وَنحنُ فِى فترة صوم الرُسُل المُقدّسة يحلو لنا نتأمّل فِى كنيسة آبائِنا الرُسُل ، أو ندرِس العصر الرسولِى ، أىّ عصر رُسُل المسيح ، عصر يمتد مِنْ يوم حلول الرّوح القُدس ، يوم الخمسين إِلَى نياحِة أخِر الرُسُل وَهُوَ القديس يوحنا الرسولِى الّذى أبقاه الله للرؤيا فِى عام 100م أىّ أنّ عصر الرُسُل حوالِى 60 – 70 سنة ، وَكان هذا العصر قوّة إِنطلاق المسيحيّة ، حتّى أنّهُ بعد إِسبوع واحِد مِنْ حلول الرّوح القُدس آمن 5000 نَفْسَ ، فما بال بعد حوالِى 70 سنة ، كم يكون عدد المؤمنين ؟! إِلَى أقصى المسكونة بلغت أقوالهُم هذا العصر هُوَ نواة الكنيسة وَمنهج المسيحيّة كُلّها ، وَالكنائِس التّى كرز لها الرُسُل تُسمّى كنائِس رسوليّة ، نحنُ جاء لنا مارِمرقُص أىّ نحنُ كنيسة رسوليّة ، لِذلِك لابُد أنْ نقيس أنفُسنا على كنيسة الرُسُل ، هل نحنُ نحيا بِفِكر الرُسُل أم بِفِكر آخر ؟ هل لنا فِكر مارِمرقُص الكارِز لنا أم لاَ ؟ لِذلِك لابُد أنْ ندرِس كنيسة الرُسُل ، هذِهِ الفترة الذهبيّة مُستودع خيّرات الكنيسة ، فِترة إِنطلقِت فِيها الكنيسة بِقوّة جبّارة ، فقدّست العالم كُلّه كالخميرة الصغيرة التّى تُخمِّر العجين كُلّه ، هكذا كانت المسيحيّة عظمِة المسيحيّة ليس فِى إِنتشارِها بالعدد [وَكان الرّبّ كُلّ يومٍ يضُم إِلَى الكنيسة الّذين يخلُصون ] ( أع 2 : 47 ) ، بل عظمِة المسيحيّة فِى تقديس الحياة الداخِليّة ، قَدْ أستطيع أنْ أجعل إِنسان يعتنِق أىّ إِيمان بإِغراء المال أو بِقوّة مُعيّنة ، لكِن المسيحيّة قدّست الحياة الداخِليّة ، وَأعطت صورة للخليقة الجديدة التّى كانت ساقِطة مِنْ قبل الحياة المسيحيّة تُسمّى ( فلسفِة الحقائِق ) ، كيف تعرِف أنّ إِنسان قَدْ تغيّر ؟ مِنْ مواقِفه ، فِى المسيحيّة ظهر التغيير بأنّهُم كانوا يبيعون مُمتلكاتهُم ، فهل سهل على إِنسان يهودِى معروف بالبُخل أنْ يبيع مُمتلكاته وَيضعها عِند أقدام الرُسُل هذا تقديس الرّوح للطاعة ، فصاروا تحت سُلطان الإِنجيل ، حتّى أنّهُم أصبحوا لاَ يملُكون أنَفْسَهُمْ ، وَأصبحوا نور للعالم وَملح للأرض ، [إِذ لنا سحابة مِنَ الشُّهودِ مِقدارُ هذِهِ مُحيطةٌ بِنا لِنطرح كُلَّ ثِقلٍ وَالخطيّة المُحيطة بِنا بِسُهُولةٍ ] ( عب 12 : 1 ) ، ليس سحابِة شُهود عهد قديم مِثل يفتاح وَجدعون و فقط ، بل أصبح لنا سحابِة شُهود عهد جديد المسيحيّة أظهرت أنّ التوبة حياة تُعاش ، لِذلِك