لم تكن الصداقة التي تربط موسى بالله مجرد صداقة عادية، بل كانت، من ذلك النوع المباشر العميق، وتختلف كل الاختلاف عن صداقة الشعب بأكمله،.. فإذا درج الشعب على الاقتراب إلى الله في خيمة الاجتماع، كان جميع الشعب إذا خرج موسى إلى الخيمة يقومون ويقفون كل واحد في باب خيمته وينظرون وراء موسى حتى يدخل الخيمة، وكان عمود السحاب إذا دخل موسى الخيمة ينزل ويقف عند باب الخيمة، ويتكلم الرب مع موسى، فيرى جميع الشعب عمود السحاب واقفاً عند باب الخيمة، ويقوم كل الشعب ويسجدون، كل واحد في باب خيمته، ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه، وإذا رجع موسى إلى المحلة كان خادمه يشوع بن نون الغلام لا يبرح من داخل الخيمة!!.. فإذا تطاول هرون ومريم على موسى وإذا زعما أنهما ليسا أقل منه بحال من الأحوال، كان جواب الله على هذا الموقف: "اسمعا كلامي. إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه، وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي، فماً إلى فم، وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يعاين".. أجل وهذه الصداقة التي شربت عميقاً من نبع الله تنتهي بنا عبر القرون إلى الصورة المماثلة بين التلاميذ، حيث أحبهم يسوع المسيح إلى المنتهى، وفي الوقت عينه قرب ثلاثة من بينهم، ومن الثلاثة انفرد واحد باللقب العظيم: "التلميذ الذي كان يسوع يحبه"..
أجل إن مجال الصداقة -أو بالحري- سباق الصداقة مفتوح أمام الجميع، ترى من يكون موسى العهد القديم، أو يوحنا العهد الجديد في مثل هذا الامتياز الرائع فيمن تأتي بهم العصور اللاحقة عن أحباء الله وأصدقائه؟!!