منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 22 - 06 - 2013, 05:07 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

سمعان الشيخ
«الآن تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك» (لو 2 : 29،30)
سمعان الشيخ
مقدمة
لا نكاد نعرف على وجه التحقيق الكثير عن سمعان الشيخ، غير ما جاء في إنجيل لوقا، وإن كانت هناك بعض التقاليد المختلفة التي لا ينهض دليل ثابت عليها، ولعل مرجع هذا أن الاسم «سمعان» من الأسماء التي كانت شائعة في ذلك الوقت، فهو في نظر البعض سمعان الذي وبخ أرخيلاوس الذي ملك بعد موت هيرودس الكبير، الذي تزوج أرمله أخيه، وفي نظر آخرين هو سمعان بن هليل، وأبو غمالائيل، والذي كان رئيسًا للسنهدريم في عام 13 م، ولم يرد اسمه على غير العادة في كتاب المشنا الذي يدون فيه أسماء جميع رؤساء السنهدريم وقد عللوا ذلك بسبب إيمانه بالمسيح وحبه للمسيحية، ولما كان هذا من المستبعد لإنسان حمل المسيح طفلاً على يديه، وطلب أن تنطلق نفسه بسلام، وهو رجل شيخ، ومعنى ذلك إن كان قد عاش بعد المسيح، فلا يمكن أن يكون قد عاش لمدى طويل يتجاوز حياة المسيح كلها على الأرض، حتى ولو قيل إن الرجل عاش مائة وثلاثة عشر عامًا، فإذا أضيف إلى ذلك الرواية الأخرى التي تقول إنه عاش إلى سن متأخرة، لأنه كان يقرأ وهو شيخ نبوة إشعياء عن العذراء التي تحبل وتلد ابناً، ونهض في نفس السؤال والحيرة، ولكن كيف يمكن أن يكون هذا؟ وسمع صوتًا داخليًا عميقًا، يقول له إنه لن يموت حتى يبصر الأمر أمام عينيه، وأنه عاش لذلك يترقبه، حتى أبصر المسيح بين يدي أمه في هيكل الله! على أنه مهما تختلف روايات التقليد، فإن الحق الذي لا مراء فيه، والذي يكشف لنا عنشخصية الرجل قد جاء في الأصحاح الثاني من انجيل لوقا، ونستطيع إذا تابعنا الوحي، أن نراه فيما يلي :
سمعان وحياته
يحلو للبعض أن يطلق على سمعان الشيخ لقب «مراقب الصبح» ولعلهم يرونه بهذا المعنى الإنسان الذي يقول مرنم المزمور المائة والثلاثين : «انتظرتك يارب انتظرت نفسي وبكلامه رجوت. نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح، أكثر من المراقبين الصبح، ليرج إسرائيل الرب لأن عند الرب الرحمة وعنده فدى كثير وهو يفدي إسرائيل من كل أثامه» (مز 130 : 5-8).
كان الليل قد بلغ بالعالم أقصاه، وكان الناس جميعًا يتطلعون إلى السماء، إلى كوكب الصبح المنير، إلى شمس البر التي تشرق والشفاء في أجنحتها، وكان الشرق والغرب في تطلع بعيد عميق إلى ما وراء الظلام الضارب على كرة الأرض، ومع أن القانون الروماني قطع شوطًا بعيدًا في مد العالم بعصارة الفكر الحضاري، الذي أخذت عنه سائر القوانين بعد ذلك، ومع أن الفلسفة اليونانية مدت شعابها في فكر الإنسان، وقبيل الميلاد كان هناك الكثيرون من الكتاب وقادة الفكر، إذ ولد ديودوريوس المؤرخ اليوناني، واسترابو المؤلف الجغرافي العظيم والذي عاش بين عامي 54 ق.م - 24 م، وأوفيد بين عامي 57 ق.م - 18 م، وسينكا الفيلسوف الذي عاش حتى عام 65م،، وفرجيل الشاعر الذي مات قبل الميلاد بأربعة عشر عاماًا، وأوفيد الذي مات قبل الميلاد وبثلاث سنوات، ولكن هؤلاء جميعًا على قدر ما أعطوا للناس من أنوار كانوا أشبه بالنجوم التائهة في قلب الظلام، وحق لدانتي الليجيري وقد كان من أشد المعجبين بفرجيل، والذي وصفه في الكوميديا بالإلهية بأروع الأوصاف وأعظمها، إذ كان يراه واحدًا من أعظم أساتذه الشعر ومعلميه، وقد قاده فرجيل في زيارته للجحيم، ولكنه بعد أن انهى رحلته هناك، وقف فرجيل على أعتاب الظلمة الخارجية دون أن يتقدم خطوة واحدة نحو السماء، وهو يهز رأسه بملء الأسى، لعدم تمكنه من الدخول، إذ كان وثنيًا لا يعرف فداء يسوع المسيح وهو ما لابد منه لدخول السماء.