لابُد أنْ ندرِس بعض صِفاتهُم لِكى نحيا بِفكرُهُمْ ، صِفاتهُم عديدة وَجميلة مُفرِحة ، كنيسة صوم ، كنيسة قويّة ، كنيسة كِرازة وَشرِكة وَحُب وَعطاء وَخِدمة وَعجائِب ، كنيسة لاَ تُبالِى بالحياة الزمنيّة الّذى يبعُد عَنَ منهج كنيسة الرُسُل كأنّه يقول للرُسُل لكم إِنجيلكُم وَلىّ إِنجيلِى ، الكنيسة تتخِذ كلِمة إِنجيل ، أىّ منهج كرازِى ، مارِمرقُص لهُ إِنجيل لكِن إِنجيله الأساسِى هُوَ كِرازته لنا المسيحيّة إِنتشرت بِطريقة هادِئة وَقويّة وَمؤّثِرة ، كالخميرة التّى تعمل فِى هدوء وَصمت لاَ يدرِى أحد بِها ، لكِنّها قويّة وَ لاَ يوجد سُلطان يوقِف مفعولها ، حتّى أنّ اليهود إِحتاروا فِى التلاميذ لاَ يمنعهُمْ عَنَ الكِرازة لاَ سِجن وَ لاَ ضرب وَ لاَ إِهانة ، حتّى جاء غمّالائيل أحد كِبار مُعلِّمِى اليهود الّذى أشار مشورة عليهُم ، وَهى إِنْ كان هؤلاء التلاميذ مِنَ الله فلن يستطيع أحد أنْ يمنعهُم ، وَ لاَ تأخُذوا دينونة بِسببهُم ، وَإِنْ لَمْ يكونوا مِنَ الله فسينتهوا سريعاً كالّذين قبلهُم ، وَقال لهُم كلِمة جميلة [لئلاّ تُوجدوا مُحارِبين لله أيضاً ] ( أع 5 : 39 ) ، فتركهُم اليهود وَهُم غير مُقتنِعين ، وَلكِن الله ظلّ يحرُس كلِمته لِتجذِب النِفوس مِنْ كُلّ بُقعة فِى العالم المسيحيّة أثبتت أنّها مُعجِزة ، وَأنّها عمل يفوق الطبيعة ، وَأنّها قادِرة على تغيير الوثنِى وَالأُممِى وَاليهودِى وَالخاطىء إِلَى قديس كما كان يُناديهُم مُعلِّمِنا بولس الرسول[إِلَى القديسين الّذين فِى أفسُس] ( أف 1 : 1 ) لابُد أنْ تتحّول حياة كُلّ مسيحِى إِلَى قداسة كالعجين إِمّا يكون مُختمِر أو غير مُختمِر ، المسيحيّة غلبِت فِكر اليهود وَإِلحاد الأُممْ ، لَمْ تنتشِر بِقوّة المال أو السِلاح وَ لاَ قوّة كلام وَمنطِق ، بل بِقوّة الرّوح ، مُعلِّمنا بُطرُس الرسول قال للمُقعد[ فقال بُطرُسُ ليس لِى فِضَّةٌ وَ لاَ ذهبٌ وَلكِن الّذى لِى فإِيَّاهُ أُعطيِكَ] ( أع 3 : 6 ) ، هذِهِ هى كنيسة الرُسُل التّى إِذا بعدنا عنها نفقِد الطريق
الوسط الذى كانت فيه حياة الرسل:-
لِكى أكرِز لابُد أنْ أفهم طبيعة الّذين حولِى ، كان فِى أيّام الرُسُل ثلاث فِئات :-
1- اليهود:-
أثناء كِرازة الرُسُل لهُم كانوا رافِضين تماماً دعوة الرُسُل لأنّهُم صلبوا سيّدهُم ، لِذلِك قاوموا الرُسُل بِشراسة ، وَأرادوا أنْ ينهوا المسيحيّة تماماً ، فِى مُجتمعنا الحالِى يعتقِدون أنّ اليهودِى وَالمسيحِى فِى صُلح ، أبداًاليهودِى أكثر شراسة مَعَ المسيحِى ، فلنتخيّل يهودِى يسمع رسول يكرِز
