رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عزرا " عزرا هذا صعد من بابل وهو كاتب ماهر فى شريعة موسى " " عز 7 : 6 " مقدمة ربما كان عزرا ، صاحب المنبر الخشبى، هو أول واعظ فى كل التاريخ ، بالمعنى المألوف المعروف الذى نراه الآن فى التفسير والتعليم والوعظ بين الناس !! ... وقد سبقه - ولا شك - الكثرون من القادة والأنبياء والملوك الذين تحدثوا بكلمة اللّه إلى الناس بكل حماس وقوة وحمية ، فى الحض والزجر والوعظ ، ... غير أن عزرا يكان يكون الأول من نوعه ، الذى صنع منبراً خشبياً ، وجمع الناس حوله ليعظهم ويشرح لهم كلمة اللّه ، على النحو المألوف الآن عند جميع الوعاظ فى كل مكان ، ... وحق للبعض أن يدعوه لذلك أبا الوعاظ وأمراء المنابر فى كل التاريخ !! ... ومن المهم أن تعلم أن عزرا الكاهن كان أول « كاتب » فى شريعة موسى ، بالمعنى الذى عرف به نظام « الكتبة » المشهور فيما بعد !! ... أى أن الرجل الذي لا ينسخ الشريعة فحسب، بل يعلمها ويشرحها للناس ، ... كانت كلمة « الكاتب » قبل عزرا ، تقصر على الناسخ الذى ينسخ الكلمة ، كباروخ الذى كتب لإرميا ، ... لكن عزرا الكاتب أعطى الكلمة مفهوماً أعمق وأقوى ... فهو الناسخ والشارح الذى يتعمق فى فهمها والوعظ بها للناس، وقصته جديرة بأن تروى للمؤمنين عامة ، وللواعظ على وجه الخصوص . ولعلناً نلاحظه بعد ذلك فيما يلى : عزرا من هو !!؟ عندما سقطت بابل العظيمة أمام جحافل الفرس عام 538 ق.م . واعتلى كورش الفارسى عرش الإمبراطورية العظيمة ، كان من أول أعماله أن سمح للمسبيين من اليهود الذين سباهم نبوخذ ناصر أن يرجعوا إلى بلادهم كما سبقت الإشارة فى دراسة شخصية زربابل ، وقد تمكنوا بعد متاعب كثيرة من بناء الهيكل وتدشينه ، وإقامة العبادة فيه حوالى عام 516 ق.م. ، وأعقب ذلك فترة تبدلت فيها الأحوال ، واختلط الراجعون من السبى بالوثنيين وتزاوجوا معهم ، وضعفت عزيمتهم وروحهم المعنوية والدينية ، وباتوا فى أمس حاجة إلى مصلح وهاد وواعظ ، وقد تحقق لهم ذلك فى شخص عزرا الكاهن الكاتب ، الذى أعطاه ارتحشستا الملك عام 458 ق.م. الأمر بالذهاب إلى أورشليم ، هو ومن يريد أن يذهب معه من الباقين من السبى فى بابل ، وأعطاهم الملك أموالا وقرابين وذبائح تقدم لبيت اللّه . وقد وصل عزرا ومعه حوالى 1700 رجل إلى أورشليم بعد خمسة شهور ، وهناك قام بإصلاحه العظيم ، وانقضى على ذهابه ثلاثة عشر عاماً ، لاندرى هل عاد بعدها إلى بابل أم بقى فى أورشليم ؟ ، وكل الذى نعلم أنه ظهر بعد هذه الفترة إلى جانب نحميا الوالى ، وظهر ليكون معلم الأمة وواعظها ، والأمير الأول من أمراء المنابر فى التاريخ . ولعله من المناسب أن نذكر أن هذا الرجل كان من سبط لاوى ، وقد دون فى سفره نسبه حتى هرون الرأس . وكان حلقياً الكاهن ، جده القريب ، هو الذى اكتشف سفر الشريعة : فى بيت الرب ، ولعل أحداً قص على عزرا الذى ولد فى السبى ، ماذا فعل يوشيا يوم قرىء السفر أمامه ، وكيف مزق ثيابه ، واتضع أمام الرب ، وقام باصلاحه العظيم ، ... وعلى أية حال ، فإن عزرا اكتشف هو بنفسه هذا السفر عندما قيل عنه : « هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها » " عز 7 : 10 " ... ومن المحقق أن عزرا عاش فى بابل وأرشليم ، متعظاً بكلمة اللّه ، عميق التأمل فيها ، يحفظها ويعمل بها قبل أن يطلب من الآخرين العمل بها !! .. وإذا كان من الواضح أن الرجل فوق منبره الخشبى ، هو أول الوعاظ وأبوهم بالمعنى المفهوم حديثاِ ، فقد حمل دون شك فى أعماقه خصائص الواعظ الناجح ، وهذا الواعظ - كما يتعلم الطلاب فى كليات اللاهوت فى علم الوعظ - لا يمكن فصله عن العظة ... لأن العظة عند فيلبس بروكس : « أن يقوم إنسان بتوصيل الحق إلى إنسان آخر » ... والوعظ بهذا المعنى يشتمل على أمرين : الحق والشخصية ، والفرق بين عظة وعظة ، أو واعظ وواعظ - هو الفرق فى توافر هذين العنصرين أو غيابهما ، أو نقص أحدهما أو اهتزازه أمام السامعين ، ... ويقول الدكتور جارفى مؤيداً هذا الاتجاه : « إن الوعظ ليس مجرد توصيل معلومات أو معارف ، ذلك لأن الوعظ يستغرق شخصية الواعظ كلها ، ومن ثم فهو يخاطب شخصية المستمع كلها باعتباره موضوعاً أدبياً أو دينياً ، وطالما أن الحق الذى ينادى به ويدعو إليه الوعظ هو أمر يتعلق باللّه والحرية والخلود ، كذلك فإن غايته وغرضه هو حفز الإيمان والدعوة إلى النهوض بالواجب وإبقاء جذوة الأمل والرجاء متقدة لا تخبو » ... ومن المستحيل الوصول إلى ذلك دون التطلع إلى وجه الواعظ ، ومحاولة النظر والتأكد ، من أنه يعنى ما يقول ، أن أقواله تنبع من وجدانه العميق ... ويتفق المختصون بعلم الوعظ على أن من أهم سمات الواعظ أموراً أربعة توفرت بالتمام فى عزرا الواعظ ، والكاتب الماهر فى شريعة السماء !! .. ولعل أولها : التقوى !! .. كان عزرا عميق الشركة مع اللّه ، وتستطيع أن تبين ذلك ، من أنه عاش فى بابل ينهل من الكلمة الإلهية ، ويحرص على دراستها وتطبيقها فى حياته . والواعظ الناجح هو المستفيد الأول من العظة ، ... وقد كانت تقواه بارزة فى أكثر من إتجاه ، فهو من أعمق الناس إحساساً بالخطية ، ويكفى أن تراه وقد اكتشف فى أورشليم اختلاط الشعب وتزاوجهم مع غيرهم من الشعوب ، وقد هاله هذا وأفزعه إلى أبعد الحدود : « فلما سمعت بهذا الأمر مزقت ثيابى وردائى ونتفت شعر رأسى وذقنى وجلست متحيراً ، فاجتمع إلى كل من ارتعد من كلام إله إسرائيل من أجل خيانة المسبيين ، وأنا جلست متحيراً إلى تقدمة المساء . وعند تقدمة المساء قمت من تذللى وفى ثيابى وردائى الممزقة جثوت على ركبتى وبسطت يدى إلى الرب إلهى . وقلت : اللهم إنى أخجل وأخزى من أن أرفع يا إلهى وجهى نحوك ، لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا ، وآثامنا تعاظمت إلى السماء . منذ أيام آبائنا نحن فى إثم عظيم إلى هذا اليوم ، ولأجل ذنوبنا قد دفعنا نحن وملوكنا وكهنتنا ليد ملوك الأرض للسيف والسبى والنهب وخزى الوجوه كهذا اليوم . والآن كلحيظة كانت رأفة من لدن الرب ليبقى لنا نجاه ويعطينا وتدا فى مكان قدسه لينير إلهنا أعيننا ويعطينا حياة قليلة فى عبوديتنا » " عز 9 : 3 - 8 " وإذا كان اليهود اللذين حوله لا يرون هذه الرؤية أو يحسون هذا الإحساس ، فإن مرجع الأمر هو أنه أعمق حساً وأكثر إدراكاً للذنب والخطية ، ... ومع أنه هو شخصياً كان بعيداً عن هذا الإثم ، إلا أنه كان عميق التقوى ، يحس أن خطايا شعبه هى خطاياه ، وآثامهم هى آثامه ، ... وبعدهم عن اللّه ، كأنما يشارك فيه على النحو المفزع القاسى البعيد !! ... وكان الرجل ، إلى جانب هذا ، تقياً فى يقينه بإلهه واعتماده عليه ، ... كانت كلمته المفضلة أو التى هى شعار حياته ، يد اللّه الصالحة علينا ، " عز 7 : 9 ، 8 : 18 " وقد تكررت مرات فى اختباراته الشخصية وعندما سمح له الملك بالذهاب إلى أورشليم على رأس القافلة التى أشرنا إليها ، وزوده بالتبرعات السخية ، رأى فى ذلك يد اللّه معه ، وقد حمل معه تقدمات تقدر بعملتنا الحالية بحوالى مليون ونصف مليون جنيه ، ومثل هذه الثروة تغرى اللصوص ، وقطاع الطرق ، فى رحلة تستغرق خمسة أشهر ، وقد أبى عزرا أن يستعين بقوة حارسة أو يطلب من الملك جيشاً وفرساناً لنجدتهم ، لأنه كان قد سبق فأخبر الملك : « إن يد إلهنا على كل طالبيه للخير . وصولته وغضبه على كل من يتركه » " عز 8 : 22 " فصاموا وصلوا وساروا فى طريقهم مشمولين بالحراسة والرعاية الإلهية حتى وصلوا إلى أورشليم !! ... إن التقوى فى الواعظ هى إحدىِ خصائص النفس الروحية ، وهى الحماس الأخلاقى البعيد الجذور الذي ينعكس على الاختبار الدائم فى علاقة الواعظ باللّه ، وهى علاقة شركة وصداقة ورفقة طيبه يصبح الإنسان بمقتضاها خليلاً للّه ، وهى - فى لغة أخرى - تكريس مهيب للّه ، .. وهى ليست جامدة ساكنه ، بل هى نشطة متحركة تمضى قدماً ، متألقة مزدهية بالحق ومجد وفضائل النعمة المسيحية وبركاتها ... وهى ليست شيئاً ينتمى إلى عالم آخر ، بمعنى العزوف المتكبر والأنطواء المترفع عن حاجيات الناس ومصالحهم ، بل هى تختلط بهم وتعاشرهم وتعاملهم ، تندمج فى الحياة مزودة بل مسلحة بالفضائل المسيحية ، وهى ليست ضعيفة خائرة ، بل هى بطلة قوية ، وبطولتها متركزة فى إنتصار الروح الرائع على الجسد ، وهى الحقيقة الروحية التى لا تتقبل أى تهادن أو تهاون مع الزيف أو الكذب أو الخداع أو التظاهر أو النفاق ، وهى فى الواقعية الروحية تعترف بوجود أعداء الحياة فى جوانبها الخلقية والروحية ، ومن ثم تتحداهم ، وليس من المبالغة فى شئ أن نذكر أن هذه السمة من سمات الروح هى المطلب الأول فى حياة الواعظ ، والضمان لتأثيره وأثره إذ أنها تلهب الواعظ نفسه بالغيرة المتقدة