ومن البديهي أنه في قلب هذا الظلام تمكنت الخرافة في الأرض وعشش الفساد في كل مكان، وقيل إن «زرادشت» الفارسي كان يعلم أتباعه، أنه إن لم تنجدنا السماء بمنقذ، فلن يكون هناك رجاء قط عند بني الإنسان، ومن هنا كان ترقب المجوس للنجم العجيب الذي تبعوه إلى بيت لحم».
فإذا عدنا إلى سمعان الشيخ، وإلى الأيام التي عاشها في أورشليم، فإننا نرى إنسانًا ينتصب على المرصد في أعماق الليل، وكأنما ليرقب شروق الشمس، وقد أحدق به الظلام من كل جانب، فبلاده ليست مستعبدة للرومان فحسب، ولكنها أكثر استبعادًا للخطية، ومن المؤسف أن كبرياء اليهود، وهم في عمق ذلهم واستعبادهم، تجعلهم يتوهمون أنهم أحرار، وعلى حد قولهم للمسيح فيما بعد : «إننا ذرية إبراهيم ولم نستبعد لأحد قط» (يو 8 : 33)ويأتيهم الجواب : «الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية» (يو 8 : 34).. وقد ظهرت عبوديتهم للخطية في كل جانب من جوانب حياتهم! فإذا كان الدين عندهم مجرد طقوس وفرائض وقشور، إلى الدرجة التي وصل معها قادتهم، باسم الدين، إلى أحط الدركات، وتحول بيت الله إلى مغارة لصوص، فكم يكون الشعب إذًا؟ وكم تضيق نفوس الأتقياء وتتعذب، يومًا بعد يوم، وهم يرون الأوضاع بنفس الصورة التي رآها لوط في وسط سدوم، وهو يعذب نفسه البارة، بأعمالهم الأثيمة؟ كان سمعان الشيخ رجلاً بارًا تقيًا. وما من شك في أن نفسه كانت تئن أنينالأبرار القديسين، وهم يرون الشرور والمباذل والمفاسد في كل مكان!
ومع أننا لا نعلم ماذا كان يعمل سمعان الشيخ، وماذا كانت رسالته أو خدمته في مدينة أورشليم، إلا أنه كان ولاشك واحداً من أولئك الذين يكافحون ضد تيار الشر والفساد في أمته، ولكنه كان يدرك تماماً انالتيار الجارف الذي يكتسح أمامه كل شيء، لا يمكن لصبي صغير أن يقيم السد لمواجهته، كما أن الظلمة الضارية العميقة لا تصلح معها شمعة صغيرة لتنير سائر الأرجاء في عمق الليل البهيم! ولعل الرجل قد صرخ مرات متعددة لله بما يشبه صلاة إرميا عندما قال : «وإن تكن أثامنا تشهد علينا يارب فأعمل لأجل اسمك، لأن معاصينا كثرت، إليك أخطأنا، يا رجاء إسرائيل مخلصه في زمان الضيق لماذا تكون كغريب في الأرض وكمسافر يميل لبيت؟ لماذا تكون كإنسان قد تحير كجبار لا يستطيع أن يخلص؟ وأنت في وسطنا يارب وقد دعينا باسمك، لا تتركنا» (إر 14 : 7-9). كان الرجل يعلم تمام العلم أنه لا خلاص لأمته وشعبه بدون المسيح!! وقد أوحى إليه روح الله، أنه على مقربة من النور، وأنه لن يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب!.
