رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سيمون الساحر " وسيمون أيضاً نفسه آمن ، ولما اعتمد كان يلازم فيلبس " (أع 8 : 13) مقدمة لعل من أعجب القصص التى تروى أن قسيساً لأحد السجون فى الغرب شاهد شخصاً حكم عليه بالإعدام قلقاً جداً ومضطرباً ، وفى حالة نفسية منزعجة ، فحدثه عن الفادى وقوته على خلاص الخطاة مهما كانوا ، ومهما كانت خطاياهم ، وبدا كما لو أن كلماته قد وجدت قلباً مستعداً، ورأى القسيس أن هناك باباً يطرقه لإلغاء حكم الإعدام فطرقه ، ونجح وأراد أن يختبر حقيقة تدين السجين فى حالة معرفته بنجاته ، فتحدث معه بحذر ، وساقه إلى التفكير ، ماذا يحدث وكيف يسلك إذا علم أن حكم الموت سيرفع عنه ، ولم يجب السجين مباشرة ، ولكنه بدأ يسأل أسئلة تمكن منها أن يدرك قصد خادم اللّه ، وإذ أدرك أن العفو قد شمله طرح الكتاب المقدس ، وشكر القسيس بأدب ، وأخبره أنه لم يعد بعد فى حاجة إليه أو فى حاجة إلى كتابه !! .. قد يصعب على المرء تصديق مثل هذه القصة ، لما يبدو فيها من غرابة وشذوذ ولكن أليست الحياة البشرية نفسها ممتلئة بكل ما هو غريب وشاذ ! .. وألم يتحدث السيد المسيح عن ذلك النوع من الناس : " المزروع على الأماكن المحجرة هو الذى يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح . ولكن ليس له أصل فى ذاته بل هو إلى حين . فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر"... وتحدث أيضاً عن " المزروع بين الشوك ... الذى يسمع الكلمة وهم العالم وغرور الغنى يخنفان الكلمة فيصير بلا ثمر " .. وإذا كان الأمر كذلك ، فإن من حقنا أن ندرس قصة سيمون الذى لم يؤمن فحسب ، بل اعتمد ، ولازم فيلبس ، دون أن يكون قلبه مستقيماً أمام اللّه،... وكان فى مرارة المر ورباط الظلم إلى الدرجة التى أراد فيها أن يستخدم أقدس موهبة لخدمة أنجس الأغراض !! .. وكان الرائد البشع أمام أولئك الذين عرفهم التاريخ فيما بعد " بالسيمونيين " الذين يقتنون الموهبه الدينية بالمال!!.. وها نحن نتعرض لقصته فيما يلى : سيمون وموجة النهضة العارمة فى السامرة لا يمكن أن نتعرف على قصة سيمون الساحر فى السامرة ، قبل أن نتذكر أن السامريين ، هم ذلك الخليط الذى جاء إلى الأرض المقدسة وكانوا مزاجاً من الدين والخرافة معاً،..اختلط الكثيرون منهم باليهود بالمعايشة والتزاوج والمصاهــــرة والمعاملة ، حتى أن السامرية وهى فى أعماق فسادها تقول للسيد المسيح : " ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذى أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشية " ... ( يو 4 : 12 ) . فهى فى أعماق فسادها ووحلها لا تستنكف من أن تدعو نفسها بنت يعقوب وذريته !! ... ولهذا فالسامرى يصلح للتجاوب بعمق وعنف ورغبة مع النقيضين على حد سواء ، فإذا وقع تحت تأثير الخرافة ، فهو غارق فيها إلى الذقن، ولا يستطيع أن يفرق بينها وبين عمل اللّه ، بل كل شئ عنده هو عمل اللّه ، حتى ولو كانسحراً ، وقد اندفعت المدينة كلها بغيرة وحماس وراء سيمون : " وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير، قائلين هذا هو قوة اللّه العظيمة " ... ( أع 8 : 10 ) وظل الرجل