بالحماس النارى ، وهى التى تبقى الشعلة حية متوهجة وسط كل اللامبالاة الجليدية ، التى ما أكثر ما يجد الواعظ نفسها وهو بجابهها .. إن هذه التقوى هى التى تظفر للواعظ بتقدير موعوظيه وعطفهم ونواياهم الطيبة ، بل إن أكثر الناس شراً بينهم ، سوف لا يتمالكون أنفسهم من أن يشعروا أن ذلك الحماس الصادق من جانبه ، أمر خليق باحترامهم ، وجدير بكل أنحناء وتقدير .. ولقد وعد اللّه مثل هذا الواعظ الصادق والأمين بأن يبارك جهوده وأتعابه !! .. ولا حاجة إلى القول إن التقوى بهذا المعنى كانت عميقة الجذور فى حياة عزرا ، ولذا كان تأثيره عميقاً وبعيداً كما سنرى فى حياة الشعب والناس !! .. وإلى جانب التقوى كانت المواهب الطبيعية التى زوده بها - للّه ، وهى الصفة الثانية فى حياة الواعظ ، ... والمواهب اللازمة لكل واعظ تبدأ أولا بقدرته على التفكير السليم الواضح، ثم تمتد بعد ذلك إلى العاطفة المتدفقة والفيض الزاحر من المشاعر والأحاسيس التى تتملكه ، وهو إلى جانب هذا يحتاج إلى الخيال القوى المجنح الذى يرتفع ويعلو إلى العرش الإلهى ، ويتجاوز الحدود المادية والمنظورة بين الناس ، وبالإضافة إلى هذا كله لابد أن يتزود بالقدرة على التعبير ، وامتلاك ناصية المنطق الفعال ، ... وأنت لا يمكن أن تقرأ عن عزرا دون أن تحس أنه يمتلكها جميعاً .. الصفة الثالثة فى الواعظ هى المعرفة ، والمقصود بالمعرفة هو القدرة على الإحاطة بالكثير من المعلومات والحقائق ، ... وواضح أن عزرا كان على حظ كبير من الحنكة والدراية والإلمام ، فقد كان كما يقول « ألكسندر هوايت » من ذلك النوع الذى تملك (جون كلفن) عندما حكم جنيف ، « وجون نوكس » عندما سيطر على أدنبره ، ... وكان من المستحيل أن يجعله أرتحشستا على رأس العائدين ويزوده بالسلطان الكامل ، ما لم يكن واثقاً فى مقدرة الرجل ودرايته وحنكته !! ... والأمر الأخير الذى يؤكد أستاذة علم الوعظ ضرورة وجوده فى الواعظ هو المهارة،... وكان عزرا الكاتب الماهر ، واحداً من أقدر الناس وأقواهم على المنبر ، له تلك الأصالة التى ترتفع به فوق التقليد والمحاكاة وما أشبه ، التى تعجز عن إطلاق الحق الإلهى دون تردد أو إبهام أو زيف !! فإذا كانت هذه هى المقاييس الوعظية الفنية ، فإن عزرا الكاهن الماهر فى شريعة اللّه ، كان من أقدر الوعاظ وأظهرهم ، ويحق القول إنه أبوهم التاريخى القديم فى المنبر الذى أقامه ، وبحسب مالدينا من معلومات لم يسبقه كاتب آخر أو واعظ مفسر لكلمة اللّه من فوق المنبر الذى درج هويتفيليد أن يدعوه عرشه العظيم !! ... عزرا وكتاب الشريعة ولعل عزرا يعطينا هنا الدرس العظيم فى مفهوم العظة ، وبعدها ، وعمقها فإذا أخذنا بالتقسيم الفنِى للفظ ، من حيث ارتباطها بالآية ، لوجدنا ما يطلق عليه فى علم الوعظ ، العظة الموضوعية ، والعظة الآيية ، والعظة التفسيرية ، .. أما العظة الموضوعية فهى العظة التى تستخلص