سمعان وأغنيته
تتغنى الكنيسة المسيحية منذ القديم بالأغنية أو الصلاة التي فاض بها قلب سمعان وهو يحمل الطفل يسوع بين ذراعيه، وقد أطلق على الأغنية في اللاتينية NUNE DIMITTIS وقد أخذ هذا الإسم من مطلعها «الآن تطلق عبدك بسلام ياسيد» وهي أغنية شيخ جليل، حمل بين ذراعيه أسمى أمل للحياة البشرية، وكان موقنًا من أن التاريخ كله سيتغير - للأمم ولليهود على حد سواء- : «الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم ومجد لشعبك إسرائيل» (لو 2 : 31-32) ومع أن الرجل لم يعش ليرى كل هذا، لكنه نام مستريحًا على وسادة من يقين الإعلان الإلهي، وقد أثبت الزمن صدقه، إذ لا شبهة في الفكر - سواء عند المؤمنين أو غير المؤمنين - أنالمسيح غير مجرى التاريخ، وقلب حياة البشر رأسًا على عقب، أو بالحري أعاد وضع البشر المقلوب للأمم ولليهود على حد سواء، ويكفي أن تلال بيت لحم من الوجهة الجغرافية - كما قال أحدهم - لم تكن إلا تلالا متواضعة ربض عليها الرعاة في ليلة من الليالي القديمة، ولكنها ببشارة المسيح ارتفعت لتصبح تلالا دهرية هي أشهر التلال في العالم، بل يكفي أنه فصل التاريخ كله وشطره إلى ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد، أجل! حمل سمعان الصبى العجيب بين ذراعيه، وهو قد لا يدري أن هذا الصغير المحمول وهو الحامل كل الأشياء بكلمة قدرته!
على أن سمعان ركز في المسيح على الخلاص، فهل كان يدري عمق التعبير وجلاله ومجده وعظمته؟ يقول الكسندر هوايت بهذا الصدد : في ذلك اليوم، وهو يرى بعينيه ما كان ينتظره من خلاص الله.. لأن الخلاص في ذلك اليوم، وإلى هذا اليوم له معان متعددة في أذهان الناس، فالخلاص له أعلى المعاني السماوية عند إنسان، وأعلى المعاني الأرضية عند آخر، فالخلاص في الهيكل في ذلك اليوم لواحد هو الخلاص من قيصر، وهو لآخر خلاص نفسه، لواحد هو الخلاص من جابي الضريبة، ولغيره من القلب الشرير بين جنبيه. ومع ما في أغنية سمعان من جلال ومجد، فأننا إلى اليوم لا نعرف يقينًا ماذا كان الشيخ العجوز والقديس والقاريء لكلمة الله يعني خلاص التي فاه بهما. ولكن السؤال مع ذلك يتجه إلينا! ما هو خلاصنا. خلاصي وخلاصك! عندما تتكلم أو تسمع أو تقرأ أو تغني عن الخلاص، ماذا تعني بالضبط؟! إنه إذا كان له معنى دقيق حقيقي فهو كما كان يقول واحد من العلماء لتلاميذه : «إن الشيء الأول الذي ستمتحن به في اليوم الأخير هو : ما هو نوع الخلاص الذي كنت تسعى وراءه!؟ أي خلاص كنت تدرسه وتعلمه وتعظ به وتبحث عنه بنفسك عندما كنت تعيش على الأرض؟ وكم ستكون سعيداً أمام الناس والملائكة إذا كنت مثل الرجل القديم : «وهذا الرجل كان بارًًا وتقيًا ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه.. لأني عيني قد أبصرتا خلاصك.. وكان يوسف ومريم يتعجبان مما قيل فيه! (لو 2 : 25 و30 و33).