متسلطاً على المدينة حتى ظهر فى الأفق فيلبس ، وإذا بالمد الكاسح يجرف فى طريقه كل شئ ، وإذا بالموجة القوية تدفع المدينة ، وتدفعع أيضاً سيمون الساحر ، أمامها !! .. وربما لا نفهم ما حدث فى السامرة فى ذلك الوقت ، قبل أن نفهم الظواهر الكاسحة التى تحدث فى العادة عندما يهب روح اللّه بسلطانه القوى على النفوس فى نهضة من النهضات ، وقد كتب أوزوالد سميث فى كتابة " النهضة التى نحتاج إليها " أمثلة متعددة ، نذكر منها النهضة التى حدثت فى ويلز عام 1904 وكانت تلك البقعة الصخرية فى الجزائر البريطانية قد ارتدت بعيداً عن اللّه ، وسارت فيها الخطية سافرة بلا حياء أو خجل فى الشوارع والمدارس ودور العمل وأماكن اللهو ، وكان الحضور فى الكنائس ضعيفاً جداً أو أوشك أن ينعدم ، وصدق القول المكتوب: "رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسى صارت علىَّ ثقلا . مللت حملها . فحين تبسطون أيديكم أستر عينى عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع . أيديكم ملآنه دماً ... شعب متمرد سائر فى طريق غير صالح وراء أفكاره . شعب يغيظنى بوجهى " ( إش 1 : 14 و 15 و 65 : 2 و 3 ) وفجأة وبدون سابق انذار وكالاعصار العاتى الجبار اكتسح روح اللّه الأراضى الصخرية ، فامتلأت الكنائس بالجماهير الغفيرة حتى كان يتعذر على المئات أن يجدوا مكاناً للدخول !! .. واستمرت الاجتماعات من الساعة العاشرة صباحاً ، حتى منتصف الليل ، وكانت تعقد ثلاث خدمات فى اليوم الواحد ، ... كان روبرت إيفان هو الآلة البشرية فى يد القدير ... لم تر ويلز شيئاً مثل هذا من قبل ، تجدد الكفرة والملحدون والسكيرون والمقامرون ، وكانت الاعترافات بأفظع الخطايا تسمع فى كل مكان . وسددت الديون التى لم تكن قد سددت من قبل . وأقفلت المسارح ودور السينما والمقاهى أبوابها لأنها لم تجد من يرتادها ، .. وفى مدة خمسة أسابيع انضم إلى الكنيسة عشرون ألف شخص !! .. ومن الغريب أن روبرت إيفان لم يكن خادماً مرتسما ولكنه كان أحد أفراد الشعب ، يعمل عاملا فى منجم للفحم ، ولكنه ظل يصلى لمدة ثلاثة عشر عاماً دون كلل أو ملل لتحدث النهضة ، ... وجاءت النهضة على يدى العامل الفقير البسيط، كما حدثت فى السامرة على يدى فيلبس المبشر بيسوع المسيح!! .. كانت النهضة فى السامرة أول صورة لعمل اللّه العجيبخارج أورشليم بعد يوم الخمسين ، ومن السهل فى مثل هذه الظروف ، أن تأخذ روح الجماعات الناهضة فى موجتها وحماسها الجماهيرى الكثيرين الذين يقبلون الكلمة بفرح ولكن ليس لهم أصل فى ذواتهم ، وما أسرع ما يتعثرون عند الضيق أو الاضطهاد أو أولئك الذين يعيشون بين هم العالم وغرور الغنى وما أيسر أن تخنق كلمة اللّه فى حياتهم فتصير بلا ثمر !! .. وإذا كان السيد نفسه قد كشف هذه الحقيقة فيمن ساروا وراءه ، وتتلمذوا على يديه ، دون أن يرتفعوا إلى مستوى التلمذة الصحيحة ، وعندما واجههم بالحقيقة : " فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا : " إن هذا الكلام صعب . من يقدر أن يسمعه .. من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه " ( يو 6 : 0 6 ، 66 ) .. وإذا كان كثيرون ، فى كل النهضات التى ظهرت