مِنْ الناحية السياسيّة كانت حالِة اليهود سياسيّاً ضعيفة ، فقبل الميلاد بِحوالِى 60 عام دخل قائِد رومانِى أُورُشليم وَإِحتلّها ، وَأصبح اليهود تحت سيطرِة حُكم الرومان سياسيّاً ، لِذلِك كان اليهود مُنتظرين المسيّا الّذى يُخلّصهُمْ ، وَلكِنّهُمْ لَمْ يجِدوا المسيح شخصيّة سياسيّة رغم أنّهُم إِلتفّوا حوله وَحول مُعجِزاته ، لكنّه خزاهُم بِصلبِهِ ، وَأصبح فِى نظرهُم باطِل أيضاً إِنتشر فِى اليهوديّة الفقر وَالإِحتياج الشديد لأنّ الرومان فرضوا عليهُم ضرائِب شديدة ، حتّى أنّ المسيح فِى أمثالِهِ ركّز على فقرِهِم لأنّهُم كانوا ليس لديهُم سِوى القوت اليومِى فقط ، فقال لهُم مثل الفَعَلَة البطّالين لأنّهُ لو كانوا ذوِى أموال ما كانوا ينتظِرون حتّى الساعة الحادية عشر لعلّ أحد يطلُبهُمْ ، أيضاً فِى مثل الغنِى وَلِعازر الشديد العوز ، أيضاً كان فِى اليهود طبقات إِمّا غنِى جِدّاً أو فقير جِدّاً حياة المسيح وَالرُسُل جعلت اليهود ينشطون فِى حركات كرازيّة يهوديّة ، لِذلِك قال لهُم المسيح [ ويل لكُم الكتبة وَالفرّيسيُّون المُرأُون لأنَّكُمْ تطُوفُون البحر وَالبرّ لِتكسبوا دخيلاً واحِداً] ( مت 23 : 15 ) ، كانت حركاتهُم الكِرازيّة مُقاوِمة لِكرازة المسيح ، وَهذا يُظهِر مدى شراستهُم ضد المسيحيّة ، حتّى أنّهُ قيل عنهُم أثناء رجم إِستفانوس[ فلّما سمِعوا هذا حنِقوا بِقُلُوبِهِمْ وَصرُّوا بأسنانهُمْ عليهِ ] ( أع 7 : 54 ) هُم يفتخِرون أنّهُ لاَ يوجد شعب فِى العالم خالِى مِنهُم ، وَهُم بالفِعل مُنتشرين فِى العالم ، وَإِنْ كانوا أقلّيات لكِن لهُم قوة واضِحة ، فِى فِترِة الكِرازة كانوا تحت سُلطان الدولة الرومانيّة ، إِلاّ أنّهُم بِقوّتهُم أعطوا الرومان سُلطان ضد المسيحيّة وَهُمْ الّذين طلبوا مِنْ بيلاطُس صلب المسيح ، وَهُمْ الّذين أعطوا لِشاوُل ( بولس ) تصريح مِنَ الرومان لِيضطهِد المسيحيين ، لأنّهُ كان لهُم ثِقل سياسِى
2- الوثنيين:-