إن السؤال عن الخلاص، كما قيل هو أهم سؤال يرتبط بالمسيحية، وهو الذي يفرقها عن غيرها من الأديان والمعتقدات، وهو السؤال الذي لا يجوز لقارىء من قراء هذا الكتاب التجاوز عنه أو تجنب طرحه بعمق أمام ذهنه وقلبه، لاسيما وأنه هو اسم يسوع بالذات الذي هو «خلاص الله» أو كما قال الملاك ليوسف : «وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» (مت 1 : 21) أو كما يقول سمعان وهو يشير إلى الخلاص كعطية الله العظمى التي أعدها في المسيح يسوع «الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب»... تعود أحد العاملين في جيش الخلاص أن يسأل أحد الخدام كلما التقى به في القطار : «هل أنت مخلص». وحار الرجل ماذا يقول له، وأخيرًا سأل الأسقف مول قائلاً : «لو وجه إليك هذا السؤال فماذا يكون ردك!؟ وابتسم الأسقف وكان عالمًا من علماء الكتاب وقديسًا عظيمًا - وقال : «أقول له ماذا تقصد بكلمة الخلاص أهي Sotheis «سوسيس» أو Sozomenos «سوزومينس» أو Sesosmenos سيزومينس» إن الكلمة الأولى تشير إلى الخلاص باعتباره قد تم دفعه واحدة في لحظة التجديد، فرفع الدين الإلهي بأكمله. ونلنا المصالحة مع الله، إذ حمل المسيح الكل على الصليب، والكلمة الثانية تشير إلى الخلاص في المستقبل عندما ندخل إلى المجد السماوي، ولا نتعرض بعد ذلك لتجربة أو خطية، أما الكلمة الثالثة فتشير إلى عملية المسيح المطهرة لحياتنا يومًا بعد يوم، وفي كل الحالات يتم بعمل المسيح لنا وفينا. والخلاص بهذا المعنى ماض وحاضر ومستقبل، فعندما يؤمن المرء بالمسيح يرفع عنه الصك أو دين الخطية، ويمحى بالتمام، وهو في صليب المسيح يبدو كأنما لم يرتكب خطية على الإطلاق، وذلك لأن المسيح قد قضى الدين كله، وقد دان الله الخطية في الصليب، وهو لا يمكن أن يدين الخطية الواحدة مرتين، وكما ورثنا الخطية عن آدم، نرث الخلاص في المسيح، على أن الخطية ليست مجرد دين يرفع، بل هي مرض نعالج منه، وأوساخ يحاول العالم والشيطان أن يطرحها علينا في سيرنا في الحياة، ومن ثم قال السيد المسيح : «الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله» (يو 13 : 10) ومع هذه الطهارة فإن واجبه أن يغسل ما علق برجليه من تراب الأرض وأوساخها المتعددة، والخلاص بهذا المعنى عملية لا نقوم نحن بها، بل يقوم بها المسيحبالروح القدس فينا، فهو الذي يبكتنا على الخطية، وهو الذي يدفعنا للتخلص منها، وهو الذي يغلسنا بدمه، وهو الذي يحررنا بشفاعته المستمرة، ومن ثم فهي عملية المسيح الدائمة فينا صالما نحن على الأرض! وهي عملية حاضرة مستمرة، ولن تنتهي هذه العملية طالما هناك رمق في الحياة، وتجارب تحيط بنا، وتعثر وسقوط وقيام يلاحقنا، ونحن نتطلع إلى الأمام يومًا وراء يوم ونحن نقول : «فإن خلاصنا بهذا المفهوم أمكن أن ندخل أي خلاص أو إنقاذ زمني في ظروف الحياة ومتاعبها وتغيراتها ومدى ما فيها من نجاح أو تعب أو ضيق أو فشل أو انتصار، في نطاق عمل نعم الله : «لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثمويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة» (تيطس 2 : 11-14) هذا هو الخلاص الذي أعده لجميع الشعوب، ونطق به سمعان الشيخ في هيكل الله بالروح القدس وهو يحمل بين ذراعيه الصبى يسوع المسيح!