موضوعاً معيناً من الآية ، تركز الحديث عليه ، وتأخذ الأقسام فى استقلال عن الآية نفسها ، وقد يعطى هذا الاستقلال اتساعاً ليس من السهل أن نجده فى الوعظ الآيى أو التفسيرى إذ يمكن للواعظ أن يعظ عن موضوع معين دون أن يكون محصوراً فى الآية وحدها ، بل يمكن أن تمتد جولته فى الكتاب لينتقى من أرجائه الزهور ليجمعها فى باقة جميلة خلابة ، دون أن يتقيد بركن معين أو مجموعة معينة من الزهور !! .. ولا نعتقد أن هذا النوع من الوعظ كان الأسلوب الذي لجأ عزرا إليه فى تفسير وشرح كلمة اللّه !! ... أغلب الظن أن عزرا كان يتقن الوعظ الآيى أو التفسيرى . والعظة الآيية هى التى تكون الآية لحمتها وسداها ، وتأخذ الموضوع الذى تطرقه من تحليلها للآية وشرحها لها ، كما أن أقسامها ترجع دائماً إلى كلمات الآية أو أجزائها المختلفة ، فهى فى الواقع نوع من التوسع ، لما يمكن أن يستنبط من الآية أو ينطبق عليها ، ولا شبهة فى أن هذا النوع من الوعظ يغوص فى البحث الكتابى أكثر من الوعظ الموضوعى ، وإذا كان هذا الأخير عريضاً إلا أنه أقل عمقاً » والواعظ الماهر فى الوعظ الآىى أشبه بالغواص الذى ينزل إلى الأعماق البعيدة فى البحر بحثاً عن الدرر والجواهر حتى يعثر عليها ويخرجها لتبهر بجمالها الأنظار ، والجماهير التى ألفته ، والكنائس التى تعودت عليه تكون أقوى وأعمق فى البنيان المسيحى ، والعظة التفسيرية هى بنفسها العظة الآيية ، مع هذا الفارق ، أنها لا تتقيد بآية واحدة ، بل قد تكون قطعة كتابية كاملة ، يغوص الواعظ فى أعماقها باحثاً عن دور الحق الإلهى فيها !! ... وتاريخ الوعظ اليهودى - ابتداء من هذا الرجل العظيم وحتى العصور الحديثة - يميل إلى الوعظ الآيى أو التفسيرى دون الوعظ الموضوعى فهو يعتمد على قوة الكلمة الإلهية ، وسلطانها ، وفاعليتها فى النفس البشرية !! ... وعظ عزرا الشعب من فوق منبر خشبى مرتفع ، ومما لا شك فيه أن المنبر كان مرتفعاً ليستطيع الشعب أن يرى الواعظ ويستمع إليه ، ولكن الارتفاع له معنى أعمق من ذلك ، فالمنبر ينبغى دائماً أن يكون مرفعاً عن المقعد ، لأنه يحمل صوت اللّه وسلطانه ، ويفهم الجميع بأن الواجب الأول للمستمع أن يكون خاضعاً مطيعاً لكلمة اللّه وأمره ، أما الواعظ نفسه فقد كان - كما أشرنا - أميراً من أمراء المنبر وواعظاً نموذجياً مجيداً . إذ وعظ بحياته وسيرته قبل أن يعظ بلسانه وكلامه ، إذ كان رجلا غيوراً تقياً مصلياً ، وعندما بدأ وعظه ، بدأ بداءة الشخص المتمكن من تأملاته ودراسته وإرشاد الروح القدس له ، وما أجمل مادة موضوعه ! إذ لم تكن هذه المادة فلسفة وعلماً ، منطقاً وخطابة وبلاغة ، لقد كانت قبل كل شئ وبعد كل شئ ، كلمة اللّه التى قرأها ببيان وفسر معناها للسامعين ، وهل فعل أمراء المنبر فى كل التاريخ غير ما فعل عزرا قديماً ، ففم الذهب ، وأوغسطينوس وكلفن ومتى هنرى وتوماس جدوين - كما يقول