فى التاريخ ، لم يستمروا إلى النهاية بل عادوا إلى الوراء !! .. لم يعد مستبعداً أن سيمون الساحر بعدما آمن واعتمد ، يعود إلى حياته القديمة وسحره الخداع !! سيمون والفرق بين السحر والدين على أن سيمون وشعب السامرة يبسطان أمامنا قضية أخرى ألا وهى ارتباط الدين بالسحر والعلاقة الطردية أو العكسية التى يمكن أن تفرق بينهما ، أو تجمعهما فى إطار واحد ، ومن الملاحظ أن المدينة كانت تتبع سيمون وتعتبره قوة اللّه العظيمة ، فلما جاء فيلبس ، جاء ليفصل الأصل عن التقليد ، والصحيح عن الزائف،... والسر يرجع ، بادىء ذي بدء ، إلى أن الدين أو السحر يواجهان فى الحقيقة علاقة الإنسان بغير المنظور ، وكلاهما يحاول تجاوز المنظور إلى ما وراء المنظور ، ومن العجيب أن الصراع بين بطرس وسيمون انتهى إلى الفرقة الكاملة بينهما ، وتقول بعض التقاليد إن سيمون تحول بعد ذلك ليكون مؤسساً وزعيماً للمدرسة الغنوسية التى كانت من أعدى أعداء المسيحية ، وقد ظهرت فى محيط الكنيسة ، فى القرن الثانى والثالث ، تحاول تحطيمها من الداخل والكلمة " غنوسية " من أصل يونانى ومعناها " معرفة " ، وتطلق على مجموعة من الشيع أو مدارس الفكر التى أشار إليها الكثيرون من اللاهوتيين أمثال إيرانيوس وترتليانوس وهيبوليتس ، وكانوا ينظرون إليها كهرطقة جاءت من محاولة مزج الفكر المسيحى بالفلسفة الوثنية ، أو علم التنجيم بالبدع السرية التى ارتبطت بالديانات اليونانية ، وقد قبل بعض الباحثين والعلماء الجزء الأكبر من هذه الأفكار المنحدرة من العصور المسيحية الأولى ، وأطلقوا على الغنوسية " الإغريقية المتطرفة للتصور المسيحى " .. ومن المؤكد أن الغنوسية كان لها جذور فكرية يونانية من قبل مولد المسيحية ، ونجد فى رسالة يوحنا الأولى والرسائل الرعوية تحذيراً واضحاً منها،.... وأغلب الظن أنها محاولة للتوفيق بين مختلف الآراء اليهودية والوثنية والشرقية ، فى الوحى ، وقضية الخير والشر ، ومصير الإنسان ، .... ولعل أظهر مدرسة غنوسية كانت مدرسة فالانتينوس الذى علم فى الإسكندرية وروما فى منتصف القرن الثانى الميلادى ، ويقوم تصورها على أنه فوق الوجود ووراءه يقوم الآب الأعلى ، الجوهر غير المولود ، والأيون أو السرمد الكامل ، وإلى جانبه يوجد الصمت الذى هو فكره ، ومنه ينبثق على التتابع ثلاثة أزواج من الأيونات ، الحق " النوس والأليثيا " والحياة الذى هو " اللوجوس والزيو " والإنسان والكنيسة " الانثروبوس والأكليسية " ومن التفاعل بين هذه الأيونات تأتى الأيونات الأخرى كالحكمة والصليب والروح القدس !! .. وتسير هذه المدرسة فى تصورات أشبه بالأدغال المتشابكة ، محاولة فى تفسر كل شئ بتفسير غيبى غريب حتى يصح أن نقول إن الغنوسية ليست ديناً أو فلسفة بقدر ما هى نظرية تصوفية عن الوجود ، ... وهناك مدرسة غنوسية أخرى لرجل اسمه باسيليوس وهو سورى المولد حاضر فى الإسكندرية من عام 120 - 140 م ، وكان نظامه يشير إلى التدرج حتى أنه عد السموات بثلثمائة وخمس وستين ، وكانت آراؤه ممتلئة بالخيالات والتصورات الغيبية ، .. وقد تعرض الغنوسيون لفكرة الخلاص ، والخلاص عندهم يأتى من المعرفة ، وإن رسالة الوسطاء الإلهيين هى أن