رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عيدُ البِشارة هو عيدُ الدَهَش بقلم المعلم الانطاكي الشماس اسبيرو جبور عيدُ البِشارة هو عيدُ تبشير سيِّدَتنا والدة الإِله بالحَبَل بالربِّ يسوعَ المسيح. هذا الحَبَل هو الحَدَثُ الأَعظم منذُ إنِشاءِ العالم وحتى نهاية العالَم لأَنَّ ابْنَ الله يصير ابْنَ البتول. في هذا اليوم العظيم أَتى جبرائيل من السماء ليُبَشِّرَ العذراء مريم بالحَبَل بابْنِ الله الرب يسوعَ المسيح. حيَّاها فقالَ : السلامُ عليكِ أَيَّتُها المنعَمُ عليها من الله، الربُّ معَكِ. إِستغرَبت هذا السلام. بشَّرَها بالحَبَل فاستغرَبت كيف تحبَل وهي لم تتزوَّج ولن تتزوَّج وإن كانت مخطوبةٌ ليوسف فخُطبتُها صورِيَّة لا تُؤَدِّي الى زواجٍ فِعليٍّ بل الى زواجٍ إِسميّ. فهي قد نذَرَتْ البتوليَّة. أَعلَمَها الملاك أَنَّ الروحَ القُدُس سَيَحُلُّ عليها وأَنَّ قُوَّة العَليّ ستُظَلِّلُها وأَنَّ مولودَها هو ابْنُ الله وابْنُ العليِّ. هو قُدُّوسُ الله، هو الَّذي سيجلِسُ على كرسيِّ داوُد وسيَكونَ مَلِكاً، وسيملِكُ على بيتِ يعقوب الى الأَبد ولن يكونَ لِمُلكِهِ نهايةٌ لأَنَّه مَلِكٌ أَبَدِيٌّ لا بدايةَ ولا نهايةَ لِمُلكِه، إِنَّما مملكتُهُ كما قال الرب لبيلاطس ليسَت من هذا العالم. هي مملكةٌ روحيَّة لا أَرضيَّة ولا جسَديَّة. قبِلَت مريم هذا العَرض الإِلهي وقالت: فليَكن لي بحَسَب قولِكَ. عند هذا القول تمَّ التجسُّد الإِلهي. كيف؟ الرُّوحُ القُدُس الَّذي حلَّ عليها طَهَّرها وقَدَّسها كما يقول القِدِّيسان غريغوريوس الَّلاهوتي ويوحنا الدِمشقي. طَهَّرها فجَعَلها طاهِرةً، أَي ليسَ فيها ميلٌ بعدَ ذلِكَ الى الخطيئة لتُعطِيَ لربِّنا يسوعَ المسيح جسَداً لا يميلُ الى الخطيئة. وقدَّسَها فَجَعَلها قُدُّوسَةً مُكتمِلة الصِفات. صَنع الرُّوح القُدُس من أَحشائها جسَداً ضَمَّ إِليهِ روحاً بشريَّةًّ خَلَقَها هو. هذه الطبيعة البشريَّة من روحٍ وجسَد إِتَّحَدَ بها الأُقنوم الثاني من الثالوث القدُّوس (أي الرب يسوعَ المسيح) فضَمَّ هذه الطبيعة البشريَّة الى أُقنومِهِ الإِلهي وصارَت جِزءاً منهُ بدونِ أَن تصيرَ إِلهاً بالطبيعة وبِدون أَن يصيرَ يسوع الإِله إِنساناً بالطبيعة. أَي بَقِيَ الجوهرُ الإِلهي جوهَراً إِلهيّاً وبَقِيَت الطبيعة البشريَّة طبيعةً بشريَّة، إنما اتَّحدَتا في شخصِ يسوعَ المسيح (أَي أُقنومِه) إِتِّحاداً لا يفهمَهُ الملائكة ولا يَفهمَه البشر. لم يمتزِج الَّلاهوت بالناسوت، ولم يختلط الَّلاهوت بالناسوت، ولم يتبدَّل الَّلاهوت الى ناسوت