رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وسر التجربة من الأقوال المأثورة للفيلسوف سينكا: إن الإنسان لا يموت ولكنه يقتل نفسه، وقال أحد الكيميائيين المعاصرين إن الإنسان ينتحر بالشوكة والسكين والمعلقة، يقصد بما يتناوله من طعام، فإذا كان سينكا يتحدث عن الموت من وجهته السياسية، أو الاجتماعية، أو الأدبية، فان الإنسان قد يموت موتًا أفظع وأرهب وهو ينصب الشراك لنفسه من الوجهة الروحية. ولعل تجربة هذه المرأة القديمة، قد اشترك فيها ثلاثة، يدرون أو لا يدرون وهم يوسف وفوطيفار والمرأة نفسها ولعل التجربة بدأت من اللحظة التي دخل فيها يوسف هذا البيت إذ كان كما نعلم، على أروع صورة من الحسن والبهاء والجمال، كفتى في أول خطى الشباب، في السابعة عشرة من عمره، على أنه كان أكثر من ذلك، حلو الحياة، خفيف الظل، سريع الحركة، جميل اللفظ، مدبراً، مفكرًا، عاقلاً، وديعًا، متواضعًا، وكان طوال عشر سنوات، قضاها في بيت فوطيفار أشبه بالقمر الجميل وهو يزداد تألقًا ونوراً وهو يتحول من الهلال إلى البدر، وغير خاف أن المرأة وهي ترقب هذا الجمال كانت تضعف يومًا وراء يوم عن مقاومة ما فيه من قوة رهيبة وسحر غلاب، ومصيدة الجمال ما تزال إلى اليوم في كل جيل وعصر من أخطر وأقسى المصايد التي يسعى إليها الناس بدون مقاومة كما تسعى الفراشة إلى حتفها في النور الذي يقتلها في التو واللحظة، على أن الثاني الذي شارك في التجربة كان فوطيفار نفسه، وأغلب الظن أنه وقد وثق في يوسف ووجد فيه الوكيل الأمين الصالح في الحقل أو البيت معًا، انصرف إلى عمله في بيت فرعون واستغرقه ذلك العمل حتى لم يجد متسعًا من الوقت في بيته إلا ليأكل أو يشرب أو ينام. وهكذا انصرف عن زوجته وهو لا يدرك كما ينصرف الكثيرون من الأزواج الذين ينسون أو يهملون حق البيت أو الزوجة أو الأولاد تحت ضغط ما يقال عنه الواجب أو زحمة الأعمال، مع أن واجبهم الأول المقدس - الذي لا يقل إن لم يتفوق علي كل واجب آخر - هو رعاية من لهم حتى لا يأتي ذلك اليوم الذين ينتبهون فيه، ولكن بعد ضياع الفرصة أو فوات الأوان إلى الخراب والضياع والكارثة التي ألمت بهم ببيوتهم وهم لا يدرون، على أنه إذا كان يوسف وفوطيفار مشتركين وهما لا يدريان في هذه التجربة فإن المرأة نفسها كانت أكثر الكل تقترب من التجربة أو تسعى إليها بنوع الحياة الذي كانت عليه أو عاشته في ذلك العصر، فبيتها كان ولاشك واحداً من البيوت الغنية الظاهرة المعروفة والذي اتسعت ثروته على يدي ذلك العبد الجديد الذي اشتراه فوطيفار. وأصيب البيت بما يمكن أن تصاب به بيوت الأغنياء من ترف وتنعم وما يمكن أن يلحقها من أدناس وخطايا وعيوب ومحن، ومما لا شبهة فيه أن ظاهرة الثراء تسبق على الدوام ما يمكن أن يصاب به المجتمع من تحلل وتعفن وضياع وتجارب!! وقديمًا وصف عاموس قومه من نساء ورجال بأقسى ما يمكن أن يوصف به الناس إذ وصف النساء ببقرات باشان اللواتي يعشن عيشة حيوانية. كما وصف الرجال بما هو أشبه اذ قال : «المضطجعون على أسرة من عاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافًا من الغنم وعجولاً من وسط الصيرة الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان». ومهما كان بين هذه العصور بعضها والبعض أو بينها وبيننا المئات أو الآلاف من السنين عبر الزمن أو الأجيال فان الظاهرة الملحوظة أن التاريخ يعيد نفسه، وكلما ازداد الناس من الثراء والترف والتمتع كلما اقتربوا أكثر من الخواء الروحي والضياع النفسي. ولعلنا ندرك بعد هذا كله لماذا سقطت زوجة فوطيفار في مثل هذه التجربة الشريرة التعسة المحزنة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
زوجة فوطيفار الزوجة والجزاء بعد التجربة |
زوجة فوطيفار الموقف الفاصل في التجربة |
زوجة فوطيفار وقسوة التجربة |
زوجة فوطيفار |
امرأة فوطيفار | زوجة فوطيفار |