يفتحوا عينى الإنسان للحق ، والإنسان الروحى فى نظرهم هو الذى يخلص بالمعرفة ، يعرف من هو وكيف جاء إلى وضعه الراهن ، ... وكيف يسير . وفى مثل هذه التربة التى تتجاوز المنظور يمكن أن ينشأ السحر والتنجيم والعرافة والأضاليل جنباً إلى جنب أو على اختلاط ومزج بالتعاليم الدينية ... فإذا أراد الإنسان أن يعرف كيف يفرق بين الصحيح والباطل ، وبين الحق والكذب ، وبين الصدق والضلال أو فى لغة أخرى بين فيلبس وسيمون ، أو بين الدين والشعوذة ، ! تعين عليه أن يعود ليرى الفرق بين موسى وهرون من جانب وبين السحرة المصريين من جانب آخر وبين عصا هرون التى تحولت إلى حية وبين العصى الأخرى التى ابتلعتها عصا هرون . وبين معجزات موسى وإقرار العرافين بأن تلك تحمل أصبع اللّه ، وتعين عليه أن يرى بولس فى مواجهة بار يشوع الساحر الذى كان يريد إفساد الإيمان عند سرجيوس بولس ، ... فإذا وقفت القوة المعجزية أمامه عند حدود الإثارة أو دون أن تكون هناك فائدة تتجاوز الجسد إلى الروح ، أو إذا كانت للاستغلال البعيد عن الإحسان والرحمة ، فهى قوة شيطانية أو بشرية مرتبطة بخفة اليد أو ما أشبه من وسائل مخادعة ، لا يمكن أن تكون من اللّه أو بفعله وقوته !! ... وهكذا بدا سيمون الساحر ، على النقيض تماماً من فيلبس ، أو هكذا بدت الشعوذة فى مواجهة الحق الإلهى الواضح وضوح النهار !! .. وهكذا تحولت المدينة بأكملها والمشعوذ نفسه فى الاتجاه الصحيح الكريم من صغيرهم إلى كبيرهم على حد سواء !! سيمون المرتد عن الإيمان هناك خلاف فى الرأى حول إيمان سيمون ، فهناك من الشراح من يعتقد أن سيمون لم يعرف الإيمان يوماً واحداً ، وأنه تظاهر به للمنفعة ، وسيراً فى التيار الذى جر المدينة بأكملها وراء فيلبس ، وأنه كان نوعاً من المداورة السحرية التى قصد منها أن يتمم أهدافه ، ولكن بصورة أخرى ... غير أن هناك من يرى أن سيمون آمن إذ أخذ بالموجة العارمة التى حملت الجماهير الغفيرة ، وأنه وقع تحت تأثير هذه الانفعالات ، وأنه اعتمد ، كما رأى غيره يفعل ذلك ، وأنه كان نوعاً من الزوان فى وسط الحنطة ليس من السهل أن يفرق بينه وبين الآخرين ، وأنه مثل الكثيرين الذين يستجيبون فى نشوتهم إلى حماس الدعوة الدينية وغيرتها ، وعلى وجه الخصوص عندما يرون الآخرين يتمتعون بفرح عجيب لا يمكن أن يكون مصدره بشـــرياً أو إنسانياً على الإطلاق، ... وأنه فى الحقيقة كان مخدوعاً لم يصل الإيمان به إلى حد التجديد والتغيير الكلى والخليقة الجديدة فى المسيح يسوع ، وأغلب الظن أن هناك سببين أساسيين وقفا فى طريقه ، وهما على الدوام من أخطر المعطلات فى الحياة الروحية وهما : الشهرة الضائعة هل سمعت عن ذلك الجندى الذى ضاق بالحياة ، وضاقت الحياة به . فقرر الانتحار على ما تذهب القصة ، . ولكنه سأل نفسه قائلا : إذا انتحرت فسآذهب مجهولا دون أن يدرى بى أحد !! .. فلماذا لا أنتحر واسجل اسمى فى التاريخ فى الوقت نفسه ، ولن يكون ذلك إلا بقتل الملك ، قبل أن أنتحر أو أقتل !! .. وذات يوم صوب سلاحه إلى الملك ، فأخطأه وقبض عليه ، وفى التحقيق عرف الملك قصده،... وقال : إن حكمت عليه الآن فأنا أحقق له مقصده ، وانتوى الملك أمر آخر، فقرر