ولا الناسوت الى لاهوت. إِنَّما تألَّهت الطبيعة البشريَّة بحلولِ الأَنوار الإِلهيَّة فيها أَي تأَلَّهت بالنعمةِ الإِلهيَّة. فلا يُمكن أَن يَتِمّ إِتِّحادٌ بينَ الطبيعتَين البشريَّة والإِلهيَّة دونَ أَن تستفيدَ الطبيعة البشريَّة شيئاً من هذا الإِتِّحاد، وإِلَّا كانَ الِإِّتحادُ ظاهريّاً خارجيّاً. بينما هو إِتِّحادٌ متينٌ جداً فيهِ شخص يسوع الواحد. في رسالة بولس الى أفسس الفصل 4 الآية 5 :” وهناكَ ربٌّ واحدٌ …” هوَ واحِدٌ وليس اثنَين إِنَّما هو شخصٌ واحدٌ في طبيعَتَين: الطبيعة الإِلهيَّة والطبيعة البشريَّة. نَقَلَ بالاماس عن يوحنا الدِمشقي الَّذي قال: تجسَّدَتِ الأُلوهةُ في شخصِ الربِّ يسوع. كيف جَمَعَ الطبيعَتَين بِدونِ أَن يتجسَّدَ الآب والرُّوح القُدُس؟ هذا هو السرُّ الإِلهيّ العظيم الَّذي لا أَفهَمُهُ لا أَنا ولا الملائكة. هذا الإِتِّحاد الإِلهي- البَشَري أَلصَقَ طبيعتَنا البشريَّة بالله. هو أَعظمُ حَدَث جرى في تاريخِ البشريَّة. الإِلهُ يصيرُ إِنساناً ويمشي بين الناس كإِنسانٍ. الطبيعتان إتَّحدَتا أُقنوميّاً كما نقول، أَي إتَّحدَتا في أُقنومِ الإِبنِ (أقنوم = شخص، المعنى نفسه) فصارَت الطبيعة البشريَّة موجودة في أُقنوِم الإِبن. كيف؟ اللهُ يعلَم. وهكذا سَمَتْ الطبيعة البشريَّة الى مستوى هو فوقَ مستوى الملائكة فارْتَقَينا نحنُ بهذا السبب الى مستوى فوق الملائكة. فالملائكةُ كما تقول الرسالة الى العبرانيِّين: أَرواحٌ مُرسَلَةٌ لِخِدمةِ الَّذينَ يرِثونَ الخلاص. الملائكةُ خدَمٌ لنا نحنُ الَّذينَ نسعى الى الخلاص بربِّنا يسوعَ المسيح. هاتان الطبيعتان تامَّتان. فيسوع هو إِلهٌ تامٌّ وإِنسانٌ تامٌّ. شخصٌ واحدٌ في طبيعَتينِ تامَّتَين. لكلِّ طبيعةٍ منهُما فِعلُها البشريّ أَو الإِلهي ومشيئتُها الإِلهيَّة أو البَشَريَّة. ليسوع أُقنومٌ واحدٌ وطبيعَتان، ومشيئتان، وفِعلان. بِتَجَسُّدِهِ، أَخذَ طبيعَتَنا الساقطة لا طبيعةَ آدم في الفردَوس كما يتوهَّمُ البعض. أَخَذَ طبيعَتَنا الساقطة ولَكِن بدونِ مَيلٍ الى الخطيئة. قال بولس فى العبرانيِّين الفصل 4 الآية 15 : ” ليسَ لنا رئيسُ كَهَنَةٍ غيرُ قادِرٍ أَن يرثي لأَوهانِنا، بل مُجَرَّب في كلِّ شيءٍ مِثلَنا ما خلا الخطيئة “. وقال في الفصل 2 الآية 17: ” فَمِن ثَمَّ كان ينبغي أَن يَكونَ شبيهاً بإِخوَتِهِ في كُلِّ شيء لِيَكونَ رئيسَ كَهَنَةٍ رحيماً مُؤتَمَناً عندَ الله فَيُكفِّرَ خطايا الشعب “. وفي فيليبي الفصل الثاني الآية 7- 8 : ” لكِنَّهُ أَخلى ذاتَهُ آخِذاً صورةَ عبدٍ صائراً في شِبهِ البَشَر، موجوداً