وإذا بلغ سمعان هذا الأمل الذي عاش ينتظره سنوات طويلة لشعبه وللعالم، كان كمن يصعد إلى القمة في جبل الحياة وليس له من مطمع أعلى وأسمى، ومن ثم أضحى الموت كالنوم الهاديء للعامل المتعب الذي يهجع في آخر الليل إلى سريره ليستريح. وقد درج اليهود على أن يودعوا الراحل من الدنيا بالعبارة التي قالها الله لإبراهيم : «وأما أنت فتمضى إلىأبائك بسلام وتدفن بشيبه صالحة» (تك 15 : 15). كما أنهم تعودوا أن يودعوا بعضهم بعضًا بالقول : «أمضوا بسلام» قال سمعان : «والآن تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك» (لو 2 : 29 و30) فهل أحس أنه الطائر السجين في القفص يرفرف بجناحيه، وهو يرى اليد الكريمة توشك أن تفتح الباب، مستعدًا للانطلاق إلى سماء الله المرتفعة العظيمة، أم أنه كان أشبه بالسفينة المربوطة إلى الشاطىء، وإذا بالربان العظيم يفك رباطها لتنطلق إلى الخلود، لم يتلفظ بلفظ الموت، بل تحدث بلغة الانطلاق والانعتاق من أسر الحياة، إلى مدينة الله العظيمة الخالدة، قال فيكتور هوجو : لقد كتبت أفكارى في الشعر والنثر والتاريخ والفلسفة والدراما والرومانسية والتقاليد والأغاني، ولكني مع ذلك أشعر أني لم أعبر عن واحد من الألف مما في ... وعندما أذهب إلى القبر سأنهي عملي اليومي.. لكن يومًا سيبدأ في الصباح التالي!! وذكر واعظ مشهور قصة ذلك الضابط الهندي العجوز الذيي كان يفتن الناس بقدرته الخطابية، وكان يلعب بُأفكارهم ومشاعرهم، وإذ يرتفع بهم إلى أعلى مراقي الخيال، كان يتوقف فجأة، ثم يقول : «إني أتوقع أن أرى شيئًا أعظم كثيرًا مما حدثتكم عنه».. ويصمت قليلاً - ولعله يلاحظ التردد والشك على وجوه المستمعين وإذا يقول : أنا أعني الخمس الدقائق الأولى بعد وفاتي! ومع أننا لا نعرف ما آل إليه فيكتور هوجو أو الضابط الهندي... إلا أننا على يقين من أن الإنسان الذي يحمل المسيح بين ذراعيه، ويصف نفسه بصدق وأمانة أنه عبد الله، سيضيء في الأبدية كضياء الجلد وكالكواكب إلى أبد الدهور..
سمعان والحديث مع العذراء مريم
بعد أن أنهى أغنيته، تحول إلى العذراء وتحدث عن المسيح بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة لها، فقال: «ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم، وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلن أفكار من قلوب كثيرة» (لو 2 : 34 و35) ويتفق هذا القول مع ما جاء في إشعياء عن السيد : «قدسوا رب الجنوب فهو خوفكم وهو رهبتكم. ويكون مقدسًا وحجر صدمة وصخرة عثرة لبني إسرائيل وفخًا وشركاً لسكان أورشليم، يعثر بها كثيرون ويسقطوا فينكسرون ويعلقون فيلقطون صُرّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي» (اش 8 : 13-16) وهو عين ما قاله السيد للشعب : «فنظر إليهم وقال إذاً ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية، كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض. ومن سقط هو عليه يسحقه» (لو 20 : 17 و18). ولعل ما قاله الكسندر هوايت هنا، من أصدق وأدق ما يمكن أن يقال : «كان المسيح هكذا لإسرائيل، وما يزال إلى اليوم» هناك مدارس ومذاهب فكرية في تفسير الكتاب، وهناك مدارس ومذاهب فلسفية، وهي تذهب جميعًا إلى أن النبوة التي تنبأ بها سمعان ما تزال باقية إلى اليوم، إنهم ينهضون ويقومون ويسقطون على أساس قبولهم أو رفضهم لعمانوئيل، ولكن السؤال الذي يرفعه الكتاب أمامنا، ليس عن مدارس الفكر إو النظم اللاهوتية أو الفلسفية بل عن نفوسنا! هذا الذي ولد من مريم، وهو ابن الله، هل هو حجر صدمة!؟ أو هو حجر الأساس في صهيون بالنسبةلي!؟ أهو رافعي لخلاصي الأبدي، ولمجده الدائم، فوق جميع سقطاتي لأثبت في بره كمن يقف على صخرة!؟ قد يسقط سمعان وقد أسقط أنا، لكن السيد يرفعني بيده : «والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج، الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور، آمين (يهوذا 24 و25).
