2 : 10 ". وإنها لمأساة الإنسان الذى ينسى العبرة ويهمل التاريخ ، ويظن أن الفرصة التى أتيحت له للتوبة تتحول رخصة مستمرة للتهاون أو فعل الشر ، ... لقد عادت نينوى إلى شهواتها ومسراتها وزناها : « من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أمما بزناها وقبائل بسحرها » " نا 3 : 4 ". .. وكل واحد فى التاريخ يمكنه أن يقول لأعظم دول العالم ، وأجمل مدنها ما قاله ناحوم ، عن الخراب لابد أن يلحقها ، ولا يمكن أن تفلت منه ، لا بفيضان نهر أو قنبلة قد تكون ذرية أو هيدروجينية ، بل بفيضان غضب اللّه القدوس ضد الخطية !! .. إن الاستباحة والترف والمجون ، وعبادة الجسد ، هى السوس الذى ينخر فى عظام الأمة ، ويقوضها فجأة ودون سابق إنذار ، لأن « البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية » ، .. " أم 14 : 34 " .. كما أن نينوى سقطت لسبب آخر إذ كانت مدينة الدماء : « ويل لمدينة الدماء .. كلها ملآنة كذباً وخطفاً .لا يزول الافتراس » .. " نا 3 : 1 " كانت المدينة تبحث عن المال ، ولا تريد أن تضع حدوداً لنهبها وعندما دخلها الغزاة وجدوا أمامهم مالا يتصوره عقل من الفضة والذهب والتحف : « انهبوا فضة انهبوا ذهباً فلا نهاية للتحف للكثرة من كل متاع شهى» " نا 2 : 9 " .. والأمم التى تشغل بالمال على هذا الوضع ، سيأتيها الضياع من الخارج والداخل على حد سواء ، مهما علت وارتفعت وعظم شأنها ، لأن محبة المال أصل لكل الشرور ، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة !! .. وهل لا يقف المال وراء الاستعمار والمجازر والحروب وصراعات الأمم والبيوت والأفراد ، وهل تعاقب الدول فى كل العصور لتسقط كل واحدة الأخرى ، وتجعلها تدور فى فلكها حتى يأتى من يسقطها بدوره والحلقة دائبة الدوران ، ... هل هذه كله إلا بسبب المال وما ترك فى البشر من شراهة وطمع وتآمر وقتل !! ؟ … ومع أن هذا هو الظاهر ، لكن الحقيقة أنه عقاب اللّه للظلم والكذب والخطف والافتراس، قال أحدهم ، وهو يعلق على الحرب العالمية الثانية : « إنى لا أؤمن بوجود اللّه الذى يسمح بالخراب والدمار على هذه الصورة المفزعة » … ورد عليه آخر : أنا أؤمن بوجود اللّه لهذا السبب عينه ، لأنه كيف يترك اللّه فجور العالم دون حساب أو عقاب ؟ !! .. |
|