كَبَشَرٍ في الهيئةِ فوَضَعَ نفسَهُ وصارَ يُطيعُ حتى الموتِ موتِ الصليب”. يسوع له المجد أَخَذَ طبيعتَنا بِتَمامِها ما عدا الخطيئة. ولذلك، فتطهيرِ العذراء وتقديسِ العذراء أَدَّى الى طبيعةٍ أَقرَبَت يسوع جسَداً خالياً من الميلِ الى الخطيئة. جسَدُ مريم هذا صارَ شبيهاً بجسَدِ يسوع ولذلك كان مصيرُ العذراء كمصيرِ يسوع. ماتَت وفي اليومِ الثالث ولكنَّها في اليوم الثالث أَقامَها الربُّ يسوع وأَصعَدَها الى السماء. أَخَذَ يسوع طبيعتَنا بِرُمَّتِها فهي طبيعةٌ قابلةٌ للموت. رَقدَ جسَدُهُ في القبر وذَهبَت روحُهُ الى الجحيم تُبشِّرُ الناس فيهِ. بشَّرَت إِبراهيم وإِسحق ويعقوب وداوُد ويوحنا المعمدان وغيرهم. مَن آمنَ منهُم بهِ، صَعِدَ معهُ في اليوم الثالث الى الفِردوس. صارت طبيعةُ مريم العذراء مثل طبيعتِهِ له المجد فإذن هي طبيعة قابِلة للموت. المزمور 16 يقول، “لا تَترُك نفسي في الجحيم”. قامَ يسوع في اليوم الثالث لأَنَّ لاهوتَهُ المتَّحِد بجسِدِهِ الموجود في القبر لا يسمح لهذا الجسَد أَن يبقى في القبر فأقامَهُ في اليومِ الثالث. الجسد قابلٌ للآلام وللجوع وللعطش. بَكى المسيح على العازر، إهتزَّ بالرُّوح أحياناً، لهُ مواقِف تَعِبَة. لما أَتى بئرَ السامرَة إِرتوى على البئر هكذا من التَعب. ذاقَ آلاماً مُرَّةً في الجثمانية حتى صارَ عَرقُهُ يتساقط كقَطراتِ دمٍ. ذاقَ على الصليب آلاماً مُبرِّحة، جُلِدَ، ثُقِبَت رِجلاه ويداه بالمسامير وطُعِن جنبَهُ بحَربَةٍ ووُضِعَ إكليلُ شوكٍ على رأسِه فجرى دمُهُ. تأَلَّمَ وتَعِبَ. فاذن، طبيعةُ يسوع البشريَّة هي مشابهة لنا في كلِّ شيءٍ ما عدا الخطيئة أَي طبيعتِنا الساقطة. قالَ غريغوريوس الَّلاهوتي العظيم وأَخذ عنه الكلام كيريلُّس الإسكندري: ما لم يأخُذْهُ يسوع لم يُشفى،لم يَخلُص”. أَي أَخَذَ طبيعتَنا بِرُمَّتِها لِيَشفيَها بِرُمَّتِها. أَخَذَ جسَدَنا الساقط لِيَشفيَ جسدَنا الساقط، أَخَذَ روحَنا الساقطة ليشفيَ روحَنا الساقطة، أَخذَ إرادتَنا الساقطة ليَشفيَ إِرادتَنا الساقطة. فالخطيئةُ ليست من فِعلِ الجسَد بل هي من فِعلِ الرُّوح. فمُ الذهب يقول: النفسُ هي التي تَخطأ . يوحنا الدِمشقي قال: الإرادة البشريَّة هي التي تَخطأ.كيريلُّس الأُورشليمي قال: الجسد بدونِ الرُّوح لا يخطأ. هل تخطأ الجثَّة؟ لا تخطأ. فإِذن، النفس هي التي تخطأ والجسَد هو الأَداة. أَخَذَ يسوع طبيعتَنا التامَّة بدونِ مَيلٍ الى الخطيئة. أَهواؤهُ طاهرة، إِرادَتهُ طاهرة، روحُهُ طاهرٌ، معدَنُهُ روحاً وجسَداً طاهرٌ إِنَّما قابِلٌ للآلامِ والموتِ والجوعِ، ولإنفصالِ روحِه من جسدِهِ. كان جسدَهُ في القبر وكانت روحُهُ تُبَشِّرُ في الجحيم. قامَ في اليوم الثالث فعادَت روحُهُ الى جسدِهِ وأَقامَ جسَدَهُ من بين الأَموات. هذا هو التجسُّد الإِلهي. كيفَ تمَّ؟ هل استغرَقَ زماناً؟ لا. في لحظةٍ، في رمشةِ عين تمَّ كلُّ ذلك. هل الله بِعاجز؟ هل الله بحاجة الى مراحلٍ زمَنيَّة؟ أَرادَ الله أن يتجسَّدَ يسوع فأَتَمَّ تجسُّدَهُ في أَقلِّ من رمشةِ عين. لم تكُن الطبيعةُ البشريَّة جاهزة أَوَّلاً بانفصالٍ عن الطبيعة الإلهيَّة، ثمَّ إلتَقتا. إِلتَقتا في لحظةٍ واحدة، في اللحظةِ الَّتي صُنِعَت فيها الطبيعة البشريَّة تمَّ اتِّحادُها بالطبيعة الإلهيَّة. ليسَ من لَحظَتَين. التجسُّد هو إِنِضمام الطبيعة البشريَّة الى شخص ربِّنا يسوعَ المسيح. لا يجوزُ أَن نقول إِنَّ الطبيعة الإلهيَّة والطبيعة البشريَّة وَجِدَتا في لحظةٍ، ثم إتَّحدَتا في لحظةٍ أُخرى. وجودُ الطبيعة البشريَّة واتِّحادَها بالطبيعة الإِلهيَّة تمَّا معاً. أي خَلْق الطبيعة البشريَّة في يسوع واتِّحادِها بالطبيعة الإلهيَّة. العملُ واحدٌ. ليسَ من خطوتَين، من ثانيَتَين، من عمَلَين أو من مرحلَتَين. المرحلةُ واحدةٌ. هذا العملُ سجَدَتْ له الملائكة كما يقولُ الكتاب المقدَّس” منذُ دخولِه العالم فلتَسجُدْ له ملائكَتُهُ “. هذا العمل هو أُعجوبةُ الأَعاجيب. كلُّ شيءٍ ممكنٍ لدى الله. ولَكِن لا الملائكة ولا البَشر كانوا بِقادِرين على تصوُّر التجسُّد الإِلهي، أَي أَن يتَّحدَ الإِله الغيرُ المنظور، الغيرُ المدرَك، الغيرُ المعلوم، الغيرُ المفهوم، الغيرُ الْمُدنى منهُ بطبيعةٍ بشريَّةٍ محدودة في الزمان والمكان. يسوع هو إِلهٌ مثل أَبيه وروحِهِ القدُّوس منذُ الأَزَل والى الأَبد. ولكنَّه في الزمن إتَّخذَ من مريم العذراء طبيعةً بشريَّةً ضَمَّها الى طبيعَتِهِ الإِلهيَّة. أَقولُ “ضَمَّ “، لأَنَّ فِعل ” إِتَّحَدَ ” بالعربيَّة لا نستطيع أَن نشتقّ منهُ فِعل ” أَتْحَدَ “. هذا العملُ الإِلهي العظيم هوَ فوق المعقول وهو المستحيل المطلَق. ولكن الله اقتحَمَ المستحيل ليصلَ الى الإِنسان لأَنَّهُ يُحب الإِنسان. فَكَم الإِنسانُ هوَ عزيزٌ على قلبِ الله ! في التجسُّد إِتَّحَدَ الإِلهُ بالإنسان، فيه جاءَ الإلهُ الى الإنسان مُتأَنِساً ليُصَيِّرَ الإنسان بنعمتِهِ إِلهاً بالنِّعمة. هذا لا يعني أَنَّ مريم العذراء قد وَلَدت الإبنَ لاهوتيّاً، الإِبنُ لاهوتِيّاً هو مولودٌ من جوهرِ الله. العذراء وَلَدَت الإِنسان يسوعَ المسيح منذُ أكثر من ألفَي سنة لا أَزَلِيّاً، بينما وِلادة الِإبن