الكسندر هوايت - لم يفعلوا أكثر مما فعل هذا الأمير الأول ، والواعظ المتمكن ، والمفسر للكلمة الإلهية الحية الفعالة ! ! .. ولا يستطيع الإنسان منا وهو يستعرض هذا التاريخ ، إلا أن يتذكر كلمات ف . ب . ما ير عندما قال : « إن دراسة عزرا للكتاب تذكرنى بما حدث فى إنجلترا فى حكم الملكة أليصابات ، حيث وضعت نسخة من الكتاب المقدس فى كاتدرائية القديس بولس، بعد أن أجيز للجمهور قراءته ، ووقف جون بورتر بصوته الرائع يقرأ الكتاب للنفوس التى كانت متعطشة لسماع الكلمة الإلهية » ... وهل يمكن نسيان الحب العميق الذي تمكن من مارى جونز الفتاة الفقيرة والتى كافحت ، فى الأوقات التى كانت فيها نسخ الكتاب قليلة وباهظة الثمن حتى حصلت على نسخة منه ، وعاشت حياتها وهى تدرسه دراسة عميقة حتى حفظت الكثير منه عن ظهر قلب ، وعندما ماتت وضعوا هذه النسخة إلى جانب رأسها ، ... وصنعوا لها تمثالا عظيماً . بعد أن كانت السبب فى إنشاء دار الكتاب المقدس التى تنشره فى العالم ، فى إنجلترا وغير إنجلترا !! .. عزرا والإصلاح العظيم الذى قام به كان أثر الكتاب بالغا وعميقاً فى حياة الشعب ، وعندما التفوا حول منبر عزرا يفسر لهم كلمة اللّه ، يقول نحميا فى الأصحاح الثامن من سفره : « اجتمع كل الشعب كرجل واحد إلى الساحة التى أمام الباب وقالوا لعزرا » .. " نخ 8 : 1 " كانت رغبتهم قوية إلى الدرجة أنهم استمروا من الصباح إلى نصف النهار يستمعون « دون ضجر أو ملل ، وقد بدا احترامهم للكلمة فى وقوفهم عندما فتح عزرا السفر ، وفى سجودهم للرب عند صلاته . وقد تأثروا إلى درجة الدموع إذ بكوا حين سمعوا كلام الشريعة ، ثم ذهبوا يعملوا بما سمعوا .. وفى الحقيقة إن القياس الصحيح لتأثير الكلمة الإلهية ، ليس فى مجرد ما يسكب الإنسان من دموع ، قد تكون وقتية ، مهما كانت غزارتها ، وكثرتها ، ... بل فيما تترك من أثر فى حياة الإنسان وسلوكه ، ... عندما وعظ بولس فى أفسس « كان كثيرون من الذين يستعملون السحر يجمعون الكتب ويحرقونها أمام الجميع . وحسبوا أثمانها فوجدوها خمسين ألفاً من الفضة » .. " أع 19 : 18 ، 19 " أو ما يقرب من عشرة آلاف جنيه بعملتنا الحالية ، ... لقد كانت الكلمة الإلهية أقوى وأفعل من كل سحر شيطانى ، ... وعندما وعظ سافونا رولا فى فلورسنا أثر وعظه فى الكثيرين من الرجال والنساء والفنانين والموسيقيين ، فأحضروا من الصور والزينات والتحف كل ما وجدوه غير لائق بالحياة المسيحية الصحيحة ، وجعلوها أكواماً فى ميدان القديس مرقس وأحرقوها ، ... وقد سبقت الإشارة فى بعض الدراسات إلى الأثر البعيد العميق الذى أحدثه يوحنا ويسلى فى القرن الثامن عشر فى إنجلترا ، عندما هوت الحياة الأدبية والروحية إلى الحضيص ، ونادى الرجل بإنجيل المسيح وهو ينتقل من مكان إلى مكان ما بين الشوارع والأزقة ، والمدن والقرى ، والمصانع والمناجم ، يعظ يومياً ما بين عظتين