هُمْ ناس فِى قمّة الخلاعة وَالدنس ، وَإِلهُهُم هُوَ قوّتهُم ، كانت آلِهة الرومان هى الحرب وَالإِنتصار وَالمادّة ، وَإِذا تحدّثت معهُم على العِبادة يعتبِرونها ضعف ، عاشوا وَكأنّ القداسة ضد الإِنسان ، وَالإِنسان مخلوق للدنس ، وَعادوا أىّ ديانة ، وَإِلتمِسوا أمنهُم مِنَ قوّتهُم وَإِنتشارهُم ، وَقالوا أنّ الدين هُوَ الخطيّة وَهُوَ الّذى يتعِب الضمير ، وَهذِهِ فلسفة بدأت تعود فِى الغرب وَهى أنّ الإِنسان يحيا كما يشاء ، وَأنّ الدين لون مِنْ ألوان الذُل وَالضعف لِذلِك عِندما يأتِى رسول يقول لهُم توبوا ، يُجيبوه بأنّ كُلّ الخطايا أُمور طبيعيّة لهُم ، لِذلِك قاوموا كُلّ دين وَخاصّةً المسيحيّة لأنّ بِها أُمور سامية جِدّاً تتعِب ضمائِرهُم ، لِذلِك أخذوا موقِف مِنْ المسيحيّة وَعاشوا حسب فِكرهُم بِلاَ إِله ، وَبِلاَ ناموس ، وَعبدوا الأصنام ، حتّى أنّ الزِنا كان أحد مراسيم العِبادة عِندهُمْ ، لِكى يعبُدوا إِلهُهمْ يُكرِموهُ بالزِنا ، عدو الخير يجول وَيسبِى عُقول النّاس ، لِذلِك قال مُعلِّمِنا بولس الرسول لأهل رومية[ وَأبدلوا مجد الله الّذى لاَ يفنى بِشِبهِ صُورة الإِنسان الّذى يفنى وَالطُّيُورِ وَالدَّوابِّ وَالزَّحَّافاتِ ] ( رو 1 : 23 )
3- خائفى الله:-
هؤلاء هُم نواة الكنيسة ، أول ناس قبِلوا الإِيمان ، الّذى يعيش هذِهِ المُجتمعات مِثل الوثنيّة بِكُلّ فسادها لكِن لهُ ضمير لاَ يقبل الدنس يرفُضها ، وَبدأوا يميلون لليهوديّة ، وَساعدهُم على ذلِك الترجمة السبعينيّة للناموس لِلُغة اليونانيّة ، وَشعروا أنّ اليهوديّة أرقى مِنَ الوثنيّة ، لكِن بِدراستهُم لليهوديّة شعروا بالحرفيّة ، فكانوا يدخُلون المجامِع اليهوديّة كموعوظين وَالآباء الرُسُل وَالمسيح إِتخذوا منابِر المجامِع اليهوديّة لِكرازِة المسيحيّة ، وَهذِهِ هى قوّة الكِرازة ، أول الفِئات التّى قبلت الإِيمان هُمْ خائِفِى الله ، أيضاً قبلهُم اليهود المُتعقّلين وَهؤلاء كانوا أقلّيّة وَإِنْ كانوا بالضغط عليهُم تراجعوا أمّا خائِفِى الله فقد عاشوا على الهامِش وَيذهبون للمجامِع ، فنجِد فِى سِفر الأعمال إِصحاح 13 نجِد الأُمم فِى المجمع يطلُبون مِنَ الرُسُل أنْ يُكلِّموهُمْ بِهذا الكلام فِى السبت القادِم ، أىّ دعوهُم لِيعِظوا فِى المجامِع اليهوديّة مِنْ ضِمن خائِفِى الله لِيديا بائِعة الأُرجوان فِى فيلِّبِى ، قيل عنها أنّها كانت تسمع مُتعبِّدة لله ، أيضاً كيرنيليوس قائِد المِئة الّذى مِنَ أجلِهِ كلّم الله بُطرُس الرسول أنْ يكرِز لهُ ، بينما بُطرُس خائِف أنْ يكرِز للأُمم ، لكِن الكِتاب كتب عَنَ كيرنيليوس أنّهُ كان خائِف الله مُتعبِّد لهُ ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين
القس انطونيوس فهمى