إخلاء سبيله ، بل ورفع رتبته ، إذ جعله ضابطاً ، وأخذ يشجعه على الحياة ويبعده عن التشاؤم ، ويدفعه فى سلم الترقية حتى جعله وزيراً ، ... وتغير كل شئ فى نظر الرجل ، ... وقال له الملك : لقد قررت أن أزوجك ابنتى ... وكانت هذه قمة أحلامه !!! ولم تكن الزوجة سوى المقصلة التى أعدها له فى ميدان عام !! .. وشتان بين الموت للجندى والموت للوزير صاحب المركز المرموق ، ... فإذا كان سيمون قد بلغ أقصى الشهرة ، وأضحى قبلة أنظار المدينة ، فإنه لا يستطيع أن يرى الجميع يتحولون عنه إلى المبشر الجديد فيلبس ، ... والموت أهون عنده من فقدان الشهرة العظيمة التى وصل إليها ، .... كان ثموستيكليس لا يعرف النوم كلما سمع الناس فى أثينا يمتدحون أرستيدس ، ... ولست أعلم كم من الأيام والليالى قضاها الرجل دون أن يذوق طعم النوم والمدينة كلها متجهة إلى فيلبس !!.. ومن الناس من يريد أن يكون الأول فى جهنم وليس الآخر فى الجنة !! .. المال المفقود على أن إيمان سيمون تعرض لتجربة أقسى وأشد ، ... لقد كان الرجل يكسب ذهباً من سحره وشعوذته ، فكان المال يتدفق عليه من كل مكان ، والرجل يدعى أو ينصب أو يغش أو يخدع ، فكل شئ مباح فى سبيل المال ، ... وها قد وفد إلى المدينة رجل لا يطلب مالا ، ولا يعطى شيئاً بمقابل ، ويده مبسوطة للمساعدة والإحسان والخير والرفق والرحمة ، ... وجف النهر الذى كان يتجه إلى الساحر ، ونضب المورد ، وصرخ القلب غير المستقيم : وما الفائدة من الإيمان وما المنفعة من الدين إذا كان لا يغدق المادة بغير حدود !! .. حقاً إن " محبة المال أصل لكل الشرور الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " (1تى 6 : 0 1 ) !! .. فإذا كان حب الظهور يقصم الظهور كما يقولون ،فإن السير وراء المال يميل بصاحبه على الدوام إلى الخراب أو الضياع ، فإذا اجتمع الاثنان معاً ، فانهما يقودان إلى الهلاك المحقق الذى ذهب إليه سيمون الساحر !! .. سيمون المرير النفس كان سيمون أشبهبالوعل الذى ينخبط فى شبكة أو الأسد الذى أسر فى قفص من حديد ، أو النمر المزمجر الذى أمسك بالحبال القوية ، وذلك ما وصفه به الرسول بطرس فى القول : " لأنى أراك فى مرارة المر ورباط الظلم " ... ( أع 8 : 23 ) وهل يحصد القلب غير المستقيم سوى ذلك .. لقد امتلأ قلبه بالحسد من فيلبس ، والقلب الحسود لا يمكن أن يعرف الهدوء والراحة والأمن والسلام طالما بقى المحسود قائماً أمامه ، والموضوع الذى يسبب الحسد بارزاً وواضحاً !! . وقديماً قال الشاعر العربى: اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتلـــه فالنار تأكل بعضـــــــــــها إن لم تجد ما تأكـله لقد تحولت تجارة الرجل الضائعة لهيباً يحرق حياته بأكملها ، وهناك تقليد يقول أنه خرج من المدينة إلى روما لعله يعوض فى العاصمة ما فاته من الخسارة فى المدينة التى اكتسحها الإيمان المسيحى !! ومن الثابت على الدوام إن الانقسام الحسى أو الإزدواج النفسى ، أو التأرجح بين الحق والباطل ، لا يمكن أن يعطى الإنسان راحة أو هدوءاً أو استقراراً أبداً ، .... وهل يستطيع أن يجمع بين مبادئ المسيحية وحبه المال وبين إنكار الذات وشهوة الشهرة ، ... وهل يمكن أن يكون غنياً وفقيراً فى الوقت عينه ، أو طماعاً ومتعففاً فى ذات الوقت ... مسكين هذا الرجل ، ومسكين كل إنسان يعيش نظيره يحاول أن يجمع بين المسيح وبليعال ووبين الخير والشر ، وبين الحق والباطل ، وبين روح اللّه والشيطان المستقر فى قلبه !! ... إن عذاب مثل هذا الإنسان ليس شيئاً خارجاً عنه ، بل هو فى الداخل كامن فى أعماق نفسه فى " قلبه غير المستقيم أمام اللّه "... سيمون والتجارة القبيحة المحرمة بلغ الرجل بشاعته الكاملة ، عندما " خشخش " بجيبه للرسول بطرس ، .. وهو يؤكد له أن الدنيا تجارة ، مهما اختلفت بضاعتها ، والشاطر هو الذى يحسن التجارة ويستثمرها وينميها ، ... كان يتاجر قبلا بالسحر ، فلماذا لا يتاجر بالدين أيضاً ، وهو ساحر فى جلب المال ينتزعه من جيوب الناس بخفة يد لا نظير لها ، والدين يمكن أن يكون سلعة كباقى السلع تباع وتشترى ، .. وبطرس كما هو باد من مظهره رجل فقير ، قال ذات مرة لمن يطلب إحساناً : " ليس لى فضة ولاذهب " .. ( أع 3 : 6 ) وسيمون عنده الكثير من الفضة والذهب ، فجيبه ممتلئ ، وبيته ممتلئ ، فإذا لم يكف ما فى جيبه ، فإنه يستطيع أن يركض إلى البيت ، ويأتى بالكثير ، وبطرس يستحق أن يعطى ، فهو رجل طيب ، ومحتاج ، ولا يمانع بتة ، وسيكون مجنوناً لو رفض العرض السخى المقدم له !! .. ومع أن بطرس رفض العرض بالقسوة البالغة فى القول : " لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة اللّه بدراهم " ... ( أع 8 : 20 ) إلا أنه منذ ذلك التاريخ شاع عرض الرجل فى الكنائس عندما انحطت وبلغت الحضيض ، وأصبحت الوظائف الكنسية تشترى بالآلاف وعشرات الآلاف من الجنيهات ، وأطلق على ذلك " السيمونية " نسبة إلى سيمون الساحر القديم الذى جعل الوظيفة الكنسية سلعة تباع وتشترى ، ويقدر عليها المقامرون الذين حولوا بيت اللّه إلى مغارة لصوص !! .. ومن المؤسف أن هذه التجارة راجت بشدة فى أطوار تاريخية متعددة بين كثيرين من رجال الدين الذين جاءوا بعد بطرس الذى ألقى بدراهم سيمون معه إلى الضياع والهلاك !! .. امتلأ بطرس بالغضب المقدس ، وهو يتحدث إلى الرجل ، ولعل هذا الغضب كان نوعاً من الرحمة ، لو أن سيمون وعاها وأدركها ، لقد بين له الرسول بشاعة عمله ، وفى الوقت عينه فتح أمامه طريق التوبة أمام اللّه ، بالندم والصلاة ، .. وحسم بطرس الأمر فى كل التاريخ إذ لا نصيب أو قرعة لمن يستخدم المال وسيلة للقفز إلى الخدمة الكنسية ، وهى لمن يفعل ذلك طريق إلى الهلاك والضياع الأبدى!!. إنالرواية الكتابية تشجع على التصور الذى جاء فى التقليد من أن الرجل تحول عدوا سافراً للمسيحية فى كل مكان ، ودخل فى الصراع معها كالمرتد الذى يريد أن يتجاهل ارتداده أو يغطيه بالحرب على ما كان يعتنقه أو يؤمن به ، وذهب سيمون إلى جحيمه الأبدى ، ومازال السيمونية تلعب دورها التعس ، وأغلب الظن أنها ستظل تفعل ذلك ، إلى أن يأتى المسيح ويقف كل واحد أمام عرشه ليعطى حساباً عما فعل بالجسد خيراً كان أم شراً !! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سيمون الساحر والتعلق بالمظاهر |
سيمون الساحر |
سيمون الساحر |
سيمون الساحر |
ايمان سيمون الساحر |