يسوع من الآب هي وِلادةٌ أَبديَّة وليسَت زمَنيَّة، لا بدايةَ لها ولا نهاية أَي سرمَديَّة. فالفرقُ كبيرٌ بين الوِلادة من الآب قبلَ الدُّهور، قبلَ الزمن منذُ الأزَل، والولادة من العذراء في الزَمن. ولكن بما أن شخص يسوع هو واحد وهو ربٌّ واحد كما تقول الرسالة الى أَفَسُس نقول إِنَّ مريم العذراء هي أُمُّ الإله. فأَقول روحي وجَسَدي وفِكري وعقلي وذِهني وعيني وقلبي ويدي… أَنسُبُ كلُّ شيءٍ الى شخصي فلا أَقول أَبُ جسدي وأُمُّ جسدي، فأقول أُّمِّي، أَبي نسبةً الى ِشخصي. وكذلكَ نقول مريم العذراء هيَ أُّمُّ الله بما أَنَّ شخص يسوعَ المسيح هو واحدٌ. وأَيُّ شيءٍ أَعظم، خَلْقُ آدم أَم التجسُّد؟ التجسُّد أَعظم من خَلْقِ آدم بما لا يُقاس. ووَضعُ الإنسان بعدَ التجسُّد هوَ أَفضلُ من وضعِ آدم. عاشَ الإنسانُ لِلَّه أَمَّا آدم فَعاشَ في فردوسٍ أَرضيٍّ فيهِ فاكِهة، أَمَّا فِردوسنا نحنُ فهو يسوع المسيح نفسُه. سنخلِدُ معَهُ في مجدٍ أَبديٍّ، سنتمتَّع بنورِهِ الإِلهي المشِّع. سيُشِرق نورُهُ في قلوبِنا فيَسكُن فينا وسنَسكُنُ فيه، سيكونُ فينا وسنكونُ فيه. بهِ نَحيا ونتحرَّك ونوجد كما قال بولس في خطابِه في أثينا. سيكونُ وجودُنا بعدَ الآن فيهِ. الإِلهُ أَتى الإنسان لا الإِنسان صعِدَ الى الله. الإِلهُ ظهَرَ على الأَرض وتردَّدَ بين الناس. أكلَ وشرِب معنا، نام معنا، قدَّسَ أَرضَنا في هذا المشرق في حلولِه فيها. عيدُ البِشارة هو عيدُ التجسُّد الإِلهي. عيدُ الفرَح المذهِل، عيدُ لِقاء السماء والأَرض في عُرسٍ أَبديٍّ لا نهايةَ لهُ. ستبقى الطبيعَتَان متَّحِدتَين الى الَأبد بِدونِ انفكاك وستبقى هذه الطبيعة البشريَّة المشِعَّة الآن في السماء مصدَر الِإشعاع في قلوبِنا. هذه الطبيعة المشعَّة في السماء ستكون سعادَتُنا في اليوم الأَخير. سنَعيشُ في أَنوارِها البهيَّة ونحصَل على سعادةٍ أَبديَّة لا نهايةَ لها، ونعيشُ مع الرب ونكونُ مع الرب كما قالَ بولس في رسالته الأُولى الى تسالونيكي الى الأبَد. ماذا أَقولُ في تجَسُّدِكَ يا يسوع؟ أَيَّةُ أَناشيد أُنشِدُ في تجسُّدِكَ يل يسوع؟ لساني عاجزٌ ولكن أَنتَ أَنطِقْني بما أَستطيع أَن أَنطقَ بهِ. لا أَستطيع أَن أَنطِقَ بكلِّ شيءٍ لأَنَّ لساني عاجزٌ ولكنَّك أَنتَ القادرُ على كلِّ شيء. تكلَّمَ الأُدَباءُ والشُعَراءُ كثيراً لإمتداحِ تجسُّدِكَ ولكنَّنا جميعًا مُقَصِّرون لأَنَّ تجسُّدَكَ أَدهَشَ الملائكة وسيُدهِشُ البَشر الى أَبد الآبدين. لأَنَّك يا يسوع بتجسُّدِك هذا، حنَيتَ السماوات ونَزَلتَ إِلينا وقُمتَ بعملٍ غريبٍ مدهشٍ خارج عن مفاهيمِ الملائكة والبشَر. فأيُّ حُبٍّ يا يسوع في صدرِكَ في عبيدِكَ البشَر الساقطين. ما كُنَّا نستحِقُّ هذه التضحيَة، ما كُنَّا نستحِقُّ هذا التنازل. لَسْنا بجديرينَ بشيءٍ ولكنًّكَ يا يسوع قد شِئتَ أَن تَضُمَّنا اليكَ بهذه الطريقة الإِلهيَّة العجيبة الغريبة. بقَدَر ما سقطَتنا كبيرة، بِقَدَر ما رحمَتُك أَعظم بكثير. لم تَكُن من وسيلة لا في السماء ولا على الأَرض لتَغطيةِ ضُعفِنا، ولإنتشالِنا من الجحيم سوى تَجسُّدِكَ هذا العظيم. فقد صنَعتَ العجيبةَ المدهشة التي تليقُ بعظَمَتِك. نحنُ غيرُ جديرين بها، نحنُ لا نستحقُّ هذا التنازل العظيم ولكنَّكَ أَنتَ شِئتَ ذلك. ربِّي يسوعَ المسيح يا ابنَ الله، ما هذا؟ حلَلْتَ في حَشا البتول الطاهرة النقيَّة . عَقدتَ عقدَ زواجٍ مع مريم العذراء يا إِلهي لتكونَ أُمّاً لابْنِكَ، عرَضتَ عليها أَن يتجسَّدَ ابْنُكَ منها، فَقَبِلَت هذا العرض. هذا التراضي بينَ إِرادَتكَ أَيُّها الآب السَماوي القدُّوس وبينَ إِرادةِ العذراء هو الخلاص لِجنسِ البَشَر. في الرسالة الى العبرانيِّين: نحنُ بهذه المشيئة مُقَدَّسون. أَتَيتَ يا يسوع لتَصنَع مشيئةِ الآب. بهذه المشيئة نحنُ مُقَدَّسون كذلك بالتقاء إِرادة الآب وإرادة أُمِّنا العذراء البتول. فيا أَيُّها الآب القدُّوس أَهِّلَّنا نحنُ البَشر أَجمعين بِأَن نَتَقدَّمَ اليكَ مُطيعين كطاعةِ مريم العذراء. أَيُّها الآبُ القدُّس إِبرِم عقداً بينَ إرادتِك وإرادة البشَر فيَعبِدوكَ جميعاً كما عبَدَتكَ مريم العذراء، ليطيعوكَ كما أَطاعتكَ مريم العذراء، ليَخضَعوا لكَ كما خضَعَت لكَ مريم العذراء. عيدُ البِشارة هو عيدُ الدَهَش، عيدُ الرَعدةِ والخوف، عيدُ الرُّعب الإِلهي. كيفَ تصيرُ فتاةً أُّماً لِلَّه. ما هذا السرُّ العظيم! إِنَّها مراحمُ الله الَّتي لا تُعَدُّ ولا تُحصى. فيا أَيُّها الآب القدّوس ويا أَيُّها الإِبنُ القُدُّوس، ويا أَيُّها الرُّوحُ القُدُس القُدُّوس، يا مَن ارتضيتَ بأن تكونَ مريم العذراء أُمّاً للإبنِ الوحيد الربِّ يسوع، أنتَ ارْتضيت أَن تكونَ البشريَّة جَمعاء مَقَرّاً لكَ، لِمَجدِكَ ولنورِكَ. ربَّنا إرحَمنا، ربَّنا أَعطِنا أَن نسجُدَ من كلِّ قلبِنا. يا للسرِّ العظيم الرائع! يا للسرِّ الرهيب! لكَ المجد والإِكرام والسجود الى أَبد الآبدين ودهرِ الداهرين آمين. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نصير بالحق في عيدٍ لا ينقطع |
عيدُ التَّجَلّي هوَ عِيدُ التَّغيير |
عيدُ جَميعِ القِدِّيسين |
عيدُ يَسوعَ الْملِك |
ليكن عيدُ جسد الربّ مصدرَ إلهامًا |