وخمس عظات ، وكان اللّه معه ، ففعل مالا تفعله قوات العالم مجتمعة معاً ، ... وقد كانت كلمة اللّه حية وفعالة عندما نادى بها عزرا ، وليس أدل على هذا من انفصال الكثيرين من القادة والشعب عن الزوجات الوثنيات اللواتى تزوجوا منهن ، ... والحرص على تقديس يوم السبت والامتناع عن التعامل والبيع والشراء مما كان سارياً فى ذلك الوقت ، والأخذ بالحياة المقدسة ، والحرص على التدقيق فى مراعاة الفرائض، والطاعة للشريعة الإلهية !! ... وقد فعلوا هذا كله بالدخول فى العهد المقدس مع اللّه!! . لقد أدرك الجميع ما قاله دكتور تشارلس رينولدز براون : « إن النجاة أو الدفاع عن مدينة أورشليم لا يتحقق بمجرد بناء سورها فالقرميد والملاط والقلاع والشرفات ، قد تحقق دفاعاً جزئياً .. ، غير أن أعدى أعداء أية مدينة ليس خارجها ، بل داخلها ، إذ أن أقوى دفاع فى حياة المدينة ، ليس ما هو مادى ، بل ما هو أدبى وروحى ، فإن لم يحرس الرب المدينة بالمبادئ العظيمة والمثل النبيلة المستقرة فى عقول وقلوب مواطنيها ، فباطلا يتعب الحارس الذي يحرس أسوارها » ... « ومن ثم فإن الانتباه الأعظم ينبغى أن يتحول من أسوار المدينة إلى قلوب الناس الذين يسكنون فيها ، إذ يلزم أن تتحول الأفكار إلى السبل الروحية التى يستطيع بها خادم اللّه إنهاض الحياة الروحية وتقويتها فى نفوس الناس ، وهو يفتح الكتاب أما مهم معلماً إياهم شريعة اللّه السماوية بفهم وبيان » ... ومن المهم أن تختم هنا بما ذكره نحميا فى الأصحاح الثامن من جواب الشعب على الكلمة الإلهية إذ ردد بعمق وسجود : آمين آمين !! ... والكلمة « آمين » من أكثر الكلمات شيوعاً وترديداً على لسان المؤمنين دون أن يدركوا على الأغلب عمقها وكنهها والكلمة فى أصلها العبرانى تعنى « ليكن هكذا » !! ... فعندما نرددها فى صلاة أو ترنيمة أو بركة ، نحن نقصد أن نقول فى الختام .. ليكن هكذا يارب ، فإذا ردد المؤمنون معاً « آمين » ، فإنها تبدو ، كما كان المسيحيون القدامى يعتقدون ، كالرعد الهارى أو موج البحر الذي يصفق على الصخور !! ... وقد كان هناك تقليد عند الربيين اليهود أطلقوا عليه : « آمين اليتيم » ... ويقولون إن هذه الآمين ، هى التى يقولها الناس بدون وعى أو فهم أو تأمل ، ... وأن من يقولها يموت ويصبح أولاده يتامى !! .. . وعلى العكس من ذلك ، إذا نطقها إنسان بكل هيبة ووقار وحرص وإيمان، فإن أبواب الفردوس ستفتح أمامه !! ... ولا شبهة فى أن المجتمعين حول عزرا ، هدر صوتهم كالرعد القاصف وهم يقطعون العهد مع اللّه فى صيحة قوية « آمين آمين » .. وعبر بهم الرجل برزخ الضياع والتقهقر والتعاسة والردة ، إلى الحياة المباركة االتى خرجت من سبى أقسى من السبى البابلى ، سبى الخطية والإثم والشر !! .. ليتك أيها الخاطئ ، فرداً كنت أو بيتاً أو شباً أو كنيسة ، تفعل هذا لتفلت من السبى القاسى الرهيب آمين آمين !! .. |
|