عندما أراد بطرس ماكينزي الواعظ الإنجليزي الميثودسني أن يعبر عن هذا كله بصدق وطرافه. وكان يعظ عن : «وهم يترنمون كترنيمة جديدة» (رؤ 14 : 3). قال حين أصل إلى السماء أريد أن أرى داود مع قيثارته مجتمعًا مع بولس وبطرس وسائر القديسين ليترنموا، ثم أطلب ترنيمة 749 من كتاب ترانيم الميثودست : «إلهي - أني حين أضل الطريق» ولكن شخصًا يأتي إليَّ ليقول : «هذا لا ينفع هنا في السماء.. أنت في السماء يا بطرس وهنا لا يوجد ضلال في الطريق» وأرد عليه قائلاً أنت على حق يا أخي دعنا نرنم ترنيمة 615 : «وإن هبت العواصف على رأسي.. وكل أصدقائي وأحبائي تركوني» وإذا بقديس آخر يصيح «لا توجد هنا عواصف» فأحاول أن أرنم ترنيمة أخرى رقم 536 : «إلى عالم الآثام أرسلت» فاسمع آخر ينادي بطرس بطرس! ستخرجك من السماء إن لم تترك هذه الترانيم.. فأسأل : وماذا أرنم!؟ فيقولون : «ترنيمة جديدة، ترنيمة موسى والحمل»
كان سمعان يؤمن بوجود مكان آخر ينطلق إليه، وهو المكان الذي لا يستطيع الوصف البشري أن يحيط به، المكان الذي عندما أراد أحدهم أن يصفه قال : «أي مكان يمكن أن تكون السماء! إن قصور التوبلري في فرنسا، ووندسور في إنجلترا، والهمبرا في أسبانيا، والشونبرن في النمسا، والبيت الأبيض في الولايات المتحدة، ليست إلا سجونًآ بالمقارنة به».. إن البيت الذي نحن فيه، وهو الجسد، يتصدع، والنوافذ تتزعزع، والسقف يتهاوى، إلى أن ننطلق، ونتحرر من كل صفات الجسد والروح، ونلبس شبابنا الخالد أمام الله!! كان سمعان، ونحن، أشبه بحبه الحنطة التي تتفتت بالشيخوخة والموت، إلى أن تبزغ في فجر الأبدية شجرة وارفة في بستان الله العظيم!! ومن ثم كان فرحه عظيمًا بالأمل المفرد الذي يراه في الصبي العظيم بين يديه، والانطلاق الموعودبه بعد هذه الرؤيا العليا المجيدة!!
فإذا رجعنا مرة أخرى إلى العذراء المتعجبة من كلام سمعان، فلعله من الواجب أن نعلم أنه وهو يقول لها : «وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف» كان يتحدث عن الألم الرهيب الذي كان لابد أن تجتازه نفسه، في علاقتها بابنها العظيم وقد أشرناإلى ذلك، ونحن نحلل شخصيتها المتميزة في نساء الكتاب المقدس، وقلنا هناك إن الأصل اليوناني لكلمة «سيف» لا تعني ذلك النوع الصغير القصير من السيوف، بل ذلك النوع الحاد الطويل المرهف، وقد جاز في قلبها من يوم تبشير الملاك لها، حتى وقفت تحت الصليب في يوم الصلب العظيم!! وقد رسم هولمان هانت بخياله البارغ هذه الحقيقة إذ صورها وهي تجمع الذهب الذي أعطاه إياه المجوس، وقد استغرقتها أفكارها وآمالها وأحلامها وأمانيها عن ولدها وعرشه ومجده وصولجانه، ولكن شيئًا ما جعلها تلتفت نحو الجدار القريب، وإذا بها تجد شعاعات الغروب تنعكس عليه صليبًا مخيفاً مفزعاً، وقد روعها أن تبصر إبنها معلقًا علىه، فارتاعت وفزعت، وحاولت أن تطرد الفكر من خيالها، ولكن كلمات الشيخ المدوية عادت مرة أخرى ترن في أذنيها : «وأنت يجوز في نفسك سيف» وفي الحقيقة إن طريق المسيح لا يمكن أن تعطي الإكليل لإنسان لم يخرج إليه خارج المحلة حاملاً عاره، إذ لا إكليل بدون ألم، ولا تاج بدون صليب!! على أي حال كان سمعان الشيخ على موعد مع النور الذي بهر عينيه، وأشاع ابتسامة الهدوء والرضا التي ملأت محياه، ولعله عاد من الهيكل، ونام ليالي -قلت أو كثرت - حتى جاءوه ذات صباح ليروا وجهًا هادئًا مبتسمًا بعد أن أجابه الله إلى طلبته العظيمة، وأمنيته الغالية : «الآن تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك» (لو 2 : 29)...!
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
سمعان الشيخ
سمعان الشيخ
سمعان الشيخ
سمعان الشيخ
سمعان الشيخ


الساعة الآن 12:06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024